هل تؤثّر طريقة التقطيع على مذاق الطعام؟

ما بين المبشور والمكعبات والشرائح الرقيقة

الشيف المصري عصام راشد (الشرق الأوسط)
الشيف المصري عصام راشد (الشرق الأوسط)
TT

هل تؤثّر طريقة التقطيع على مذاق الطعام؟

الشيف المصري عصام راشد (الشرق الأوسط)
الشيف المصري عصام راشد (الشرق الأوسط)

لا تتوقف أهمية طرق التقطيع بالسكين عند رفع مستوى الجاذبية البصرية للأطباق، إنما تتجاوز ذلك لتشمل تحقيق تغير جذري في مذاق الطعام، وملمسه، ونكهته.

هكذا ينصح الطهاة الذين باتوا يؤكدون أن الاهتمام بتقنية التقطيع تؤدي إلى أطباق ملهمة، تساعد على الارتقاء بتجربة الطهي لكل شخص.

هنا يقودنا الشيف المصري عصام راشد إلى مقولة رائجة في عالم الطبخ، وهي «التفاصيل الصغيرة في الطهي قد تُحدث فرقاً كبيراً»، وتابع: «ويدخل في إطار ذلك مختلف أنواع المأكولات من خضروات ولحوم وأسماك».

يقول راشد لـ«الشرق الأوسط»: «كثيرون يعتقدون أن تأثير التقطيع ينحصر في إكساب الطعام المظهر الجذاب، وتقليل الهدر، لكن في الواقع الأمر يتجاوز ذلك بمراحل؛ إذ يُؤثر اختيار التقطيع المُناسب للمكونات على نجاح عملية الطهي وتميزها». والدليل على ذلك أن تقاليد الطهي حول العالم تؤكد أهمية دقة التقطيع وفق الشيف المصري.

ويدعوك راشد إلى استكشاف كيف تؤثر طرق تقطيع السكاكين المختلفة على نتيجة طعامك، مما يُعزز المذاق، مشيراً إلى أن «التقطيع مهم؛ لأن مساحة السطح يُمكن أن تؤثر على النكهة».

على سبيل المثال تُعد الشرائح الرقيقة مثاليةً للقلي في المقلاة؛ لأنها تُطهى بسرعة، أما المكعبات أو القطع الصغيرة، فهي مناسبة جداً لليخنات أو الطواجن المطهوة ببطء؛ لأنها تحافظ على شكلها أثناء عملية الطبخ.

وهنا تبرز أهمية التقطيع بالسكين مقارنةً باستخدام اليد أو أدوات تحضير الطعام الكهربائية في بعض الأحيان؛ إذ إن القطع بالسكين يحقق مظهراً أنيقاً واحترافياً.

وذلك لأنه يحقق اتساق الحجم، والتقطيع المتساوي، الذي يسمح بدوره بتوزيع متساوٍ للحرارة والنكهة؛ مما يضمن أن تتمتع كل قضمة بالتوازن نفسه في القوام والنكهة، وفق راشد.

ويلفت إلى أن «القطع المتساوية تسمح بطهي جميع المكونات بالقدر نفسه، على سبيل المثال: إذا كنت تُحضر طبق خضار مقلي، وكانت الخضراوات مقطعة بشكل غير متناسق، فسينضج بعضها أكثر من اللازم، بينما سينضج البعض الآخر بشكل غير كامل، مما ينتج عنه قوام غير متساوٍ أيضاً».

يٌعد القلقاس من الأطباق التي تتبع طريقة "برونواز" في التقطيع

و«لاحظ أيضاً أن الخضروات المقطعة بدقة أكبر تتفاعل بشكل أفضل مع المكونات الأخرى في الطبق، مثل الزبدة أو الملح أو التتبيلة، ما يقوي المذاق كما أشرنا».

وينصح: «عند إعداد أطباق تلعب فيها الأعشاب دوراً مهماً مثل الأسماك فإنه من المهم تقطيعها رفيعة أو مفرومة؛ لنساعدها على إطلاق زيوتها العطرية، مما يدعم نكهة الطبق بأكمله».

وعند الحديث عن استخدام الكبة أو آلة تحضير الطعام فإننا نلاحظ أن التقطيع من خلالها أيضاً له معايير، على سبيل المثال عند إعداد الملوخية أو البامية على الطريقة المصرية فإنه من المهم أن يكون فرم الثوم ناعماً للحصول على نكهة قوية.

