للتقاليد دور مهم في تكون المجتمعات والأفكار، وارتباط مباشر بالفن عبر التاريخ، وكان توثيق العادات المختلفة للشعوب مصدر إلهام للفنانين عبر العصور؛ لذا أتت «مساحة مسك» الفنية لإبرازها عبر الفنون البصرية المختلفة من خلال برنامج الإقامة الذي وفر المرافق الفنية، والجلسات الإرشادية لعشرة فنانين وكاتبين.
وتطرق الفنانون المقيمون إلى تاريخ الفن التقليدي ليبحثوا في كيفية تسخير الفن لحماية التقاليد الثقافية، وكيف يستمدون الإلهام من التبادلات الثقافية، والتعمق في خلق سياقات جديدة بين التقاليد والابتكار.
تراث «غير رسمي»
يوثق عمل الفنانة السعودية نورا الدخيل عبر فيلم وثائقي رحلتها الاستكشافية في قلب الرياض القديمة الديرة، التي تحتضن «أسواق المزادات التراثية» في سوق «الزل» خلال الستينات باستخدامها السجاد الذي يوصف محلياً باسم «البسطة» بصفتها منصة يتاجرون من خلالها بالقطع التراثية.
لتتطور السوق من كونها مكاناً للتخلص من الخردة بسعر رخيص خلال أوائل القرن العشرين في حراج بن قاسم إلى محطة تجمع ثقافية يقودها شغف يجسد تاريخ المنطقة بأكمله ويوثق مرشحاً مهماً من تاريخ المنطقة عبر قطع نادرة تتنافس عليها المتاحف.
الجوع للوطن
وأطّرت الفنانة الفلسطينية أريج قاعود مفهوم الغربة في الأسواق التجارية التي تقدم الطعام من حول العالم، حيث يتلهف زائروها إلى تذوق نكهات من بلادهم عبر الأكلات الشعبية لتغذية حالة من الجوع النفسي والحنين للوطن.
وتتطور في عمل «بديش أشبع» تفاعلات شاعرية ومألوفة في أسواق العاصمة السعودية الرياض، حيث تُعزّز مفاهيم الشوق والحنين واللهفة للعودة قليلاً إلى الوطن من خلال الطعام في مساحة من الراحة المؤقتة والاتصال العاطفي.
الأثر والتأثير
تُعيد الفنانة الكويتية هيا الغانم النظر في التصورات المسبقة لإدراك كل من التقاليد والصيغة والزمان والذاكرة والمشاعر والمجتمع والأمل، وتمييزها في إطار مستقبلي جماعي شامل ومتكامل من خلال مشروعها الوثائقي «المصدر»؛ بل تعيد فيه تشكيل اللقطات الأرشيفية التي سجلها تلفزيون الكويت بين عامي 1961 و1989 لتكون أعمق وأبعد من مجرد ذكرى وحنين للفن الخليجي القديم.
ويضم عملها قطعتين هما «أثر»، وهي مجموعة من خمس مطبوعات بتقنية الطباعة الحريرية، و«تأثیر»، وهي تركيب فيديو رقمي ثلاثي القنوات لينقل هذا العمل الصور الأيقونية الموجودة في الأرشيف إلى سياق مادي جديد ومستقبل جديد.
وتسعى برامج إقامة «مسك للفنون» لدعم تطوير الفنون وممارستها، وتعزيز فرص التبادل الثقافي بين الفنانين والمجتمع المحلي والمشهد الثقافي العالمي؛ لذا تأتي «إقامة مساحة» لتنمية قطاع الفن من خلال توفير الفرص والمساحات التي تساعد في تسهيل الحوار والبحوث والتجارب حول المواضيع التي تهم المجتمع المحلي.
وأتاحت «مساحة» للعام الحالي الفرصة للفنانين الصاعدين من حول العالم والكتّاب ليتعمقوا في معنى العادات والتقاليد التي توارثتها الأجيال ومفاهيمها، من منظور أن التقاليد هي التي تُميِّز الشعوب عن بعضها وتعكس هويتها الثقافية وقيمها الجماعية، بل حتى جمالياتها التاريخية؛ فقد ترتبط بمكان ما وتمتد إلى مناطق أُخرى محيطة به.