برشلونة تفرض قوانين جديدة على السياح

بعد المظاهرات ضد السياحة المفرطة

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
TT

برشلونة تفرض قوانين جديدة على السياح

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)
زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)

بعد المظاهرات التي شهدتها برشلونة الأسبوع الماضي؛ إذ تجمّع أكثر من 2800 متظاهر رشّوا السياح بمسدسات المياه، طالبين منهم «العودة إلى منازلهم»، كان لا بد من إجراء بعض التغييرات من قِبل السلطات الإسبانية؛ للحد من الكمّ الهائل من السياح الذين يتوافدون إلى برشلونة وغيرها من المدن والجزر السياحية الإسبانية.

وبينما أدان جوردي هيرو، وزير السياحة الإسباني، تصرفات المتظاهرين، واصفاً إياهم بأنهم لا يمثّلون ثقافة الضيافة في بلاده، إلا أنه كان لا بد من الامتثال إلى مطالب الشعب وإجراء التعديلات اللازمة فيما يخصّ موضوع تأجير البيوت لمدة زمنية قصيرة في المدينة، التي من شأنها أن ترفع أسعار تأجير العقار؛ ما يجعل الأمر صعباً جداً بالنسبة إلى الإسبان.

وابتداءً من السبت الموافق العشرين من يوليو (تموز) 2024 ستبدأ هذه الوجهات الإسبانية، مثل: برشلونة وإبيزا ومالقا، وغيرها من الأماكن المتضررة بسبب السياحة المفرطة؛ استراتيجيات غير مسبوقة ومبتكرة لا تهدف فقط إلى إدارة الحشود، وإنما أيضاً إلى الحفاظ على تراثها الثقافي، وحماية البيئة ونوعية الحياة لسكانها، من بينها منع السياح من شراء الكحول ما بين الساعة التاسعة والنصف مساء حتى الثامنة والنصف صباحاً، وهذا القانون موجه بطريقة غير مباشرة (للسبب الرئيس في مشكلة إسبانيا) إلى السياح البريطانيين والألمان الذين يأتون بأعداد كبيرة ويقضون أوقاتهم في الشرب في الحانات؛ ما يتسبّب في حدوث مشكلات كبيرة. كما ستُمنع القوارب التي تحيي الحفلات الصاخبة على متنها من الاقتراب من الشاطئ، وفرضت عليها مسافة يجب الالتزام بها.

زحمة سياح غير عادية في برشلونة (شاترستوك)

تأجير الشقق للسياح من الأسباب المهمة التي دفعت بالإسبان إلى التظاهر، إلى جانب السياحة المفرطة من حيث عدد السياح الذين يأتون بوساطة البر والجو، بالإضافة إلى البواخر السياحية العملاقة التي يخرج منها آلاف الزوار يومياً؛ لذا أعلن عمدة برشلونة أن المدينة سوف تمنع تأجير الشقق للسياح بحلول عام 2028، وهي خطوة جذرية غير متوقعة في إطار سعيها لكبح جماح تكاليف السكن المرتفعة، وجعل المدينة صالحة للعيش بالنسبة إلى السكان.

تنظيم السياحة سيتضمن تدابير، مثل: الحد أو حتى إلغاء الإيجارات قصيرة الأجل، وما يُعرف بـ«إيربي إند بي»، ووضع حد أقصى لعدد غرف الفنادق، وهذا الأمر متروك للسلطات المحلية والإقليمية التي تعوّل كثيراً على المردود السياحي، ولكن يجب عليها في الوقت نفسه الاستماع إلى حاجة الشعب ومتطلباته.

الاكتظاظ السياحي ليس سوى جزء من المشكلة، فالجانب الآخر هو أزمة الإسكان الحادة، لا سيما بالنسبة إلى الشباب الذين يضطرون إلى العيش في بيت العائلة حتى سن الثلاثين وأكثر بسبب ارتفاع الأسعار.

ردات الفعل في بريطانيا إزاء هذه القوانين والمظاهرات الموجهة «ضمنياً» ضدهم، جعلت بعضهم يمتعض من تصرّفات الشعب الإسباني المستاء من السياحة المفرطة ويكره السياح، ولهذا السبب يفكر عدد منهم في إلغاء حجوزاتهم إلى إسبانيا، والتوجه إلى أماكن أخرى لتمضية إجازات الصيف.

