حديث عن المكون اليهودي في تاريخ المغرب... واحتفاء بكيليطو في خامس أيام معرض الرباط

شهد إعلان فوز الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل بـ«جائزة غونكور- اختيار المغرب» في دورتها الأولى

الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل الفائز بـجائزة «غونكور- اختيار المغرب» في دورتها الأولى (حساب سفارة فرنسا لدى المغرب في «فيسبوك»)
الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل الفائز بـجائزة «غونكور- اختيار المغرب» في دورتها الأولى (حساب سفارة فرنسا لدى المغرب في «فيسبوك»)
TT

حديث عن المكون اليهودي في تاريخ المغرب... واحتفاء بكيليطو في خامس أيام معرض الرباط

الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل الفائز بـجائزة «غونكور- اختيار المغرب» في دورتها الأولى (حساب سفارة فرنسا لدى المغرب في «فيسبوك»)
الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل الفائز بـجائزة «غونكور- اختيار المغرب» في دورتها الأولى (حساب سفارة فرنسا لدى المغرب في «فيسبوك»)

في خامس أيام المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الـ28 (الاثنين) شكل دور المكون اليهودي في تاريخ المغرب محور ندوة تناولت الموضوع من زوايا متعددة، منها ما يتعلق بتاريخ الوجود اليهودي بالمغرب، والتطور التاريخي للإطار القانوني لتنظيم الطائفة اليهودية، والمكون العبري في تاريخ المغرب الثقافي، فضلاً عن واقع حال تدريس اللغة العبرية بالجامعة المغربية.

وأشار محمد براص، أستاذ التاريخ المعاصر المختص في تاريخ اليهود المغاربة، إلى أن يهود شمال أفريقيا هاجروا بشكل سلس نحو المدن الأندلسية المختلفة، والتي أصبحت مدن علم وثقافة وشعر، مضيفاً أن الوضع السياسي والفكري بالأندلس انعكس على الوضع العلمي والثقافي بالمغرب الأقصى.

وأضاف براص أنه على مر التاريخ، تبلور، إلى جانب المسلمين، بعد ثقافي عبري متعدد المشارب لم ينسجم داخلياً بشكل سلس، بل تطلب الأمر تحولات عديدة في الزمن التاريخي، أعطت بعداً متقدماً للمكون الثقافي اليهودي المغربي بعد الفترة الاستعمارية.

وشدد براص على أن الحديث عن المكون الثقافي المغربي اليهودي يقتضي منهجياً الإقرار بوجود التمايز ما بين المنتوج الثقافي اليهودي والمنتوج الثقافي الإسلامي، ومن ثمة الإقرار بتأثير العامل الديني في تكوين البعد الثقافي، كما أكد أن المكون الثقافي المغربي اليهودي عرف انتشاراً واسعاً على المستوى العالمي.

وأبرز براص أن انتشار المغاربة اليهود في العالم وفي فترات مختلفة كان له دور كبير على مستوى امتداد الثقافة المغربية اليهودية عبر دول العالم، والاضطلاع بأدوار بارزة في الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد.

من جهته، قال أمين الكوهن، الباحث في تاريخ علاقات اليهود بالمسلمين في المغرب، إن التطرق لمختلف المواضيع المرتبطة بالمكون اليهودي بالمغرب يعد أمراً مهماً بالنظر إلى التأثير الذي ما زال قائماً لهذا المكون.

وفي موضوع آخر يتعلق بـ«التراث الشفهي وسبل الحفاظ عليه»، استعرض متحدثون من مشارب متعددة التجارب المغربية والكيبيكية والفرنسية في ما يتعلق بالاهتمام بالتراث الشفهي وسبل الحفاظ عليه، بالإضافة إلى التغييرات الكبيرة المرتبطة بعلاقة الشباب بهذا التراث.

وأكد المتدخلون أن الكتابة تساهم بشكل كبير في الحفاظ على التراث الشفهي، وتعتبر همزة وصل لجعل «الأصوات غير المسموعة مسموعة». وأبرزوا أن المجال الشفهي هو «تجمع الأفراد معاً في عالم صار فردياً بشكل متزايد»، مشددين على دور الكتاب في نقل التراث وانتشاره. ودعوا، في هذا الصدد، إلى ضرورة إعادة اكتشاف التراث الشفهي، والتكيف مع العالم الرقمي لسد الفجوة التي لا تزال قائمة في الحفاظ عليه. كما شددوا على أهمية تجنب أي «فجوة بين الأجيال» في ما يتعلق بالمجال الشفهي، مع تعلم «لغتين أو ثلاث لغات أجنبية»، لتسهيل الحوار مع الآخر.

على صعيد آخر، شكل الاحتفاء بالمسار الإبداعي للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو، مناسبة لتسليط الضوء على أبرز أعمال هذا الكاتب الذي فاز أخيراً بجائزة الملك فيصل في اللغة العربية والأدب عن عمله «السرد العربي القديم والنظريات الحديثة»، خاصة إصداره الجديد «التخلي عن الأدب».

