الرطوبة... زائر فوق العادة في الرياض

آثار «الحالة النادرة» امتدت إلى أجهزة التكييف وأقسام الطوارئ في المستشفيات

تصوير جوي خلال النهار في العاصمة السعودية الرياض (إ.ب.أ)
تصوير جوي خلال النهار في العاصمة السعودية الرياض (إ.ب.أ)
TT

الرطوبة... زائر فوق العادة في الرياض

تصوير جوي خلال النهار في العاصمة السعودية الرياض (إ.ب.أ)
تصوير جوي خلال النهار في العاصمة السعودية الرياض (إ.ب.أ)

يحاول ثامر (34 عاماً) وهو موظف مكتبي في إحدى الشركات المالية، الاستمتاع بأجواء صباح الرياض التي لم يبدأ بالتعوّد عليها حتى اليوم.
يقول إنه أمضى سنواته العشر الماضية في المملكة المتحدة، لدراسة درجتي البكالوريوس والماجستير، واعتاد خلالها أن يسير كل صباح إلى محطة القطار التي تبعد 14 دقيقة سيراً بالأقدام دون معاناة مع الطقس، لكن ارتفاع درجات الحرارة المستمر في الرياض، جعله يعاني خلال ذهابه بنفس المدة حتى يصل إلى مقر عمله.
ومع أن ثامر والكثيرين غيره استبشروا بتوقعات الأمطار وانتشار الغيوم، الأسبوع الماضي، في العاصمة الرياض، لكن هذا الشعور لم يدُم طويلاً بسبب حالة الرطوبة غير المسبوقة التي رافقت ذلك.
وسجّل المركز الوطني للأرصاد، خلال الأشهر الماضية تراوحاً في نسب الرطوبة على الرياض، ما بين 20 إلى 30 في المائة، قبل أن تقفز النسبة إلى قرابة الضعف، يوم السبت من الأسبوع الماضي، مسجّلة 55 في المائة ثم 70 في المائة في اليوم التالي و75 في المائة في اليوم الذي يليه؛ ثم تهادت في الأيام التالية لتتراوح ما بين 60 إلى 40 في المائة، وهي نسب مرتفعة بطبيعة الحال.
    

نسبة الرطوبة في الرياض خلال مطلع الشهر الجاري شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في غضون 72 ساعة
 

وعزز ذلك بيان توضيحي صدر من المركز الوطني للأرصاد، أكّد أن «الحالة المطرية في الرياض والمنطقتين الوسطى والشرقية تعدّ من الحالات المطرية غير الاعتيادية في هذه الفترة من فصل الصيف»، وجاء في البيان أن «تكرار هذه الحالة غير مستبعد خلال الفترة القادمة في ظل التغيّرات المناخية والظواهر الجويّة الحادة والمتطرّفة التي باتت تؤثر على العالم والمنطقة».
https://twitter.com/PmeMediacen/status/1554080779801694208?s=20&t=mgN43yh0xmAzKvghtGlrjw
والمفارقة أن بعض تطبيقات الطقس في الهواتف الذكية، سجّلت خلال الأسبوع المنصرم ارتفاعات لحظية في نسبة الرطوبة في الرياض، لتتفوق خلال بعض ساعات النهار على محافظة جدة في ساحل البحر الأحمر، ومحافظة الأحساء في ساحل الخليج العربي، رغم تشكّل الغيوم واستمرار الحالة المطرية لأوقات متفرقة على مناطق كثيرة من الرياض وجوارها.
أما عبد العزيز الحصيني، عضو جمعية الطقس والمناخ، فيكشف أن سبب ارتفاع نسبة الرطوبة يرجع إلى «تقدم كتلة رطبة من الشرق من بحر عمان وبحر العرب ومن ورائهما المحيط الهندي نحو جنوب شرقي الجزيرة العربية، أثّرت على عمان والإمارات ثم قطر؛ ثم بعد ذلك تأثرت بها منطقة الرياض قبل أن تتسع الحالة لتشمل معظم مناطق المملكة».
ومع أن الحصيني من خلال متابعته الطويلة والمستمرة لسنوات، يشير إلى أنه لا يتذكر حدوث حالة رطوبة عالية مشابهة لهذه الحالة خلال شهر يوليو (تموز) في الرياض، وبأن وصول نسبة الرطوبة إلى 75 في المائة بحسب هيئة الأرصاد؛ حالة نادرة في مدينة صحراوية على غرار الرياض، لكنه يبشّر بأن سقوط الأمطار في شهر أغسطس (آب) الجاري «ما زال متوقّعاً بتقدير العزيز الحكيم».
ويلفت الحصيني في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه بحلول نهاية هذا الأسبوع سوف يدخل نجم «اللاهوب الثاني المعروف بـالكليبين؛ وهو أيضاً من مواسم الصيف والحرارة الشديدة، ورغم أن الثلث الأخير في شهر أغسطس يكون جيّداً في الغالب بسبب انخفاض درجات الحرارة ونسب الرطوبة، لكن ذلك لا يمنع أن يأتي نجم سهيل هذه المرة محملاً بنسبة رطوبة عالية - لا قدّر الله -».
https://twitter.com/A__alhussaini/status/1555745104224292864?s=20&t=CnkWMvbSM6dDrE6ZPkg56g
وبينما عانى كثير من السكّان المحليين من هذا الارتفاع في نسب الرطوبة ودرجات الحرارة، إلا أن تأثيرات هذه النسب العالية من الرطوبة لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل تجاوزت ذلك إلى التأثير على أجهزة التكييف، وبحسب أمين الأخرس، وهو مشرف إدارة الصيانة في إحدى الشركات الإلكترونية الكبرى في الرياض، فقد باشرت إدارته خلال أيام السبت والأحد والإثنين من الأسبوع الماضي «نحو 237 حالة لمعالجة تسريب وانسداد في أجهزة التكييف لدى العملاء بمعدل 79 حالة كل يوم، موزّعة على مختلف أحياء الرياض، ومع ذلك لم نتمكن من تغطية كافة الحالات التي طلب عملاؤنا معالجتها نظراً لكثرتها وتزامُنها في وقتٍ واحد»، مضيفاً أن حالات الانسداد هذه تتزامن كليّاً مع «أي ارتفاع في نسب الرطوبة الجوية ويكون وقعها أعلى عندما تكون المنطقة الجغرافية معتادة على الجفاف، ثم يصيبها ارتفاع مفاجئ في نسبة الرطوبة».
ونوّه الأخرس إلى أن وكالات التكييف والأجهزة الإلكترونية، باتت تركّز في مبيعات أجهزة التكييف في مدينة الرياض والمناطق والمحافظات القريبة منها، على تعزيز خاصية «طرد الرطوبة» في أنظمة التحكم الذكية للمكيّفات، من أجل منح قدرات إضافية للتعامل الذاتي مع مثل هذه الظروف المناخية التي تنعكس على طاقة وأداء أجهزة التكييف.
وتناقل عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الرياض، تجاربهم مع الزائر غير المعتاد – الرطوبة العالية – معتبرين أن ارتفاع درجات الحرارة الذي يصاحبه جفاف أو رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار، هي في الوضع الطبيعي أفضل حال بالنسبة لهم، من استقبال الرطوبة المتزامنة مع ارتفاع درجات الحرارة، حتى وإن صاحبها غيوم وأمطار، بسبب تأثيراتها الصحية على كثير منهم، خصوصاً من يعانون من أمراض الصدر والربو المزمنة، فضلاً عن أثرها المعنوي على أولئك الذين يقضون فترة النهار خارج منازلهم.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».