تجمع دولي في الرياض لحماية «الحرف اليدوية» من الاندثار

300 حرفي وحرفية من 11 دولة حول العالم في «الأسبوع السعودي للحرف اليدوية»

في قاعة كبيرة شمال مدينة الرياض يلتئم جمع من الحرفيين والحرفيات من دول العالم المختلفة (هيئة التراث)
في قاعة كبيرة شمال مدينة الرياض يلتئم جمع من الحرفيين والحرفيات من دول العالم المختلفة (هيئة التراث)
TT

تجمع دولي في الرياض لحماية «الحرف اليدوية» من الاندثار

في قاعة كبيرة شمال مدينة الرياض يلتئم جمع من الحرفيين والحرفيات من دول العالم المختلفة (هيئة التراث)
في قاعة كبيرة شمال مدينة الرياض يلتئم جمع من الحرفيين والحرفيات من دول العالم المختلفة (هيئة التراث)

في قاعة كبيرة شمال مدينة الرياض، يلتئم جمع من الحرفيين والحرفيات من دول العالم المختلفة، لعرض منتجاتهم التي صاغوها بأناملهم البارعة وخبرتهم العريضة، يعكفون على صوغ المشغولات ونحت القطع وتطريز المنسوجات، التي تحمل عبق الماضي وتاريخ مجتمعات إنسانية برعت وأبدعت في توظيف ما تيسر لها في بيئتها البسيطة، وحوّلتها أدوات قابلة للحياة وعصيّة على الاندثار.

وفي حدث يعكس اهتماماً بالتراث ومكوناته، انطلق الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان) بمشاركة أكثر من 300 حرفي من 11 دولة حول العالم، اجتمعوا تحت سقف واحد لتسليط الضوء على الحرف اليدوية ودعم وتمكين الحرفيين، وإبراز أهم المهارات التي يتقنها بنان كل حرفي وحرفيّة.

ويسلط الحدث التراثي الضوء على أنواع من الحرف اليدوية والماهرين في الصناعات المحلية التي تجسد تنوع الثقافات، وتقديم العادات والتقاليد المحلية والتعريف بتراث السعودية الغني في المشغولات والمصنوعات اليدوية، وتنميته ونقله إلى الأجيال الجديدة، والتعريف بالتراث الإنساني عبر مساهمين من دول العالم لإلقاء الضوء على عراقة وأصالة الحرف اليدوية التي عكست تاريخاً من علاقة الإنسان ببيئته ومحيطه الطبيعي، وصون الموروث البشري من الاندثار والضياع، عبر إعادة تقديمه بشكل معاصر ومنافس في السوقين المحلية والدولية.

منصة للمهارات والإبداعات الحرفية

وقال حامد فايز نائب وزير الثقافة، إن الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية، من المناسبات المهمة التي تدعمها وزارة الثقافة وهيئة التراث، لما له من دور مهم في تسليط الضوء على العمل الإبداعي للحرفيين والحرفيات، والتعريف بالتراث الغني للمملكة، وتوفير منصة لعرض المهارات والإبداعات الحرفية، مؤكداً أهمية الحرف اليدوية بوصفها مشروعاً اقتصادياً ثقافياً مهماً، وعاملاً لإيجاد فرص العمل والاستثمار، بالإضافة إلى دورها في حفظ الموروث الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية.

وأشاد فايز، بما تحقق للسعودية من إنجازات في قطاع الحرف والصناعات اليدوية، التي توجت بفوز هيئة التراث بجائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز للتميز في العمل الاجتماعي، مؤكداً أن «مبادرة البيوت الحرفية» الفائزة بالجائزة، تتوزع في مختلف مناطق السعودية الغنية بالتراث المتنوع، لدعم الحرفيين والحرفيات وتمكينهم من تقديم منتجاتهم وعرضها على الجمهور.

يحظى قطاع الحرف اليدوية في السعودية بنقلة نوعية منذ بدأت هيئة التراث الاهتمام به (هيئة التراث)

4 آلاف حرفي وحرفية في السعودية

ويحظى قطاع الحرف اليدوية في السعودية بنقلة نوعية، منذ بدأت هيئة التراث الاهتمام به، وأطلقت جملة من المبادرات لدعم مجال الصناعات اليدوية، وإصدار رخص لبيع المنتجات الحرفية والتراثية، فيما استعادت مجموعة من الصناعات الحرفيّة بريقها، مثل السدو والفخار الطيني، بوصفهما من أشهر أيقونات الصناعة في التراث السعودي، وأضحت حاضرة في الذائقة العامة وقاومت عوامل الاندثار والنسيان.

