العِرضيات... مدينة العسل وقصص الآشوريين والعرب

النبي سليمان أرسل وفداً للبحث عن الذهب فيها

قلعة البرحة من القلاع القديمة في المدينة (الشرق الأوسط)
قلعة البرحة من القلاع القديمة في المدينة (الشرق الأوسط)
TT

العِرضيات... مدينة العسل وقصص الآشوريين والعرب

قلعة البرحة من القلاع القديمة في المدينة (الشرق الأوسط)
قلعة البرحة من القلاع القديمة في المدينة (الشرق الأوسط)

عندما يكون المكان مدججاً بالتاريخ، وتناظرك القصص والحكايات من زواياه وكل ما يحيط به، ويتسلل من بين أزقته وجدران قلاعه العتيقة عطر الانتصار ونشوة المجد، وأنت لا تعلم، وتعلم أنك لا تعلم، أنك تسير بمفردك ولست وحيداً في واديي قنونا ويبه، وتسمع ما يسلّي خاطرك عن الأشوريين والعرب البائدة، وتشاهد نقوشاً هنا وهناك، وتتمتم في ذهول «ما هذا؟»، وأنت تشاهد جبال العِرضيات وهي تسدلُ عنها الشحوب لتريك زينتها، وقصصاً جمة تنتظر مشط الراوي ليعقد جدائلها المنثورة لأكثر من 5 آلاف سنة، حينها لا تجزع، بل قف، وانظر إلى شموخ هذه المدينة، وأنصت لحكايا يحتضنها الجزء الجنوبي من منطقة مكة المكرمة.

حجر القلادة بالعِرضيات والذي نُسج حوله الكثير من القصص التاريخية (الشرق الأوسط)

العِرضيات أو العُرضيات، بكسر العين أو ضمّها. كسرت اللامعقول في الكمّ، واحتضنت تاريخاً حافلاً، هذه المدينة التي تقبع جنوب غرب السعودية، الغارقة في بحر الحكايات والقصص، من النبي سليمان - عليه السلام - الذي أرسل وفداً للمدينة بحثاً عن الذهب في بطن العِرضيات، إلى حكاية المناجم وقوم ثمود، وحقبة الصيادين الأوائل قبل 5 آلاف سنة من ظهور الإسلام في الجزيرة العربية.

شلالات وادي نعمة أعطت المدينة بعداً سياحياً (الشرق الأوسط)

تاريخ عريق وطبيعة فاتنة

المدينة لم تكتفِ بنسبها وتاريخيها، بل بإجادة في طبيعتها، وهو ما يراه الباحثون أحد أبرز العوامل التي استقطبت الأقوام الفائتة؛ الأخضر يوشّح وديانها، وشلالاتها تقفز شوقاً من أعلى الجبال لمعانقة الأرض، ناهيك بعيون الماء النقية التي تسرح في أودية المحافظة طيلة العام.

عبد الله الرزقي، الباحث في الآثار والتاريخ، يقول: إن العِرضيات مدينة ضاربة في التاريخ، وفقاً لما رُصِد فيها من آثار ورسوم منحوتة على جبالها، من نقوش لحيوان الوعل، الذي يعود لحقبة الصيادين الأوائل، موضحاً أن المدينة مرّت بمرحلتين مهمتين تمثلت الأولى منهما بـ«مرحلة العرب البائدة» حين كان يقطنها قوم ثمود في منطقة ثميدة، مستشهداً بالكتابات الثمودية الموجودة في بعض المواقع بها، إضافة إلى ما ورد في دراسات محمد بيومي مهران من جامعة الإسكندرية في كتابه «تاريخ العرب قبل الإسلام»، الذي أشار إلى أن هذه المنطقة قد ورد اسمها في بعض الأسفار، وأنها هي المنطقة التي أرسل إليها النبي سليمان وفداً للبحث عن ذهب لا ينقى من الشوائب.

رضعة أبي زيد أحد المعالم السياحية في المدينة (الشرق الأوسط)

وتابع الرزقي، أن هناك نقوشاً تعود إلى الأنباط ونعتقد أنهم سكنوا المدينة، كذلك الفينيقيون والأشوريون الذين جابوا البحر الأحمر وصولاً إلى المنطقة، وهذا ما أورده المؤرخ حسن فقيه ضمن خريطة آثار ثميدة، موضحاً أن واديي قنونا ويبه اللذين تتمنطق بهما محافظة العِريضات من جبال السرة إلى القنفدة وصولاً إلى البحر، سجلا الكثير من الأحداث التاريخية، ومن ذلك توافد القبائل من مختلف الأرجاء للاستيطان فيهما، إضافة إلى أن أحد ملوك جرهم قبل الإسلام لجأ وادي قنونا وورد في كتاب «تاريخ الأزرقي في أخبار مكة».

