في الشهر الماضي، جلست إيما، دوقة روتلاند، في غرفة الرسم ووازنت بين إيجابيات وسلبيات المعيشة في تلك البقعة مترامية الأطراف. وتحديداً قلعة Belvoir، وتُنطق «بيفر»، وهي عبارة عن بقعة ضخمة وجميلة من الروعة تحتشد على قمة تل مشجرة في الريف الإنجليزي، وتضم أكثر من 356 غرفة وأبراجاً ضخمة على الطراز القوطي الجديد وبُريجات صغيرة. كانت القلعة محل إقامة العائلة منذ القرن السادس عشر.
تقول الدوقة إيما: «إنها رائعة بالطبع، ونحن محظوظون بشكل لا يصدَّق، ولكن لا يمكن أبداً أن تعرف تماماً من يعيش معك هنا». وأضافت: «لا توجد خصوصية بالطريقة التي قد يتوقعها معظم الناس من منازلهم. ولا تجعلوني أبدأ بذكر الأشباح».
كيف تمول قلعة تراثية؟
هناك سكرتير خاص كان يتجول حاملاً علماً عملاقاً يحتاج إلى إصلاح قبل أن يرفرف فوق سطح القلعة الذي تبلغ مساحته 2.5 فدان. وفي الطابق السفلي، كانت قاعة الشاي بالقلعة تعجّ بالسيّاح الذين يلتقطون عينات من كعكات المربى المصنوعة في ضيعة بيفر. وفي مكان قريب، عبرت مجموعة من الشاحنات الصغيرة ساحة مليئة بالعقبات من فعالية (Tough Mudder) لقوة التحمل التي نُظمت مؤخراً. بالنسبة إلى الدوقة، المولودة باسم إيما واتكينز، كان يوماً عادياً مثل أي يوم آخر.
انتقلت ابنة المزارع من حدود ويلز، للعيش في بيفر عام 2001، عندما صار زوجها دوق روتلاند الحادي عشر، وهو أحد أقدم الألقاب الوراثية في إنجلترا. وربما ورث قلعة من الحكايات الخرافية، ولكنهم تحملوا أيضاً 12 مليون جنيه إسترليني (ما يقرب من 15.5 مليون دولار أميركي) من الضرائب المفروضة على الإرث، وعلى حد تعبير الزوجة: «هناك كتائب من الجرذان والموظفين الذين فضّلوا بوضوح الشاغلين السابقين في القلعة قبلنا».
في السنوات التالية على ذلك، وبصفتها سيدة القلعة والمديرة التنفيذية عملت الدوقة على التوسط في صفقات التصوير والفعاليات، وتسهيل عمليات الضيعة، ومباشرة مهام الترميم المكلفة حماية قلعة بيفر للجيل القادم.
في الآونة الأخيرة، ورغم تدخلات الصحف الشعبية في شؤون الترتيبات المعيشية غير التقليدية في القلعة (انفصل الدوق والدوقة قانونياً وعاشا في أجنحة مختلفة منذ عام 2012)، وحقيقة أن المنازل التاريخية في بريطانيا تشكّل على نحو متزايد جزءاً من حرب ثقافية تختمر حول كيفية إدراك البلاد ماضيها الاستعماري، فقد أظهرت الدوقة مزاجاً متزايداً لأن تكون محط الأنظار، وإن كان ذلك حسب شروطها.
في عام 2020، بدأت بودكاست بعنوان «الدوقة»، حيث أجرت مقابلات مع دوقات أخريات. ويبيع متجر «معرض الدوقة» في الضيعة، الملابس ذات العلامات التجارية، والسلع المنزلية. وفي العام الماضي، نشرت الدوقة كتاب «دوقة بالصدفة»، وهو سيرة ذاتية تتضمن روايات صريحة عن شؤون زوجها التسلسلية، وسلسلة من حالات الإجهاض التي عانت منها في أثناء تربية خمسة أطفال.
إنها تبلغ الآن 59 عاماً من عمرها، وتظهر كواحدة من أكثر الوجوه العامة قبولاً للطبقة الأرستقراطية في بريطانيا، في وقت يفضل فيه الكثيرون البقاء بعيداً عن الأنظار. مما يعني أنها أكثر وثوقاً من غيرها بشأن نشر الأسرار على الملأ.
المنازل العريقة وتكلفة الاحتفاظ بها
إنها أُطرُوفَة غريبة -وحمائية للغاية- من المشهد الثقافي البريطاني حيث إن الكثير من منازلها الفخمة يمكن أن تستقبل زوّاراً حتى مع بقاء العائلات التي تمتلكها قيد الإقامة. نحو ثلث المنازل التاريخية تحت رعاية الجمعيات الخيرية للحفاظ والحماية مثل «الصندوق الوطني» أو «التراث الإنجليزي»، لكن قلعة بيفر في ليسترشاير، لا تزال ملكية خاصة.
قال بن كويل، المدير العام لمؤسسة «المنازل التاريخية»، وهي مؤسسة غير ربحية تساعد في المحافظة على نحو 1500 ملكية خاصة: «فتح الكثير من المنازل أبوابها للمرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استلزم الأمر العثور على مصادر دخل جديدة لتغطية فواتير الإصلاح، وعندما كانت المنازل تتعرض للهدم لأن أصحابها لم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بها».
