جزيرة «النباتات»... مساحات شاسعة من الخضرة في قلب النيل

تصل إليها عبر مركب شراعي يرحّب بك في مدينة أسوان

زوّار الحديقة من السائحين الأجانب (الشرق الأوسط)
زوّار الحديقة من السائحين الأجانب (الشرق الأوسط)
TT

جزيرة «النباتات»... مساحات شاسعة من الخضرة في قلب النيل

زوّار الحديقة من السائحين الأجانب (الشرق الأوسط)
زوّار الحديقة من السائحين الأجانب (الشرق الأوسط)

تبدأ الطريق إلى جزيرة «النباتات» أو «الحديقة النباتية»، بمركب شراعي يحمل شعارات ترحيب بضيوف أسوان المدينة العريقة الهادئة بجنوب مصر، وبمجرد الاقتراب منها تظهر مساحات شاسعة من الخضرة والأشجار الشاهقة، في قلب النيل.

تضم الحديقة النباتية بأسوان العديد من الأشجار النادرة (الشرق الأوسط)

وتعدّ جزيرة النباتات من أقدم الحدائق النباتية في العالم، ومقصداً رئيسياً للسائحين، خاصة في فصل الشتاء. الجزيرة التي تبلغ مساحتها نحو 18 فداناً في قلب النيل غرب مدينة أسوان مرت بتحولات عدّة، وشهدت زيارات لكبار القادة التاريخيين على مستوى العالم، من بينهم الملكة إليزابيث ملكة إنجلترا الراحلة.

نباتات نادرة من أنواع مختلفة في جزيرة النباتات (الشرق الأوسط)

حين وضع مؤمن خيري، مخرج الأفلام التسجيلية، قدميه على هذه الجزيرة، التي زارها في مارس (آذار) الماضي، اعتبر نفسه «في عالم آخر مختلف عن العالم الذي عاش فيه»؛ فهو كان يتمنى زيارة تلك الجزيرة والاستمتاع بما تحمله من جمال، ولكنه وجد نفسه وسط غابة مهولة بأشجار عملاقة.

تضم الحديقة النباتية ممرات وقطاعات مختلفة (الشرق الأوسط)

يقول مؤمن خلال جولة بالحديقة مع «الشرق الأوسط»: «هذه الجزيرة يمكن أن تصبح مادة ثرية للأفلام المتنوعة التي تتطلب التصوير وسط الطبيعة؛ ففيها أماكن مختلفة ومساحات شاسعة يمكن التحرك فيها بأريحية».

الحديقة النباتية تعتبر مركزا بحثيا للنباتات المختلفة (الشرق الأوسط)

تضم الحديقة عدداً من الأشجار النادرة والنباتات الغريبة المتنوعة، وتنقسم إلى 7 قطاعات، هي أشجار النخيل الملوكي، والسابال، والدوم، وجوز الهند والبلح، ومجموعة الأشجار الخشبية مثل الصندل، والأبنوس، والماهوغني، والكافور والسنط، ومجموعة النباتات العطرية والطبية مثل السواك، والتمر هندي، والخروب، والبردقوش وحشيشة الليمون، والفواكه الاستوائية مثل الباباظ، والكازميرو والبشملة، ومجموعة نباتات الزينة مثل التوليب، والجازورينا، والجهنمية والقشطة، كما تضم مجموعة التوابل مثل الفلفل الأسمر والشطة، وكذلك مجموعة النباتات الزيتية مثل جوز الهند وأشجار الزيتون.

المتحف النباتي يضم نماذج مختلفة من النباتات النادرة (الشرق الأوسط)

وبحسب أحد مسؤولي الحديقة، يتم توفير الأجواء والظروف المناسبة لنمو بعض النباتات، من صوبات بلاستيكية وموارد مختلفة، كما تم تخصيص متحف نباتي بالجزيرة يضم عينات من الأشجار والثمار النادرة التي توجد بالحديقة.

