«ستوكمان»... صراع درامي بين المبدأ والمصلحة الشخصية

المسرحية المصرية تتماس مع رواية «دكتور جيكل ومستر هايد»

صراع هادئ بين الخير والشر (مسرح الغد)
صراع هادئ بين الخير والشر (مسرح الغد)
TT

«ستوكمان»... صراع درامي بين المبدأ والمصلحة الشخصية

صراع هادئ بين الخير والشر (مسرح الغد)
صراع هادئ بين الخير والشر (مسرح الغد)

هل نتمسك بمبادئنا لمجرد أننا لم نقع في اختبار قاسٍ يضع تلك المبادئ على المحك؟ وكيف ستكون النتيجة إذا دخلت المصلحة صراعاً مباشراً مع المبدأ؟ ولماذا نرى كثيرين مصابين بحالة من الفصام أو «الشيزوفرونيا» على مستوى السلوك الشخصي؟ وهل البعض شريف لمجرد أنه لم تواته الفرصة لكي يفسد كما نسمع البعض يردد من حولنا أحياناً؟

تشكل مثل هذه النوعية من التساؤلات جوهر الرؤية الفكرية والفلسفية في مسرحية «ستوكمان» التي تُعرض حالياً على مسرح الغد بالقاهرة.

ريم أحمد تلعب البطولة النسائية (مسرح الغد)

وتقوم الحبكة هنا على فكرة الصراع النفسي الذي ينشأ داخل ممثل مشهور ظل ينادي طوال حياته بالتمسك بالقيم والأخلاقيات الكبرى إلى أن يجسد ذات يوم شخصية مختلفة تتطلب منه الوفاء بالقيم والشعارات التي ظل يرفعها طويلاً، وهنا يجد الفنان نفسه في مأزق حقيقي، إذ إن الامتثال لتلك الأخلاقيات سيضر به على صعيد المصالح الشخصية.

تبدو المسرحية في جوهرها على تماس مع الرواية الشهيرة «الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد»، التي تُعرف اختصاراً بـ«دكتور جيكل ومستر هايد»، للروائي روبرت لويس ستيفنسون (1850 - 1894) الذي اشتهر بأعماله في أدب الرحلات والتشويق والرعب رغم حياته القصيرة التي لم تتجاوز 44 عاماً بسبب مرضه المزمن بداء السل.

وما يعزز فكرة التشابه بين المسرحية والرواية هو أن كلاً منهما يقوم على الانفصام بين الظاهر والباطن داخل الشخصية الواحدة، كما أن الاسم الأصلي للمسرحية كان «دكتور ستوكمان ومستر قاسم»، وهو الاسم الذي نال به العمل جائزة «ساويرس» في المسرح عام 2019، فهل كانت الرواية الشهيرة في ذهن المؤلف، وهو يكتب المسرحية؟

طرحنا هذا التساؤل على مؤلف العمل ميخائيل وجيه، فقال: «هناك تماس بالفعل مع الرواية العالمية الشهيرة من خلال الاسم، وكذلك من خلال بعض النقاط التي تتردد كأصداء بعيدة في القصة لدينا، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أن المسرحية مقتبسة أو مستوحاة من الرواية، بالعكس الحبكة في المسرحية مختلفة تماماً لكن استحضار الرواية موجود كعنوان وكـ(ثيمة) أو موضوع مشترك يحمل بعض التشابه أو التأثر، ولكن بدرجة بسيطة ومخففة للغاية».

وتحكي الرواية قصة غريبة بطلها «دكتور هنري جيكل» الكهل الخمسيني ضخم البنيان، الذي يعيش حياة مرفهة ثرية محكومة بالانضباط والمبادئ، والأخلاقيات، لكنه في أعماقه يشعر برغبة شديدة في ممارسة الطيش والنزق من دون أن يستطيع تحقيق ذلك بسبب مكانته الاجتماعية ومصالحه الشخصية.

