هند زيدان تكشف في باريس أسرار الظل والضوء

تشكيلتها لخريف وشتاء 2023 - 2024 بين السوداوية والأنوثة

هند زيدان تحيي ضيوفها بعد العرض (هند زيدان)
هند زيدان تحيي ضيوفها بعد العرض (هند زيدان)
TT

هند زيدان تكشف في باريس أسرار الظل والضوء

هند زيدان تحيي ضيوفها بعد العرض (هند زيدان)
هند زيدان تحيي ضيوفها بعد العرض (هند زيدان)

كانت تشكيلة اللبنانية هند زيدان لخريف وشتاء 2023 - 2024 أشبه بفيلم «البجعة السوداء»، المليودراما النفسية التي كانت النجمة ناتالي بورتمان بطلتها. مثل مُخرج الفيلم دارين أرنوفسكي لعبت على الجانبين المضيء والمظلم في تشكيلة تسيّد فيها الأسود وتراجع فيها الأبيض إلى دور بطل ثانوي. بيد أن هند زيدان تشير إلى أن ما ركّزت عليه أكثر هي فكرة الظل لأنه هو «ما يفصل بين العتمة والضوء وبين القوة والنعومة، وهو أيضاً ما يمنح التصاميم توازنها». بالنسبة لها فإن الظل الأسود، أو ما قد يُفسره البعض بالجانب الأسود ليس سيئاً بالضرورة كما يتصور البعض، فهو يُعبِر هنا عن قوة المرأة الفطرية وثقتها بنفسها ورفضها الاستسلام. أما «الجانب المشرق فيظهر في حنانها وأمومتها كما في أنوثتها».

هند زيدان التي درست علم النفس والفلسفة وعملت مقدمة برنامج أزياء لم تكن تعرف أن حب الموضة سيتمكّن منها ويخطفها إلى عالمه. لكن هذا ما كان. فرغم أنها لم تدرس الموضة، فإنها كانت تشعر بأنها تتمتع بعين تلقط كل ما هو جميل، وهذا ما استغلته في تصاميم تغلب عليها الأشكال الفخمة والأفكار الفلسفية، بحكم دراستها. كان موسم الـ«هوت كوتور» مناسبة مثالية لكي تستعرض ما اكتسبته من مهارات وصبَته في تصاميمها من أفكار تستمدها من الواقع.

هذه التشكيلة مثلاً تحتفل بـ«الوجه المشرق للحياة» رغم أن اللون الغالب هو الأسود. فكما يولد النظام من رحم الفوضى، يولد السحر والجمال من الظل والظلام.

كان الأسود الغالب والآسر بغموضه (هند زيدان)

بعنوان Enchanted Shadows (سحر الظلال) تلعب هند على مفهوم الأنوثة الطاغية، وهو ما ظهر في فساتين طويلة بفتحات عالية وفساتين قصيرة جداً تكشف أيضاً أجزاء من الجسم.

بالنسبة لها، فإن فلسفة المجموعة تنسجم مع مفهوم «الظل» الذي يدخل بشكل أو بآخر سائر عناصر الجمال، ليخرج منه الضوء تدريجياً، لهذا اختارت اللون الأسود لتثبيت فكرة الظلال وأدخلت عليه اللون الأبيض بجرعات خفيفة جداً. فهو ليس البطل هنا بل فقط كومبارس يُسند الأسود ويُخرجه من العتمة إلى النور بين الفينة والأخرى.

لعب الأبيض دوراً ثانوياً لكنه مؤثر (هند زيدان)

لعبة الضوء لم تقتصر على التصاميم سواء التي خصصتها للنهار أو للمساء، بل تنسحب لكل المواسم والفصول، من الخريف إلى الشتاء مروراً بالربيع والصيف من خلال إدخال اللون الأبيض بين الظلال والتطريز أو صياغة أشكال ناعمة نسجتها من «الدانتيل»، فيما استخدمت الريش على شكل أوراق الشجر المتساقطة لإضفاء بعض الشاعرية على الأزياء. فبعد الظلام يأتي النور وتتحول الفساتين الطويلة من عدة طبقات من «الكروشيه» ومتراصة بشكل عمودي، إلى تصاميم تنسدل على الجسم بجرأة وانسيابية.

لم تبخل على زبوناتها أيضاً بفساتين قصير تميز بعضها بأكتاف عريضة للدلالة على قوة المرأة. لا تكتفي هند بهذا القدر من القوة والثقة، بل تذهب إلى أكثر من هذا لتُظهر جانباً متمرداً على المتعارف عليه بإظهارها أجزاء من الجسم بشكل جريء. تُبرر هذا بالاستشهاد بعبارة للكاتبة الأميركية بريني براون أن «الظلام لا يبدد النور، بل يحدده»، بمعنى أن الظل يعكس العلاقة الدائمة مع القوة والاستقلالية.

فستان الزفاف كان كلاسيكياً يخاطب فتاة تحلم بأن تكون ملكة متوجة في ليلة العمر (هند زيدان)

مجموعة «ظلال ساحرة» هي الثانية للمصممة هند زيدان ضمن أسبوع الموضة الباريسي لـ«الهوت كوتور»، لهذا كان لا بد أن تكون مترفة وبكل تفاصيلها، من التطريز إلى نوعية الأقمشة التي جاءت تفيض أنوثة وتعكس الفخامة مثل المخمل و«الدانتيل» و«الكريب» والـ«أورغنزا» و«الموسلين». وكما العادة التي جرت في عروض الأزياء، فإن مسك الختام كان فستان زفاف باللون الأبيض حرصت فيه أن يخاطب فتاة تحلم منذ نعومة أظافرها بأن تكون ملكة متوجة في ليلة العمر. فهو كلاسيكي يتميز بذيل طويل وظهر مكشوف على شكل دائرة، ومطرز باللون الأبيض. تقول هند إن أي قطعة أزياء قد تكون تعبيراً عن مرحلة مهمة في حياة المرأة «أو تؤذن ببداية جديدة، لكن لا بد من التنويه بأننا في كل مرحلة زمنية نكتب فصلاً جديداً من حياتنا»، وهذا الفصل، حسب رأيها، يجب أن يدعو للتفاؤل.


مقالات ذات صلة

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

على الرغم من عدم فوز أي مغربي أو مغربية بأي جائزة هذا العام، فإن مراكش كانت على رأس الفائزين.

جميلة حلفيشي (مراكش)
لمسات الموضة ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

احتفلت «بولغري» مؤخراً بطرح نسخ جديدة من مجموعة «توبوغاس» عادت فيها إلى البدايات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق من ألف ليلة (المعرض)

معرض عن ليزا بِين أول عارضة أزياء في العالم

قد لا يبدو اسمها مألوفاً للأجيال الجديدة، لكن ليزا فونساغريفس (1911 ـ 1992) كانت واحدة من أيقونات الموضة في النصف الأول من القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.