جيبوتي... واحة تعايش نادرة في منطقة مضطربة

موقعها الاستراتيجي جعلها ثكنة مدججة بالقواعد العسكرية

تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي والتعايش الفريد بين قومياتها (تصوير: تركي العقيلي)
تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي والتعايش الفريد بين قومياتها (تصوير: تركي العقيلي)
TT

جيبوتي... واحة تعايش نادرة في منطقة مضطربة

تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي والتعايش الفريد بين قومياتها (تصوير: تركي العقيلي)
تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي والتعايش الفريد بين قومياتها (تصوير: تركي العقيلي)

وسط محيط مضطرب بالنزاعات والحروب، يعيش نحو مليون نسمة من أعراق وقوميات مختلفة بانسجام فريد في جمهورية جيبوتي أو ما كانت تسمى تاريخياً «أرض عفار وعيسى».

تقدم جيبوتي التي تتشارك الحدود مع إريتريا في الشمال، وإثيوبيا من الغرب، والصومال في الجنوب الشرقي، نفسها على أنها واحة تعايش نادرة في قلب القرن الأفريقي الذي تتخاطفه الصراعات لعقود طويلة.

تمتلك جيبوتي إمكانات كبيرة لم تستغل بعد... ويبدو خليج تاجوراء في الصورة (تصوير: تركي العقيلي)

تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي، حيث يوجد أهم قوميتين فيها؛ هما الصومالية والعفرية، إلى جانب القومية العربية التي تتحدر في معظمها من اليمن، بحسب عبد الوارث علي، وهو شاعر ومثقف جيبوتي.

وأضاف علي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «كل هذا النسيج يعيش في وئام وسلام، فهي واحة سلام في منطقة القرن الأفريقي الذي عُرف عنه الاضطرابات السياسية الكثيرة، لكن نحن في جيبوتي أصبحنا واحة سلام في هذا المحيط المضطرب».

تتميز جيبوتي بتنوعها الثقافي والتعايش الفريد بين قومياتها (تصوير: تركي العقيلي)

وتعد الفرنسية والعربية اللغتين الرسميتين في البلاد، مع ذلك يتحدث السكان لغات أخرى؛ منها الصومالية والعفرية والإنجليزية، وهو ما يشكّل علامة إضافية على تنوع هذا البلد الصغير.

وتبلغ مساحة جيبوتي نحو 23200 كيلومتر مربع، وتمتلك شواطئ بطول 370 كيلومتراً على البحر الأحمر وخليج عدن، ويعد موقعها الاستراتيجي هو ثروتها الحقيقية، إذ تطل من خلاله على الجانب الغربي لمضيق باب المندب، البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، ويحظى بأهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية كبيرة.

مساحة جيبوتي نحو 23200 كيلومتر مربع وشواطئ بطول 370 كيلومتراً (شاترستوك)

ورغم امتداد القوميات التي تعيش في جيبوتي للدول المجاورة، فإن التعايش هو السائد بين سكانها، ويفنّد عبد الوارث علي ذلك بقوله: «جيبوتي ربما أصغر دولة في المنطقة إلا أن لها امتداداً ثقافياً مع محيطها العربي، كما أن ثقافة السلام متجذرة، حيث تجد أن تعدد القوميات يعطيها فرصة للتفاهم».

من أشهر المأكولات في جيبوتي وإريتريا والصومال (شاترستوك)

ورغم تأثر جيبوتي بالاستعمار الفرنسي الذي استمر نحو قرن من الزمان، وانتشار الثقافة الفرنسية، فإنها حافظت على جذورها العربية لقربها من الجزيرة العربية، وفقاً لعبد الوارث علي.

من جانبه، أوضح إلياس محمود محمد، وهو كاتب جيبوتي، أن المجتمعات المنفتحة خاصة التي تعيش على السواحل عادة ما تتميز بالانفتاح، نظراً لتعددها الداخلي، مشيراً إلى أن الترابط في المجتمع الجيبوتي قديم، بدءاً بدخول الإسلام للمنطقة، ثم من خلال التجارة عبر السواحل الجيبوتية وخليج عدن والبحر الأحمر.