مكعبات التوفو المقلية مقطعة وفق طريقة "برونواز"

وكذلك يتفاعل البصل المفروم ناعماً مع الزيت أو الزبدة بشكل أقوى من البصل المقطع إلى قطع كبيرة. وفي عالم الطهي تبرز مجموعة من أنواع تقنيات تقطيع الطعام يتبعها الطهاة المحترفون، ويمارسها البعض من الهواة، سواء كانوا يعرفون أسماءها التي تشتهر بها، أو لا يعرفونها حسب الشيف المصري.

ومن هذه التقنيات طريقة «جوليان» ووفقاً لها يتم تقطيع الطعام إلى شرائح رفيعة تُشبه أعواد الثقاب، وهي مثالية للسلطات وأطباق القلي السريع، وكذلك للوصفات التي تحتاج فيها الخضراوات إلى الحفاظ على قرمشتها أو التي تتطلب التتبيل السريع.

وهناك طريقة «برونواز» وتستخدم بشكل خاص في أساليب الطهي الراقية التي تتطلب ملمساً ناعماً ومتماسكاً في آن واحد، وفيها يتم تقطيع الطعام إلى مكعبات صغيرة.

من المهم مراعاة قوام اللحم ونكهته المطلوبة عند اختيار تقنية التقطيع

وتتميز «برونواز» بأنها تسمح للخضراوات بالذوبان في الطبق، مما يثري نكهتها من دون إضافة أي قرمشة غير مرغوب فيها.

أما تقنية «شيفوناد»، ففي إطارها يتم تقطيع الطعام إلى شرائح رفيعة جداً، فتبدو كما لو أنها مبشورة بآلة، وتُستخدم هذه الطريقة بشكل أساسي للأعشاب الورقية والخضراوات مثل السبانخ أو البقدونس أو الشبت والكزبرة الخضراء، ولاتباعها تُرص الأوراق، وتُلف بإحكام، ثم تُقطع شرائح رفيعة عبر اللفافة.

ويناسب هذا الأسلوب في التقطيع وصفات السلطات والمعكرونة والحساء، وهي تضفي ملمساً رقيقاً، أما ما يتعلق بالنكهة فإن «شيفوناد» تُطلق الزيوت والمركبات العطرية الموجودة في الأعشاب.

وأمام التقطيع الدائري فإننا نكتشف لكم تحفز قطعة الطعام المستديرة الناس، لا سيما الأطفال على التفاعل بشكل مختلف عن القطعة المربعة.

وبالنسبة لفرم الطعام فإن من أشهر مكونات التي نستخدم فيها هذا الأسلوب هو الثوم والبصل للثوم والزنجبيل وغيرها من المكونات ذات النكهات أو الروائح القوية؛ لأن الفرم يساعد على استخراج المزيد من العصائر والزيوت الطبيعية من المكونات؛ ليمتلئ بها جميع أنحاء الطبق.

طرق عدة لتقطيع المأكولات البحرية من طبق لشيف عصام راشد (الشرق الأوسط)

أما اللحوم فمن المهم مراعاة قوامها ونكهتها المطلوبة عند اختيار تقنية التقطيع، على سبيل المثال، يمكن تقطيع اللحوم الأكثر طراوةً مثل لحم العجل إلى شرائح أكثر سمكاً من دون فقدان عصارتها.

بينما قد تتطلب اللحوم الأكثر صلابة مثل لحم البقر قطعاً أرق لجعلها أكثر طراوة وأسهل في الأكل.

بالإضافة إلى اختيار تقنية التقطيع المناسبة، من المهم أيضاً معرفة قطع اللحم الأنسب لكل تقنية، على سبيل المثال، يُقطع «لحم فيليه مينيون» عادةً إلى شرائح سميكة لأنها طرية، وبفضل قوامها الشهي الذي يذوب في الفم، بينما يُقطع لحم الكتف إلى مكعبات لليخنات؛ لأن هذه المنطقة من جسد الحيوان تعدُّ من أقسى وأقوى المناطق.

كما أنه من المهم الوضع في الاعتبار اتجاه ألياف اللحم، إذ إنه بتقطيع اللحم عكس اتجاه الألياف فإننا نقطع تلك الألياف، مما يزيد من طراوة القطعة ويجعلها أسهل للمضغ، أما عند التقطيع مع اتجاه ألياف اللحم فإننا نحصل على قطعة لحم أكثر مضغاً.


