مسرحية «تشارلي» ملحمة إنسانية بين الخير والشر

فاروق محمد الذي أدى دور تشارلي في طفولته ومروان هشام في دور سدني في لوحة فنية مع والدتهم هنًا (تصوير: عدنان مهدلي)
فاروق محمد الذي أدى دور تشارلي في طفولته ومروان هشام في دور سدني في لوحة فنية مع والدتهم هنًا (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

مسرحية «تشارلي» ملحمة إنسانية بين الخير والشر

فاروق محمد الذي أدى دور تشارلي في طفولته ومروان هشام في دور سدني في لوحة فنية مع والدتهم هنًا (تصوير: عدنان مهدلي)
فاروق محمد الذي أدى دور تشارلي في طفولته ومروان هشام في دور سدني في لوحة فنية مع والدتهم هنًا (تصوير: عدنان مهدلي)

بمجرد سماع اسم الفنان العالمي تشارلي تشابلن، تتبادر إلى ذهنك الصورة النمطية للممثل الذي يمسك بالعصا، ويلبس الطاقية السوداء، ويؤدي مشاهده الصامتة مختالاً بمشيته المميزة، وتتوقع عند دخولك مسرحية «تشارلي» أن تضحك على مشاهد كوميدية صامتة، إلا أن المؤلف الدكتور مدحت العدل كسر هذه النمطية التي اعتادت عليها الصورة الذهنية لتشارلي تشابلن، وكتب مسرحيته الموسيقية التي أخرجها أحمد البوهي، ليعرّف المشاهدين قصة الصراع بين الخير والشر، التي عاشها هذا الممثل العبقري، ويزيح الستار عن الشخصيات الأساسية التي أثرت وتأثر بها تشارلي.

ويستعد نجوم مسرحية «تشارلي»، التي أُقيمت أخيراً في مدينة جدة (غرب السعودية) لاستعراض قدراتهم في تقديم المسرحية الموسيقية من نوع برودواي، والمنافسة بها على مسرحي لندن وباريس، بعد النجاح المبهر الذي حققوه في القاهرة والرياض.

مشهد من مسرحية تشارلي المقامة في جدة (تصوير: عدنان مهدلي)

يقول مؤلف المسرحية، الدكتور مدحت العدل، لـ«الشرق الأوسط»: «تحكي المسرحية قصة صعود وكفاح طفل اسمه تشارلي، كانت والدته مغنية، وفي أحد الأيام أصابتها حالة مرضية على المسرح، وصعد ابنها تشارلي الذي كان في عمر 5 سنوات للمسرح ليغني مكانها، ومن هنا بدأت والدته تعلمه الغناء، إلى أن سطع نجمه، وأصبح في عمر 29، أشهر شخصية فنية في لندن والعالم أجمع».

تشارلي، لم يكن مجرد فنان، بل كان فيلسوفاً ومفكراً وصانع سينما تعيش أفلامه حتى الآن بيننا، فهو أول من قدم قضايا مهمة جداً في وقت لم تقدم فيه السينما أي قيمة فنية، حيث قدم شخصية هتلر، ونبه في فيلمه إلى خطورته على العالم، كما قدم في أحد أفلامه تحكّم الآلة بالإنسان، وتوابع ذلك على العمال والمجتمع.

وتكشف فصول مسرحية «تشارلي»، التي لعب دوره بها في طفولته الفنان الصاعد مغني الأوبرا فاروق محمد، تأثره بشخصين كانا الأقرب له في حياته، هما والدته «هَنا» التي علمته الغناء، وكانت تشجعه لدخول الفن وتحقيق حلمه، وتغذيه بالإيجابية، وترى فيه نجماً عالمياً، وأخوه «سيدني» الذي يكبره بأربعة أعوام، وكان في صغره لا يرى فيه شيئاً مميزاً، ويستهزئ بطموحه، إلا أنه أدرك في وقت لاحق موهبة تشارلي، وعزم على الأخذ بيده للصعود على سلم النجومية.

مشهد من لوحة موسيقية افتتاحية في مسرحية تشارلي (تصوير: عدنان مهدلي)

«سيدني» الذي أدى دوره في فترة الطفولة الفنان الصاعد أيضاً مروان هشام، المغني في الأوبرا المصرية، كان يعمل في التمثيل ولكنه تركه ليدير أعمال تشارلي ويساعده في تطويرها، هذه الشخصية التي أداها الممثل عماد إسماعيل، كانت المحرك الروحي لتشابلن، التي يأخذ برأيها ونصيحتها، إلى جانب إدارته كل أعماله.

يقول عماد إسماعيل لـ«الشرق الأوسط»: «شاهدت عديداً من الأفلام التسجيلية لتشارلي تشابلن التي كان موجوداً فيها سيدني، وهذا الأمر ساعدني كثيراً في تأدية الدور، إلى جانب تفاصيل الشخصية التي كتبها الدكتور مدحت العدل، التي أبرزت جوانب تفصيلية عن شخصيته الكوميدية رغم حدتها الظاهرة للعيان، وصبره وكتمانه مشاعره الحزينة التي كان يستبدل بها المرح والتفاؤل، لتظهر في إحدى اللوحات الموسيقية تبوح عمّا بداخله من حزن مكتوم، وذلك بعد أن هاجمه أخوه تشارلي وقال له إنه شخصية لا تعرف الحزن».