من جهتها، أعلنت لجنة تحكيم «جائزة غونكور- اختيار المغرب»، في نسختها الأولى، عن فوز الكاتب الهايتي ماكنزي أورسيل، بهذه الجائزة عن كتابه «مجموع إنساني»، وذلك على هامش فعاليات المعرض المغربي.

ويعد هذا الكتاب، الصادر عن دار النشر «ريفاج»، سنة 2022، الجزء الثاني من عمل ثلاثي بدأ في هايتي وسيختتم في أميركا، ضمن الجزء الثالث. وهو ينطق بصوت شابة فرنسية، تروي حكايتها مع طفولة مسروقة ومراهقة ممزقة وحياة ومصير محطمين.

وفي كلمة له بهذه المناسبة، أعرب أورسيل عن سعادته الكبيرة بالظفر بهذه الجائزة، معبراً عن شكره لأعضاء لجنة التحكيم من الطلبة على قراءة عمله والتعرف على مختلف الأصوات التي ينقلها، وكذا لأكاديمية «غونكور» على انفتاحها على العالم.

وتابع في كلمته التي وجهها عبر تقنية التناظر المرئي، أن هذا الكتاب، الذي قال إنه استغرق منه ثلاث سنوات لكتابته، «يجمع الكثير من القصص»، موضحاً أن «أي نص يحتاج إلى أصوات عميقة ومتعددة ومعقدة، بالإضافة إلى شاعرية حقيقية».



كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
TT

كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

في ظل الجدل الذي أثير مؤخراً حول «موهبته»، احتفى مهرجان الأقصر السينمائي في دورته الـ14 بذكرى مئوية ميلاد الفنان المصري الكبير شكري سرحان (13 مارس «آذار» 1925 - 19 مارس 1997)، وأصدر المهرجان بمناسبة ذلك كتاب «شكري سرحان... ابن النيل» للناقد المصري سامح فتحي، ويضم الكتاب فصولاً عدة تستعرض مسيرة الفنان منذ مولده وحتى أصبح نجماً من كبار نجوم السينما المصرية، متوقفاً عند أهم أفلامه التي وصلت إلى 161 فيلماً، بدءاً من أول أفلامه «نادية» 1949 للمخرج فطين عبد الوهاب، وحتى آخرها «الجبلاوي» 1991 للمخرج عادل الأعصر.

وكان قد أثير جدل حول انتقادات وجهها الممثل الشاب عمر متولي، نجل شقيقة عادل إمام، في برنامج يبثه عبر «يوتيوب» استضاف خلاله الممثل أحمد فتحي، تناولا خلاله سيرة الفنان الراحل شكري سرحان، حيث اتفقا على أنه «حقق نجومية أكبر من موهبته الحقيقية»؛ ما دفع أسرة الفنان الراحل لتقديم شكوى لنقابة الممثلين، حيث قدم نقيب الممثلين الفنان أشرف زكي اعتذاراً لأسرة الفنان الراحل، مهدداً كل من يتجاوز في حق الرموز الفنية بالشطب من النقابة. وفي المقابل اعتبر نقاد وفنانون الهجوم على فتحي ومتولي بمنزلة «تضييق على حرية إبداء الرأي على الأعمال الفنية ونجومها».

شكري سرحان في أحد أدواره (أرشيفية)

أعمال هادفة

ووصف المؤلف مسيرة شكري سرحان الفنية التي امتدت على مدى نصف قرن بأنها تميزت بـ«اختيار الأعمال الهادفة والجادة، وعدم الابتذال أو السقوط في حب الظهور وشهوة المال»، حيث شارك في «مئات الأدوار بالمسرح والسينما، وأمتع الملايين، وأثرى الحياة الفنية بكل ما هو مفيد وهادف».

فيما عَدّه الناقد سعد القرش في مقدمة كتاب «ابن النيل» بأنه الأكثر حظاً، وأنه من بين نجوم السينما المصرية الذي «كان الأقرب إلى الملامح النفسية والجسدية لعموم المصريين في جيله، رغم أنه لم يكن في وسامة محمود مرسي أو كمال الشناوي وعمر الشريف ورشدي أباظة، ولا يتمتع ببنية جسدية تنقله إلى الفتوات مثل فريد شوقي، حيث كان للنجوم صورة ذهنية لدى المشاهدين يشبهون أو يتشبهون بنجوم هوليوود من حيث تسريحة الشعر ولمعانه والشارب».

الناقد المصري سامح فتحي (الشرق الأوسط)

يستعرض سامح فتحي بدايات سرحان، الذي وُلد بالإسكندرية لكنه ينتمي لقرية «الغار» بمحافظة الشرقية، وكان الأوسط بين شقيقيه صلاح وسامي، وقد أثرت فيه حياة القرية، كما ذكر هو بنفسه، فقد أكد أن النشأة الدينية كانت إحدى سمات حياته منذ طفولته، فقد اعتاد على ارتياد المساجد وحفظ القرآن الكريم، وكان والده يعمل أستاذاً للغة العربية، ويحرص على أن تمضي الأسرة شهور الدراسة بالمدينة ثم تنتقل للقرية في الإجازة.

