تكريم الكاتب التوغولي سامي تشاك ومناقشة دور الناشرين في الإبداع

مثقفون في الرباط يبرزون دور الجوائز بتنشيط القراءة عربياً

من أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط (الشرق الأوسط)
من أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط (الشرق الأوسط)
TT

تكريم الكاتب التوغولي سامي تشاك ومناقشة دور الناشرين في الإبداع

من أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط (الشرق الأوسط)
من أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط (الشرق الأوسط)

شهد اليوم الثاني من فعاليات الدورة الـ28 لـ«المعرض الدولي للنشر والكتاب» في الرباط، تنظيم نشاطات ثقافية عدّة، سلّط بعضها الضوء على الأدب الأفريقي، من خلال تكريم الكاتب التوغولي سامي تشاك، الحائز على جائزة «إيفوار» للأدب الأفريقي الناطق بالفرنسية لعام 2022.

وشكّل التكريم، ضمن ندوة حول «كتاب في دائرة الضوء أو فن التميز»، مناسبة للكاتب لتقديم روايته «قارة الكل أو تقريباً لا شيء». وتتناول هذه الرواية الحائزة على الجائزة، قصة عالم إثنيات فرنسي يزور، في إطار بحثه الخاص لإعداد رسالة الدكتوراه، قرية في توغو، فتتشكل لديه أسئلة حول تصوّره للغير وكتابة تاريخ الآخر. عنها، يعلّق الروائي التوغولي: «العلاقة بالآخر تكون دائماً محطّ سوء فهم. وقد يشكّل سوء الفهم هذا ثروة نملكها تكون منطلقاً لطرح الأسئلة الحقيقية»، مؤكداً أنه يحاول دائماً في كتاباته أن يكون «واضحاً بشأن مشاكل القارة الأفريقية التي تقع في صلب حركية العالم»، مشدداً على أنّ أفريقيا، انطلاقاً من مشاكلها، «ستحقق نهضتها لتثبت أنها قارة المستقبل». وأيضاً، كان له تعليق على التكريم الذي حظيت به توغو، فأكد فخره بتلقي هذا التكريم في بلد أفريقي، وعن شعوره بأنه موجود في بلده. يُذكر أنّ تشاك وُلد عام 1960 في توغو، حيث حصل على إجازة في الفلسفة، ليتابع دراساته العليا بجامعة السوربون وينال دكتوراه في علم الاجتماع. وهو ألَّف روايات عدّة حازت على جوائز مثل «عيد الأقنعة» و«هكذا تكلم والدي» و«خرافات العصفور».

من جهة أخرى، تناول عدد من المثقفين الدور الحيوي للجوائز في تنشيط فعل القراءة وإعادة ضخّ الروح في الحركة الثقافية العربية.

وجرى التطرّق، خلال ندوة حول موضوع «الأدب أفقاً للتفكير، أثر الجوائز في صناعة الكتّاب وتعزيز القراءة في العالم العربي»، إلى مساهمة مختلف الجوائز بإبراز الأعمال الأدبية المميزة وإنتاج المعرفة وصناعة الكتاب الأصيل. وقال الناقد العراقي عبد الله إبراهيم، إنّ الجوائز تساهم، في ظلّ التحديات المطروحة، في تنشيط فعل القراءة، مشدداً على ضرورة خلق تقاليد قرائية في المجتمع الأدبي عبر تركيز الاهتمام على الأعمال المهمّة. وأوضح أنّ «الجوائز، بصرف النظر عن جوانبها المتعلّقة بالاحتفاء والتكريم تستند إلى فكرة مهمّة تتمثل في تنقية الأعمال والدفع بها إلى واجهة اهتمام المجتمع الثقافي»، مضيفاً أنها تلقي الضوء على الأعمال المميزة بعد عكف لجان الجوائز لمدة طويلة على قراءة الأعمال المشاركة ومناقشتها والتأمل في مبناها ومعناها. وأبرز إبراهيم ضرورة عدم الاقتصار على القيمة المالية للجوائز، بل التفكير في كيفية إدراج مؤلّفات الكتّاب بتيار الثقافة القومية والعالمية والسعي إلى وضعها ضمن المخيال الأدبي العام، مشيراً إلى أنّ التعاون بين دور النشر وإدارة الجوائز والمؤلّفين يُعدّ أمراً ضرورياً.

من جانبه، لفت الباحث والكاتب السعودي عبد العزيز السبيل، إلى جدوى أن يهتم القائمون على الجوائز بالعمل في ذاته، مضيفاً: «الجوائز العربية مهمّة جداً في تنشيط المجتمع الأدبي والثقافي، ومن شأنها المساهمة بشكل كبير بإثارة انتباه الجوائز الأدبية العالمية الكبرى إلى أعمال الكتّاب».

