ناصيف زيتون في «الفوروم دو بيروت»: كلُّه للحظة

غنّى القديم والجديد فأصبح وجمهوره حالة واحدة

ناصيف زيتون بدا مرتاحاً أمام جمهور احتضنه بدفء (الجهة المنظّمة)
ناصيف زيتون بدا مرتاحاً أمام جمهور احتضنه بدفء (الجهة المنظّمة)
TT

ناصيف زيتون في «الفوروم دو بيروت»: كلُّه للحظة

ناصيف زيتون بدا مرتاحاً أمام جمهور احتضنه بدفء (الجهة المنظّمة)
ناصيف زيتون بدا مرتاحاً أمام جمهور احتضنه بدفء (الجهة المنظّمة)

ارتسم امتعاض على وجه شابة جهَّزت هاتفها لالتقاط لحظة اعتلاء ناصيف زيتون مسرح «الفوروم دو بيروت» على وَقْع الهيصة، حين قاطعها مارّون بوجه الكاميرا للوصول إلى مقاعدهم. خشيت أن يفوتها مروره فيتوارى خلف الأجساد العابرة لبلوغ صف الكراسي الطويل. حين أطلّ، ملأ ليل الجمعة بالبهجات. غنّى من جديده وما توقّفت الموسيقى عن عزفه ليردّده الحاضرون بأقصى فورة الحنجرة.

ناصيف زيتون بالأسود اللمّاع خلال حفله في بيروت (الجهة المنظّمة)

راق قميصه الأسود اللمّاع خيطَ الألوان المنساب من الضوء، فشعَّ أكثر وتلألأ. بأغنية «عطيتك قلبي»، افتتح حفلاً نجحت شركة «Double8production» في تنظيمه، بإصرار صاحبها ميشال الحايك على إنقاذ سمعة لبنان. أخبر ابن ريف دمشق الحاضرين أنّ المكان يعزّ عليه، فمن هنا انطلق ونجح. صفّقوا بحُب لفنان غنّى من القلب فمنح الغناء بُعداً إنسانياً بجعله يمسّ شيئاً في الأعماق. مرّتان، كرّر أغنية «حبيبي وبس». صدحت من داخله وأدّاها بخفقان. «أنا لما قررت حبك/ يعني كلك/ صرت ملكي حبيبي وبس/ أنا حبي مش متل غيري/ أنا الغيرة بتقتلني/ لو بيمسّك شخص». لوّحت شابة بيديها كأنها تحلّق. أنهى رائعته فهتفت: «واو»!

ما إن تلفّظ بـ«شيلي هالدمعة»، حتى حرَّر الحاضرون حناجرهم. جميلة الأصوات حين ترتفع من دون اكتراث بشيء، فيختلط الطروب منها بمُختَرِق سكينة الأذنين. في الحفلات، لا يعد يهمّ سوى الفرح. الغناء جماعي، لمَن يفقه في النوتة ومَن يُنغِّم على ليلاه. شهدت قاعة «الفوروم» العريضة المحاذية للمرفأ القتيل، على جمهور يشاء قضاء وقت رائع. الناس في الأوطان المأزومة ميالون أكثر إلى اقتناص اللحظات، وناصيف زيتون لا يبخل.

ناصيف زيتون أشعل المسرح بأغنياته القديمة والجديدة (الجهة المنظّمة)

بدت الـ«إيه بحبك إيه» كأنها ترقص مع الأضواء وتحاكي تموّجها. «قدّا وقدود»، رفيقةُ محبّي الفنان الوفي للأغنية اللبنانية. مثلها «نامي عَ صدري» و«مش عم تزبط معي». رصدتُ مراهقات صوّرن أنفسهنّ وهنّ يؤدّين الأغنيات، القديمة والجديدة، بحماسة مذهلة، وقد شغّلن «فلاتر» الـ«إنستغرام» لتأطير اللحظة بكادر آخر. هتفن لناصيف وفنّه حتى كادت الحناجر تُبحّ. انتظرن تمايله لتعلو الصيحة. وهو لا يغنّي فحسب، بل يتفاعل. يمنح كلُّه للحظة.