«هَنا» والدة تشارلي، التي أفنت عمرها في تربية ابنيها، بعد أن تركهما والدهما وهما طفلان وسط ظروف معيشة واجتماعية صعبة، وجدت في تشارلي الموهبة، وكانت الداعم الأول والوحيد له في طفولته، وبعد وفاتها كانت كلماتها التحفيزية وروحها الحانية تحاوط ابنها تشارلي، لتوقظه من سبات حزنه وتلهمه لطريق النجاح.

المسرحية في مضمونها تحكي قصة صراع تشارلي مع إدغار هوفار، رجل المباحث الفيدرالية الأميركية صاحب النفوذ، الرجل الذي كان خلف كل حالة إحباط يمر بها تشارلي نتيجة المؤامرات التي كان يحيكها له. يقول لـ«الشرق الأوسط» أيمن الشيوي الذي أدى شخصية إدغار: «هذه الشخصية كانت حقيقية، ولأن تشارلي في فترة ما نادى بإنصاف الطبقات الفقيرة العاملة، لم يعجب هذا الأمر الضابط، وأصبح يطارده لإحباط كل نجاح يقوم به، إلا أن نهاية القصة في المسرحية، وفي الحقيقة أيضاً، كانت انتصار خير تشارلي على شر إدغار».

اللوحات الموسيقية في مسرحية «تشارلي» كانت من ألحان إيهاب عبد الواحد، الذي استغرق 8 أشهر لتلحين 21 لوحة موسيقية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أغاني مسرحية تشارلي ليست أغاني عادية، ولكنها أغانٍ استعراضية، فيها إخراج إلى جانب التلحين. في كل أغنية كنت أبحث مع كاتب العمل الدكتور مدحت العدل، ومع الممثل محمد فهيم الذي أدى دور تشارلي التصور الخاص لكل أغنية، كي أستطيع إخراجها بالشكل الموسيقي المتوافق مع العرض».

اللوحات الموسيقية في مسرحية «تشارلي» مثلت تحدياً حقيقياً للملحن إيهاب عبد الواحد، فكان على حد قوله، إما أن ينجح ويشد انتباه الجمهور ويشعرهم بالمتعة وهم يشاهدون العروض، ويصلهم الشعور المراد إيصاله سواء كان حزناً أم فرحاً من خلال الكلمات واللحن والحركات الاستعراضية، أو أن تخرج الأمور عن المأمول. إلا أن النجاح الذي حققته المسرحية ورأي الجمهور والنقاد، وحماس الجمهور أثناء العرض، أكد لعبد الواحد ولفريق العمل أن اجتهادهم وعملهم جعل المسرحية، حسب رأي كثير من الكتاب والفنانين، عملاً مسرحياً سطر اسمه ضمن قائمة الأعمال الكلاسيكية.

يقول أحمد البوهي، كاتب قصة، ومخرج مسرحية تشارلي تشابلن لـ«الشرق الأوسط»: «لأول مرة يقام في الشرق الأوسط عرض موسيقي من نوع برودواي بهذا الحجم في الإنتاج»، مشيراً إلى أن هذا النوع من المسرحيات يتطلب جهداً كبيراً جداً وإتقاناً ودقة في العمل، وسمات لشخصيات معينة عندهم القدرة على تنفيذ هذا النوع من العروض، وهو ما توفر في الـ60 فناناً الذين قدموا العرض على المسرح، وأيضاً الـ100 شخص الذين أداروا العمل خلف المسرح.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
TT

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)

كثيراً ما كان اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة، لكنه اضطُر لترك التعليم عندما كان في الثانية عشرة من عمره لمساعدة والده في العمل بالحقل.

ويقول بانايوتاروبولوس: «كل شيء أتعلمه مثير للاهتمام، ووجودي هنا أمر ينير العقل».

وفي تمام الساعة 7:45 مساءً، رن الجرس في فصل آخر، وها هو عالَم اليونان الكلاسيكي يستدعي الرجل المتقاعد الذي وضع حقيبته المدرسية وكتبه على مكتب خشبي صغير.

وببدلته الداكنة وحذائه اللامع، لا يبدو بانايوتاروبولوس أنيقاً فحسب في الغرفة التي تزين جدرانها رسومات الجرافيتي، بل هو أيضاً أكبر طالب يحضر في المدرسة الليلية الثانية في وسط أثينا.

فعلى الأقل نصف زملائه في الصف هم في عمر أحفاده، وقد مر ما يقرب من 70 عاماً منذ آخر مرة ذهب فيها الرجل الثمانيني إلى المدرسة.

ويقول التلميذ الكبير وهو يسترجع ذكريات طفولته في إحدى قرى بيلوبونيز: «تركت المدرسة في سن الثانية عشرة لمساعدة والدي في الحقل، لكن كان لدي دائماً في عقلي وروحي رغبة في العودة، وتلك الرغبة لم تتلاشَ قط».

وعندما بلغ الثمانين، أخبر التلميذ الحالي وصاحب المطعم السابق زوجته ماريا، وهي خياطة متقاعدة، بأنه أخيراً سيحقق رغبته، فبعد ما يقرب من 5 عقود من العمل طاهياً وفي إدارة مطعم وعمل شاق وحياة شاقة في العاصمة اليونانية، دخل من بوابات المدرسة الليلية الثانية في العام الماضي.

واليوم هو مُسجَّل في صف من المفترض أن يحضره المراهقون في سن الخامسة عشرة من عمرهم، وهي الفكرة التي جعله يبتسم قبل أن يضحك بشدة ويقول: «آه، لو عاد بي الزمن للخامسة عشرة مرة أخرى، كثيراً ما كان لديَّ هذا الحلم بأن أنهل من نبع المعرفة، لكنني لم أتخيل أن يأتي اليوم الذي أعيش الحلم بالفعل».