جولة على أطباق تراثية تعود إلى الضوء

«الباشا وعساكره» يفتح الشهية من سوريا إلى لبنان

الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
TT

جولة على أطباق تراثية تعود إلى الضوء

الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)
الباشا وعساكره (الشرق الاوسط)

يزخر مطبخ البحر المتوسط بأطباق طعام منوعة وغنية، بينها ما يعود إلى بلاد الشام وأخرى إلى بلاد الأناضول. فكل بلد يحضّرها على طريقته وبأسلوب ربّات المنازل. فكل سيدة تصنعها كما تشتهيها، وتحاول تعديلها بما يلائم رؤيتها في الطبخ.

مؤخراً، شهد المطبخ اللبناني عودة ملحوظة للأطباق التراثية. وبعض مؤلفي كتب الطهي وغيرهم من الطهاة المعروفين يبحثون عنها، فيجوبون القرى والبلدات كي يعثروا على أصولها الحقيقية.

«الشرق الأوسط» اختارت 3 أطباق تراثية من المطبخ اللبناني، بينها ما يعود أصولها إلى القرى والضيع، وأخرى تم استقدامها من بلد آخر لما شهد لبنان من حضارات مختلفة.

رشتة المعكرونة والعدس (الشرق الاوسط)

«الزنكل بالعدس» طبق شتوي بامتياز

قلّة من اللبنانيين يعرفون هذا الطبق أو سبق وتذوقوه من قبل. في انتمائه إلى الصنف التراثي القديم، يشتهر هذا الطبق في قرى البقاع وجبل لبنان والشوف.

يتألف هذا الطبق من ثلاثة مكونات أساسية، ألا وهي العدس وحبيبات الزنكل والبصل المقلي. يعتبر من أشهى وأطيب الأطباق الشتوية. سريع التحضير ويحبّه أفراد العائلة أجمعين.

من أجل إطعام أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص، يكفي إعداد كمية 800 غرام من البرغل الناعم ووضعه في وعاء معدني ونقعه، يتم غمره بكمية من المياه ويترك لمدة ربع ساعة. ومن ثم يتم عصره لاستخراج المياه منه. ومع نصف كيلو غرام من طحين القمح يتمّ خلط الكميتين بواسطة اليدين. وعندما تصبح كعجينة متماسكة نقسّمها قطعاً صغيرة، ومن ثم ندوّرها لتأخذ حجم حبة الكرز تقريباً، وذلك تمهيداً لغليها مع «القليّة». وهي كناية عن مرقة مكوّنة من البصل والزيت، يضاف إليها مقدار كوب من العدس. وعندما ينضج العدس تصبّ جميع مكونات الطبق في وعاء واحد كي يغلي، فيوضع على نار هادئة فترةً تمتد بين 20 و30 دقيقة. ويقدّم هذا الطبق وجبة ساخنة بعد أن يضاف إليها الملح وبهارات الفلفل كلّ بحسب ذوقه.

"الزنكل بالعدس" طبق شتوي بامتياز (الشرق الاوسط)

تعدّ «الرشتة بالمعكرونة» من الأطباق السريعة التحضير، وتدخل على لائحة أشهر أنواع الحساء الشعبي في لبنان. وتشتهر هذه الطبخة في قرى جبل لبنان والمتن، وتتألف من ثلاث مكونات رئيسية ألا وهي المعكرونة والعدس والبصل.

يشبه تحضير هذا الطبق سابقه. وبعد أن يتم غلي العدس كي ينضج، يضاف إليه البصل المقطّع شرحات والمقلي بالزيت مع الكزبرة والثوم المهروس. في هذا الوقت يتم سلق 500 غرام من المعكرونة. وبعد تصفيتها يتم غمر جميع المكونات بالمياه، وتترك لنحو 10 دقائق على نار متوسطة، ويقدّم مع مخلل اللفت الأبيض.

«الباشا وعساكره» يفتح الشهية من سوريا إلى لبنان

البعض يعدّ هذا الطبق من أصول تركية، فيما أهل الشام يؤكدون أنه من ابتكارهم. ويشتهر به في لبنان أهالي قرى الشمال. وينتمي هذا الطبق إلى تلك التي تحضّر مع روب اللبن. ويتألف من قطع عجين محشوة بالبصل واللحم وقطع الكبة اللبنانية الفارغة. فيجمع بذلك طبقين معروفين في لبنان الـ«كبّة باللبن» و«الشيش برك».

