اليونان مهدُ الأولمبياد... حين تحطّ في لبنان

«فانوس» ينقل الروح اليونانية إلى مُلتقى البحر والجبل

«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
TT

اليونان مهدُ الأولمبياد... حين تحطّ في لبنان

«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)

تقود الروح اليونانية الحائمة في أرجاء مشروع «فانوس» بمنطقة مديار في الدامور الواقع على الساحل اللبناني، إلى الحماسة المُشتعلة في فرنسا، المُجسدة بأولمبياد باريس. الرابط بين الاثنين جذور اليونان. فـ«فانوس» بلونيه الأزرق والأبيض، المخروقَيْن بالزهري الميال إلى «الفوشيا»، يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز. ولما كان أصل الأولمبياد يونانياً أمكن رواية القصتين لتقاطُع نشأتهما.

مشهد بانورامي للدورة الأولى للألعاب الأولمبية عام 1896 في أثينا (غيتي)

شهد عام 1896 ولادة الدورة الأولى للألعاب الأولمبية الحديثة في عاصمة اليونان أثينا، بعدما استضافها حرم «زيوس» في الأولمبيا من القرن الثامن قبل الميلاد إلى الرابع الميلادي. حينها، عُرفت بـ«الألعاب الأولمبية القديمة»، وتجاوزت بُعدها الرياضي بالتحول أيضاً إلى مهرجان ديني، يُقام كل 4 سنوات، تُقدّم فيه الأضاحي والقرابين إلى «زيوس»، «إله السماء والصاعقة» في الميثولوجيا الإغريقية، والمُنتَصب تمثاله الشهير في معبده بأولمبيا، بجانب القرابين المُقدمة إلى «بيلوبس» الملك الأسطوري لأولمبيا.

إضاءة الشعلة في أولمبيا مهد الألعاب الأولمبية القديمة بجنوب غربي اليونان (أ.ب)

يلتحق بُعدٌ ثقافي موازٍ بشقَي الرياضة والطقوس، مُجسّداً بتخليد نحاتين وشعراء ومؤرخين انتصارات الفائزين بالألعاب من خلال التماثيل والقصيدة. ولما بدأ ممثلو الدول التنافس مع ممالك اليونان، شكّلت ألعاب القوى -آنذاك- المنافسات الرئيسية في البرنامج المؤلّف من الرياضات القتالية، منها المصارعة مثلاً ومسابقات الخيل. وأسوة بشعور يتركه مشروع «فانوس» لدى الدخول من بابه، يختزل السلام والسكينة، مُستَحْضراً من الروح اليونانية، شهدت الألعاب الأولمبية طوال تاريخها إرجاء النزاعات بين الدول، ووقف الأعمال العدائية إلى حين انتهاء المنافسات. الشعور بالراحة ينبثق من عمق النظرة اليونانية للأشياء المُلحة من أجل بلوغ غاية سامية ممثلة بسعادة الإنسان.

صور تُمثل مَعالم اليونان تتيح الانتقال الافتراضي إلى أرض الأولمبياد الأولى (رواء الحداد)

تروي رواء الحداد، زوجة مالك مشروع «فانوس»، لـ«الشرق الأوسط»، حكايته. تقول إنه «المجيء باليونان إلى لبنان». وإذا كان الغموض والأسطورة يكتنفان أصل الألعاب الأولمبية، خصوصاً ما يحوم حول «هرقل» (هيراكليس) ووالده «زيوس»، بوصفهما من أسلاف الألعاب الأولمبية ومؤسسيها، فإن عكسه، أي المباشر والوضوح، يقدمان «فانوساً» إلى الناس على هيئة استراحة عائلية من وحي الطابع اليوناني. بالنسبة إلى رواء الحداد، «المسألة متعلقة بالـ(Vibes) وما يشعر به الزائر. البحر من جهة، والجبل من أخرى، وسط لونَي العلم اليوناني الأزرق والأبيض، وصور تُمثل مَعالم البلد، يتيحان الانتقال الافتراضي إلى أرض الأولمبياد الأولى؛ المُتحلية بالتسمية من «هيراكليس» نفسه حين أطلق على الألعاب تسمية «الأولمبية» وبنى الملعب الأولمبي تكريماً لـ«زيوس»، ليسير بعد الانتهاء من البناء على خط مستقيم لمسافة 200 خطوة، مُطلقاً على ذلك تسمية «ستاديون»، لتصبح لاحقاً وحدة قياس للمسافة.