رُفعت شاشات عملاقة تواطأت مع الإضاءة والموسيقى على الجمال. وهو بلغ ذروات عدّة، وشهد على تعالي الصرخات حين غنّى «مجبور». جزء من التعلّق الوجداني بمسلسل «الهيبة» يعود فضله إلى صوت مغنّي الشارة الاستثنائية. أسعدته أصوات تندفع من تلقائها لتُحيله على الاكتفاء بالاستماع. تتبدّل الأدوار: الفنان يصغي والجمهور كورال! «بعرف عندي ماضي ونقط سوداء ما بتنعدّ»، غنّاها مع موسيقى ومن دونها. «مجبور إقسى/ سامحيني عالقسوة سلف»، يغنّيها بمرتبة انبلاج فجر بعد طول عتم.

بأثر مُشابه، يغنّي «أوقات»، شارة مسلسل «للموت». يحلّ انسجام يتيح للصوت الانفلاش على أكبر مساحة، محتلاً فضاء القاعة وحيّزاً من القلب والذوق. ثمة أغنيات تُقلّب مواجع، منها «أوقات». قد تنطبق كلماتها على المرء وتشكل حالة التصاق بخفاياه. «أنا لو ما قلبي قوّيتو ما كنت بهالدنيي بقيت»، غناء بمثابة عزاء لمَن قوبلوا بنقص الحب.

ناصيف زيتون مع متعهّد الحفلات اللبناني ميشال فاضل (الجهة المنظّمة)

استأذن لدقائق، بدَّل بقمصه اللمّاع أسود آخر لا يلمع. كما ينتظر كثيرون القديم، يتشوّقون للجديد. يثبت ناصيف زيتون ذكاء الخيارات، ومن خلال ألبومه «بالأحلام»، يؤكد أنّ النجاح هو أولاً اجتهاد. لم تكن المراهقات وحيدات في حالة دندنة متواصلة. رجال ونساء من أجيال مختلفة ردّدوا الأغنيات، التقطوا الصور والفيديوهات، وغنّوا من بداية الحفل إلى نهايته قبيل منتصف الليل.

غنّى «مقهور منك هالقلب مقهور»، بعد سؤال الحاضرين إن ذاقوا طعم القهر. إحداهنّ ردّت: «جميعنا مقهورون»، ويا للمفارقة أنها قالتها بضحكة! غنّى أيضاً «كل يوم بحبك»، وجزّأ المفردة إلى معانيها البديعة: «الباء بعشق عينيكِ/ الحاء حياتي ليكِ/ والباء بغار عليكِ/ والكاف كل يوم بحبك». فكّك «بحبك» لتكتمل تجلّياتها.

«بالأحلام»، كانت محطة في حفل مكتمل العدد، دام نحو الساعتين. رقّتها ترسلها إلى الروح. ليس مبالغة القول إنّ ناصيف زيتون تسلّق غيمات. سلّم نفسه لمنتهى الرومانسية وأشعل أمنيات بعضها أوشك على الانطفاء. وهو حين دندن «قمارة يا قمارة» لثوانٍ، انتقالاً من أغنية إلى أخرى، أشعل رغبة لا يوقظها كثيرون وهي غناء الفنان لسواه. فعلها «أبو إلياس»، وأهدى روح الراحل إيلي الشويري أغنية «بكتب اسمك يا بلادي». هذه البلاد المتخبّطة، المصابة بالتشلُّع، لكنها المتعالية على الارتماء بعناد إنسانها.

لم يتمالك نفسه، فاستعار من ابن أرضه جورج وسوف، الوفي الآخر للبنان، أغنية «خسرت كل الناس». الخلاصة، قدّم خليطاً من كل شيء، بطعم «الكاراميلا» و«النوتيلا» كما تقول أغنيته الضاربة. و«ما شاء الله»، غنّاها مع الجمهور المتفاعل بحُب.

يتلاشى ارتجاف لا مفرّ منه، شيئاً فشيئاً، أمام إحساس الفنان بالاحتضان والدفء. ناصيف زيتون يلقى احتواءً خاصاً في لبنان. غنّى، كأنه يردّ الجميل لشعب يعدّه منه. ختم بـ«تكّة رح يوقف قلبي»، وإذا بالحاضرين يقفون جميعاً؛ إن هزّ كتفيه ورقص، هزّوا أكتافهم ورقصوا. إن قفز قفزوا، ليصبح الفنان وجمهوره حالة تعبيرية واحدة.


مقالات ذات صلة

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

يوميات الشرق الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً، الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة.