بدوره، تطرّق الباحث السعودي سعيد بن فايز السعيد، إلى الموضوع من زاوية الترجمة، فألمح إلى أهمية وجود فروع للترجمة في الجوائز الأدبية، لكون الترجمة أضحت اليوم خياراً استراتيجياً لمواكبة التطوّر العلمي وحماية اللغة العربية والهوية القومية. وذكر أنه «يجب تجاوز النظرة السلبية القائلة بتدني مستوى الترجمة في العالم العربي»، مشيراً إلى وجود مبادرات عدّة استشعرت أهمية الترجمة في تنشيط تسويق الكتاب ونقل العلوم وإنتاج المعرفة.

من جانبه، شدّد الكاتب والشاعر المغربي حسن نجمي، على الحاجة إلى جائزة عربية كبيرة مخصّصة للشعر الحديث، لافتاً إلى أنّ الشعر يعيش اليوم حالة الهشاشة، ويحتاج إلى خطوط دعم خلفية في سياق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة. وحذّر من تحويل الجوائز الأدبية معياراً لتحليل المشهد الأدبي في العالم العربي ومقاربته وتقييمه، ورصد قيمه وتوجهاته وتياراته الجدّية، مشيراً الى أنّ الجائزة لا يمكن أن تشكل آلية حقيقية في تدقيق النظر إلى حقيقة المشروع الأدبي العربي.

على صعيد آخر، لفت ناشرون من المغرب وكيبيك إلى الدور المهم للناشرين في العملية الإبداعية، وتطرقوا خلال لقاء ضمن فعاليات المعرض إلى مواضيع تتناول العلاقة بين المؤلّف والناشر، مستعرضين التحديات المتعلّقة بعملية التأليف، بما فيها تطوير «حياة للكتاب بعد نشره»، ما يفسّر الحاجة إلى الامتثال لشروط تجارية معينة، وإيجاد أرضية تفاهم مع المؤلّف بشأن بعض الجوانب مثل غلاف الكتاب وعنوانه.

إلى العلاقة بين الناشر والمؤلّف، أثار المشاركون في اللقاء قضايا مرتبطة بتداول الكتاب في الفضاء الناطق بالفرنسية، داعين المؤلّفين إلى تحرير أنفسهم من تأثير الفولكلور والتقاليد، لتطوير كتابة شاملة ومعاصرة أكثر. كما دافعوا عن الأدب الناطق بالفرنسية في مواجهة زحف اللغة الإنجليزية، وطالبوا بدعم مالي أكبر لتعزيز مكانة الكتاب الفرنسي في السوق. كذلك دعوا إلى «إضفاء الطابع المهني» على صناعة الكتاب في المغرب، فضلاً عن وضع ميثاق أخلاقي حقيقي يلبي حاجات أصحاب المصلحة، مذكرين بأن مشروع المخطوط يتطلّب من الناشرين والمؤلّفين العمل سوياً للنهوض بالأدب والمشاركة في تنمية المجتمع.



«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
TT

«النجوم تلمع أملاً» من أجل فنان لبنان المُلقى في النسيان

يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)
يستيقظ ريكاردو كرم يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق (من حفل عام 2023)

يُفضِّل الإعلامي اللبناني ريكاردو كرم وَصْف الحدث بالمبادرة، على حصره بحفل. الخميس، في الـ26 من الشهر الحالي، يُقام «شاينينغ ستارز أوف هوب» (النجوم تلمع أملاً) بموسمه الثاني. تتّحد أصوات فنانين مع نغمات الأوركسترا الحيّة لتُعلن التصدّي لأشكال الخذلان: مرّة هو الزمن ومرّات البشر. فمَن وُلدت من أجلهم المبادرة، هم هذه السنة فنانو لبنان المُهمَلون. غدرت السنوات وتخلّى الآخر، بعد أعمار بذلوها للعطاء. كانوا نجوماً يتلألأون، ثم حلَّ ما يجرُّ إلى الخفوت. ليس معدن المواهب، فهو أصيل؛ وإنما الأولويات وأجندة السوق.

وُلدت المبادرة هذه السنة لدعم فناني لبنان المُهمَلين (من حفل عام 2023)

لم يظنّ ريكاردو كرم أنّ موسماً آخر سيولّد آخر؛ فرغم الإرادة والاجتهاد، يقسو الظرف ويشتدّ العصف. يرى في الحدث إحدى أذرع مؤسّسة «تكريم» التي أسَّسها لتتجاوز كونها خيرية، نحو بناء الجسور وتغيير السردية المتعلّقة بالعرب. يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ التكريمات تشاء شُكْر مَن لا ينالون التقدير على الجهد، ومَن يعملون بصمت أو يُحال تعبهم على الواجب. «نبحث عنهم ونحتفل بهم. يلهموننا التوسُّع في الإنصاف».

على مدى 15 عاماً، عبَرَت «تكريم» من جائزة مُوزَّعة في حفل سنوي نحو نقاش قضايا الإنسان ضمن ورشات عمل ومنتديات، من لبنان والمنطقة إلى أميركا وأوروبا ولاحقاً أستراليا. كبُرت ونضُجت. يراها «واحة في مواجهة رداءة الزمن، تختار الأفضل وتضيء عليه».