من هنا تراوده فكرة إجراء تجارب معملية وصنع سائل سحري يتناوله فيتحول إلى شخص آخر أصغر حجماً أخبث روحاً ويستمتع بممارسة الشر ويسخر من كل المبادئ التي يرفعها «د. جيكل»، هذا الشخص هو «مستر هايد».

وقد ظلت تلك القصة مصدر إلهام دائم وعولجت في أشكال مختلفة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى إن بعض الباحثين يؤكد أن عدد الأفلام المأخوذة عن تلك الرواية التي نُشرت للمرة الأولى عام 1886 بلغ 240 فيلماً في السينما الأميركية وحدها وذلك حتى عام 2012، وليس شرطاً أن تُنقل الحبكة بحذافيرها، فقد يكون الشخص الخفي داخل الإنسان مصاص دماء كما في رواية «دراكولا» التي نشرت للمرة الأولى عام 1897 لبرام ستوكر، أو قد يكون ذئباً يعلن عن نفسه عند اكتمال القمر كما في رواية «الرجل الذئب»، وكلتا الروايتين أصبحتا بدورهما مصدراً لأعمال سينمائية.

وعن سبب تغيير اسم المسرحية من «د. ستوكمان ومستر قاسم»، إلى «ستوكمان»، قال مؤلف العمل إن «السبب يعود إلى رؤية المخرج الذي أراد اسماً بسيطاً رشيقاً يسهل تسويقه وتداوله، وهو ما لم يتوفر في الاسم الأصلي الذي اتسم بالطول».

صراع المبادئ والمصالح (مسرح الغد)

وأضاف ميخائيل وجيه قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج له رؤيته الخاصة في تناول العمل، ولم يلتزم حرفياً بالنص الذي كتبته، وهناك بعض الاختلافات لكنها اختلافات طفيفة، لا تؤثر على جوهر الفكرة التي يحملها العمل والتي تتمثل في الانفصام ما بين المبادئ والواقع وتأثير ذلك على حياتنا نحن البشر».

واستطاع مخرج المسرحية «أسامة رؤوف» الحفاظ على إيقاع سريع للعمل من دون ملل أو ترهل مع الإبقاء على حالة التشويق التي تنطوي عليها الحبكة حين يجد البطل نفسه أمام خيارين أحلاهما مر.

واتسم أداء الفريق التمثيلي لا سيما ريم أحمد وياسر عزت، ومحمد دياب بالبساطة والتلقائية فيما جاءت إضاءة حمدي عطية، وديكور أبو بكر الشريف، وموسيقى رفيق جمال، موفقة في تجسيد حالة التناقض بين الظاهر والباطن، فضلاً عن الصراع النفسي الداخلي وتوتراته المتصاعدة.


مقالات ذات صلة

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوائز بقيمة 3 ملايين ريال سعودي تنتظر الفائزين في مسابقة «المسرح المدرسي» (موقع هيئة المسرح والفنون الأدائية)

انطلاق مسابقة «المسرح المدرسي» بالسعودية... وترقب النتائج في نوفمبر

انطلقت مسابقة «مبادرة المسرح المدرسي» التي تشارك فيها ألف مسرحية قصيرة من إعداد الطلاب والطالبات من جميع المدارس التابعة لإدارات التعليم على مستوى السعودية بعد…

أسماء الغابري (جدة)

توقيف طبيبة لـ«إفشاء أسرار المرضى» يثير انقساماً «سوشيالياً» بمصر

الطبيبة المصرية التي نشرت مقطع فيديو أثار جدلاً (جزء من المقطع على يوتيوب)
الطبيبة المصرية التي نشرت مقطع فيديو أثار جدلاً (جزء من المقطع على يوتيوب)
TT

توقيف طبيبة لـ«إفشاء أسرار المرضى» يثير انقساماً «سوشيالياً» بمصر

الطبيبة المصرية التي نشرت مقطع فيديو أثار جدلاً (جزء من المقطع على يوتيوب)
الطبيبة المصرية التي نشرت مقطع فيديو أثار جدلاً (جزء من المقطع على يوتيوب)

أثار توقيف طبيبة مصرية بتهمة «إفشاء أسرار المرضى»، تبايناً وانقساماً «سوشيالياً» في مصر، بعد أن تصدرت «التريند» على «غوغل» و«إكس»، الثلاثاء، عقب انتشار فيديو تحدثت فيه عن واقعة «حمل طفلة»، ووقائع أخرى لولادة أطفال مجهولي النسب.