يمكن تحضير الكبّة كما قطع الـ«شيش برك» في المنزل أو شراءها جاهزة.

ويتم تحضير روب اللبن بحيث يوضع نحو كيلوغرام منه في وعاء يضاف إليه ربع كميته من المياه. ويضاف إلى هذا المزيج ملعقتان من طحين الذرة. ويتم خلط المكونات الثلاثة بالمضرب إلى حين تأليفها مزيجاً متماسكاً. يترك هذا الخليط جانباً، في حين يتم قلي كمية من الثوم المهروس بزيت الزيتون أو الزبدة. ويمكن حسب الرغبة إضافة الكزبرة الخضراء إليه. فيما البعض يفضل أن النعناع اليابس والجاف عند الانتهاء من عملية الطهي. بعد أن نحصل على الثوم المحمّر نبقي الوعاء على النار ونضيف إليه المزيج المحضّر سابقاً. ويتألّف من اللبن والمياه وطحين الذرة. نأخذ بتحريك اللبن من دون توقف إلى حين وصول المزيج إلى درجة الغليان. بعدها وعلى نار هادئة نضيف إلى الخليط قطع الكبّة و«الشيش برك». وبعد نحو 10 دقائق يمكن تقديمه على المائدة مع كمية من الأرز المسلوق أو من دونه. ويمكن تزيينه بحبوب الصنوبر المحمّرة بالزبدة.



«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟
TT

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«جربت السوشي؟»... سؤال يبدو عادياً، لكن الإجابة عنه قد تحمل دلالات اجتماعية أكثر منها تفضيلات شخصية لطبق آسيوي عابر من ثقافات بعيدة. وأمام اتساع جمهوره وتنوعه من المطاعم الفخمة إلى العربات المتنقلة، تزايدت الأسئلة بشأن ما إذا كانت شهرة هذا النوع من الطعام ناتجة عن رغبة حقيقية أم أنها للتباهي فقط.

لم يكن السوشي معروفاً على نطاق واسع في مصر حتى العقود الأخيرة، غير أن شهرته بدأت تتسلل في أواخر التسعينات ومطلع الألفية، على خلفية زيادة انتشار المطاعم اليابانية في مصر، ومع تصاعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ذاع صيته بدافع المغامرة وتجربة غير التقليدي.

تعود جذور السوشي إلى مناطق متعددة من آسيا، خصوصاً في اليابان، وحسب كتاب «قصة السوشي» الصادر عام 2007 للكاتب تريفور كورسون، لم يكن السوشي طبقاً يؤكل، ولكن كان مجرد عملية تعتمد على الأرز المخمر لحفظ الأسماك، نشأت تحديداً في القرن الرابع الميلادي، وكانت تعرف بـ«ناريزوشي».

مع مرور الوقت، طوّر اليابانيون طريقة الحفظ وأضافوا بعض التغييرات مثل تقليل مدة تخمير الأرز حتى أصبح يُؤكل مع السمك. ثم مرّ بعدّة مراحل للتطوير.

وحسب كورسون، كان النصف الثاني من القرن العشرين هو بداية عبور السوشي خارج حدود الثقافة الآسيوية، حيث بدأ ينتشر في الولايات المتحدة الأميركية، ومنها إلى العالم الذي احتضنه وصنّفه كطبق فاخر يعكس الانفتاح الثقافي لعشاقه.

السوشي في مصر

يرى مدير تسويق شركة «موري إنترناشيونال» المالكة لمطعم «موري سوشي»، أحد أقدم مطاعم السوشي في مصر، محمود سعيد، أن هذا الصنف ارتبط في البداية «بطبقات اجتماعية معينة، وهم المصريون العائدون من الخارج، الذين يتوقون إلى تجربة أكلات تنتمي لثقافات بعيدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الرغبة قد تزول بعد الزيارة الأولى للمطعم، أمام الحرص على تناول هذا الصنف؛ واستمرارية مطعمنا في العمل خلال السنوات الماضية تعكس أن السوشي طبق مميز ذو مذاق جذاب».

وافتتح مطعم «موري سوشي» أبوابه للجمهور عام 2007 بعد تجارب محدودة لتقديم الطبق الآسيوي.

وتطرق سعيد إلى اتساع جمهور الراغبين في السوشي، بـ«ظهور العربات المتنقلة لبيعه في الميادين الرئيسية»، وهذا يدل، حسب رأيه، على أنه «بات طبقاً محبوباً من قبل شرائح مصرية عديدة؛ متجاوزاً بذلك ثقافة (الترند)».