وقالت الدكتورة داليا اليحيى، مدير عام قطاع الحرف اليدوية في هيئة التراث السعودية، إن السجل الوطني للحرفيين يضم أكثر من 4400 حرفي وحرفية في مختلف المجالات، وإن القائمة قابلة للزيادة بالنظر إلى ما تتمتع به مناطق السعودية من تراث غني وتاريخ اجتماعي وجغرافي مزدهر.

وتقسّم هيئة التراث الحرف اليدوية إلى 10 مجالات تشمل المشغولات الخشبية والمعدنية والفخارية، وتبلغ في فروعها أكثر من 45 حرفة تمثل مختلف مناطق وتراث السعودية، فيما شهد عام 2022 إطلاق مبادرة «بيوت الحرفيين» بالتزامن مع يوم التراث العالمي، وذلك لتوفير بيئة ملائمة في كل منطقة سعودية لتدريب الحرفيين وصقل مهاراتهم وتطويرها، ودمج المجتمعات المحلية في قطاع الحرف اليدوية، والحفاظ على التراث الثقافي من الاندثار والضياع.

الرياض تتزيّن بأبهى الحِرف العالمية

وتستمر فعاليات الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان) الذي تنظمه هيئة التراث خلال الفترة من 6 إلى 12 يونيو (حزيران) في «واجهة الرياض».

ويقام الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان) على مساحة 18 ألف متر مربع في واجهة الرياض، في تصميم مستوحى من الإرث والطراز المعماري التراثي، يقدم فيه الحرفيون أعمالهم ويبيعونها في 11 قسماً، هي المشغولات المعدنية، والنسيجية، والنخيلية، والجلدية، والخشبية، والفخارية، وحرف التجليد والتذهيب، وحرف الحلي والمجوهرات، والمشغولات المطرزة، والحرف اليدوية الداعمة.

ويصاحب «الأسبوع» معرض حرفي، إلى جانب جناح لعام الشِعر العربي 2023، كما تقيم هيئة التراث قرية لفنون الحِرف، تحتضن مجسمات جمالية حرفية ممزوجة بأعمال فنية. كما يخصص منطقة للطفل، وورش عمل بأدوات تطبيقية متكاملة، وأنشطة تفاعلية للأطفال، تجذب الأطفال واليافعين لاستكشاف التراث والحرف اليدوية.

يسلط الحدث التراثي الضوء على أنواع من الحرف اليدوية والماهرين في الصناعات المحلية التي تجسد تنوع الثقافات (هيئة التراث)

استدامة القطاع الثقافي

ويعبّر لقاء الحرفيين الدولي في الرياض، عن روح التراث الثقافي الحي في نفوس المجتمعات، كما يمثّل فرصة للاستثمار، وتعزيز ريادة الأعمال في القطاعات الثقافية.

ويشارك «الصندوق الثقافي السعودي» المعني بتنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة من خلال دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، بجناح في معرض الحرف اليدوية الدولي في الرياض، بوصفه منصة تتقاطع فيه المواهب وريادة الأعمال، ويلتقي فيه الصُنّاع بجمهورهم الشغوف باقتناء القطع اليدوية.

وقال «الصندوق الثقافي» إن المعرض الذي تنظمه هيئة التراث، يساهم في إبراز العادات والتقاليد السعودية، وتسليط الضوء على الحرف اليدوية ودعم وتمكين الحرفيين، وتوفير منفذ لبيع منتجاتهم والتعريف بأعمالهم، بالإضافة تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والدول الأخرى المشاركة، والتعريف بتراث البلاد الغني والمتنوع.



دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
TT

دريد لحّام لـ«الشرق الأوسط»: انقضت سنوات القهر وأنا لم أكن مع النظام بل ضد الفوضى

الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)
الفنان السوري دريد لحّام (فيسبوك)

يطوي دريد لحّام بعد أسابيع عامه الـ90 وفيه طاقة شابٍ ما زال يعمل ويخطّط ويحلم بسوريا جديدة. أمضى أكثر من نصف تسعينه في بلدٍ كان يُعرف بـ«سوريا الأسد». أما اليوم فقد تبدّلت التسميات والرايات والوجوه، ويبدو الممثل العابر للأجيال مستعداً هو الآخر للعبور إلى فصلٍ مختلف من تاريخ وطنه. ذهب الأسد وبقي مَن علقَ في ذاكرة أجيالٍ من المشاهدين العرب باسم «غوّار الطوشة».