مقالات ذات صلة

الشيف نوال نويدر: النفس والكرم يشكّلان سرّ نجاحي

مذاقات مع ابنتها ميرنا التي ورثت عنها شغفها للطهي

الشيف نوال نويدر: النفس والكرم يشكّلان سرّ نجاحي

قصة الشيف نوال ضاهر نويدر لا تشبه غيرها من حكايات زملائها في المهنة. شغفها بالطبخ بدأ منذ الثانية عشرة من عمرها. كانت والدتها تطردها من المطبخ لملازمتها الدائمة

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات المطعم في جلسته الخارجية (الشرق الاوسط)

«طاولة عمّيق» جلسة في حضن البقاع بنكهة الأكلات التراثية

«هنا عمّيق أطفئ جهازك الخلوي واستمتع بالطبيعة». هكذا يستقبلك أهل بلدة عمّيق في البقاع الغربي. فهم يناشدونك الانفصال التام عن عالم المدينة.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طبق مصمم عن طريق الذكاء الاصطناعي (نيويورك تايمز)

«تشات جي بي تي»: أداة العام الجديدة الرائجة بين الطهاة

على مدار أربعة أشهر في عام 2026، سيقدم مطعم Next في شيكاغو قائمة طعام من تسعة أطباق، يبتكر كل طبق منها طاهٍ مختلف. من بين هؤلاء الطهاة، امرأة تبلغ من العمر 33…

بيت ويلز (نيويورك)
مذاقات فرع «لا بيتيت ميزون» في دبي (الشرق الأوسط)

عنوان محبي الطعام الفرنسي والمتوسطي

أعلن «لا بيتيت ميزون»، المطعم الشهير عالمياً بتقديم المأكولات الفرنسية المتوسطية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات "أتموسفير" من العناوين الجميلة لتاول الشاي بعد الظهر (الشرق الاوسط)

أين تتناول شاي بعد الظهر في دبي؟

تُعد تجربة «شاي بعد الظهر» واحدة من الطقوس الراقية التي تعكس الذوق الرفيع والأناقة في الضيافة، وقد وجدت هذه العادة الإنجليزية التقليدية طريقها إلى دبي.

«الشرق الأوسط» (دبي)

«سولاي باي كلود» ينقل البحر المتوسط إلى سطح «ذا بينيسولا لندن»

جلسة خارجية في الطابق الثامن من فندق ذا بينينسولا بلندن (أنتون رودريغز)
جلسة خارجية في الطابق الثامن من فندق ذا بينينسولا بلندن (أنتون رودريغز)
TT

«سولاي باي كلود» ينقل البحر المتوسط إلى سطح «ذا بينيسولا لندن»

جلسة خارجية في الطابق الثامن من فندق ذا بينينسولا بلندن (أنتون رودريغز)
جلسة خارجية في الطابق الثامن من فندق ذا بينينسولا بلندن (أنتون رودريغز)

صيف لندن هذا العام «غير»، فهو مختلف عن السنوات الماضية، فلم تبخل الشمس ببسط أشعتها لتزيد من رونق المدينة التي تعاني عادة من علاقة غير وطيدة بالطقس الدافئ واستضافة الشمس لوقت متواصل في فصل الصيف.

ولهذا السبب؛ ترى ازدياداً في توفر الجلسات الخارجية، وتحويل المساحات المتوفرة على أسطح الابنية في وسط المدينة مطاعمَ مطلة على أجمل المعالم والمناظر.

من أطباق "سولاي باي كلود" (أنتون رودريغز)

وينضم اليوم الشيف الفرنسي كلود بوسي إلى الطهاة الذين ينقلون خبرتهم إلى هواء لندن الطلق، من خلال افتتاح مطعم من نوع الـ«Popup» أو «المؤقت» يحمل إسم «سولاي باي كلود» Soleil By Claude، حيث اختار سطح فندق «ذا بينيسولا» في منطقة هايد بارك ليترجم اسم المطعم الذي يعني «شمس» حرفياً إلى واحة فرنسية تنقلك إلى أجواء البحر المتوسط على الشرفة الساحرة في الطابق الثامن من الفندق.

منذ اللحظة الأولى التي تخطو فيها إلى التراس تشعر وكأنك سافرت إلى جنوب فرنسا أو سواحل إيطاليا، مساحة مفتوحة، وديكور مستوحى من البحر، وأشعة الشمس تغمر المكان على أنغام الموسيقى الحية الذي ينسقها «دي جي» نهاية كل أسبوع تحوّل بذلك هذا المكان وجهةً نابضة بالحياة، مثالية لتناول الفطور والغداء والعشاء تحت سماء لندن.

