احتفى مصريون خلال الساعات الماضية بذكرى ميلاد الفنانة المصرية الراحلة منيرة المهدية، وذلك لمرور 138 عاماً على ولادتها؛ واستعادوا دورها الوطني في مقاومة الاحتلال الإنجليزي لمصر (1882-1956) من خلال أغنيات وأناشيد أدّتها في حفلاتها.
وسبق أن اختلف مؤرخون على تحديد عام ميلاد المهدية التي اشتهرت بلقب «سلطانة الطرب»، فأرجعه بعضٌ إلى عام 1888، وآخرون إلى عام 1885، فيما أشار فريق ثالث إلى أنها من مواليد 1892، ليحطّ شبه الإجماع على عام 1885، تاريخاً لميلادها، وفق ما ذكرته رئيسة دار الأوبرا ومعهد الموسيقى العربية سابقاً رتيبة الحفني، في كتابها «السلطانة منيرة المهدية والغناء في مصر قبلها وفي زمانها».
وذكر الكتاب أنّ «زكية حسن منصور التي عُرفت لاحقاً باسم منيرة المهدية، ولدت في قرية مهدية التابعة للإبراهيمية بمحافظة الشرقية عام 1885 وعاشت طفولتها بشكل كامل في محافظة الإسكندرية».
ووفق مؤرخين، فإنّ «سلطانة الطرب» لعبت دوراً سياسياً كبيراً خلال فترة «ثورة 1919» بأغنياتها الوطنية وعلاقاتها بكبار الساسة في مصر، فخشيت السلطات البريطانية غضبها، لدرجة أنها، حين أصدرت قراراً بإغلاق المقاهي تحسباً لتجمعات المصريين، رفضت إغلاق مقهى منيرة المهدية (نزهة النفوس).
وذكر المؤرّخ المصري الراحل كمال النجمي في كتابه «الغناء المصري»، أنّ «منيرة المهدية كانت أول سيدة تُساند بصوتها سعد باشا زغلول، وضربت عرض الحائط بقرارات بريطانيا التي منعت أي فنان أو مطرب في ذلك الوقت من الغناء له».
وفي مقابلة مع الإعلامية أماني ناشد، بعنوان «سهرة مع فنان» بُثت مع ظهور الإرسال التلفزيوني بمصر، قالت منيرة: «فعلتُ كل ما في وسعي لمناصرة قضيتي وقضية المصريين في إجلاء البريطانيين عن مصر». كان ذلك من خلال تقديمها مسرحيات غنائية عدّة خلال الفترة من 1919 إلى 1922، أبرزها مسرحية «كلها يومين» التي كتبها الشيخ محمد يونس القاضي ولحنها سيد درويش – وهما صُناع النشيد الوطني المصري الحالي - وكشف تفاصيلها المؤرّخ المسرحي سيد علي إسماعيل في موسوعته «مسيرة المسرح في مصر 1900-1935».
وأوضح إسماعيل أنّ «المسرحية أُعلن عنها للمرة الأولى في يناير (كانون الثاني) 1920 ومُثلت في مايو (أيار) 1920 واستمر عرضها لأكثر من عامين، ودارت أحداثها بصورة رمزية حول سعيد، طالب الطب، وشقيقته زينب، اللذين واجها محاولة جارهما الاستيلاء على منزلهما».
وسردت منيرة في مذاكرتها المنشورة في أكثر من دورية صحافية بخمسينات القرن الماضي، من بينها «البوليس» و«الموعد»؛ تفاصيل علاقتها برئيس وزراء مصر في أثناء فترة «ثورة 1919» حسين رشدي باشا، الذي ناصرها لـ«دورها الوطني».
ومن المواقف التي لا تنساها، دورها في إطلاق أحد الثوار: «طلبتُ من رئيس الوزراء حينها حسين رشدي الإفراج عن أحد الثوار محمود جبر، وتفاجأت برفضه طلبي، فقابلتُ المعتمد البريطاني الذي وافق بشرط أن يُعقد قراننا لحظة إطلاقه. بالفعل وافقتُ، وعقدنا القران بشهادة اثنين من موظفي (دار الحماية البريطانية)».
بدورها، أكدت مؤلّفة «مذكرات منيرة المهدية»، التي صدرت عن مؤسسة «أخبار اليوم» الرسمية في مصر عزة كامل، لـ«الشرق الأوسط» أنّ «منيرة المهدية كانت لها عشرات المواقف الوطنية المهمة، فسعد باشا زغلول كان واحداً من أهم روّاد مقهاها ومسرحها»، موضحة أنّ «أغنيات منيرة لم تكن فقط من أجل دعم سعد؛ بل كانت لها أغنيات وطقطوقات تطلب فيها من المصريين عدم بيع الزبادي الذي كان يصنّعونه لبريطانيا، والاكتفاء ببيعه للمصريين، وذلك لدعم الصناعة المصرية والترويج لها».