ويقول إندرو ميللر (25 عاماً)، وهو بريطاني مقيم في لندن، إن الأمر سهل «لا تذهب إلى إسبانيا» بل اذهب إلى بلد آخر، ورأى أن ما تفعله إسبانيا والإسبان تجاه السياح وفرض القوانين الصعبة ضدهم من شأنه أن يؤثر في اقتصاد البلاد قريباً، مضيفاً أن إسبانيا وغيرها من البلدان التي تمتعض من وجود السياح «ستندم في نهاية المطاف».

السياحة جزء لا يتجزّأ من الاقتصاد، والقوانين التي تسنّها إسبانيا قد تبطِئ عجلة الاقتصاد؛ ولكنها حاجة ملحة لتحويل السياحة المفرطة إلى سياحة منظمة.

المعنيّون بأزمة السياحة في إسبانيا هم البريطانيون والألمان (شاترستوك)

يُشار إلى أنه في أبريل (نيسان) الماضي، أعلن مجلس المدينة في مدريد التي تضمّ أكثر من ألف شقة سياحية -أي ضعف عدد الشقق السياحية في برشلونة-، أنه سيعلّق مؤقتاً منح تراخيص سياحية جديدة.

في العام الماضي، زار نحو 26 مليون سائح برشلونة، حسب مرصد السياحة في المدينة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد سكان برشلونة 1.7 مليون نسمة، وهذا ما يفسّر امتعاض الشعب من الزحمة التي يتسبّب بها السياح وما يتبعها من مشكلات وضوضاء.


مقالات ذات صلة

ميلانو تسعى لتوأمة سياحية مع الرياض والاستثمار في التشابه الثقافي والحضاري

سفر وسياحة احتلت ميلانو المرتبة رقم 13 في مؤشر مدن الوجهات العالمية لعام 2023 (الشرق الأوسط)

ميلانو تسعى لتوأمة سياحية مع الرياض والاستثمار في التشابه الثقافي والحضاري

التشابه بين البلدين والقوة الاقتصادية يعززان فكرة توأمة ميلانو مع الرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
سفر وسياحة قصور تاريخية تحتفظ بإرث عمره نحو قرنين (واس) play-circle 01:26

قصور أبو سراح في عسير... ما شهد الإغلاق تحوَّل مقصداً لعشاق التاريخ

هذا الموقع التاريخي كان مغلقاً قبل 4 سنوات فقط، لكنه عاد إلى الحياة من جديد ليصبح اليوم وُجهة سياحية واعدة يقصدها نحو 3 آلاف زائر يومياً.

عمر البدوي (أبها)
يوميات الشرق العلا رسّخت مكانتها كأحد أهم مواقع السياحة في السعودية (واس)

«العلا» أول وجهة سياحية في الشرق الأوسط تنال الاعتماد الدولي

نالت محافظة العلا السعودية أول اعتماد في المنطقة من المنظمة الدولية للوجهات السياحية، كشهادة على تقدمها في تحقيق رؤيتها لإعادة رسم ملامح التميز السياحي عالمياً.

«الشرق الأوسط» (العلا)
سفر وسياحة تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)

الشفا والهدا... أنشودة الطبيعة وحديث الذكريات في الطائف

عندما تتنوّع الخيارات السياحية والتاريخية في محيط وجهتك، فاعلم أنك في الطائف ومركزَيها «الشفا، والهدا»

سعيد الأبيض (جدة)
سفر وسياحة مومباي مدينة دائمة الحركة والزحمة (نيويورك تايمز)

36 ساعة في مومباي

مومباي تبدو كحلم أكثر منها مدينة. تبدو حاضرة الهند شديدة الحركة (المعروفة حتى عام 1995 باسم بومباي)؛ حيث صناعة الأفلام التي تتخذ من بوليوود مقراً لها.

ساوميا روي (مومباي)

الشفا والهدا... أنشودة الطبيعة وحديث الذكريات في الطائف

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
TT

الشفا والهدا... أنشودة الطبيعة وحديث الذكريات في الطائف

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)
تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)

عندما تتنوّع الخيارات السياحية والتاريخية في محيط وجهتك، فاعلم أنك في الطائف ومركزَيها «الشفا، والهدا»، واعلم أن ارتفاعك عن سطح البحر وأنت تعانق الطبيعة في الشفا يتجاوز 2500 متر، واعلم أيضاً أن عمر تلك الأماكن يتجاوز 2000 عام، تخلّلتها حكايات وقصص وبقايا نقوش منثورة في كل الزوايا.