لائحة طعام غنية بالاسماك وثمار البحر(أنتون رودريغز)

قائمة الطعام مستوحاة من البحر المتوسط، ولكنها تعتمد على أجود المنتجات المحلية البريطانية. وهناك خيار كبير من الأسماك، من بينها كارباتشو الأخطبوط وسلطعون البحر وسمك الـ«سي باس» المطبوخ بالملح ويقدم لشخصين، إلى جانب أطباق مرافقة أخرى، مثل طحالب البحر مع الليمون وكرات البطاطس المشوية، كما توجد على اللائحة خيارات عدة لأنواع أخرى من القواقع والأسماك مثل السي بريم والـ«كود» من الساحل البريطاني. ومن الأطباق اللذيذة أيضاً كتف الضأن المطهو لسبع ساعات، والقاروس المشوي يطهى بحرفية عالية جداً.

وتم اختيار الأطباق على اللائحة الخاصة بـ«سولاي» لتكون مزيجاً ما بين المطبخ الفرنسي والمنتج البريطاني، فتم اختيار منتجات من مناطق شهيرة في بريطانيا مثل كورنوول ودورسيت ولايك ديستريكت، واستطاع الشيف بوسي أن يستخدم خبرته ومهارته في الطهي التي قدمت له نجمتي ميشلان بأن يبتكر أطباقاً طازجة بمذاق متوسطي بامتياز.

سي باس مغلفة ومطهوة بقشرة من الملح (أنتون رودريغز)

أما بالنسبة للأطباق الحلوة فجاءت متناسقة مع فاكهة الصيف التي استخدمت في أطباق عدة وبأشكال متعددة، مع لمسة فرنسية واضحة، ومن ألذ الأطباق تارت الفواكه والمانغو بالميرينغ.

تجربة «سولاي باي كلود» الصيفية تستمر لغاية الواحد والثلاثين من أغسطس (آب) المقبل، وبعدها يعود مطعم «بروكلاندس» الذي يستقبل المطعم المؤقت حالياً إلى وضعه السابق ليستقبل زبائنه مجدداً مع قائمة خريفية جديدة وديكور مختلف.حالياً تم تغيير الديكور الداخلي ليتناسق مع فكرة «سولاي» التي توحي بالصيف والشمس والدفء.

من أطباق مطعم "سولاي باي كلود" المؤقت (أنتون رودريغز)

يفتح المطعم أبوابه من الاثنين إلى الاحد ويقدم الفطور الفرنسي من الثامنة إلى الـ11 صباحاً وفترة الغداء تمتد ما بين الساعة 12 ظهراً و10 مساءً.

يشار إلى أن فنادق بينينسولا أطلقت سلسلة طهي فريدة بعنوان «ثلاثة طهاة، ثلاث ولائم»، وهي تعاون مميز يجمع بين ثلاثة من أبرز الطهاة في أوروبا من فنادق بينينسولا في باريس ولندن وإسطنبول. يقدّم كل من الشيف دافيد بيزيه (باريس)، كلود بوسي (لندن)، وفاتح توتك (إسطنبول) قائمة تذوق من ستة أطباق مستوحاة من الذكريات والحرفية ونكهات بلدانهم الأصلية. تتضمن كل وليمة، والمقامة لليلة واحدة فقط، طبقين مميزين من إعداد كل شيف؛ ما يتيح للضيوف تجربة طهوية متنقلة بين ثلاث مدن أوروبية. وتركز هذه السلسلة على إبراز الفلسفات الخاصة بكل شيف، مع الالتزام المشترك بسرد القصص من خلال الطعام والمكونات المحلية والتأثير العاطفي.

مأكولات فرنسية بمكونات بريطانية (أنتون رودريغز)

بعد العشاء الافتتاحي الذي نُظّم في مطعم «لوازو بلان» في باريس والذي نُفذت جميع مقاعده، تنتقل السلسلة الآن إلى لندن ثم إسطنبول لتستكمل فصول هذه الرحلة الطهوية الأوروبية الاستثنائية.

وقد انطلقت هذه السلسلة بالفعل من مطعم «لوازو بلان» في باريس، حيث شهدت الأمسية الأولى إقبالاً استثنائياً أدى إلى نفاد جميع الحجوزات. وتنتقل التجربة الآن إلى لندن ثم إلى إسطنبول، لتواصل ما يمكن وصفه برحلة طهوية أوروبية متعددة الحواس.

اللافت في هذه المبادرة ليس فقط المستوى العالي للطهي، بل أيضاً الالتزام المشترك بين الطهاة الثلاثة بسرد القصص من خلال الطعام. فكل منهم يستلهم من بيئته وذكرياته ومكونات بلده، ليحوّل كل طبق تجربةً ذات بعد إنساني وعاطفي.

كما تشكّل السلسلة فرصة نادرة لعشّاق الطهي لاستكشاف أساليب وتقنيات متنوعة ضمن سياق واحد، يجمع بين التقاليد والابتكار، المحلي والعالمي، في آنٍ واحد.