«النجوم تلمع أملاً» لحظة إنسانية مُلحَّة

رسالته تجعل «النجوم تلمع أملاً» لحظة إنسانية مُلحَّة. 30 عاماً من المكانة الإعلامية قرَّبت ريكاردو كرم من ممثلين يلمس اليوم معاناتهم. يدرك تفوّق الجهد الجماعي على العون الفردي؛ وأنّ اليد وحدها لا تصفّق رغم نُبل المحاولة. أجرى اتصالاته وكتب للموسم الثاني الحياة.

أراد للحدث أن يعمّ المناطق ولا يقتصر على بهجات ديسمبر. لكنها الاستحالة اللبنانية. ففي فرنسا مثلاً، يُنظَّم شبيهه، ومنه استلهم كرم الفكرة، فيجمع كبار الفنانين لتأدية أغنيات العمالقة. هنا في أرض المباغتات، تخضع الخطط للظرف. يقول: «ينجح مشروع فنفكّر بالتالي، ليحدُث ما ينسف الخطط. الحروب تفرض إيقاعها. اليوم، وبعد مرارات غزة ولبنان، أردنا تذكيراً بإنسانيتنا. طوال الأمسية، سنصغي إلى أغنيات تحاكي المحبة والتسامح والقيم. سنشعر بقدرة الغفران على اجتراح الضوء، والحبّ على التخطّي».

لم يظنّ ريكاردو كرم أنّ موسماً آخر سيولّد آخر لقسوة الظرف (من حفل عام 2023)

في صالة السفراء بـ«كازينو لبنان» المُجاور لخليج جونية المتلألئ بأضواء الميلاد، يُقام الحفل لدعم 105 ممثلين تركوا لمساتهم المسرحية والسينمائية وأخبروا قصصاً لا تُنسى. اليوم، هم منسيّون. نحو 20 فناناً يجتمعون من أجل هذه القضية، ليعلنوا بأصواتهم ومواهبهم أنّ الذهب سيظلّ يلمع، وإن حجب وهجه غيمٌ أسود. بقيادة المايسترا ياسمينا صباح، وبمشاركة أوركسترا من 21 موسيقياً، مع نحو 20 راقصاً، يقول الفنانون برناديت حديب، وبرونو طبّال، وديا عودة، وجنى سلامة، وجو قديح، وكريستيان أو عنّي، ومنال ملاط، ومارك رعيدي باز، وماتيو خضر، ومكسيم شامي، وناريمان أبو رحال، ورند، وسهير نصر الدين، وطلال الجردي، وطوني أبو جودة، ووسام صليبا، وزاف؛ إنّ هذا العرض التطوّعي لا يحتفي بالمواهب اللبنانية وتنوّعها فحسب، وإنما يتحوّل يداً تمتدّ إلى مَن هجرتهم الأيدي، فتُهدّئ إحساسهم بالإهمال.

في «كازينو لبنان» يُقام الحفل لدعم 105 ممثلين تركوا لمساتهم (من حفل عام 2023)

يعود الريع لهم؛ هم بوصف ريكاردو كرم مَن «خانهم العُمر وربما الذاكرة، ولوّعتهم الحرب. الجزء المُهمَّش الذي أحالوه على الماضي وغباره». الفارق بين نسخة 2023 الأولى و2024 الثانية، أنّ الإنهاك أرخى ثقله على هذا العام. ومع ذلك، اتصل بمَن لبّوا النداء: «كانوا كثراً يجعلون التوقّف عند بعضٍ تذرَّعوا للتهرُّب، رغم كونهم أثرياء، مسألة ثانوية. دعمُ الفنانين لا يقتصر على صنفه المادي. كل ما يحتاجون إليه سيصل: دواء، ومواد غذائية، ومساحيق تنظيف، ومكياج، وملابس، وعطور...».

المكانة الإعلامية قرَّبت ريكاردو كرم من ممثلين يلمس معاناتهم (من حفل عام 2023)

يستيقظ يومياً مع أفكار جديدة لا يهدأ قبل أن تتحقّق. 3 عقود في الإعلام والحوارات والجهود الإنسانية، جعلت اسم ريكاردو كرم اختزالاً للصدقية والشفافية. وبالتحاق الشغف والمحبة بالفضيلتَيْن المتراكمتَيْن عبر السنوات، يضمن التجاوب وحماسة الخيِّرين لإسعاد الآخرين.

يُمازح بأنها «ليست نزعة اشتراكية» تلك المُحرِّضة على العطاء، وإنما رغبته في أن تسود العدالة الاجتماعية بين البشر. ويكشف أنّ الحفل سيشهد إطلاق جَمْع تبرّعات مفتوح عبر مواقع التواصل، بالتعاون مع مؤسسة بريطانية، لرفع المبلغ: «نستطيع الشعور بآلام ممثل رافق مراحل من أعمارنا وشكَّلت نجوميته شعاع أيام عصيبة. أرى في عيون الممثلين المنسيّين خيبات. المهنة جاحدة، والحرب هدَّت الحيل. الدولة والآخر، عمّقا الخذلان. نذكُرهم بالدعم والحبّ والوفاء».