الطبيعة تستقطب الزوّار من الداخل والخارج (واس)

تقع الطائف في غرب السعودية، وهي جارة «الهدا والشفا»، وهذا ما يجعل السياح يتطلّعون للبحث عن الحكايات، والاستمتاع بما تقدّمه الطبيعة في تلك الأماكن الرائعة والقريبة من بعضها بعضاً، وزاد من أهمية الهدا والشفا إطلاق العديد من البرامج لاستقطاب أكبر عدد من السياح، الذي يُتوقّع، وفقاً لأمانة محافظة الطائف، أن يصل مع نهاية الموسم إلى قرابة 1.2 مليون مصطاف.

وتشهد الشفا والهدا نقلة نوعية في تطوير وتنمية البنى التحتية، وتهيئة المواقع السياحية كافة، إضافة إلى إنشاء الحدائق والمتنزّهات؛ لتكون عاملاً مساعداً في انخفاض درجات الحرارة في المركزين إلى مستويات تصل إلى 25 درجة، في حين شرعت أمانة الطائف في دعم عدد من المواقع في الهدا؛ لتعزيز الإقبال السياحي، وتأهيل أجزاء حيوية من هذا الطريق.

عملت السعودية على تسهيل الوصول للمناطق السياحية (واس)

الشفا

يُعدّ مركز الشفا، الذي يبعد قرابة 25 كيلومتراً عن الطائف؛ أحد أهم الوجهات السياحية؛ لما يتفرد به من طبيعة خلابة، ومواقع أثرية وسياحية، ويزداد الإقبال على المركز خلال هذه الفترة، التي تتوافق مع إجازة العام الدراسي وانتهاء موسم الحج؛ حيث يُقبل العديد من الخليجيين والعرب لقضاء عدة أيام في الشفا، وكذلك الهدا؛ لقربهما من مكة المكرمة.

ويبرز جبل دكا في الشفا كأحد الوجهات الرئيسية للسياح الباحثين عن الارتفاعات الشاهقة؛ إذ يتجاوز ارتفاعه 2500 متر عن سطح البحر، كما تنخفض فيه درجات الحرارة في موسم الشتاء، إضافة إلى بُعده التاريخي، وموقعه الاستراتيجي على امتداد جبال السراة، وكان يَفِد إليه سكان المناطق المجاورة قبل الإسلام للاستمتاع بأجوائه الجميلة في الصيف.

ويمارس أهالي الشفا النشاط الزراعي بالدرجة الأولى، مستفيدين من خصوبة التربة والمناخ المعتدل؛ حيث ينتج المركز العديد من الفواكه الصيفية المحلية ذات المذاق الرائع، التي يزداد الطلب عليها داخل المركز وخارجه، خصوصاً ما يُعرف بـ«البرشومي» (التين الشوكي)، والعنب، والبخارة، وغيرها من الأصناف.

درب الجمّالة الذي اختصر المسافات قديماً (واس)

الهدا

يتميّز مركز الهدا، الذي يرتفع عن سطح البحر قرابة 2000 متر، بالطريق المؤدي إليه، والذي يُعدّ أحد أهم الطرق الملتوية في العالم، كما يقصده المصوّرون لإبراز قدراتهم الفنية، من خلال التقاط مئات الصور لطريق «الكرا».

وعند وصولك إلى نهاية الطريق، وبلوغ القمة، تختلف عليك الأجواء؛ من ارتفاع لدرجات الحرارة في أسفل الجبل، إلى أجواء معتدلة مع زخّات من المطر، وتدريجاً تجد الحالة النفسية وأنت تتجوّل بين الطبيعة وتشتمّ روائح الأزهار قد تحسّنت.

تشتهر الطائف بإنتاج الورود بكميات تصل إلى 550 مليون وردة سنوياً (واس)

وعلى امتداد 4 كيلومترات ينقلك تلفريك الهدا من قمة الجبل إلى أسفل وادي نعمان، في تجربة فريدة، يرصد من خلالها الزائر مشاهد لأجمل الإطلالات الطبيعية والتاريخية للطرق الجبلية القديمة، كدرب كرا الأثري، أو ما يسمى بدرب الجمّالة، انتهاءً بالقرية السياحية في أسفل الجبل، والاستمتاع بالألعاب المائية المتنوعة، كما يستمتع الزوّار بمشاهدة مبانٍ تُحاكي موروث الطائف التاريخي والمعماري والهندسي في البناء، بملامح العمارة الحجازية.