«فانوس» استراحة عائلية من وحي الطابع اليوناني (صور رواء الحداد)

أحبت وزوجها الأسفار والغَرْف من الحضارات. سحرتهما اليونان بتاريخها ونكهات مطبخها، ولما كانا أمام خيارَيْن: توضيب الحقائب والهجرة أو الاستثمار في لبنان، غامرا. مشروع «فانوس» مولود حديثاً، اتخذ تسميته من الأصل اليوناني لكلمة «منارة»، المُراد منه «السلام والسكينة الداخلية»، فيقصده باحثون عن استراحة بجانب البحر ومِن حوله منارة بارتفاع 14 متراً، تؤكد رواء الحداد أنها «الوحيدة في لبنان الممكن تسلقها عبر السلالم الآمنة، والتقاط الصور لمشهد بانورامي يُظهر طولَ الساحل اللبناني من الدامور إلى الجنوب».

منارة بارتفاع 14 متراً يمكن تسلقها عبر السلالم الآمنة (صور رواء الحداد)

ومن الروح اليونانية، تحضُر راقصات بأزياء تلك البلاد وموسيقاها، فيقدمن إلى الآتين من أجل «الشعور بإيجابية الحياة» عرضاً «كما في اليونان». تتدخل «لمسة الزهري»، فتتسلّل إلى طغيان الأزرق والأبيض (في الصور المعلقة على الجدران، والمُلتَقطة من معالم يونانية، إلى الديكور وألوان الأبواب والنوافذ، والمجسمات التي تحاكي الجو اليوناني)، وتفرض نفسها على المشهد. فـ«الشجرة المجنونة» المُسماة «بوغنفيل»، الشهيرة في اليونان، تنتشر في أرجاء «فانوس»، مُتيحة تمدد «الفوشيا» نحو المداخل وباتجاه جرة ضخمة، على وَقْع موسيقى يونانية هادئة تُشغل طوال الوقت، لتريح المشتاقين إلى لحظة انسياب خارج صخب الإيقاعات والضجيج من كل صوب.

من الروح اليونانية تحضُر راقصات بأزياء تلك البلاد وموسيقاها (صور رواء الحداد)

تكاد تُجمع المراجع على أن عام 776 قبل الميلاد هو التاريخ الأكثر قبولاً لولادة الألعاب الأولمبية القديمة، بدليل النقوش الخالدة في أولمبيا التي حفرت أسماء الفائزين بالسباقات. لكن الولادة الحديثة لهذه الألعاب التاريخية تزامنت مع حرب الاستقلال اليونانية عن الدولة العثمانية عام 1821. لتشهد منذ ذلك الحين إعادة الإحياء الفعلية. وفي عام 1896، استضافت أثينا الألعاب الأولمبية الأولى، المُقامة برعاية اللجنة الأولمبية الدولية، في ملعب «باناثينايكو»، جامعة 14 دولة و241 رياضياً. بلغت حماسة الجمهور أقصاها، وكان رائعاً أن تحتضن العاصمة اليونانية حدثاً بهذا الحجم. شعور الحماسة والغبطة تقاسمه رياضيون طالبوا بأن تكون أثينا دون سواها من مدن العالم، مُضيفة الأولمبياد. لكن الأمنية اصطدمت بما يُبخرها. الدورة التالية استضافتها باريس، خاطفة أنظار العالم إليها لتنظيمها أولمبياد 2024 وجدلياته. «فانوس» يأتي باليونان إلى لبنان، واليونان أذهلت العالم بأولمبيادها.