وبدأت علاقة سرحان بالفن من خلال شقيقه الأكبر صلاح، فحينما افتتحت دار سينما بالقرب من منزلهما، كان وشقيقه، حسبما روى، يتوقفان بجوارها ليستمعا لأصوات الممثلين، ويؤديان بعض الأدوار في حجرتهما حتى لا يشعر بهما والدهما، والتحق مثل شقيقه بفريق التمثيل بمدرسة الإبراهيمية، ثم التحق كلاهما بمعهد الفنون المسرحية في أول دفعة به، وكان من زملائه بالمعهد فريد شوقي وصلاح نظمي.

عثرات ونجاحات

واجه شكري سرحان عثرات في بداية طريقه الفني، حين اختاره منتج فيلم «هارب من السجن» لدور البطولة، حيث كاد يطير من الفرحة ثم قرر المخرج استبداله بالفنان فاخر فاخر، فحزن حزناً كثيراً خصوصاً بعد أن طالع خبراً بإحدى المجلات الفنية بأن الممثل الشاب شكري سرحان أثبت فشله في السينما، ما أصابه باكتئاب لفترة طويلة، لم ينقذه منه إلا خبر آخر كتبه الصحافي صلاح ذهني بمجلة «آخر ساعة»، حيث نشر صورة له وكتب أسفلها «فتى أول ينقصه مخرج»، فاتصل به المخرج حسين فوزي، ومنحه دوراً في فيلم «لهاليبو» مع نعيمة عاكف، ثم شارك في أدوار صغيرة بأفلام عدة من بينها «أفراح» و«بابا عريس».

مع سعاد حسني في أحد الأعمال (أرشيفية)

لكن الفرصة الكبرى والأهم جاءت حين اختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلمه «ابن النيل» ليكون هذا الفيلم البداية الحقيقية لشكري سرحان في السينما، وقال الفنان عن ذلك: «منحني الله هذا الشرف العظيم بأن أُمثل (ابن النيل) في هذه القصة، وفي وجود فريق قوي من الممثلين مثل يحيى شاهين ومحمود المليجي وفاتن حمامة».

وأشاد به يوسف شاهين بعد أحد المشاهد التي أداها، قائلاً له: «أنت برعت في أداء هذا المشهد مثل أعظم نجوم هوليوود، وأنا أمنحك أوسكار على ذلك».

انطلاقة كبرى

ويرى سامح فتحي مؤلف الكتاب أن فيلم «شباب امرأة» 1951 قد مثَل انطلاقة كبرى في مسيرة شكري سرحان، وكانت قد رشحته الفنانة تحية كاريوكا للمخرج صلاح أبو سيف لأداء دور «القروي الساذج إمام بلتاجي حسنين»، وقد ساعده على أداء الشخصية جذوره الريفية ليصبح الفيلم المأخوذ عن رواية الأديب أمين يوسف غراب في مقدمة الأفلام الواقعية المهمة في تاريخ السينما المصرية.

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

وتعد شخصية «سعيد مهران» بطل رواية نجيب محفوظ «اللص والكلاب» من أبرز الشخصيات التي أداها شكري سرحان، حيث كتب في مذكراته أنه حينما قرأ الرواية جذبته عبارة «خرج من السجن وفي جوفه نار»، ما يوحي بسخونة أحداثها وأنه أطلق لخياله العنان لتجسيد أحداثها التراجيدية، ومَثّل الفيلم الذي أخرجه كمال الشيخ السينما المصرية في مهرجان برلين 1964، وأشاد به النقاد الألمان الذين رأوه «فيلماً مصرياً متكاملاً يرقى إلى مستوى العالمية».

ويشير الكتاب الجديد إلى تقديم الفنان الكبير لتجارب مهمة في السينما العالمية، من بينها فيلم «ابن كليوباترا»، وسلسلة أفلام «قصة الحضارة بين العصور» للمخرج العالمي روسليني، وفيلم «أسود سيناء» مع المخرج الإيراني فريد فتح الله، كما يتوقف عند أعماله المسرحية التي برزت بشكل أكبر بعد نكسة 1967.

غلاف الكتاب الجديد (الشرق الأوسط)

وحاز شكري سرحان جوائز عدة خلال مسيرته، فقد حصل على جائزة أفضل ممثل عن أدواره في أفلام «اللص والكلاب»، و«الزوجة الثانية»، و«رد قلبي»، و«شباب امرأة»، و«ليلة القبض على فاطمة»، كما تم اختياره «أفضل ممثل في القرن العشرين» بعد تصدره قائمة «أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية» بعدد 15 فيلماً في استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي 1996، الذي كرمه قبل عام من رحيله.