طريقة التحضير

السوشي يُحضَّر بطرق متنوعة تضم السمك النيئ ومضافاً إليه مجموعة من الصلصات، وهناك بعض الأطباق المدخنة والمقلية والمطهوة على البخار، كل طريقة لها مجموعة من الصلصات المميزة لها وشهرتها تتنوع حسب المذاق الشخصي.

من بين الأطباق المميزة في قائمة طعام السوشي أطباق النيغيري النيئة، ولفائف الـ«ماكي» المكونة من مزيج الأرز وورق نوري (نوع من الطحالب البحرية)، أما عشاق السوشي المطهوّ بطريقة القلي فربما يفضلون طبق تمبورا رول المكون من لفائف الجمبري المقلي.

أكثر ما يميز أطباق السوشي هي توليفة الصلصات مثل الواسابي، وهي صلصة تشبه المعجون ذات مذاق حار مجهزة من جذور نبات الواسابي القريب في المذاق من الفجل، أيضاً الصويا الصوص الأساسي الذي يُقدّم مع معظم أنواع السوشي، عبارة عن صوص مالح مصنوع من فول الصويا المخمر، بالإضافة إلى صلصة ترياكي المجهزة من الصويا والسكر والزنجبيل.

تجارب المصريين

تقول المصرية خلود عمر (35 عاماً) من سكان القاهرة الجديدة (حي راقٍ في شرق القاهرة)، وهي من عشاق السوشي، إن التجربة الأولى لها مع الطبق الياباني الشهير كانت بدافع ركوب موجة الـ«ترند»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أنها في أول مرة تناولت بها السوشي «لم ينل إعجابها»، متابعة: «غير أني كررت التجربة مع صديقة كانت تعيش في الخارج وعلى دراية بأطباق السوشي، وتناولت وقتها ترشيحاتها التي كانت تميل إلى الأنواع المطهوّة سواء بالقلي أو البخار، منذ هذا الوقت وبات طبقي المفضل».

بيد أن خلود لا تعشق السوشي بالدرجة نفسها مثل صديقتها فرح فؤاد، التي تقطن في مجمع سكني راقٍ في القاهرة الجديدة أيضاً، والتي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 10 سنوات وأنا أجرّب جميع مطاعم السوشي في مصر، فهو ليس طبقاً عادياً بينما تجربة غنية تشعرك بأنك تجلس على المحيط بصحبة أصدقاء آسيويين». وأضافت: «عشقي للسوشي دفعني لتشجيع أصدقائي على تجربته، ولذلك أقمت العام الماضي حفل عشاء خاص في منزلي وكانت الطاولة بالكامل من أصناف السوشي، وقام الطاهي المتخصص بتحضير أطباق السوشي أمام المدعوين، التجربة كانت ممتعة والمذاق ساحراً».

الأسعار

أسعار أطباق السوشي متفاوتة حسب المطعم، غير أنه ينتمي لقائمة الأطباق الغالية، مثلاً طبق مكون من 40 قطعة صغيرة سعره يتجاوز 1200 جنيه مصري (الدولار يساوي 48.4 جنيه) داخل مطعم متوسط، ويرتفع السعر كلما ارتفعت جودة المكان.

تضيف خلود عن الأسعار: «لا أعدّ السوشي طبقاً باهظ الثمن لأن الأسماك بشكل عام أسعارها مرتفعة، فبجانب أنه طبق ذو مذاق طيب يُعد حالة من الترفيه والمتعة».

ويرى محمد عبد العليم، مدير مطاعم في «فورسيزونز» أن السوشي وجبة مفضّلة لدى جيل الشباب، أما الجيل الأكبر سناً ربما لم يلقَ السوشي لديه القبول عينه، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن تصنيف السوشي في مصر كشارة على طبقة اجتماعية تميل إلى الترف، بينما هو طعام له عشّاقه ومحبوه، والدليل أنه إذا كانت المسألة تتعلق بالوجاهة الاجتماعية، فهناك بالتأكيد أطعمة أغلى وأرفع شأناً منه».

ويتابع عبد العليم قوله: «في مصر نميل لتفضيل السوشي المقلي، أكثر من السوشي النيئ، كما أن الزبون المصري يفضل اللفائف التي تحتوي على الجمبري المقلي أو الجبن».