نقش نمر موجود في أحد جبال العِرضيات منذ آلاف السنين (الشرق الأوسط)

جبل القلادة

ومن الروايات القديمة التي يسردها قاطنو المدينة ويرويها الباحث الرزقي، واقعة جبل القلادة الذي كان اسمه «خشم جبهه» نسبة لشكل الجبل التي تكون نهاية طرفه على شكل أنف، وفيما أورد، أن قافلة عابرة نوّخت ركابها في وادي خيطان الموازي لجبل القلادة للتزود والاسترخاء، فتوجهت إحدى النساء فيها للاغتسال، فوضعت قلادتها الثمينة على إحدى الصخور القريبة منها، ومن دون مقدمات انقضّ طائر الحداة على القلادة انتشلها وحلّق بها على مرأى الجميع، حتى استقر الحال به ورماها على الجبل، فما كان من زوجها إلا أن وعد بتقديم جائزة ثمينة لمن يستطيع جلبها من فوق الجبل، وهذا ما حصل بالفعل، وأُعيدت القلادة ومنذ تلك اللحظة وذلك التاريخ أُطلق عليه هذا الاسم الجديد.

تكتسي أودية العِرضيات باللون الأخضر وتجري فيها الجداول لتكون محطة سياحية مهمة (الشرق الأوسط)

العسل والسياحة

بحكم موقعها الجغرافي بين منطقة عسير جنوباً وشرقاً، ومنطقة الباحة شمالاً، اكتستها الطبيعية فأصبحت وجهة سياحية مفضلة للباحثين عن الدفء وجمال الطبيعة في فصل الشتاء، كما يقول محمد أحمد القرني، الإعلامي والباحث في الآثار، موضحاً أن العِرضيات تكثر فيها الأودية وتسرح فيها المياه، ومنها أودية قنونا، ويبه، والنظر، والجناح، وعلى جنباتها قامت المزارع وعاشت أشجار النخيل.

ولفت القرني، إلى أن وادي يبه العملاق أحد أكبر الأودية في السعودية، والذي يستمد عنفوانه من أعالي جبال السروات ومن عشرات الأودية والشعاب التي تشكل روافد رئيسية له ليمتد بما يزيد على 100 كيلومترٍ حتى يصبّ في البحر الأحمر، موضحاً أنه على وادي قنونا قام سد شكل بحيرة ذات امتداد واسع أسهمت في زيادة المتعة البصرية للزائرين والسائحين.

وهناك الكثير من القرى الأثرية القديمة والنقوش التي تعود إلى مئات السنين، ومنها قرى الجربش، ومخشوشة، وصخران، وسوق خميس ناخس القديم، والحديث للقرني، الذي قال: إن هناك مقابر أثرية بمركز «الويد» بها نقوش ومعالم تاريخية بالخيطان وقرية الحنو الأثرية، وهناك تشكيلات صخرية عجيبة وبأشكال متعددة.

وعن العسل تحدث القرني، بأن مدينة العِرضيات تنتج أجود أنواع العسل ويُنظّم له مهرجان سنوي، حيث يمارس نحو 1200 نحال مهنة تربية النحل ويمتلكون نحو 350 ألف خلية يقدر إنتاجها السنوي بنحو مليون و200 ألف كيلو، تقدر قيمتها السوقية بـ500 مليون ريال سنوياً.

الشاعر والأديب محسن علي السهيمي، خرج بنا بعيداً عن الملموس في جماليات الكلمة لكثير من الشعراء الذين تغنوا بالعِرضيات لجمالها وموقعها بين منطقة عسير والباحة والذي جعلها تشبه شبه الجزيرة في شكلها، لتكون محط عبور قوافل التجارة، التي كانت تسير في ثلاثة مسارات تتمثل في السروات من أبها إلى الطائف، وكان يطلق عليه «طريق الفيل»، و«طريق الجند» وهو يمتد على ساحل البحر الأحمر، وهنا العبور الأخير الذي يمرّ مع العِرضيات وكان يربط المنطقة الجبلية المنخفضة التي تمتد من مكة إلى رجال المع.

وفي مدح جبل حضوضي يقول السهمي:

يا شامخاً دهرَهُ حركتَ أشجاني

‏بِذُرْوَتَيْكَ.. فهامتْ فيك أوزاني

‏هنا السمـوُّ إلى العَلْيا وإن بَعُـدتْ

‏هنا حَضَوْضَى عظيمُ القَدْرِ والشانِ

‏فـي سفحِه ملعبٌ للسُّحْبِ تألفُـهُ

‏وتلك أيامُه دالتْ بثَهْلانِ


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
TT

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)

أجرى باحثون استطلاعاً للرأي على مستوى البلاد لاكتشاف أجمل المباني وأبرزها في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث جاء كل من: «كاتدرائية القديس بول» (بنسبة 21 في المائة)، و«كاتدرائية يورك» (بنسبة 18 في المائة)، و«دير وستمنستر آبي» (بنسبة 16 في المائة)، و«قصر وارويك» (بنسبة 13 في المائة)، جميعها ضمن القائمة النهائية.