من قلب دمشق، يطلّ عميد الفنانين السوريين متحدّثاً إلى «الشرق الأوسط» عن أمله بغدٍ أفضل، تتّسع فيه البلاد للآراء كلّها. يعبّر عن ارتياحه إلى التحوّل الجذري الحاصل. يختصر انطباعه حول أحداث الأسبوعَين اللذَين تليا سقوط نظام بشار الأسد بالقول: «أشعر بأنّ هناك حياة مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً خلال سنوات القهر». يذهب في تفاؤله أبعد من ذلك ليعلن أنه على استعداد لتجهيز عملٍ مسرحي أو تلفزيوني جديد. يودّ أن يطلق عليه عنوان «مبارح واليوم»، وهي العبارة ذاتها التي يعتمدها لوصف ما تعيشه سوريا حالياً.

«لم أكن مع السُّلطة»

كان لحّام من أوّل المباركين للشعب السوري من خلال فيديو نشره عبر صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي. تلك الحماسة إلى «هروب الأسد» كما سمى، وصفها الرأي العام بـ«التكويعة»، على أساس أنّ لحّام كُرّم من قِبَل بشار الأسد وهو عُرف بدعمه النظام، لا سيّما خلال سنوات الحرب في سوريا.

يعترض لحّام على ذلك وعلى «التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، موضحاً موقفه السابق بالقول: «أنا مع النظام بمعنى أنني ضد الفوضى، ومع بلدي سوريا لكني لم أكن مع السلطة، والفرق كبيرٌ بينهما». يدعّم رأيه المناهض للسُلطة بمفهومها الذي كان سائداً في سوريا، مستشهداً بأعمالٍ له انتقدت النظام القائم على مرّ الأجيال. يعود مثلاً إلى مسلسل «وادي المسك» (1982) الذي «مُنع بسبب انتقاده السلطة بمسائل كثيرة»، لا سيّما منها الفساد والإثراء غير المشروع. «كان ممنوع نقول إنو في مسؤولين فاسدين»، يضيف لحّام.

لحّام المعروف بدعمه للنظام السابق يقول إنه كان ضد الفوضى وليس مع السلطة (أ.ف.ب)

انتقاد الأحصنة ممنوع...

يشكو الفنان السوري من مقصّ الرقيب الذي لم يوفّر سيناريو مسلسل ولا نصاً مسرحياً. «في أحد المسلسلات كتبتُ حواراً بين حمارٍ وإنسان يشكو فيه الحمار من أنه مظلوم ويعمل كثيراً لينال القليل من التبن، فيما الحصان يركض ربع ساعة ويحصل على الدلال والاهتمام». يتابع لحّام: «تصوّري أن الرقيب منع تلك المقارنة بين الحمار والحصان، مبرّراً ذلك بأنّ باسل الأسد يحب الأحصنة، ولا يجب بالتالي انتقادها».

يؤكّد لحّام أنه لطالما لجأ إلى الاستعارات والتسميات المخترَعة في مسرحياته، وأفلامه، ومسلسلاته، تفادياً للمَنع أو الرقابة. في مسرحية «غربة» (1976)، يقول إنه هرب إلى جغرافيا أخرى كي يمرّر أفكاره: «حتى إذا أتى مَن يحاسبنا نقول له إننا نتحدث عن قرية غربة وليس عن بقعة جغرافية في سوريا». كذلك حصل في فيلم «الحدود» (1982)، حيث «استبدلتُ سوريا ولبنان بواسطة شرقستان وغربستان».

ملصق فيلم «الحدود» الذي جمع دريد لحّام ورغدة في الثمانينات (فيسبوك)

«دريد بدّو قطع لسان»

في النصف قرن الماضي من حُكم آل الأسد، أكثر ما أقلقَ لحّام على سلامته وأمنه، وأَشعرَه بأنّ القمع الفني تحوّل إلى تهديد شخصي، كان قول أحد المسؤولين في مجلسٍ خاص: «دريد بدّو قطع لسان». وفق تعبيره: «كانت تلك أصعب فترة».

