تبختر كيفما شئت وأنت تسير بين الحقول وعلى ضفاف النهر وعند أسفل الوادي والشلال، وتنشَّق التاريخ الذي استوطن على أكتاف «ديار بني هلال» الواقعة بين «الليث» و«أضم» جنوب غربي منطقة مكة المكرمة.
بعثر كُل تلك الصور القديمة، والتقط بما أتيح لك من أدوات، وادمج ذلك في مشهد واحد، القصة مكتوبة منذ آلاف السنين، فكل ما عليك فعله هو فقط تجميع تلك المشاهد وتحسين السيناريو الذي يبرز النقوش والبيوت العتيقة مع الطبيعة في كادر واحد، ليوثق لك هذا المشهد فيما بعد رحلة المغاوير من قديم الأزل، وبعض الحكايات لنقوش احتضنت الصخور المحفورة في بطون الجبال، لتدرك وأنت على أعتاب نهاية المونتاج لمشهدك العظيم، أن التاريخ لم يكن وحده هناك متفرداً في كل شيء، بل كانت القرية والوادي حلماً للباحثين عن الثراء.
هو الشغف المنثور في كل اتجاهات «ديار بني هلال»، الذي يقودك للماضي لتعيش معه كما تحب، وأنت تسمع قصة «سوق الجمعة» تلك السوق التي يرجع تاريخها لأكثر من 4 قرون، والتي شيدت باحترافية عالية داخل حصن كبير ومجموعة من الدور المنتظمة تدل على مهارة الإنسان في تلك الحقب رغم افتقاد الكثير من الأدوات المتاحة في هذا العصر، هو الشغف وأنت تمتع ناظريك بكثير من الرسومات والنقوش والرموز والكتابات على الصخور التابعة لأمم نقشت تاريخها واستوطنت في جبل عفف وقرية الكفو.
تقول الروايات وما ينطق عنه كبار وأعيان «الديار» إن سوق الجمعة كانت لها أغراض متعددة ففيها يجتمع الناس من قبائل بني هلال، والقبائل المجاورة وعابرو السبيل والتجار من مختلف المناطق، إذ كانت السوق تتمتع بنشاطات تجارية مختلفة استقطبت كل تلك الشرائح، ومن ذلك البيع والشراء للمواشي والمواد الغذائية من «الدخن، والذرة، والسمن، والعسل»، إضافة إلى قطاع الصناعة، حيث كانت تشتهر المنطقة بصناعة «الحلي، وأدوات الحرث، والسقاية، وتصنيع الملابس».
وبخلاف ما كانت تتمتع به السوق من تنوع، كانت مقر اجتماع القبيلة للتشاور في الأمور كافة، خاصة تلك التي تحتاج إلى الاتفاق عليه، وميزة السوق أنها تعدُّ محطة مهمة لحل الخصومات، إذ كانت تحتضن اجتماعات مخصصة للصلح بين المتنازعين من قبائل بني هلال والقبائل المجاورة، كما عرف عن السوق أنها ملاذ الباحثين عن الأمان وأولئك الذين يعتريهم الخوف، فتوفر السوق لهم مكاناً آمناً، ومن ثم إيجاد ما يتوافق من الحلول المناسبة لأخذ الحق له إن كان من المستضعفين.
من الزيارات المهمة في المنطقة، البيوت القديمة، ومقاري النحل، والتعرف على كيفية تمكن قاطني هذه الديار من عمليات البناء على هذا النحو الفريد، والتعامل مع كافة العوامل الجغرافية والمناخية، التي مكنتهم من تفادي سريان الوديان ببناء كثير من البيوت على مرتفعات صغيرة بزوايا مختلفة لكل بيت، مع استخدام أحجار ذات مقاسات محددة وجودة عالية قادرة على تحمل هذه الظروف.
وما يميز المواقع التاريخية والآثار في «ديار بني هلال» أنها في قلب الطبيعة عند وادي «مراج»، الذي يعد من أجمل المناطق السياحية للمتنزهين لكثرة المياه وجمال الطبيعة التي يمتاز بها، إلى جبال «عفف»، الذي يضم المواقع السياحية البكر والعديد من المباني التراثية التي تحكي سيرة الإنسان في حقب زمنية مختلفة، كما أن المنطقة تمتاز ببرودة الجو ونقاوته، وجمال الطبيعة وإنتاج بعض الفواكه الصيفية، مما يجعلها هدفاً ومزاراً حقيقياً في قادم الأيام للباحثين عن الجمال والهدوء.
هذا التاريخ وما فيه من حكايات وجولات، كان لا بد أن يكون شيئاً منه تحت سقف واحد يحكي سير الأقوام الفائتة، وهو ما ذهب إليه الشيخ حامد بن عدوان الهلالي، الذي عمد إنشاء متحف يحتضن كل أدوات التراث للإنسان القديم من «الأسلحة، ومعدات الحرث والزراعة، والحلي والملابس»، في خطوة للتعريف بتاريخ المنطقة على مدار قرون مضت وكيف عاشت في قلب التاريخ.