فبينما رأى البعض أن الطبيبة «تدق ناقوس الخطر» للتنبيه على ظواهر اجتماعية سيئة يجب التصدي لها، عدّها آخرون «اعتداءً على القيم والمبادئ الأسرية في المجتمع المصري»، وهو الرأي الذي أيَّدته نقابة الأطباء المصرية في بيان لها تعليقاً على الواقعة.

وأوقفت السلطات المصرية الطبيبة وسام شعيب، بعد نشرها فيديو على موقع «فيسبوك» كشفت فيه عن تفاصيل وأسرار بعض المرضى، بحسب ما أفاد مصدر أمني لوكالة الأنباء الرسمية في مصر (أ.ش.أ)، مؤكداً أنه جار اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.

وأصدرت هيئة النيابة الإدارية بياناً ذكرت فيه أن «وحدة شؤون المرأة وحقوق الإنسان وذوي الإعاقة برئاسة المستشارة بريهان محسن، تفحص ما تم رصده بمعرفة مركز الإعلام والرصد، من انتشار تداول مقطع فيديو منسوب صدوره لإحدى الطبيبات يتضمن ما قد يشكّل انتهاكاً لحقوق المريضات ومخالفة لأخلاقيات مهنة الطب ولائحة آداب ممارسة المهنة».

وأعلنت النقابة العامة للأطباء، تلقيها شكاوى ضد طبيبة أمراض نساء وتوليد، تتهمها بنشر فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قامت خلاله بـ«التشهير بالمرضى، والحديث بألفاظ لا تليق، تمثل اعتداءً على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري».

وأكدت النقابة أنها «أحالت الشكاوى المقدمة ضد الطبيبة، إلى لجنة آداب المهنة للتحقيق فيها، مشددة على استنكارها أي أفعال فردية، من شأنها الإساءة للمريض والمهنة معاً»، وفق بيان أصدرته، الاثنين.

بيان نقابة الأطباء المصرية (صفحة النقابة على فيسبوك)

وشددت النقابة على ضرورة «التزام الطبيب بالسلوك القويم، وأن يحافظ على كرامته وكرامة المهنة مما يشينها وفقاً لما ورد في قسم الأطباء وفى لائحة آداب المهنة»، ونوهت إلى أن «العقوبة قد تصل في بعض المخالفات إلى الشطب من جدول النقابة والمنع من ممارسة المهنة».

وعدّت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، هبة عادل، أن «ما ذكرته الطبيبة مخالف للقانون والقواعد المهنية التي أقسمت عليها الطبيبة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الفيديو عرّض مريضة للخطر ولجريمة الازدراء المجتمعي، حتى لو لم تذكر أسماء فيمكن أن تكون أعطت إشارات للاستدلال على الضحية».

وذكرت الخبيرة القانونية أن «حديث الطبيبة يتضمن جرائم تؤدي إلى ازدراء النساء والفتيات بشكل عام، والتي من شأنها أن تنقلهم من مرحلة كونهم ضحايا الاعتداء أو السِفاح، لتجعلهم شركاء في هذه الجريمة وتحرّض لحدوث أفعال كارهة تؤذيهم اجتماعياً».

في حين نشرت الدكتورة المصرية مقطع فيديو آخر توضح فيه أنها لم تفشِ أسرار المرضى ولم تذكر حالات بالاسم ولا عناوين ولا صفات مميزة، وإنما كانت تشير إلى حالات تشكل «مثالاً سيئاً» في المجتمع يجب التصدي له، و«التأكيد على التربية السليمة».