وأضاف: «هذا التميز الجغرافي ووجود البلاد على الساحل أثرا كثيراً ولهما انعكاس على المجتمع، ستجد الثقافة العربية ظاهرة، وبعض الثقافة الأفريقية، وتجد في الشعب التسامح وحب الآخر، والترحيب به».

الدور السعودي في إعادة الثقافة العربية

الحضور السعودي في جيبوتي قديم ولا ينحصر في المجال الثقافي فقط، بل يمتد للمجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والتعليمية، والبنية التحتية، كما يؤكد عبد الوارث علي. ولفت إلى أن «السعودية هي الشقيقة الكبرى بالنسبة لجيبوتي، وقدمت الكثير لبلادنا منذ الاستقلال، ومن أهم الأمور إعادة الثقافة العربية مرة أخرى بعد خروج المستعمر».

وتابع: «أنشأت المملكة المعهد السعودي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبعدها جاءت المدرسة السعودية، ويعد المعهد حجر الأساس لإعادة الثقافة العربية بشكل قوي جداً، الآن هناك ثانويات عربية في كل الأحياء تقريباً، وكل المديرين والمدرسين الذين يديرون هذه المدارس هم في الأساس خريجو المعهد السعودي».

ثكنة مدججة بالقواعد العسكرية

عندما قرر الفرنسيون مغادرة جيبوتي وأعلنت البلاد استقلالها في عام 1977، أبقت فرنسا على قاعدة عسكرية في البلاد وما زالت هذه القاعدة تعمل حتى اليوم، إلا أن وجود القواعد العسكرية في جيبوتي ازداد تدريجياً منذ مطلع الألفية الجديدة.

ففي عام 2002 وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، قررت الولايات المتحدة الأميركية، بناء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي (أفريكوم) تعد الأكبر في أفريقيا، بهدف محاربة الإرهاب والتطرف والقرصنة.

جانب من حفل افتتاح القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي عام 2017 (وكالة الصحافة الفرنسية)

كما توجد حالياً في جيبوتي قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة والصين واليابان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إلى جانب بعثة الاتحاد الأوروبي (أتلانتا) لمواجهة القرصنة في البحر الأحمر.

وخلال توجهنا من مطار أديس أبابا إلى جيبوتي، كان من اللافت وجود عدد من الجنود بملامح غربية وآسيوية يحملون حقائب عسكرية مموهة في طريقهم إلى قواعدهم العسكرية على ما يبدو.

وتؤكد الدول التي أنشأت قواعد عسكرية لها في جيبوتي أن الهدف الأساسي هو حماية سفنها التجارية في البحر الأحمر وحماية خطوط التجارة الدولية ومواجهة القرصنة.

وافتتحت اليابان قاعدتها العسكرية في عام 2011 لمواجهة القرصنة، بينما أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي عام 2017 وتضم نحو 1000 عنصر ولديها قدرة على استيعاب أعداد تصل إلى 10 آلاف عنصر.

ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن المباني التي أنشأها الصينيون تختلف عن القواعد العسكرية الأخرى في البلاد؛ حيث شيّدت مبانيها بالإسمنت بدت دائمة، بخلاف القواعد الأخرى التي تبدو مؤقتة وقابلة للنقل في أي لحظة.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تُعوّل مصر على اجتذاب مزيد من السائحين، عبر مشاركتها في فعاليات سياحية دولية، أحدثها «سوق السفر العالمي» (WTM)، التي افتتح خلالها وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، جناح بلاده المُشارك في الدورة الـ43 من المعرض السياحي الدولي، الذي تستمر فعالياته حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بالعاصمة البريطانية لندن.

ووفق فتحي، فإن وزارته تركّز خلال مشاركتها بالمعرض هذا العام على إبراز الأنماط والمنتجات السياحية المتعدّدة الموجودة في مصر، واستعراض المستجدات التي تشهدها صناعة السياحة في مصر.

