عالم آثار سعودي يبحث عن أسرار «حضارة دادان»

20 عاماً والسحيباني ما زال متعطشاً لمعرفة المزيد

 الدكتور السحيباني خلال تنقيبه عن المنطقة - الشرق الأوسط
الدكتور السحيباني خلال تنقيبه عن المنطقة - الشرق الأوسط
TT

عالم آثار سعودي يبحث عن أسرار «حضارة دادان»

 الدكتور السحيباني خلال تنقيبه عن المنطقة - الشرق الأوسط
الدكتور السحيباني خلال تنقيبه عن المنطقة - الشرق الأوسط

في العلا، شمال غربي السعودية، تشير الساعة إلى الخامسة فجراً؛ لحظات هدوء تتخللها همسات تحكي قصصاً عن حضارة «دادان» الذين استوطنوا المنطقة لآلاف السنين تمكنوا خلالها من بناء حضارة رغم أنها سادت ثم بادت فإنها لا تزال تأسر عقول المهتمين بدارسة تاريخ البشرية ومنهم الدكتور عبد الرحمن السحيباني الذي يستيقظ منذ ساعات الفجر الأولى، لمواصلة رحلة البحث عن أسرارهم المدفونة في باطن الأرض أو تلك المنحوتة على سفوح الجبال.

ويقود السحيباني، المهتم بدراسة تاريخ الجزيرة العربية بشكل عام والعلا بشكل خاص بالتعاون مع الدكتور جيروم رومير من المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، مشروع دادان الأثري في العلا الذي بدأ العمل عليه في عام 2019، بهدف تكثيف عمليات التنقيب عن الآثار في الموقع ووضعها ضمن سياقها المناسب في تاريخ شبه الجزيرة العربية، وأيضاً للحفاظ على مكوناتها الأثرية ومشاركتها مع العالم كافة.

يقود السحيباني فرق التنقيب للكشف عن أسرار دادان (الشرق الأوسط)

رحلة عقدين من التنقيب

وقد بدأت رحلة السحيباني لاستكشاف المنطقة حين وقف على أطلال «دادان» للمرة الأولى قبل 19 عاماً، ليبدأ منذ تلك اللحظة التعمق والبحث عن آثارها والتجول بين جبالها والبحث في تفاصيلها وأسرارها لينال بعد ذلك درجة الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية بأطروحة تناولت تفاصيل العمارة الدينية للحضارة الدادانية، ورغم كل ما حققته أبحاثه العلمية على مدار العقدين الماضيين، فإنه لا يزال متعطشاً لمعرفة المزيد عن الحضارة الدادانية التي عاشت في المنطقة منذ نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد حتى القرن الأول قبل الميلاد.

المشاهدة الأولى للموقع

«مشاهدتي الأولى للموقع زادت أسئلتي واستفزّت فضولي»، هكذا وصف السحيباني في حديثه مع «الشرق الأوسط» لحظاته الأولى في الموقع الذي لازمه لسنوات كثيرة، متابعاً بأن الأحجار المتراكمة والجدران العريضة كانت مهيبة ومتقنة البناء و«مثيرة للاهتمام» بعثت بداخله هاجساً جعله يتساءل عن كيفية «استنطاق الحجارة» لينقل عنها قصصاً تسهم في تشكيل صورة أكبر عن تاريخ الجزيرة العربية القديم. يقول السحيباني إن أعمال التنقيب بدأت في منطقة «دادان» عام 2004 على يد بعثة لجامعة الملك سعود، واستمرت إلى 2019 عندما أطلقت الهيئة الملكية للعلا «مشروع دادان الأثري»، وذلك بالتعاون مع المركز الفرنسي للأبحاث العلمية، لتَزيد بعدها مساحة التنقيب. وأضاف السحيباني أنه تم خلال هذه السنوات كتابة التسلسل الزمني للمكان والكشف عن آثار الوجود البشري في الموقع في فترات لم تكن معلومة تفاصيلها من قبل، حيث كشف عن أن الموقع لم ينقطع به الاستيطان منذ الألف الثاني قبل الميلاد حتى قرابة القرن الثاني عشر الميلادي، حسبما تشير الأدلة عن كل فترة زمنية تقع ما بين هذين الفترتين.

النقوش الدادانية المكتشفة حديثا في القصيم وسط السعودية (هيئة التراث السعودية)

حضارة مؤثرة في المنطقة

وكشف السحيباني عن أن الأبحاث توصلت إلى أن حضارة «دادان» لم تكن هامشية في المنطقة، بل أثّرت وتأثرت بالحضارات المجاورة لها، كما اكتشفت فرق البحث تفاصيل مثرية عن فنون العمارة والنحت التي كانوا يتميزون بها، مشيراً إلى أن كل ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً من المعلومات الكلية، حيث يقضي أغلب أيامه حالياً في استكشاف المكان نفسه الذي بدأ منه مسيرته البحثية.