ورأت الحقوقية هبة عادل أن «هذا ليس دور الطبيبة، من يقُم بالتوعية الاجتماعية يجب أن يكون لديه وعي بالوسائل الاجتماعية السليمة التي من شأنها أن تؤدي إلى علاج المرض وليس لزيادة العرَض؛ فالطبيبة لكونها غير متخصصة في التوعية الاجتماعية لم يأت حديثها بنتيجة إيجابية، بل جاء بنتيجة سلبية».

في المقابل، عدَّت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر صالح، أن «ما ذكرته الطبيبة ليس فيه عيب»، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أن «الطبيب عموماً يكون لديه قسَم بألا يفشي أسرار المرضى، لكن ما ذكرته الطبيبة لم يتضمن أسماء أو علامات مميزة، لكنها تقول انتبهوا أيها السادة هناك حالات بهذا الشكل، على خلاف القيم والعادات المصرية».

وتضيف سامية: «لا أرى أن الدكتورة أخطأت ما دامت لم تذكر أسماء، بل هي تدق جرس إنذار يجب أن تنتبه له المؤسسات التربوية والتوعوية، بداية من الأسرة مروراً بالمدرسة وحتى وسائل الإعلام؛ للتحذير من هذه الحالات».

كما أعلن زوج الطبيبة عن دعمها عبر «فيسبوك» قائلاً إن «زوجته على صواب، وإنه مقتنع بكلامها، وإنه وراءها للنهاية، وإنها لم تفشِ أسرار مرضاها سواء بذكر أسماء أو صفات يمكن أن يستدل عليهن بها»، وفق وسائل إعلام محلية.

وتوالت التعليقات على السوشيال ميديا متضمنة تبايناً بين من يدعمون الطبيبة ويرون أنها أشارت إلى مشكلة اجتماعية للتحذير منها، مثلما كتب صاحب حساب باسم «أحمد قاسم» على «إكس»: «أقف بكل ما أوتيت من قوة مع الدكتورة المحترمة وأتضامن معها، فهي لم ترتكب جريمة وإنما تحذّر الناس وتقوم بتوعيتهم».

وكتب حساب آخر باسم «كريم ياسين» على «إكس» تحت وسم «الدكتورة المحترمة» إن «الدكتورة محترمة وبنت ناس ولم تخطئ في أحد».

بينما طالب آخرون بملاحقة الطبيبة ومحاكمتها، من بينهم الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه «الحكاية»، قائلاً إن «الطبيبة أرادت الشهرة من خلال هذا الفيديو، وأنها قامت بالتشهير بمرضاها وأساءت للأسر المصرية»، وطالب الجهات المختصة «بمحاكمتها».

وكتب حساب باسم «بنت شعراوي» على «إكس»: «ليس من حق الطبيب محاكمة مرضاه ولا حكاية القصص المسيئة عنهم خصوصاً طبيبة النساء».

واتهمها حساب آخر باسم «نادية الإمام» على «إكس» بالبحث عن الشهرة والخوض في الأعراض من أجل «التريند».

ويرى الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، أن «الخطأ الكبير الذي وقعت فيه هذه الطبيبة هو أنها نشرت شيئاً ليس من المفترض أن تنشره؛ لأن ذلك مرتبط بالقسم الذي أقسمت عليه بعدم إفشاء أسرار المرضى، فقد تحدثت عن أشخاص عاينتهم في المستشفى الذي تعمل به»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «من يرِد أن يعطي تنبيهاً فلا يذكر حالات»، ويتابع: «من الواضح أن هذه الطبيبة ليست لديها خلفية في كيفية التوعية».

ولفت إلى أن «سوء استخدام (السوشيال ميديا) هو الذي أدى إلى ذلك، فكل شخص يريد الظهور على حساب الآخر، ومن ثم يجب أن تكون هناك ضوابط لمسألة النشر على (السوشيال ميديا)، فكل من يرى مشكلة في المجتمع هناك قنوات رسمية وقانونية يمكنه اللجوء إليها».