زِينة لبنان تبهج الزوار والسياح

الأشرفية والبترون وجبيل وإهدن ترحّب بالجميع

ساحة ساسين الصاخبة في العيد (طارق كرم)
ساحة ساسين الصاخبة في العيد (طارق كرم)
TT

زِينة لبنان تبهج الزوار والسياح

ساحة ساسين الصاخبة في العيد (طارق كرم)
ساحة ساسين الصاخبة في العيد (طارق كرم)

وحدها هذه البهجة المُعمَّمة في ديسمبر (كانون الأول) تخفّف خيبات الأشهر الماضية. الزينة والناس وصوت الأجراس كما في أغنية «ليلة عيد» بصوت فيروز الدافئ.

رغم أنّ الصقيع لم يستشرس تماماً في لبنان، إلا أنّ الأيام بمعظمها مُحمَّلة بأنواعه. وحده هذا الشهر، يُهدِّئ برد القلوب ويُضفي أمل البقاء وعناد المحاولات.

تتنقّل في المناطق، فإذا بالجماليات على الامتداد؛ من الأشرفية إلى جبيل والبترون وإهدن، وأخرى تصرُّ أيضاً على الاحتفال.

أشجار الميلاد هي الوجهة المقصودة لالتقاط الصور ومراكمة الذكريات، تُذهَل أمامها عيون الأطفال، ويُصاب الكبار بإحساس بالحياة، يتضاءل أحياناً لتفاقم ما يُحبِط.

جبيل المضاءة بالألوان والزِينة وجهة اللبنانيين (تصوير: الأب إيلي قرقماز)

«أمل» الأشرفية

إلى جانب صليبٍ كبير يُضاء في المساء، مستنهضاً شعوراً بالنور الداخلي، يغمر صخب العيد ساحة ساسين البيروتية، المزيَّنة بشجرة ترفع كلمة «Hope» (أمل) على أغصانها. يُخبر رئيس جمعية «Lebanon of Tomorrow» المتكفّلة بتجميل الأرجاء، طارق كرم، «الشرق الأوسط»، بأنّ الظرف الأصعب مرَّ على لبنان بُعيد انفجار مرفئه، ومع ذلك تزيَّنت الأشرفية في العيد وأَبَت الاستسلام للموت.

الناس هنا وهناك، والأطفال يمرحون. يحدُث في هذا الوقت من العام تعطيل الشكوى وإرجاء معاتبة الحياة. العيد استراحة الموجوعين أيضاً، يتّخذونه ذريعة لالتقاط النَّفَس. تهتم الجمعية بتزيين ساحة ساسين منذ عام 2020، بعد 4 أشهر من فاجعة المرفأ. حينها، تزيّنت شجرة الميلاد بمنازل بيروت المهشّمة. «كان ذلك العام مروعاً. دائماً ثمة وضعٌ مُهدِّد في لبنان، لكنّ نداء الحياة هو الغالب». هذا إعلانُ طارق كرم الرافض هزيمة اللبنانيين.

مشهد من جبيل التاريخية بأخضرها الحلو (تصوير: الأب إيلي قرقماز)

في 2021، تزيّنت شجرة ساسين بأجنحة ملائكة، وبالأنوار في 2022. اليوم، الكلمة لـ«الأمل». يتابع كرم: «العيد ليس ملكنا. إنه للأولاد. لا يمكن منع الفرح». في حفل افتتاح الزِّينة، خاطب الحاضرين: «المشكلة في لبنان أنّ أحداً لا يحبّ البلد أكثر من الآخر. الجميع يحبّه على طريقته. طريقتنا المقاومة من أجل الحياة».

يميّز الميلاد في الأشرفية تقديم «الكيوسكات» (الأكشاك) مجاناً لتشجيع أصحاب المهن الصغيرة. تتولّى الجمعية التكاليف، من تأمين «الكيوسك»، وخيمة تردّ الأمطار، والكهرباء، وعناصر الأمن. يشرح كرم أنّ التجار يتبدّلون على الدوام لإتاحة الفرص للجميع، وما يجنونه يعود لهم كاملاً، فالربح صافٍ. تحت الشجرة المرتفعة، يحضُر من جميع المناطق مؤمنون بأنّ الحياة تستحق أن تُعاش.