مقالات ذات صلة

خبراء يحذرون من «قنبلة موقوتة» في غرف الفنادق... تجنبوها

صحتك صورة أرشيفية لغرفة فندق

خبراء يحذرون من «قنبلة موقوتة» في غرف الفنادق... تجنبوها

وصف خبراء في السفر والرحلات مجففات الشعر في الفنادق بأنها «أرض خصبة للبكتيريا والفطريات» ونصحوا بتجنبها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة من أفضل الأوقات لزيارة الحقول ما بين يونيو وأواخر أغسطس (شاترستوك)

دليلك إلى أجمل حقول الخزامى بالقرب من لندن

في هذه المدة من كل عام، ووفقاً للخوارزمية الخاصة باهتماماتي على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر لي فيديوهات حالمة لأجمل حقول الخزامى أو الـLavender.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة فرصة للاستجمام وسط الطبيعة (تصوير: محمد يحيى)

بحيرة «عين الصيرة»... إطلالة استثنائية على معالم مصر الأثرية

بحيرة «عين الصيرة» التي تزين قلب القاهرة التاريخية باتت مقصداً سياحياً بعد عملية تطوير شهدتها مؤخراً جعلتها تعزف سيمفونية من الجمال والتناغم مع المعالم السياحية المحيطة بها ما بين «المتحف القومي للحضارة» وقلعة «صلاح الدين» ومساحات خضراء ممتدة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
سفر وسياحة مدينة العلمين تستهدف توطين 3 ملايين نسمة (إدارة مهرجان العلمين)

​«العلمين الجديدة» تجذب السياح على مدار العام

بعد مرور 6 سنوات على وضع حجر أساس إنشائها أضحت مدينة العلمين الجديدة (بالساحل الشمالي الغربي لمصر) وجهة سياحية بارزة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق السياحة المُفرطة قدر البندقية (رويترز)

مكبّرات الصوت ممنوعة في فينيسيا... وغرامات لتقليص السياح

قرَّرت سلطات مدينة فينيسيا الإيطالية تخفيض العدد المسموح به لأفراد المجموعات السياحية إلى 25 شخصاً بهدف الحدّ من تأثير السياح فيها.

«الشرق الأوسط» (فينيسيا)

برشلونة تفرض قوانين جديدة على السياح

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
TT

برشلونة تفرض قوانين جديدة على السياح

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)

بعد المظاهرات التي شهدتها برشلونة الأسبوع الماضي؛ إذ تجمّع أكثر من 2800 متظاهر رشّوا السياح بمسدسات المياه، طالبين منهم «العودة إلى منازلهم»، كان لا بد من إجراء بعض التغييرات من قِبل السلطات الإسبانية؛ للحد من الكمّ الهائل من السياح الذين يتوافدون إلى برشلونة وغيرها من المدن والجزر السياحية الإسبانية.

وبينما أدان جوردي هيرو، وزير السياحة الإسباني، تصرفات المتظاهرين، واصفاً إياهم بأنهم لا يمثّلون ثقافة الضيافة في بلاده، إلا أنه كان لا بد من الامتثال إلى مطالب الشعب وإجراء التعديلات اللازمة فيما يخصّ موضوع تأجير البيوت لمدة زمنية قصيرة في المدينة، التي من شأنها أن ترفع أسعار تأجير العقار؛ ما يجعل الأمر صعباً جداً بالنسبة إلى الإسبان.

وابتداءً من السبت الموافق العشرين من يوليو (تموز) 2024 ستبدأ هذه الوجهات الإسبانية، مثل: برشلونة وإبيزا ومالقا، وغيرها من الأماكن المتضررة بسبب السياحة المفرطة؛ استراتيجيات غير مسبوقة ومبتكرة لا تهدف فقط إلى إدارة الحشود، وإنما أيضاً إلى الحفاظ على تراثها الثقافي، وحماية البيئة ونوعية الحياة لسكانها، من بينها منع السياح من شراء الكحول ما بين الساعة التاسعة والنصف مساء حتى الثامنة والنصف صباحاً، وهذا القانون موجه بطريقة غير مباشرة (للسبب الرئيس في مشكلة إسبانيا) إلى السياح البريطانيين والألمان الذين يأتون بأعداد كبيرة ويقضون أوقاتهم في الشرب في الحانات؛ ما يتسبّب في حدوث مشكلات كبيرة. كما ستُمنع القوارب التي تحيي الحفلات الصاخبة على متنها من الاقتراب من الشاطئ، وفرضت عليها مسافة يجب الالتزام بها.