إحدى القطع المسكتشفة اثناء عمليات التنقيب (جامعة الملك سعود) cut out

كما أكد أن لعملية التنقيب أهدافاً كثيرة منها محاولة فهم تفاصيل الحضارة الدادانية والحضارات المتعاقبة الأخرى في المنطقة، والحفاظ على إرثهم وتاريخهم من الزوال، ومعالجة القطع الأثرية وترميمها والعناية بها، لمشاركة التاريخ الكبير التي تزخر به الأراضي السعودية مع العالم كافة.

عملت الفرق البحثية خلال العقدين الماضية على التنقيب بالمنطقة للكشف عن تفاصيلها (جامعة الملك سعود)

عملية دقيقة وحسّاسة

ويصف السحيباني عملية التنقيب بأنها صعبة ودقيقة وكل مرحله بها «مفصلية»، فهي عبارة عن عملية نزع للطبقات الموجودة في الأرض فلذلك لا بد أن نتحرى الدقة لتوثيق جميع التفاصيل التي نجدها، وتسجيلها في قاعدة المعلومات من أجل حفظها ودراستها.

ولفت إلى أن كل مرحلة في العملية مهمة جداً ومحفوفة بالمخاطر التي تتعلق بالمنقب نفسه والعاملين أيضاً، فهناك أخطار للآثار نفسها؛ فلذا يأتي تطبيق اشتراطات السلامة في أولويات أي مهمة تنقيب، إضافةً إلى الانتباه الشديد للآثار المستكشفة نظراً لحساسيتها، فكل قطعة تؤخذ بعناية إلى أماكن مهيأة لحفظها.

إحدى القطع المسكتشفة اثناء عمليات التنقيب (جامعة الملك سعود)

الحدود الدادانية

وفي أبريل (نيسان) الماضي أعلنت هيئة التراث السعودية اكتشاف وتوثيق أول نقشين في منطقة القصيم -وسط السعودية- كُتبا بالخط الداداني، وذلك خلال أعمال المسح الأثري التي أُجريت في المنطقة؛ عن ذلك قال السحيباني: «إن هذا الاكتشاف يعد مثيراً للفضول؛ فهو الأول من نوعه في منطقة القصيم كما يغيّر وجهة نظرنا عن حدود المملكة الدادنية، ويوسّع مدارك بحثنا، حيث ستتم دراسة تفاصيل هذا الاكتشاف ضمن سياق المعلومات التي نعرفها في السابق في المواقع التي نعمل بها».

إحدى القطع المسكتشفة اثناء عمليات التنقيب (جامعة الملك سعود)

أبحاث مستمرة

وتستمر أعمال فريق التنقيب في مملكة «دادان»، لاستكشاف المزيد من المعلومات عن تاريخها الحضاري الذي امتد لآلاف السنين، وخضعت خلالها لحكم حضارة لحيان لعدة قرون، ولا تزال العلا إلى اليوم أحد أهم مواقع الاستكشافات التاريخية نظير ما تحتويه من آثار قيمة.


مقالات ذات صلة

منتجع «بانيان تري» العُلا يطلق مجموعة متنوعة من العروض

عالم الاعمال منتجع «بانيان تري» العُلا يطلق مجموعة متنوعة من العروض

منتجع «بانيان تري» العُلا يطلق مجموعة متنوعة من العروض

«بانيان تري العُلا» يكشف عن تقديم مجموعة متنوعة من العروض لموسم العطلات

يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج صورة جماعية لاجتماع اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية في باريس الجمعة (الشرق الأوسط)

اجتماع للجنة السعودية - الفرنسية المشتركة لتطوير محافظة العلا

اجتماع للجنة السعودية - الفرنسية المشتركة لتطوير محافظة العلا، وبيان لـ«الخارجية الفرنسية» يؤكد توجيه فرنسا إمكاناتها وخبراتها لتطوير المنطقة.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق اجتماع اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية استعرض الإنجازات (وزارة الخارجية السعودية)

اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن «العُلا» تناقش توسيع التعاون

ناقشت اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير العُلا سبل توسيع التعاون المشترك بين الجانبين في مختلف القطاعات، خصوصاً في مجالات الآثار والرياضة والفنون.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يصل إلى فرنسا للمشاركة في اجتماع «تطوير العلا»

وصل وزير الخارجية السعودي، إلى العاصمة الفرنسية باريس، اليوم؛ للمشاركة في الاجتماع الثاني لتطوير مشروع العلا.

«الشرق الأوسط» (باريس)

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».