داليا ماهر (القاهرة )
ثقافة وفنون الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
TT

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)

جدد حبس المطرب المصري سعد الصغير الحديث عن وقائع مشابهة لسقوط فنانين في «فخ المخدرات»، وكانت محكمة جنايات القاهرة قضت، الاثنين، بالحكم على الصغير بالسجن المشدد 3 سنوات، وتغريمه 30 ألف جنيه (الدولار يساوي 49.65 جنيه مصري).

الحكم بسجن سعد الصغير وتغريمه جاء على خلفية اتهامه بحيازة «سجائر إلكترونية» تحتوي على مخدر «الماريوانا»، بعد تفتيش حقائبه أثناء عودته من أميركا «ترانزيت» عبر أحد المطارات العربية، عقب إحياء حفلات غنائية عدة هناك.

وكشف الصغير خلال التحقيقات التي جرت أمام الجهات المختصة بمصر، أنه لم يكن على دراية بأن المادة الموجودة في «السجائر الإلكترونية» ضمن المواد المحظور تداولها، مؤكداً أنها للاستخدام الشخصي وليس بهدف الاتجار، وأرجع الأمر لعدم إجادته اللغة الإنجليزية.

الفنانة المصرية برلنتي فؤاد التي حضرت جلسة الحكم، على الصغير، أكدت أن الحكم ليس نهائياً وسيقوم محامي الأسرة بإجراءات الاستئناف، كما أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة سعد النفسية ليست على ما يرام»، لافتة إلى أنه «بكى بشدة خلف القضبان بعد النطق بالحكم، كما أنه يعيش في توتر شديد نتيجة القضية».

وقبل سعد الصغير وقع عدد من الفنانين في «فخ المخدرات»، من بينهم الفنانة دينا الشربيني، التي تعرضت للسجن سنة مع الشغل وغرامة 10 آلاف جنيه لإدانتها بتعاطي «مواد مخدرة».

الفنان أحمد عزمي (حسابه على «فيسبوك»)

وكذلك الفنان المصري أحمد عزمي الذي تم القبض عليه مرتين ومعاقبته بالحبس في المرة الثانية بالسجن 6 أشهر، بينما أعلن مقربون من الفنانة شيرين عبد الوهاب وقوعها في الفخ نفسه، مما جعلها تختفي عن الأنظار حتى تتعافى، كما أن طبيبها المعالج طالب جمهورها بدعمها. وحُكم على الفنانة منة شلبي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريمها 10 آلاف جنيه، في مايو (أيار) الماضي، في قضية اتهامها بـ«إحراز جوهر الحشيش بقصد التعاطي في أماكن غير مصرح لها باستخدامها».

وقبل أشهر قضت محكمة الاستئناف بمصر بقبول معارضة الفنان المصري أحمد جلال عبد القوي وتخفيف عقوبة حبسه إلى 6 أشهر بدلاً من سنة مع الشغل وتغريمه 10 آلاف جنيه، بتهمة حيازة مواد مخدرة بغرض التعاطي.

«ليس كل مشهور مدمناً»

من جانبها، أوضحت الاستشارية النفسية السورية لمى الصفدي أسباب وقوع بعض المشاهير في «فخ المخدرات» من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأثره على المستوى المهني.

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «التعميم على جميع المشاهير أمر خاطئ، فليس كل مشهور مدمناً أو خاض تجربة الإدمان»، موضحة أن «ذلك ينطبق أحياناً على بعض الفئات التي حصلت على الشهرة والمال والمعجبين لكنهم في الوقت نفسه يطالبون بامتيازات أكثر».

وأشارت إلى أن «الفكرة تكمن في أن المخدرات ربما تساهم بطريقة أو بأخرى في زيادة مستويات هرمون (الدوبامين) الخاص بالسعادة، وهذا جزء نفسي يدفع البعض للسقوط في فخ المخدرات».

الفنانة منة شلبي (حسابها على «فيسبوك»)

وتستكمل الصفدي: «ربما الوقوع في هذا الفخ نتيجة رفاهية أكثر أو البحث عن المزيد والسعي للمجهول أو الأشياء المتوفرة عن طريق السفر أو الوضع المادي».

واختتمت الصفدي كلامها قائلة إن «هذا الأمر لا يخص الفنانين وحدهم، لكنه يتعلق أيضاً بالكثير من المهن والتخصصات، لكن المشاهير يتم تسليط الضوء عليهم أكثر من غيرهم».