وتوجّه بالكلام لمَن حكموا سوريا خلال السنوات الـ50 الماضية، حيث قال: «الله لا يسامحكم». يذكّر هنا بالقول المأثور حول السلطة: «لو دامت لغيرك لما آلت إليك»، مضيفاً: «لقد ظنّوا أنهم باقون إلى الأبد، ولم يعرفوا أن الأبد ليس سوى لربّ العالمين».

دريد لحّام بشخصية «أبو سامي» من مسلسل «سنعود بعد قليل» (فيسبوك)

صهاريج المازوت والأسلحة

وهو الذي سبقَ أن دخل إلى «قصر الشعب» وقابلَ الأسد، ويؤكّد أنه حاول مرة وخلال لقاءٍ جمع الرئيس السابق بالفنانين في بداية الحرب، ولفتَ نظره إلى أمرٍ أقلقَه، حيث حذّر لحّام حينذاك «من خروج صهاريج مازوت من سوريا إلى لبنان وعودتها ممتلئة بالأسلحة تحت عيون المسؤولين عن المعابر الحدودية، وهذه قمّة الفساد». يُذكر أنّ سامعَه اكتفى بالاستماع ولم يحاوره.

أما للسلطة الحالية وتلك التي ستحكم سوريا في المستقبل، فيقول لحّام: «انتبهوا قبل أي شيء إلى مسألة الرأي والرأي الآخر، لأن لا مجتمعاً يعيش برأي أحاديّ». وأكثر ما يريحُه «أننا انتهينا من الحُكم الأحادي»، راجعاً في هذا السياق إلى فظاعة ما تكشّف خلف أسوار السجون السورية: «يمكن بالعالم كلّه ما في سجن مخصص لأصحاب الرأي إلّا عندنا بسوريا».

حتى الآن، هو لم يلتقِ بمَن هم على رأس السلطة الجديدة، إلّا أنه يلفت إلى أنّ «الأشخاص الموجودين في الشارع والذين يتولّون حراسة البلد، تعاملوا معنا بودٍّ منقطع النظير. شعرتُ بأنهم أصدقاء وأحبّاء لنا ولسوريا».

يقول لحّام إن أكثر ما يريحه بسقوط النظام هو نهاية الرأي الأحادي (فيسبوك)

«تفسير أعوَج»

ويبدو لحّام مطمئناً إلى أنّ سوريا الجديدة ستكون دولة مدنيّة تتّسع للآراء كلّها، ولا تخضع للحُكم الطائفي، على قاعدة أنّ «البلدَ لطالما كان بعيداً عن الطائفية». ويراهن على شعبٍ عانى الأمرَّين خلال العقود الماضية، وهو يتمنّى على أبناء بلده «أن يكونوا سوريين مائة في المائة، وألّا ينتموا سوى إلى وطنهم».

ويتأسف على أجيالٍ من السوريين «أضاعوا زهرة شبابهم في الغربة أو قضوا في رحلات العبور البَحري هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، حيث كانوا يُرغمون على تأديتها لـ8 أو 10 سنوات». وهذا الموضوع تطرّق إليه لحّام خلال لقاءٍ جمعه في الماضي بوزير دفاع النظام السابق؛ حيث قال له حين ذلك: «حرام تتركوهم بالخدمة كل هالسنين». وأجابه أنهم بذلك يقضون على البطالة. ويعلّق لحّام على ذاك الموقف الذي سمعه بالقول: «يا له من تفسيرٍ أعوج!».

وبالحديث عن عبور الحدود، أكثر ما يَحضُر لحّام حالياً هي شخصية «عبد الودود» من فيلم «الحدود». ويرغب في تصوير جزءٍ ثانٍ منه، حتى يتمكّن عبد الودود من قول ما لم يستطع قوله خلال العهد السابق. أما بخصوص المشاريع الجاري التحضير لها، فيحلّ دريد لحّام ضيف شرف على مسلسل رمضاني، كما يستعدّ لخوض تجربة سينمائية جديدة إلى جانب المخرج باسل الخطيب في فيلم بعنوان «زيتونة». ويتطرّق العمل إلى شخص معروف تاريخياً في المجتمع الدمشقي يُدعى زيتونة، وهو كان يجمع المال من المقتدرين ليوزّعه على الفقراء، رغم أنه كان أكثر منهم فقراً.