هدايا تذكارية بالجناح المصري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، فإن «الجناح المصري المشارك شهد خلال اليوم الأول إقبالاً من الزوار الذين استمتعوا بالأنشطة التفاعلية الموجودة به، والأفلام التي تُبرز المقومات المختلفة والمتنوعة للمقصد السياحي المصري، كما شهد اليوم الأول عقد لقاءات مهنية مع ممثّلي شركات السياحة والمنشآت الفندقية المصرية».

وتشارك مصر هذا العام بجناح يضم 80 مشاركاً، من بينهم 38 شركة سياحة، و38 فندقاً، بالإضافة إلى شركتَي طيران، هما: شركة «Air Cairo»، وشركة «Nesma»، إلى جانب مشاركة محافظتَي البحر الأحمر وجنوب سيناء، وجمعية «الحفاظ على السياحة الثقافية».

وصُمّم الجناح من الخارج على شكل واجهة معبد فرعوني، مع شعار على هيئة علامة «عنخ» (مفتاح الحياة)، في حين صُمّم الجناح من الداخل على شكل صالات صغيرة للاستقبال، بدلاً من المكاتب (Desks).

وتمت الاستعانة بمتخصصين داخل الجناح المصري؛ لكتابة أسماء زائري الجناح المصري باللغة الهيروغليفية على ورق البردي، وبشكل مجاني خلال أيام المعرض، بجانب عازفة للهارب تعزف المقطوعات الموسيقية ذات الطابع الفرعوني.

جانب من الإقبال على جناح مصر في «بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعدّ «سوق السفر العالمي» معرضاً مهنياً، يحظى بحضور كبار منظّمي الرحلات، ووكلاء السياحة والسفر، وشركات الطيران، والمتخصصين في السياحة من مختلف دول العالم.

واقترح فتحي خلال لقائه بوزيرة السياحة اليونانية إمكانية «الترويج والتسويق السياحي المشترك لمنتج السياحة الثقافية في البلدين بعدد من الدول والأسواق السياحية، لا سيما أن مصر واليونان لديهما تكامل سياحي في هذا الشأن». على حد تعبيره.

واستعرض الوزير المصري المقومات السياحية المتعددة التي تتمتع بها بلاده، كما تحدث عن المتحف المصري الكبير، وما سيقدمه للزائرين من تجربة سياحية متميزة، لا سيما بعد التشغيل التجريبي لقاعات العرض الرئيسية الذي شهده المتحف مؤخراً.

فتحي خلال تفقّده للجناح المصري بـ«بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتوقّع الوزير المصري أن تشهد بلاده زيادة في أعداد السائحين حتى نهاية العام الحالي بنسبة 5 في المائة عن العام الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في المعرض، وأشار إلى أهمية السوق البريطانية بالنسبة للسياحة المصرية، حيث تُعدّ أحد أهم الأسواق السياحية الرئيسية المستهدفة، لافتاً إلى ما تشهده الحركة السياحية الوافدة منها من تزايد، حيث يصل إلى مصر أسبوعياً 77 رحلة طيران من مختلف المدن بالمملكة المتحدة.

وأكّد على أن «مصر دولة كبيرة وقوية، وتدعم السلام، وتحرص على حماية حدودها، والحفاظ على زائريها، وجعْلهم آمنين، حيث تضع أمن وسلامة السائحين والمواطنين في المقام الأول، كما أنها بعيدة عن الأحداث الجيوسياسية»، لافتاً إلى أن هناك تنوعاً في جنسيات السائحين الوافدين إلى مصر من الأسواق السياحية المختلفة، حيث زارها خلال العام الحالي سائحو أكثر من 174 دولة حول العالم.

الجناح المصري في «بورصة لندن» للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأعرب فتحي عن تفاؤله بمستقبل الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط، وما يتمتع به من مقومات سياحية متميزة، خصوصاً مدينة العلمين الجديدة، ومشروع رأس الحكمة بصفته أحد المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تشهدها منطقة الساحل الشمالي، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يجذب هذا المشروع أكثر من 150 مليار دولار استثمارات جديدة، ويساهم في إضافة ما يقرب من 130 ألف غرفة فندقية.