عبد الله العثمان يستدعي أسطورة العشق والطبيعة في «زهوى»

ضمن معرض «شموس متبخرة» بسويسرا

عبد الله العثمان أمام عمله «زهوى» المعروض حالياً في بازل السويسرية (الشرق الأوسط)
عبد الله العثمان أمام عمله «زهوى» المعروض حالياً في بازل السويسرية (الشرق الأوسط)
TT

عبد الله العثمان يستدعي أسطورة العشق والطبيعة في «زهوى»

عبد الله العثمان أمام عمله «زهوى» المعروض حالياً في بازل السويسرية (الشرق الأوسط)
عبد الله العثمان أمام عمله «زهوى» المعروض حالياً في بازل السويسرية (الشرق الأوسط)

يلتقط الفنان قصصاً تلهمه ويحوّلها إلى أعمال فنية، بينها الأساطير التي تُغذي المخيلة. هذا ما يستند إليه السعودي عبد الله العثمان الذي يشارك حالياً في مدينة بازل السويسرية بمعرض «شموس متبخرة». ورغم كونه الفنان السعودي الوحيد في هذا التجمّع الذي يستقطب المهتمّين بالفن المعاصر، فإنّ القصة لا تكمن في مشاركته فحسب، بل في فكرة العمل الفني الذي سمّاه «زهوى».

يجسّد العثمان أسطورة من عمق صحراء الجزيرة العربية ويقدّمها في تكوين نصفه العلوي يتضمن رأساً وجسد غزال المها، ونصفه السفلي عبارة عن ثعبان ضخم. وهو عمل يتناول أسطورة العشق والطبيعة في قلب الجزيرة العربية، ويُظهر نظرة الفنان إلى التراث والتقاليد الشعبية ورواية القصص كأدوات في بناء الأساطير.

يتحدث العثمان لـ«الشرق الأوسط»، مبيناً أنّ عمله يسعى إلى التمعّن في تاريخ الأساطير وإرثها في مجتمعات الماضي والحاضر: «الأسطورة جزء من ثقافة المجتمعات وتراثها، بعضها كانت قصصاً ذكرها أشخاص ثم رسخت في ذاكرة المجتمع والمكان وثقافته ووجدانه. لذا ألهمتني حالة التأمل والخلق هذه في تجربتي الفنية عبر (زهوى)».

قصة «زهوى»

يروي العثمان قصة الأسطورة التي ألهمته في عمله، وتدور حول رجل يعيش مع طفله، الذي يعشق اللعب مع الحيوانات، في صحراء الجزيرة العربية وسط قسوة الظروف المناخية وشدة برودة الشتاء.

مع موت الطفل، ينزع الأب قلب صغيره ويزرعه داخل حيوان المها (غزال الصحراء الشهير)، الذي هو «زهوى»، بمحاولة لتخليده في هذا العالم. يسترسل العثمان، مبيناً أنّ «زهوى» أُنهِك بعد ذلك لفترة ثم استأنف نشاطه، وتغيّرت قرونه إلى لون لامع برّاق، وأصبح قوياً جداً حدّ أنّ قطّاع الطرق راحوا يبتعدون عن المكان حيث هو، تجنّباً للاصطدام به.

يُكمل: «تمر سنوات ويعمّ السلام، إلى أن يموت الرجل صاحب المها، والجميع يحاول الوصول إلى (زهوى) دون جدوى، بينهم فارس شجاع اشترطت عليه حبيبته إحضار رأس زهوى لتوافق على الزواج به، لكنه يحاول ولا يستطيع، ثم يستعين بساحرة تعيش فوق الجبال لتساعده».

ووفقاً للرواية، تشعل الساحرة النيران ثم تتحوّل إلى ثعبان ضخم يسير بين الجبال بحثاً عن «زهوى»، ويعثر عليها. يحتدم الصراع بينهما، ليعضّ الثعبان «زهوى» وتموت، وهنا ينتصر الفارس وتنتهي الحكاية. تبدو رمزية ذلك واضحة في العمل الفني، حيث إن نصفه يتضمن حيوان المها (زهوى) بلون معدني برّاق، ونصفه السفلي يتضمّن ثعباناً أسود ضخماً، في مقاربة تشبه هيئة أسطورة عروس البحر.

صياغة الأسطورة

بسؤال العثمان عن مرجعه حول هذه الأسطورة، يجيب: «استلهمتها من كتب الأساطير في قلب الجزيرة العربية، ثم صغتها بشكل فني حديث». وعما يحاول أن يرمي إليه في عمله، يوضح أنه يتناول علاقة الإنسان بالحيوان، خصوصاً أنّ حيوانات الصحراء صعبة المراس، مما يتطلب نباهة عالية للتواصل معها.

يتابع: «الأساطير التي نعتقد أنها خرافات خيالية، تتضمن في أصلها مفاهيم وسلوكيات أثرت في الثقافة الشعبية والتراثية الشفهية. والأسطورة في ذاك الزمان تشبه الذكاء الصناعي في عصرنا الحالي، وصياغتها تعكس حقائق ما وصلنا إليه في الذكاء الصناعي الذي يصنع أشياء غير حقيقية ويحوّلها إلى حقائق».

العمل يقدم ضمن معرض «شموس متبخرة» في بازل السويسرية، بتنظيم مؤسسة KBHG، وتقييم منصة «دروازة التجريبية للفنون»، وهو معرض يبحث في اتساع نطاق الأساطير الموروثة في منطقة الخليج ومدى ترسّخها عبر الأجيال وإعادة تقديمها إلى العالم المعاصر. كما يكشف عن التوترات والتذبذبات بين الأسطورة والحقيقة، فتصبح الحقيقة إطاراً يزيل الغموض. أما الأسطورة، فتلعب دوراً تكوينياً في فهم قانون الزمن والتغيرات التي يمكن تتبّعها بمروره، وعلاقته بالأماكن والفضاءات. يشارك في المعرض 13 فناناً وفنانة هم: ميثاء عبد الله، وميس البيك، وفاطمة الفردان، وموزة المطروشي، وعبد الله العثمان، وفرح القاسمي، ومشاعل الساعي، وزهور الصايغ، وأسماء بالحمر، وآلاء إدريس، وسيف محيسن، وفاطمة أوزدينوفا، وبو يوسف؛ ويفتح أبوابه للزوار حتى 16 يوليو (تموز) المقبل.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض