«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

من أكثر مناطق القاهرة أناقة وعراقة

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
TT

«المعادي»... ضاحية مصرية من «الزمن الجميل»

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)
محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

في أفلام «الأبيض والأسود» المصرية القديمة، تطل ضاحية «المعادي» بقصورها الفخمة وفيلاتها الفسيحة وشوارعها المظللة. واليوم حين تزور هذه الضاحية، جنوب القاهرة، يفاجئك أنها لا تزال تحتفظ بطابعها العريق، مع لمسات حياتية عصرية؛ فتستمتع فيها بالأجواء الهادئة الممتزجة بوسائل الراحة الحديثة، مجسدةً تلاقي الماضي والحاضر.

محمية وادي دجلة (صورة لمحمد سلامة)

عندما أقام الخديوي إسماعيل مدينة «حلوان» لتكون مشتى للعائلة الملكية والنبلاء، تحولت المعادي المجاورة من قرية ريفية تتمتع بجمال الطبيعة والمساحات الخضراء، إلى محطة رئيسية في طريق الوصول إلى حلوان. يقول الباحث في التاريخ أمجد عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تتجول في شوارع المعادي تشعر أنك عدت سنوات طويلة للوراء، إلى أجواء الزمن الجميل؛ حيث الهدوء والرقي والمباني الكلاسيكية، والأشجار العتيقة».

بمرور السنوات ازدادت أعداد هذه الأشجار؛ فحين تسير في شوارع المعادي تنبهر بجمال وألوان البونسيانا والجاكرندا والأكاسيا، كما يستوقفك منظر الأشجار المثمرة، مثل المانجو والتوت والنبق والليمون والجوافة. وإذا صادفتَ أحد سكانها في الطريق وسألته عن السر، يقول لك بفخر: «عندما بدأ السكان يقطنون المعادي حدث فيما بينهم ميثاق شرف غير مكتوب، مفاده أن كل من يبني بيتاً أو ينتقل إلى منزل بها، عليه أن يزرع شجرة من اختياره؛ ما جعل المكان كالجنة».

زواحف وحيوانات لهواة السياحة البيئية في محمية وادي دجلة (تصوير: محمد وجيه)

للأماكن القديمة مميزاتها الاستثنائية بالنسبة لكثيرين؛ وليس من الغريب -وفق أمجد- أن تحتفظ المعادي بكل سماتها الأساسية؛ لأنها مكان عريق يرجع إلى عام 1903، فقد كانت في الأصل منطقة زراعية تعبر منها المراكب بين شاطئي النيل، وكان ذلك وراء تسميتها «المعادي»، فهي كلمة مأخوذة من «معدية» الركاب النيلية.

يقول عبد المجيد: «شهدت تطويراً كبيراً عام 1890 لتلائم الطبقة الأرستقراطية التي تمر بها إلى حلوان، إلى أن سكنها أبناء هذه الطبقة؛ حيث قام المهندس الكندي ألكسندر آدامز بتخطيطها، مستلهما طابع القرى الإنجليزية، ومن ثم تميزت المعادي ببيوتها ذات الطابقين والحدائق الخلفية الواسعة. والمفاجأة أن المؤرخ الراحل موفق بيومي قدَّم وثيقة تاريخية تثبت إنشاء أول محطة طاقة شمسية بالمعادي عام 1911؛ لذلك كله فإن الضاحية مسجلة بوصفها منطقة ذات قيمة تراثية».

وحين تزور هذه الضاحية، فإنك تشعر بكل هذا العبق التاريخي والثراء الجمالي للمكان. ورغم نشأة امتدادات لها يرتبط اسمها بها، فإن «المعادي القديمة» لا تزال ملاذاً للأثرياء والجاليات الأجنبية.

المعادي حنين للزمن الجميل (تصوير: مي تركي)

إذا كنتَ من عشاق القراءة، فإنك حين إقامتك في هذا الحي لفترة طويلة أو قصيرة، أو حتى عند زيارته لبضع ساعات، حتماً ستشعر بنوستالجيا غامرة؛ فهنا على سبيل المثال عاش «المغامرون الخمسة» أبطال السلسلة البوليسية الشهيرة في الوطن العربي.

الفنون والتعلم

يجد الأفراد الذين لديهم شغف بالفن ضالتهم في المعادي؛ حيث تحتضن الضاحية فرصاً لا حصر لها للتعلم والإبداع، بدءاً من البازارات الموسمية، وحتى العروض المتنوعة للفنانين المحليين والأجانب. وتزخر بمراكز ثقافية، بعضها فيلَّات قديمة قرر أصحابها تحويلها إلى ساحات للفن، تقدم العروض السينمائية والمسرحية والفنون الحركية التشكيلية، والكتب، وورشات العمل للأطفال والكبار وفصول الرقص، مثل السالسا، والتانغو، والرومبا، فضلاً عن تنظيم أسواق المنتجات اليدوية التقليدية.

«فيلا بيل إيبوك» له طابع خاص في المعادي (صفحة الفندق على فيسبوك)

متعة التسوق

إذا قررتَ الإقامة لفترة في المعادي، فلن تحتاج إلى الخروج بعيداً للتسوق؛ فكل شيء حولك رهن إشارتك، من العلامات العالمية أو المنتجات المحلية. تضم المعادي كثيراً من مجمعات التسوق. وبجانب المولات ستجد متاجر تتخصص في القطع اليدوية الفريدة التي تجمع بين الحرفية التقليدية والجماليات الحديثة. وتشتهر المعادي أيضاً بمتاجر أخرى تبيع منتجات عالية الجودة للعناية الشخصية بأسعار معقولة، مقارنة بالمراكز التجارية.

المعادي حي له سمات خاصة (تصوير: عمر المصري)

التخييم

الاستمتاع بأجواء الصحراء والتخييم في مصر لا يشترط أن تتوجه إلى خارج العاصمة؛ ففي قلب المعادي توجد «محمية وادي دجلة»، وهي من أفضل أماكن التخييم؛ لتمتعها بالطقس المعتدل؛ فهي مناسبة للزيارة في الصيف والشتاء؛ لاحتوائها على تجويفات في الجبل تجعل الجو رطباً حتى مع ارتفاع درجة الحرارة.

داخل المحمية، اترك نفسك لجمال الطبيعة، واستمتع بالهدوء والاسترخاء، وشاهد عن قرب حيوانات وطيور نادرة، سواء كان ذلك سيراً، أو باستخدام الدراجات في المحمية؛ ما يجعل المغامرة أكثر متعة.

فيلَّات محاطة بالأشجار والزهور (تصوير: مي تركي)

جبل الخشب

لا تغادر المعادي بعد زيارة المحمية؛ فإذا كنت من عشاق السياحة البيئية، فأمامك مكان آخر ينتظرك، وهو محمية «الغابة المتحجرة» التي تكونت عبر ملايين السنين، ويُطلق عليها في كثير من المراجع العلمية اسم «جبل الخشب»؛ حيث تعد أثراً جيولوجياً نادراً.

طعام مختلف

لا يوجد في السفر والرحلات أروع من تناول الطعام اللذيذ بعد يوم مليء بالحركة والتنقل. في المعادي أمامك عدد مذهل من المطاعم، وخيارات الطعام التي لا حصر لها. يتوفر كل شيء، بدءاً من المخبوزات الطازجة الساخنة القادمة من مختلف مطابخ العالم، مروراً بأطباق اللحوم المختلفة والأسماك والبيتزا، فضلاً عن مطاعم المأكولات العالمية، مثل السوشي الطازج والأطباق الفنزويلية والبرتغالية وغير ذلك، وصولاً إلى أحدث اتجاهات السلطات والأكل النباتي والصحي.

في مطاعم المعادي انغمس في روعة مذاق أطباق من مختلف مطابخ العالم (تصوير مي تركي)

جولة نيلية

من أروع الأنشطة هناك، الاستمتاع بالإطلالة الساحرة على ضفاف النيل، على متن إحدى البواخر الثابتة أو المتحركة؛ حيث المنظر الخلاب والنسيم المنعش. وهناك يمكنك الاختيار بين تشكيلة متنوعة من أشهى الأطباق، بينما تستمتع عيناك بجمال الطبيعة، وستعيش أيضاً أجواء فنية مميزة؛ حيث تقدم البواخر برامج استعراضية فلكلورية، مثل عروض التنورة على أنغام الموسيقى.

وإذا كنت تبحث عن إقامة مختلفة تجمع بين الرفاهية ودفء البساطة المصرية، فأنصحك بالابتعاد عن الفنادق العالمية الفخمة، واختيار أحد فنادق المعادي القديمة، في فيلات أنيقة مفعمة بذكريات أُسر عريقة، عاشت فيها عشرات السنوات، ومنها فندق «فيلا بيل إيبوك» الذي يعود إلى عشرينات القرن الماضي، وتحيط به المساحات الخضراء.


مقالات ذات صلة

الخطيب: بحلول 2030 ستصبح السياحة بأهمية النفط لاقتصاد السعودية

الاقتصاد وزير السياحة السعودي متحدثاً في «منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي» (الشرق الأوسط)

الخطيب: بحلول 2030 ستصبح السياحة بأهمية النفط لاقتصاد السعودية

أكد وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، أن القطاع سيكون مساوياً للنفط في مساهمته بالناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق يُشكّل قلب بوينس آيرس (أ.ف.ب)

مصعد داخل مسلّة يفتح أفقاً بانورامياً في سماء بوينس آيرس

أصبحت ممكنة زيارة المسلّة الشهيرة في بوينس آيرس بواسطة مصعد يوفر إطلالة بانورامية على المدينة من هذا المَعْلم الذي يُشكِّل مكاناً للتجمّعات...

«الشرق الأوسط» (بوينوس آيرس)
سفر وسياحة بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)

قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

كشفت «كوندي ناست ترافيلر» عن قائمتها السنوية التاسعة والعشرين المرتقبة، التي تحتفي بأفضل الفنادق والمنتجعات والمطاعم والسفن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
سفر وسياحة نويبع .. ملاذك للراحة والإستجمام حيث تعانق الماء مع الجبال (وزارة الشباب والرياضة - فيسبوك)

نويبع... واحة عشّاق الاستجمام والاستمتاع بالطبيعة

إذا كنت تتمتع بروح المغامرة وترغب في الاستجمام وسط الطبيعة، فلن تجد أفضل من الذهاب في رحلة تخييم إلى نويبع؛ فهي وجهتك لسياحة المعسكرات في مصر

نادية عبد الحليم (القاهرة)
سفر وسياحة دفع رسوم إضافية لقاء وزن الحقائب الزائد مكلفة جدا (غيتي)

الوزن... مشكلة السفر الأزلية

حرفياً ومجازياً، تُعدّ الأمتعة عبئاً ثقيلاً على السفر الجوي.

إيلين جلوساك (نيويورك)

قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
TT

قائمة «كوندي ناست ترافيلر» لأفضل الفنادق والمطاعم والسفن السياحية في الشرق الأوسط لعام 2025

بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)
بركة سباحة جميلة في دار طنطورة (الشرق الأوسط)

كشفت «كوندي ناست ترافيلر» عن قائمتها السنوية التاسعة والعشرين المرتقبة، التي تحتفي بأفضل الفنادق والمنتجعات والمطاعم والسفن السياحية الجديدة حول العالم.

يُبرز هذا الدليل الشامل، الذي جمعته الإصدارات العالمية الثمانية لمجلة «كوندي ناست ترافيلر»، بما في ذلك إصدار الشرق الأوسط، أبرز افتتاحات قطاع الضيافة خلال العام الماضي، مُقدماً للقراء مجموعة مُلهمة من الأماكن التي تُشكل مستقبل السفر.

فندق دار طنطورة ذا هاوس (الشرق الأوسط)

وتُعزز قائمة هذا العام مكانة الشرق الأوسط بوصفها قوة سياحية عالمية؛ حيث تضم العديد من الوجهات الإقليمية المتميزة في المنطقة العربية.

من بين أبرز معالم الشرق الأوسط المدرجة في قائمة الأفضل لعام 2025 (2025 هوت ليست):

نجوما في السعودية (الشرق الأوسط)

فندق دار طنطورة ذا هاوس، العلا، المملكة العربية السعودية - مشروع ترميم آسر على ضوء الشموع بقيادة المهندسة المعمارية المصرية شهيرة فهمي، يُعيد الحياة إلى واحة العلا العريقة.

نجوما، محمية ريتز كارلتون، جزر أمهات، المملكة العربية السعودية - ملاذ منعزل مُضاء بالنجوم على البحر الأحمر، يمزج بين الطبيعة البكر والحياة الفاخرة.

ديلانو في دبي (الشرق الأوسط)

ديلانو دبي، جزيرة بلوواترز، الإمارات العربية المتحدة - إعادة تصور جريئة وعصرية لمشهد الضيافة في دبي.

رويال منصور الدار البيضاء، المغرب - معلم جديد مبهر يمزج بين سحر فن الآرت ديكو والتراث المغربي.

فندق رويال منصور في المغرب (تصوير: سيريل روبن)

بالإضافة إلى إنجازاتها الفندقية، تفخر المنطقة بالابتكار في مجال الطهي؛ حيث حاز مطعم سفرة مريم، المطعم الفلسطيني في دبي، مكانة مرموقة بين أفضل المطاعم الجديدة في العالم.

وانضمت السفينة السياحية المصرية أماليليا، وهي سفينة سياحية نيلية فاخرة تديرها شركة «أما ووتروايز»، إلى القائمة المرموقة لأفضل السفن السياحية الجديدة.

وصرحت سيلينا دينمان، رئيسة المحتوى التحريري لـ«كوندي ناست ترافيلر الشرق الأوسط»: «يواصل الشرق الأوسط إعادة تعريف مستقبل السفر من خلال مزيج من الضيافة الاستثنائية والثقافة والابتكار. ومن المثير للغاية أن نرى وجهات إقليمية لا يتم تمثيلها فحسب، بل يتم الاحتفاء بها عالمياً من خلال شبكة (كوندي ناست ترافيلر) العالمية التابعة لمجموعة (كوندي ناست) الإعلامية العالمية. ومع ترحيب منطقتنا بمزيد من الفنادق والمطاعم والتجارب العالمية، نتطلع إلى سرد هذه القصص بالتفاصيل الدقيقة والشغف والأصالة التي تستحقها».

لطالما كانت قائمة «كوندي ناست ترافيلر» المميزة مرجعاً موثوقاً به للمسافرين المميزين، ويضع اختيار هذا العام معياراً جديداً لما هو ممكن في مجال السفر العالمي والإقليمي. من ملاذات صحراوية رومانسية، ومنتجعات البحر الأحمر الرائدة، إلى أساطير حضرية مُعاد ابتكارها وتجارب طهي حميمة، تُلهم أحدث الوجهات في الشرق الأوسط شغف السفر والاستكشاف على حد سواء.