المنطقة المائية أسفل الوادي ويبدو تلفريك الهدا وهو ينقل السياح (واس)

التطوير

تقوم أمانة الطائف بدور هام ومحوري في تطوير مركزي «الشفا، والهدا»، ومن ذلك مشروع تعبيد ورصف وتشجير وإنارة الأجزاء الرئيسية بالطريق الدائري بالشفا، الذي يحتضن سلسلة من المواقع البيئية المميزة، وذلك بهدف تسهيل وصول الزوّار للمواقع السياحية، والتماشي مع التطور العمراني المستمر.

في الجانب الآخر، وقّع أمين الطائف المهندس عبد الله الزايدي، اتفاقية مع إحدى الشركات الاستثمارية، لتطوير جزء من طريق الهدا بطول 5 كيلومترات، لدعم الإقبال السياحي على هذا المركز، وتأهيل أجزاء حيوية منه، ضمن مشاريع أنسنة المدينة، التي تعزّز رفع مستوى جودة الحياة في المحافظة.

تنوّع الخيارات والطبيعة من أهم الصفات في مركزَي الشفا والهدا (واس)

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من إدارة الإعلام في أمانة الطائف، فإن المشروع سينطلق في الأيام القادمة بتصميم يتناسق مع أهمية الموقع، ويحقّق إيجاد وتأكيد البعد الإنساني في التطور والتنمية العمرانية، مع تحسين الهوية البصرية، ودعم وتشجيع البرامج الثقافية والترويجية والسياحية، كما يعمل المشروع على تسهيل حركة المشاة، دون الحاجة إلى وسائل المواصلات الحديثة، مع الاكتفاء بالمشي والتنقل بالوسائل الصديقة للبيئة، ومن خلال المسارات المرتبطة بتلك المواقع ضمن مشاريع أنسنة المدن، والاستمتاع بالخدمات المساندة للمشروع.

550 مليون وردة

يشتهر مركزا «الشفا، والهدا» ووادي محرم والوهط والوهيط في محافظة الطائف، بكثافة إنتاج الورد، الذي يصل لنحو 550 مليون وردة سنوياً، تُزرع في أكثر من 910 مزارع، بإجمالي عدد شجيرات بلغ نحو 1.144.000، وبمساحة مزروعة تقدّر بنحو 270 هكتاراً من الأراضي الزراعية.

هذا الكم من إنتاج الورد الطائفي، وتحديداً في منطقتَي الشفا والهدا، أوجد صناعة فريدة، وطلباً متزايداً على العطور الطائفية؛ إذ يقدّر عدد مصانع ومعامل إنتاج وتقطير الورد أكثر من 70 مصنعاً ومعملاً مهتماً بصناعات الورد الطائفي، التي تعمل على استخراج نحو 80 منتجاً من الورد، في حين تربّعت نحو 84.450 وردة على قائمة موسوعة غينيس كأكبر سلة ورد في العالم، الأمر الذي أسهم في الإقبال على ورد الطائف من قِبل المستهلك المحلي، كما أسهم ذلك بانتشار الورد الطائفي في الأسواق الخارجية، وأصبح ماركة مسجّلة.

الآثار والتاريخ

تحتضن الطائف الكثير من الحكايات المُوغلة في التاريخ في العديد من مراكزها، ويأتي في مقدمة ذلك «سوق عكاظ»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 501 الميلادي، وهو أشهر ملتقى للتجارة والفكر والأدب والثقافة المتنوعة للقبائل العربية، يحضره الشعراء، والخطباء، والأدباء، ويمارس فيه رُوّاد السوق الألعاب الرياضية، ومنها الفروسية والعَدْو والرمي.

ومن الشواهد التاريخية قصر مشرفة الأثري، الذي يعود لفترة العصر الإسلامي المبكر، كما توجد «آثار العرفاء»، التي تُعدّ من أكبر مواقع النقوش الصخرية التي تضم بعض الرسوم الحيوانية، مثل الماعز والغزلان، ورصد المختصّون رسومات لمعارك بالقوس والسهم، وأخرى لصيد الوعول.

في الجانب الآخر يبرز «درب كرا الأثري»، المعروف بـ«درب الجمّالة»، الذي يحكي فصلاً من تاريخ المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بالتنقل البشري، وحمل البضائع من أسفل الوادي إلى أعلى قمة في الطائف، وكيف كان هذا الطريق الرابط الأساسي بين جهتين قبل العصر الإسلامي، حتى إنشاء طريق الكرا المزدوج في مطلع الستينات الماضية.