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)

تأجير الشقق للسياح من الأسباب المهمة التي دفعت بالإسبان إلى التظاهر، إلى جانب السياحة المفرطة من حيث عدد السياح الذين يأتون بوساطة البر والجو، بالإضافة إلى البواخر السياحية العملاقة التي يخرج منها آلاف الزوار يومياً؛ لذا أعلن عمدة برشلونة أن المدينة سوف تمنع تأجير الشقق للسياح بحلول عام 2028، وهي خطوة جذرية غير متوقعة في إطار سعيها لكبح جماح تكاليف السكن المرتفعة، وجعل المدينة صالحة للعيش بالنسبة إلى السكان.

تنظيم السياحة سيتضمن تدابير، مثل: الحد أو حتى إلغاء الإيجارات قصيرة الأجل، وما يُعرف بـ«إيربي إند بي»، ووضع حد أقصى لعدد غرف الفنادق، وهذا الأمر متروك للسلطات المحلية والإقليمية التي تعوّل كثيراً على المردود السياحي، ولكن يجب عليها في الوقت نفسه الاستماع إلى حاجة الشعب ومتطلباته.

الاكتظاظ السياحي ليس سوى جزء من المشكلة، فالجانب الآخر هو أزمة الإسكان الحادة، لا سيما بالنسبة إلى الشباب الذين يضطرون إلى العيش في بيت العائلة حتى سن الثلاثين وأكثر بسبب ارتفاع الأسعار.

ردات الفعل في بريطانيا إزاء هذه القوانين والمظاهرات الموجهة «ضمنياً» ضدهم، جعلت بعضهم يمتعض من تصرّفات الشعب الإسباني المستاء من السياحة المفرطة ويكره السياح، ولهذا السبب يفكر عدد منهم في إلغاء حجوزاتهم إلى إسبانيا، والتوجه إلى أماكن أخرى لتمضية إجازات الصيف.

ويقول إندرو ميللر (25 عاماً)، وهو بريطاني مقيم في لندن، إن الأمر سهل «لا تذهب إلى إسبانيا» بل اذهب إلى بلد آخر، ورأى أن ما تفعله إسبانيا والإسبان تجاه السياح وفرض القوانين الصعبة ضدهم من شأنه أن يؤثر في اقتصاد البلاد قريباً، مضيفاً أن إسبانيا وغيرها من البلدان التي تمتعض من وجود السياح «ستندم في نهاية المطاف».

السياحة جزء لا يتجزّأ من الاقتصاد، والقوانين التي تسنّها إسبانيا قد تبطِئ عجلة الاقتصاد؛ ولكنها حاجة ملحة لتحويل السياحة المفرطة إلى سياحة منظمة.

المعنيّون بأزمة السياحة في إسبانيا هم البريطانيون والألمان (شاترستوك)

يُشار إلى أنه في أبريل (نيسان) الماضي، أعلن مجلس المدينة في مدريد التي تضمّ أكثر من ألف شقة سياحية -أي ضعف عدد الشقق السياحية في برشلونة-، أنه سيعلّق مؤقتاً منح تراخيص سياحية جديدة.

في العام الماضي، زار نحو 26 مليون سائح برشلونة، حسب مرصد السياحة في المدينة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد سكان برشلونة 1.7 مليون نسمة، وهذا ما يفسّر امتعاض الشعب من الزحمة التي يتسبّب بها السياح وما يتبعها من مشكلات وضوضاء.