مع ذلك جاء «قصر باكنغهام» في المركز الأول، حيث حصل على 24 في المائة من الأصوات. ويمكن تتبع أصوله، التي تعود إلى عام 1703، عندما كان مسكناً لدوق باكنغهام، وكان يُشار إليه باسم «باكنغهام هاوس».

وفي عام 1837، أصبح القصر البارز المقر الرسمي لحاكم المملكة المتحدة في لندن، وهو اليوم المقر الإداري للملك، ويجذب أكثر من مليون زائر سنوياً.

يحب واحد من كل عشرة (10 في المائة) زيارة مبنى «ذا شارد» في لندن، الذي بُني في عام 2009، بينما يرى 10 في المائة آخرون أن المناطق البيئية لمشروع «إيدن» (10 في المائة) تمثل إضافة رائعة لأفق مقاطعة كورنوول.

برج «بلاكبول» شمال انجلترا (إنستغرام)

كذلك تتضمن القائمة «جناح برايتون الملكي» (9 في المائة)، الذي بُني عام 1787 على طراز المعمار الهندي الـ«ساراكينوسي»، إلى جانب «ذا رويال كريسنت» (الهلال الملكي) بمدينة باث (9 في المائة)، الذي يضم صفاً من 30 منزلاً مرتبة على شكل هلال كامل، وبرج «بلاكبول» الشهير (7 في المائة)، الذي يستقبل أكثر من 650 ألف زائر سنوياً، وقلعة «كارنارفون» (7 في المائة)، التي شيدها إدوارد الأول عام 1283.

وتجمع القائمة التي تضم 30 مبنى، والتي أعدتها مجموعة الفنادق الرائدة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند»، بين التصاميم الحديثة والتاريخية، ومنها محطة «كينغ كروس ستيشن»، التي جُددت وطُورت بين عامي 2006 و2013، وساحة «غريت كورت» المغطاة التي جُددت مؤخراً داخل المتحف البريطاني، جنباً إلى جنب مع قلعة «هايكلير» في مقاطعة هامبشاير، التي ذاع صيتها بفضل مسلسل «داونتون آبي».

ليس من المستغرب أن يتفق ثلثا المستطلعة آراؤهم (67 في المائة) على أن المملكة المتحدة لديها بعض أجمل المباني في العالم، حيث يعترف 71 في المائة بأنهم أحياناً ما ينسون جمال البلاد.

ويعتقد 6 من كل 10 (60 في المائة) أن هناك كثيراً من الأماكن الجديرة بالزيارة والمناظر الجديرة بالمشاهدة في المملكة المتحدة، بما في ذلك المناظر الخلابة (46 في المائة)، والتراث المذهل والتاريخ الرائع (33 في المائة).

«ذا رويال كريسنت» في مدينة باث (إنستغرام)

وقالت سوزان كانون، مديرة التسويق في شركة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند» البريطانية، التي أعدت الدراسة: «من الواضح أن المملكة المتحدة تضم كثيراً من المباني الرائعة؛ سواء الجديدة والقديمة. ومن الرائع أن يعدّها كثير من البريطانيين أماكن جميلة لقضاء الإجازات في الداخل. بالنسبة إلى أولئك الذين يخططون للاستمتاع بإجازة داخل البلاد، فلن تكون هناك حاجة إلى كثير من البحث، حيث تنتشر فنادقنا الـ49 في جميع أنحاء المملكة المتحدة بمواقع مثالية في مراكز المدن، وعلى مسافة قريبة من بعض المباني المفضلة لدى البريطانيين والمعالم الشهيرة البارزة، مما يجعلها المكان المثالي للذين يبحثون عن تجربة لا تُنسى حقاً. ويمكن للضيوف أيضاً توفير 15 في المائة من النفقات عند تمديد إقامتهم لثلاثة أيام أو أكثر حتى يوليو (تموز) 2025».

مبنى «ذا شارد» شرق لندن (إنستغرام)

كذلك كشف الاستطلاع عن أن «أكثر من نصفنا (65 في المائة) يخططون لقضاء إجازة داخل المملكة المتحدة خلال العام الحالي، حيث يقضي المواطن البريطاني العادي 4 إجازات في المملكة المتحدة، و74 في المائة يقضون مزيداً من الإجازات في بريطانيا حالياً مقارنة بعددهم منذ 3 سنوات.

وأفاد أكثر من الثلث (35 في المائة) بأنهم «يحبون استكشاف شواطئنا الجميلة، حيث إن التنقل فيها أسهل (34 في المائة)، وأرخص (32 في المائة)، وأقل إجهاداً (30 في المائة)».

بشكل عام، يرى 56 في المائة من المشاركين أن البقاء في المملكة المتحدة أسهل من السفر إلى خارج البلاد.