لوحة إرشادية تحكي تاريخ الحديقة (الشرق الأوسط)

وعدّ الأستاذ بمركز البحوث الزراعية الدكتور خالد عياد، الحدائق النباتية عموماً «مراكز علمية وبحثية على مستوى العالم»، يقول لـ«الشرق الأوسط: إن «حديقة النباتات في أسوان تضم عينات من الأشجار والنباتات تمثل بعضها سلالات نادرة تتم دراستها والعمل على الاستفادة منها»، مضيفاً: «ربما ينظر البعض لها كوسيلة ترفيه، لكن يبقى الغرض الأساسي منها هي الدراسة البحثية».

تبدو الحديقة النباتية في أسوان مثل غابة وسط النيل (الشرق الأوسط)

وعلى كل شجرة في الجزيرة «اسمها العلمي وعائلتها التقسيمية، ومنشأها أو بيئتها الأصلية»، حيث تضم الكثير من السلالات والنباتات النادرة.

وخلال زيارتك للجزيرة وعقب التجول في أركانها يمكنك أن تختار مكاناً للاستراحة لتخيّم فيه، ثم المرور على ركن التحف والهدايا التذكارية.

المساحات الخضراء وسط الأشجار العملاقة في الحديقة النباتية بأسوان (الشرق الأوسط)

وتحتوي الجزيرة على 114 عائلة نباتية، تنقسم إلى 439 نوعاً من النباتات المتنوعة، وتنقسم هذه الأجناس بدورها إلى 740 نوعاً بحسب اللوحة التعريفية بالحديقة. ووفقاً لما ذكره أحد العاملين بمتحف الحديقة، فهذه الأنواع يتم الاحتفاظ ببعضها بطريقة معينة تضمن استمرارها؛ لأنها غير معتادة على مناخ الجزيرة.


مقالات ذات صلة

10 نصائح لقضاء وقت سعيد خلال السفر

يوميات الشرق أسرة خلال رحلة (رويترز)

10 نصائح لقضاء وقت سعيد خلال السفر

تُعد الإجازة وسيلة رائعة للهروب من مسؤولياتنا اليومية، ولكن من المهم أن نلتزم بالضوابط عند زيارة وجهات جديدة واستكشاف ثقافات مختلفة

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
سفر وسياحة اختلاف الاهتمامات والأنشطة والحركة يعكر صفو الرحلة بين الأصدقاء (رويترز)

3 علامات تحذرك من السفر مع صديقك

هناك علامات تشير إلى أنه لا ينبغي لك ولصديقك السفر معاً حتى لا تعكر صفو علاقتكما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة الغابة السوداء مليئة بالنشاطات الرياضية في الهواء الطلق (شاترستوك)

كيف تمضي عطلة صديقة للمناخ والبيئة في ألمانيا؟

السياحة المستدامة أو السياحة التي تعنى بالمحافظة على البيئة أصبحت من بين أولويات ما يتطلع إليه العديد من السياح من جميع الجنسيات، مما دفع بالفنادق

جوسلين إيليا (لندن )
علوم «قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

«قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

بمرور السنوات، تحولت الممرات المائية في المناطق الحضرية، مثل الأنهار والقنوات من ممرات أساسية للسفر والتجارة، إلى مجرد عناصر ثانوية داخل هذه المناطق.

نيت بيرغ (واشنطن)
يوميات الشرق سانتوريني تُعد واحدة من الوجهات الشهيرة للعطلات التي تواجه اكتظاظاً هذا الصيف (رويترز)

«مثلما فعلت البندقية»... اليونان تكشف عن خطط لمكافحة «السياحة المفرطة»

كشف عمدة إحدى الجزر الأكثر زيارة في اليونان عن خطط للقضاء على السياحة المفرطة؛ حيث يتجاوز عدد السياح أعداد السكان يومياً خلال موسم الذروة.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