ابتداءً من سبعينات القرن العشرين، كان تغيير القوانين بشأن الضرائب على الإرث سبباً في جعل فتح المنازل للجمهور عدداً معيناً من الأيام في كل عام أمراً مفيداً من الناحية المالية، وهو ما من شأنه أن يوفر الأموال اللازمة لتغطية تكاليف الحفاظ على التراث. (اليوم، تقدِّر مؤسسة «المنازل التاريخية» أن ممتلكاتها، مجتمعةً، تبلغ نحو 2 مليار جنيه إسترليني -نحو 2.5 مليار دولار- من متأخرات الإصلاح والصيانة).
يقول كويل: «نجد أن الزوار يحبون حقاً رؤية المنازل التاريخية التي لا يزال أصحابها يعيشون فيها، بدلاً من أن تكون قطعاً متحفية مُجردة حيث لا يعيش أحد الآن».
حتى إن البعض يقضون الليل في قلعة بيفر. غالباً ما تستضيف القلعة -التي كانت بديلاً لقلعة وندسور في مسلسل «التاج»، وظهرت في أفلام منها «شفرة دافنشي» و«فيكتوريا الشابة»- الضيوف في مناسبات نهاية الأسبوع والتقاط الصور. يمكن أن تبقى في غرف النوم الرئيسية الفاخرة، إذ جُدّد الكثير منها حديثاً، بما في ذلك غرفة مغطاة جدرانها بخلفيات مرسومة يدوياً، بالتعاون مع شركة «دي غورني».
في الواقع، غالباً ما يكون الحفاظ على ورق الجدران أولوية بالنسبة للدوقة، التي كانت في وقت من الأوقات تمتهن أعمال الديكورات الداخلية (ووكيلة عقارية ومغنية في الأوبرا). إنها حجر الزاوية في مبادرتها الخيرية الجديدة بعنوان «الأصدقاء الأميركيون لقلعة بيفر»، التي سوف تستضيف حفل جمع التبرعات الافتتاحي في فندق «بريكرز» الفاخر في بالم بيتش، فلوريدا، العام المقبل.
كان الإعجاب الأميركي بالمنازل البريطانية العتيقة، الذي حفزته شعبية أعمال مثل مسلسل «التاج» و«داونتون آبي»، مهماً لشؤون القلعة المالية. وعلى أي حال، فإن تكاليف قلعة بيفر تبلغ نحو مليون جنيه إسترليني في السنة لإدارة «وقف ثابت»، كما قالت الدوقة. إنها دائماً ما تبحث عن متبرعين.
وقالت: «الأميركيون يحبون اقتفاء جذورهم ومعاني التاريخ الذي نملكه هنا. لقد كان من الرائع بكل بساطة أن يكون لدينا هذا العدد الكبير من المستمعين من الولايات المتحدة لبودكاست (الدوقة)».
لكن لماذا توافق دوقة روتلاند -التي قالت إنها لم تكن تعرف معنى «بودكاست: النشرة الصوتية» حتى عُرضت عليها الفكرة- على إجراء مقابلات مع نساء أخريات يدرن منازل فخمة، بما في ذلك «ليدي هنريتا سبنسر تشرشل» من قصر «بلنهايم»، ودوقة «أرغيل» من قلعة «إنفيراري»، والكونتيسة «سبنسر» من ضيعة «آلثروب هاوس»؟ ألم تكن قلقة من أن مشروعاً بمثل هذا الرقيّ الصارخ والنخبوي للغاية قد يرجع بنتائج عكسية؟ بدت الدوقة منصدمة من الاقتراح.
وقالت: «ولا للحظة واحدة! يمكن للناس أن يحبوني أو يكرهوني، لكنني لم أكن يوماً شخصية معنية بالتمعن في سلبيات الآخرين. كان بودكاست (الدوقة) يدور حول منح الناس لمحة من وراء الكواليس حول ما يعنيه أن تدير امرأة بمفردها أحد هذه الممتلكات الهائلة. وحقيقة أنه يمكن أن يكون عملاً شاقاً للغاية وإنما بمزيد من البهجة والمرح. لا أعتقد أنني تناولت الإفطار في السرير مرة واحدة خلال العقدين اللذين عشتهما هنا».
كان البودكاست من بنات أفكار الابنة الكبرى للدوقة، «ليدي فيوليت مانرز»، التي توصلت للفكرة في أثناء دراستها بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. وقالت والدتها إن فيوليت شعرت بأن هناك جمهوراً تواقاً للاستماع لمثل هذه السلسلة الصوتية. فالدوقة، وهي محاورة بارعة للغاية، تضع نفسها في قالب «فتاة استعراض راقية»، حسب قولها، ومسرورة بالحضور دوماً وأداء دورها.
تقول الدوقة: «ترعرعت في مزرعة. لم أُولد باللقب الراقي أو أعرف شيئاً عن عالم التراث أو الطبقات الأرستقراطية، لكنني سوف أبذل كل ما في وسعي حتى تزدهر قلعة بيفر ما دمت أعيش هنا».
لا تزال الدوقة تؤمن بالتوريث بالأقدمية (نظام التوريث الكامل للابن الأكبر)، أو حق وراثة الابن البكر، ولا تعتقد أن أطفالها الأربعة الآخرين يريدون تحمل أعباء مثل هذا الميراث على أي حال. «ليدي فيوليت»، و«ليدي أليس»، و«ليدي إليزا»، اللواتي عُرفن في السابق باسم «الأخوات الشقيات الجميلات» بسبب حفلات لندن الصاخبة لدرجة أن جيرانهن اشتكوا إلى الصحف، يعملن الآن في مجال الاستشارات الإبداعية، والتصاميم الداخلية، بينما يعمل شقيقهن «تشارلز» في «سيتي أوف لندن»، ويدرس شقيقه «هوغو» في جامعة نيوكاسل.
* خدمة «نيويورك تايمز»