بدأت المُستكشفة البريطانية أليس موريسون المرحلة الأخيرة من رحلتها التاريخية التي تمتد إلى 2300 كيلومتر عبر السعودية سيراً، حيث أخذها الإرث الحضاري والتاريخي والأثري، بعمقه وثرائه، من شمال المملكة إلى حدودها الجنوبية على تخوم اليمن.
تقول موريسون لـ«الشرق الأوسط»: «أدهشني كرم الضيافة واللطف الذي يتحلّى به الشعب السعودي، فقد استُقبلت بحرارة بالغة، والجميع يريد مساعدتي، من تقديم الماء في الطريق إلى ذبح الخراف».
ومن على الحجر الأثري «مدائن صالح»، الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً شمال العلا، التقطت موريسون أنفاسها وكانت بمنزلة محطة استراحة قصيرة لتستكشف هذا الموقع التراثي العالمي لـ«اليونيسكو»، الذي يضم مقابر نبطية ضخمة منحوتة في الصخور الرملية، تعكس تاريخاً حضارياً عريقاً يمتدّ من الحقبة اللحيانية إلى النبطية والإسلامية.
ستستكشف موريسون طرقاً تاريخية، منها أجزاء من درب الفيل، وتلتقي سعوديين من بينهم «رجال الزهور» في عسير، المعروفون بارتداء تيجان الزهور العطرة، كما ستتعرَّف إلى الحياة اليومية للنساء في المملكة، وتزور «مهد الذهب» الذي يُعتقد أنه موقع مناجم الملك سليمان الأسطورية.
طوال الرحلة، ستُجري موريسون وفريقها مسحاً للحياة البرّية باستخدام كاميرات ليلية لتوثيق الغزلان والضباع والذئاب وحتى النمر العربي المراوغ، كما سيبحثون عن نقوش العصر الحجري والمقابر والآثار المخفية في أعماق الصحراء.
وفي 2 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، استأنفت المُستكشفة البريطانية ومقدمة البرامج في «بي بي سي» المرحلة الأخيرة من رحلتها التاريخية، لتصبح أول شخص يقطع كامل الأراضي السعودية سيراً من الشمال إلى الجنوب.
وتقطع موريسون، برفقة جوسي ولولو، وبدعم من مرشدين محلّيين، الجزء المتبقّي من الطريق بطول 2300 كيلومتر خلال فصل الشتاء، بعدما أكملت أول 930 كيلومتراً في وقت سابق من هذا العام.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أنهت المغامرة الاسكوتلندية المولد المرحلة الأولى من رحلتها الملحميّة، حيث قطعت مسافة 930 كيلومتراً سيراً من الحدود الأردنية إلى المدينة المنوّرة، التي انطلقت منها لاحقاً لبدء المرحلة الثانية والأخيرة، وهي رحلة بطول 1370 كيلومتراً إلى نجران، بالقرب من الحدود السعودية - اليمنية، وتسعى إلى إنهائها في 17 ديسمبر (كانون الأول) على مدار 70 يوماً، منها 63 يوماً للمشي و7 أيام للراحة والاستكشاف، فيما تقطع ما يعادل نصف ماراثون يومياً بمتوسط 21 كيلومتراً (نحو 33 ألف خطوة).
وتُعدّ الطريق التي ستسلكها موريسون، خصوصاً على طول الساحل الغربي للمملكة وفي المناطق الجبلية الداخلية، من أكثر المناطق عزلةً ووحشيةً في البلاد، في إطار سعيها إلى أن تصبح أول شخص مُسجَّل يعبُر من شمال السعودية إلى جنوبها سيراً.
تقول: «كَوني امرأة هو قوتي الخارقة هنا في السعودية. أستطيع الاختلاط بالرجال والنساء على السواء، والاستماع إلى قصص النساء بأنفسهن. هذه القصص لا تُروى أبداً، وما اكتشفته في المرحلة الأولى هو أنّ هناك نوعاً من الثورة الثقافية الجارية مع انتقال النساء هنا نحو مستقبلهن».
على مدى 70 يوماً من الترحال؛ منها 63 يوماً سيراً، و7 أيام للراحة والاستكشاف، قطعت موريسون 1370 كيلومتراً من المدينة المنوّرة، إحدى أقدس مدن الإسلام، إلى نجران على طريق البخور القديم، لتجوب البراري النائية في قلب الساحل الغربي، وتقضي جميع الليالي في التخييم البرّي مع دعم يتألّف من مركبة واحدة مزوَّدة بخزانات مياه للإمدادات الضرورية.
تتابع: «ما يثير حماستي هو أننا سنكون في قلب البرّية. آمل أن يرى بعضنا بعضاً من الحياة البرّية ونستشعر جميع عناصرها ونستكشف بيئتها. عندما نبدأ، ستكون الحرارة 35 درجة مئوية، لذا سيتعيَّن علينا تقليد قوافل الماضي والبدء بالمشي قبل الفجر كلّ يوم، والراحة في حرّ ما بعد الظهر. في المرحلة الأولى، أصبتُ ببثور مروّعة، لذا سأبذل جهدي لتجنُّب ذلك. كما أنّ المياه ستُشكّل تحدّياً لوجيستياً بالتأكيد».
انطلقت المرحلة الأولى في 1 يناير (كانون الثاني) الماضي من الحدود الأردنية بالقرب من حالة عمار، واستمرّت الرحلة عبر الجبال مروراً بمواقع مهمّة مثل درب الحاج، وطريق الحج، ومحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية، والمناطق البركانية في حرة الراحة والعلا.
يُذكر أنّ أليس موريسون مستكشفة مخضرمة، ومؤلّفة كتب رائجة، وصحافية رحلات، ومقدّمة برامج تلفزيونية. صدرت أحدث سلسلتها لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) بعنوان «مغامرات عربية: أسرار الأنباط» في يونيو (حزيران) 2024.
وقد قطعت سابقاً مسافة 4 آلاف كيلومتر سيراً مع 6 جِمال و3 مرشدين أمازيغيين عبر المغرب والصحراء الكبرى، واستغرقت الرحلة 7 أشهر ونصف الشهر، عثرت خلالها على مدينة مفقودة ووثّقت تأثير تغيُّر المناخ على البدو الرحّل، وشهدت وصول وباء «كورونا» إلى مجتمعات نائية.
كما جابت أفريقيا بالدراجة من القاهرة إلى كيب تاون، وركضت حول جبل إيفرست. من مؤلّفاتها «مغامرات عربية: أسرار الأنباط»، و«المشي مع البدو»، و«من المغرب إلى تمبكتو: مغامرة عربية»، و«التهرّب من الفيلة».