اليونان مهدُ الأولمبياد... حين تحطّ في لبنان

«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
TT

اليونان مهدُ الأولمبياد... حين تحطّ في لبنان

«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)
«فانوس» يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز (صور رواء الحداد)

تقود الروح اليونانية الحائمة في أرجاء مشروع «فانوس» بمنطقة مديار في الدامور الواقع على الساحل اللبناني، إلى الحماسة المُشتعلة في فرنسا، المُجسدة بأولمبياد باريس. الرابط بين الاثنين جذور اليونان. فـ«فانوس» بلونيه الأزرق والأبيض، المخروقَيْن بالزهري الميال إلى «الفوشيا»، يُحضِر نَفَس الإغريق إلى أرض الأرز. ولما كان أصل الأولمبياد يونانياً أمكن رواية القصتين لتقاطُع نشأتهما.

مشهد بانورامي للدورة الأولى للألعاب الأولمبية عام 1896 في أثينا (غيتي)

شهد عام 1896 ولادة الدورة الأولى للألعاب الأولمبية الحديثة في عاصمة اليونان أثينا، بعدما استضافها حرم «زيوس» في الأولمبيا من القرن الثامن قبل الميلاد إلى الرابع الميلادي. حينها، عُرفت بـ«الألعاب الأولمبية القديمة»، وتجاوزت بُعدها الرياضي بالتحول أيضاً إلى مهرجان ديني، يُقام كل 4 سنوات، تُقدّم فيه الأضاحي والقرابين إلى «زيوس»، «إله السماء والصاعقة» في الميثولوجيا الإغريقية، والمُنتَصب تمثاله الشهير في معبده بأولمبيا، بجانب القرابين المُقدمة إلى «بيلوبس» الملك الأسطوري لأولمبيا.

إضاءة الشعلة في أولمبيا مهد الألعاب الأولمبية القديمة بجنوب غربي اليونان (أ.ب)

يلتحق بُعدٌ ثقافي موازٍ بشقَي الرياضة والطقوس، مُجسّداً بتخليد نحاتين وشعراء ومؤرخين انتصارات الفائزين بالألعاب من خلال التماثيل والقصيدة. ولما بدأ ممثلو الدول التنافس مع ممالك اليونان، شكّلت ألعاب القوى -آنذاك- المنافسات الرئيسية في البرنامج المؤلّف من الرياضات القتالية، منها المصارعة مثلاً ومسابقات الخيل. وأسوة بشعور يتركه مشروع «فانوس» لدى الدخول من بابه، يختزل السلام والسكينة، مُستَحْضراً من الروح اليونانية، شهدت الألعاب الأولمبية طوال تاريخها إرجاء النزاعات بين الدول، ووقف الأعمال العدائية إلى حين انتهاء المنافسات. الشعور بالراحة ينبثق من عمق النظرة اليونانية للأشياء المُلحة من أجل بلوغ غاية سامية ممثلة بسعادة الإنسان.

صور تُمثل مَعالم اليونان تتيح الانتقال الافتراضي إلى أرض الأولمبياد الأولى (رواء الحداد)

تروي رواء الحداد، زوجة مالك مشروع «فانوس»، لـ«الشرق الأوسط»، حكايته. تقول إنه «المجيء باليونان إلى لبنان». وإذا كان الغموض والأسطورة يكتنفان أصل الألعاب الأولمبية، خصوصاً ما يحوم حول «هرقل» (هيراكليس) ووالده «زيوس»، بوصفهما من أسلاف الألعاب الأولمبية ومؤسسيها، فإن عكسه، أي المباشر والوضوح، يقدمان «فانوساً» إلى الناس على هيئة استراحة عائلية من وحي الطابع اليوناني. بالنسبة إلى رواء الحداد، «المسألة متعلقة بالـ(Vibes) وما يشعر به الزائر. البحر من جهة، والجبل من أخرى، وسط لونَي العلم اليوناني الأزرق والأبيض، وصور تُمثل مَعالم البلد، يتيحان الانتقال الافتراضي إلى أرض الأولمبياد الأولى؛ المُتحلية بالتسمية من «هيراكليس» نفسه حين أطلق على الألعاب تسمية «الأولمبية» وبنى الملعب الأولمبي تكريماً لـ«زيوس»، ليسير بعد الانتهاء من البناء على خط مستقيم لمسافة 200 خطوة، مُطلقاً على ذلك تسمية «ستاديون»، لتصبح لاحقاً وحدة قياس للمسافة.