«جبيل بالأحمر والذهبي»

من الأشرفية، نصعد إلى جبيل، خاطفة الأنظار في هذا الشهر ووجهة اللبنانيين. تزيَّن الشارع الروماني حاملاً شعار «جبيل بالأحمر والذهبي»، على وَقْع الترانيم بصوت التينور جوني عواد. الشوارع مضاءة، تحتضن السوق الميلادية الداعمة للمزارعين والحرفيين. في كلمته خلال حفل الافتتاح، ذكّر نائب المنطقة زياد الحواط بأنّ «جبيل ستبقى المدينة السياحية الأولى؛ مدينة السلام والمحبة والفرح والعيش المشترك»، بأمل أن «يمتد السلام الذي نعيشه فيها إلى الجنوب اللبناني».

بدوره، يشرح رئيس بلدية جبيل وسام زعرور رسالة الشجرة: «المدينة وأهلها وزوارها والسياح، يرفضون كل ما يعترض طريقهم. ثمة حزن لا يمكن إنكاره، يمسّ اللبنانيين العالقين في الأزمات. نقابل ذلك بالزِّينة والأضواء، فرسالتنا الأمل وروح البقاء».

يكمل حديثه مع «الشرق الأوسط» بتحجيم المخاوف، والقول إنها لن تُحقق مبتغاها بالنَّيل من فرحة العيد: «ثمة دائماً ما يطلّ برأسه ليُخيف الشعب اللبناني، واعتدنا التصدّي إيماناً بالحياة. العيد تواضعٌ، لا زِينة، لكنّ الزِّينة تحايلٌ على الأحزان لإعادة إسعاد الآخرين». هَمُّ جبيل بفعالياتها وبلديتها، قطع الطريق أمام منغّصاتٍ تَحول دون الشعور بمعنى العيد في الظرف الصعب. يتابع زعرور: «نستطيع الفرح بتواضع أيضاً. زِينة الميلاد لم تعد تكبّد تكاليف باهظة كما السابق. الوضع الاقتصادي قاسٍ، لكننا لن نحرم اللبنانيين من البهجة».

الميلاد في لبنان إصرار على الفرح رغم التهديدات (من الأشرفية وجبيل والبترون وإهدن)

يستوقفه نهب الودائع لدى الحديث عن كيفية تغطية التكاليف، للإشارة إلى أنّ المال لم يعد يتحلّى بقيمته منذ ضياع جنى العمر: «تكاتفت الأيدي، نحن البلدية، والتجار والمستثمرين، لنُزيِّن، وأعدنا استعمال زِينة قديمة للمغارة والطرقات. الآتي إلى جبيل سيشعر بما هو أبعد من شجرة وأضواء. سيمتلئ بالفرح المُهدَى أيضاً إلى الفقراء. يحقّ للفقير الشعور بالعيد، وما الشجرة، والسوق الميلادية، والجوّ الرائع، سوى عيدية تغمر القلوب بالسرور».

شجرة ميلاد البترون صديقة للبيئة (تصوير: الأب إيلي قرقماز)

البترون: بيئة وأضواء

تُجمِّل البترون كلَّ مناسبة، فكيف بديسمبر، حلاوة المناسبات؟ ترتفع شجرة صمَّمها ونفّذها رئيس لجنة التجار جلبير سابا. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ رسالتها بيئية مفادها المجيء بشجر من غابات محروقة، وإعادة استعماله للزِّينة، بما يقلّل التكلفة. الرسالة الثانية إبراز طابع المدينة، فتتولّى الإضاءة المهمّة.

يدرك أنّ المخاوف تتسلّل كلما اهتزّ الأمن، وهدَّد وتوعَّد. يقول: «اتخذنا قراراً بالاستمرار رغم الأحوال، بما يحمله القلب من تضامن مع أهالينا وآلامهم». شهرٌ من التحضيرات، لتُبهج زِينة البترون الزوار والسياح طوال 40 يوماً. يضيف سابا أنّ العاملين على إنجاز الشجرة والزِّينة بلغوا 50 شخصاً في اليوم، «فتُغطَّى التكاليف بنحو 50 في المائة من تأجير (الكيوسكات)، ويتولّى الرعاة سدّ الجزء الآخر».

الأمل هو نداء الأشرفية من أجل لبنان (طارق كرم)

زغرتا وبنشعي وإهدن: ضفاف البحيرة ترحّب بالجميع

الآن، إلى الطبيعة الأكثر جمالاً في الشمال اللبناني، زغرتا وبنشعي وإهدن. تنقل المنسّقة الإعلامية لـ«Christmas by the lake» إفلينا مهوس، جوَّ العيد حول بحيرة بنشعي الشهيرة، وثلج إهدن المتساقط أمام دفء مواقد منازلها، وزِينة زغرتا، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «سمّينا الاحتفال المُقام على ضفاف البحيرة، هذا العام، (ميلاد الأمل). لا يفرّط اللبنانيون بقيمتين: الإيمان والأمل، فهما ما نملك أمام الاشتعال في الجنوب وغزة. على امتداد هذه الضفاف، وُزِّعت (كيوسكات) تساعد الشباب على إيجاد فرص عمل. لم ترتفع شجرة في المكان، وعوَّض غيابَها الحضورُ البديع للقرية الميلادية، بما يُحدث توازناً بين مداراة الجوّ العام وعدم حرمان المنطقة وأطفالها من بهجة الشهر الأخير من السنة. دخول البحيرة والحفلات مجاني».

الميلاد في إهدن وزغرتا وبنشعي يرحّب بالزوّار (تصوير: الأب إيلي قرقماز)

تتحدّث أيضاً عن «فرحة ناقصة»، «فالقلب هناك، ولا مفر من التأثّر. الميلاد محطّة لرفع الصلاة لأهالينا تحت النار». إلا أنّ إرادة الحياة تدفع لمحاولة النهوض، فموسم العيد فرصة لإنعاش الاقتصاد، خصوصاً في المناطق المهمَّشة. هناك، الرهان على السياح والمغتربين، والترحيب حارّ بالجميع.


مقالات ذات صلة

إنقاذ 28 شخصاً والبحث عن 17 آخرين بعد غرق مركب سياحي في مصر

شمال افريقيا اللنش السياحي «سي ستوري» (محافظة البحر الأحمر - فيسبوك)

إنقاذ 28 شخصاً والبحث عن 17 آخرين بعد غرق مركب سياحي في مصر

أفادت وسائل إعلام مصرية، اليوم (الاثنين)، بغرق أحد اللنشات السياحية بأحد مناطق الشعاب المرجانية بمرسي علم بالبحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ستقدم للزوار رحلة فريدة لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة (منصة ويبوك)

تركي آل الشيخ و«براذرز ديسكفري» يكشفان عن «هاري بوتر: مغامرة موسم الرياض»

في حدث يجمع المتعة والإثارة، سيكون زوار موسم الرياض 2024 على موعد لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة «هاري بوتر: موسم الرياض».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

هولندي يروّج للسياحة المصرية بالتجديف في النيل لمدة أسبوع

دشن المجدف الهولندي المحترف، روب فان دير آر، مشروع «التجديف من أجل مصر 2024»، بهدف الترويج لمنتج السياحة الرياضية المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سفر وسياحة قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات وفاقت شهرتها حدود البلاد

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تُعوّل مصر على اجتذاب مزيد من السائحين، عبر مشاركتها في فعاليات سياحية دولية، أحدثها «سوق السفر العالمي» (WTM)، التي افتتح خلالها وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، جناح بلاده المُشارك في الدورة الـ43 من المعرض السياحي الدولي، الذي تستمر فعالياته حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بالعاصمة البريطانية لندن.

ووفق فتحي، فإن وزارته تركّز خلال مشاركتها بالمعرض هذا العام على إبراز الأنماط والمنتجات السياحية المتعدّدة الموجودة في مصر، واستعراض المستجدات التي تشهدها صناعة السياحة في مصر.