«فانوس» استراحة عائلية من وحي الطابع اليوناني (صور رواء الحداد)

أحبت وزوجها الأسفار والغَرْف من الحضارات. سحرتهما اليونان بتاريخها ونكهات مطبخها، ولما كانا أمام خيارَيْن: توضيب الحقائب والهجرة أو الاستثمار في لبنان، غامرا. مشروع «فانوس» مولود حديثاً، اتخذ تسميته من الأصل اليوناني لكلمة «منارة»، المُراد منه «السلام والسكينة الداخلية»، فيقصده باحثون عن استراحة بجانب البحر ومِن حوله منارة بارتفاع 14 متراً، تؤكد رواء الحداد أنها «الوحيدة في لبنان الممكن تسلقها عبر السلالم الآمنة، والتقاط الصور لمشهد بانورامي يُظهر طولَ الساحل اللبناني من الدامور إلى الجنوب».

منارة بارتفاع 14 متراً يمكن تسلقها عبر السلالم الآمنة (صور رواء الحداد)

ومن الروح اليونانية، تحضُر راقصات بأزياء تلك البلاد وموسيقاها، فيقدمن إلى الآتين من أجل «الشعور بإيجابية الحياة» عرضاً «كما في اليونان». تتدخل «لمسة الزهري»، فتتسلّل إلى طغيان الأزرق والأبيض (في الصور المعلقة على الجدران، والمُلتَقطة من معالم يونانية، إلى الديكور وألوان الأبواب والنوافذ، والمجسمات التي تحاكي الجو اليوناني)، وتفرض نفسها على المشهد. فـ«الشجرة المجنونة» المُسماة «بوغنفيل»، الشهيرة في اليونان، تنتشر في أرجاء «فانوس»، مُتيحة تمدد «الفوشيا» نحو المداخل وباتجاه جرة ضخمة، على وَقْع موسيقى يونانية هادئة تُشغل طوال الوقت، لتريح المشتاقين إلى لحظة انسياب خارج صخب الإيقاعات والضجيج من كل صوب.

من الروح اليونانية تحضُر راقصات بأزياء تلك البلاد وموسيقاها (صور رواء الحداد)

تكاد تُجمع المراجع على أن عام 776 قبل الميلاد هو التاريخ الأكثر قبولاً لولادة الألعاب الأولمبية القديمة، بدليل النقوش الخالدة في أولمبيا التي حفرت أسماء الفائزين بالسباقات. لكن الولادة الحديثة لهذه الألعاب التاريخية تزامنت مع حرب الاستقلال اليونانية عن الدولة العثمانية عام 1821. لتشهد منذ ذلك الحين إعادة الإحياء الفعلية. وفي عام 1896، استضافت أثينا الألعاب الأولمبية الأولى، المُقامة برعاية اللجنة الأولمبية الدولية، في ملعب «باناثينايكو»، جامعة 14 دولة و241 رياضياً. بلغت حماسة الجمهور أقصاها، وكان رائعاً أن تحتضن العاصمة اليونانية حدثاً بهذا الحجم. شعور الحماسة والغبطة تقاسمه رياضيون طالبوا بأن تكون أثينا دون سواها من مدن العالم، مُضيفة الأولمبياد. لكن الأمنية اصطدمت بما يُبخرها. الدورة التالية استضافتها باريس، خاطفة أنظار العالم إليها لتنظيمها أولمبياد 2024 وجدلياته. «فانوس» يأتي باليونان إلى لبنان، واليونان أذهلت العالم بأولمبيادها.