هدايا تذكارية بالجناح المصري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، فإن «الجناح المصري المشارك شهد خلال اليوم الأول إقبالاً من الزوار الذين استمتعوا بالأنشطة التفاعلية الموجودة به، والأفلام التي تُبرز المقومات المختلفة والمتنوعة للمقصد السياحي المصري، كما شهد اليوم الأول عقد لقاءات مهنية مع ممثّلي شركات السياحة والمنشآت الفندقية المصرية».

وتشارك مصر هذا العام بجناح يضم 80 مشاركاً، من بينهم 38 شركة سياحة، و38 فندقاً، بالإضافة إلى شركتَي طيران، هما: شركة «Air Cairo»، وشركة «Nesma»، إلى جانب مشاركة محافظتَي البحر الأحمر وجنوب سيناء، وجمعية «الحفاظ على السياحة الثقافية».

وصُمّم الجناح من الخارج على شكل واجهة معبد فرعوني، مع شعار على هيئة علامة «عنخ» (مفتاح الحياة)، في حين صُمّم الجناح من الداخل على شكل صالات صغيرة للاستقبال، بدلاً من المكاتب (Desks).

وتمت الاستعانة بمتخصصين داخل الجناح المصري؛ لكتابة أسماء زائري الجناح المصري باللغة الهيروغليفية على ورق البردي، وبشكل مجاني خلال أيام المعرض، بجانب عازفة للهارب تعزف المقطوعات الموسيقية ذات الطابع الفرعوني.

جانب من الإقبال على جناح مصر في «بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعدّ «سوق السفر العالمي» معرضاً مهنياً، يحظى بحضور كبار منظّمي الرحلات، ووكلاء السياحة والسفر، وشركات الطيران، والمتخصصين في السياحة من مختلف دول العالم.

واقترح فتحي خلال لقائه بوزيرة السياحة اليونانية إمكانية «الترويج والتسويق السياحي المشترك لمنتج السياحة الثقافية في البلدين بعدد من الدول والأسواق السياحية، لا سيما أن مصر واليونان لديهما تكامل سياحي في هذا الشأن». على حد تعبيره.

واستعرض الوزير المصري المقومات السياحية المتعددة التي تتمتع بها بلاده، كما تحدث عن المتحف المصري الكبير، وما سيقدمه للزائرين من تجربة سياحية متميزة، لا سيما بعد التشغيل التجريبي لقاعات العرض الرئيسية الذي شهده المتحف مؤخراً.

فتحي خلال تفقّده للجناح المصري بـ«بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتوقّع الوزير المصري أن تشهد بلاده زيادة في أعداد السائحين حتى نهاية العام الحالي بنسبة 5 في المائة عن العام الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في المعرض، وأشار إلى أهمية السوق البريطانية بالنسبة للسياحة المصرية، حيث تُعدّ أحد أهم الأسواق السياحية الرئيسية المستهدفة، لافتاً إلى ما تشهده الحركة السياحية الوافدة منها من تزايد، حيث يصل إلى مصر أسبوعياً 77 رحلة طيران من مختلف المدن بالمملكة المتحدة.

وأكّد على أن «مصر دولة كبيرة وقوية، وتدعم السلام، وتحرص على حماية حدودها، والحفاظ على زائريها، وجعْلهم آمنين، حيث تضع أمن وسلامة السائحين والمواطنين في المقام الأول، كما أنها بعيدة عن الأحداث الجيوسياسية»، لافتاً إلى أن هناك تنوعاً في جنسيات السائحين الوافدين إلى مصر من الأسواق السياحية المختلفة، حيث زارها خلال العام الحالي سائحو أكثر من 174 دولة حول العالم.

الجناح المصري في «بورصة لندن» للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأعرب فتحي عن تفاؤله بمستقبل الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط، وما يتمتع به من مقومات سياحية متميزة، خصوصاً مدينة العلمين الجديدة، ومشروع رأس الحكمة بصفته أحد المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تشهدها منطقة الساحل الشمالي، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يجذب هذا المشروع أكثر من 150 مليار دولار استثمارات جديدة، ويساهم في إضافة ما يقرب من 130 ألف غرفة فندقية.