عسفان... مدينة استوطنها التاريخ ومرّ بها 4 أنبياء

كثرة أوديتها وآبارها وضعتها على خريطة القوافل

كثرة الآبار والأودية جعلت المدينة محطة رئيسية في عبور القوافل (بلدية عسفان)
كثرة الآبار والأودية جعلت المدينة محطة رئيسية في عبور القوافل (بلدية عسفان)
TT

عسفان... مدينة استوطنها التاريخ ومرّ بها 4 أنبياء

كثرة الآبار والأودية جعلت المدينة محطة رئيسية في عبور القوافل (بلدية عسفان)
كثرة الآبار والأودية جعلت المدينة محطة رئيسية في عبور القوافل (بلدية عسفان)

مع تعاقب الليل والنهار تولد الحكايات، وتُخمر مع تباعد الأهلة قصص منقوشة في كل الزوايا وشيء من مبانٍ شامخة تشهد على كل الروايات التي غدت مع مرور الزمن تاريخاً يحكي عن مئات مئات السنين. وأي روايات تنثرها أزقة عسفان وحواريها؛ هذه المدينة الواقعة في غرب السعودية، والتي مرّ بها 4 أنبياء، وفيها نقطة تجمع القوافل، وعشرة أودية، فطابق الاسم المسمى!

تستقبلك عسفان وأنت قادم من جدّة، بقلعتها الشهيرة، التي بُنيت من الأحجار الصخرية وصخور البازلت المغطاة بالحرات المرتفعة التي تلف وادي عسفان.

عسفان هذه لم تكن خارج كتب ومخطوطات كثيرين من المؤرخين، ومنهم الرحالة ابن جبير الأندلسي الذي وصف قلعتها في كتاباته وبعض المعالم التاريخية فيها.

قلعة عسفان كما تبدو على الطريق السريع (بلدية عسفان)

وقلعة عسفان كانت توفر الحماية للقوافل التجارية ولقوافل الحجاج، وقد أُعيدت هيكلتها وترميمها في عهد الدولة السعودية، فبُنيت على هيئة مربع متساوي الأضلاع تنتصب على أركانه 4 أبراج، وأضيف لاحقاً إلى كل جدار فيه برجان، وقد ذكرها أيضاً ابن بطوطة في رحلته، مع ذكره لبعض المعالم التاريخية الأخرى في المدينة.

ومع هذا الكم من التاريخ لم تختفِ عسفان، بل بقيت حاضرة في الأمثال فيقال: «ما أخص من قديد إلا عسفان»، وهي دلالة على قوة قاطني المدينة وصلابتهم، عندما أطاحوا قبل أكثر من 200 عام بعدد من اللصوص الذين حاولوا سرقة بعض المنتجات منها، بعدما فشلوا في محاولتهم الأولى في قرية قديد، وعوقبوا على فعلتهم بأشد العقاب، فردّد اللصوص بعد الإفراج عنهم هذه المقولة الشهيرة والخالدة.

إحدى الآبار القديمة في المدينة التي تشتهر بكثرة وديانها (بلدية عسفان)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع محمد إبراهيم المحمدي، المهتم بتاريخ عسفان وآثارها، قال إن «تسميتها تعود لكثرة الأودية التي تعسف بها، ومن أهمها وادي مدركة، ووادي حشاش، ووادي هدى الشام، ووادي الصغو، وتجتمع كلّها في عسفان، ومن ثم تنحدر غرباً عبر سهل الغولاء لتصبّ في البحر الأحمر شمال ذهبان»، موضحاً أنها اكتسبت أهمية استراتيجية وتاريخية، بدأت مع بداية طريق القوافل من اليمن إلى الشام قبل البعثة النبوية، كما كانت على طريق القوافل الدينية بين مكة والمدينة، واليوم عادت أفضل مما كانت عليه، مع مرور الطرقات إلى جدة وبين مكة والمدينة.

وتابع المحمدي موضحاً أن عسفان تُعدّ بوابة شمال مكة وممر طريق الأنبياء والقوافل؛ فقد مر بها النبي صالح، والنبي هود، والنبي إبراهيم، والنبي محمد - عليهم الصلاة والسلام - وبها شُرعت صلاة الخوف، وفيها حدثت غزوة عسفان، لافتاً إلى أن خزاعة سكنت عسفان أيام النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ومساكنها كانت تمتد من منتصف وادي قديد إلى عسفان جنوباً، وكان عليه الصلاة والسلام يفضل المرور بها قبل فتح مكة المكرمة؛ لأن أهلها كانوا حلفاء لعبد المطلب.

ممر القلعة كما يبدو من الداخل (بلدية عسفان)

وأكد المحمدي، أنّ القوافل يطيب لها أن تحطّ في عسفان وتقيم بها، لتتخلص من وعثاء السفر وتتزود بما تحتاجه من غذاء وماء؛ إذ يوجد بها أكثر من 10 آبار حلوة الطعم، وتعد بئر التفلة من أشهرها، ومنها أيضاً آبار حُفرت في عهد الخليفة عثمان بن عفان، بالإضافة إلى العديد من الآبار القديمة المطوية بالحجر، وتتميّز عسفان بهوائها النقي لكونها محاطة بجبالٍ تصدّ عنها تيارات الغبار، وأرضها الزراعية الخصبة من الأسباب التي تجعلها مطلباً للإقامة.

وتحدث عن سوق عسفان القديمة، قائلاً: «لم يتبقَّ من مبانيها القديمة سوى بعض أطلالها التي تؤكد أصالتها، وتشهد على عراقة ماضيها، وتُعد سوقها سوقاً عامرة منذ العصر الجاهلي حتى اليوم، وشهدت حراكاً تجارياً كبيراً، ولا تزال تشكل مركزاً لتقديم الخدمات للحجاج والمسافرين والعابرين، ولسكان المحافظات والمراكز المجاورة لها، بما توفره محلاتها من سلع وخدمات».

قلعة عسفان على مدخل المدينة للقادمين من جدة (بلدية عسفان)

ومن أهم آبارها أيضاً بئر عسفان، وهي إحدى الآبار الأثرية، وتقع على الطريق بين مكة والمدينة، واشتهرت بعذوبة مياهها وغزارتها، ويقال إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرّ بعسفان، وهو في طريقه إلى مكة المكرمة في غزوة الفتح، وحين نضبت آبارها أشرف على هذه البئر وتفل فيها، ومنذ ذلك الوقت لم تنضب ماؤها.

وتعيش عسفان اليوم طفرة نوعية في جميع المجالات؛ إذ نجحت بلديتها في تحقيق نقلة نوعية بالمعدلات التنموية للمدينة لتتماشى مع التقدم والتطور اللذين تعيشهما المملكة، ولا تزال تواصل جهودها الذاتية لإظهار جمال مدينتها بصورة أكثر إشراقاً وتألقاً.

وقالت بلدية عسفان لـ«الشرق الأوسط» إنها عملت في جميع الاتجاهات لتطوير المدينة، ومن ذلك مبادرة أنسنتها، حين أنشأت فيها الحدائق والمتنزهات والساحات وممرات المشاة، ومنها حديقة الشامية على مساحة 7500 متر مربع، وحديقة فيدة على مساحة 10000متر مربع، وذلك بهدف توفير متنفسات ترفيهية وحضارية لأهلها ولزائريها.

وللرياضة والفنون حضورهما ضمن أعمال البلدية من خلال إنشاء ملعب لكرة القدم بمواصفات دولية، كما أنشأت البلدية مركزاً حضارياً ومسرحاً خاصاً به، و4 مصليات للأعياد، في حين كان للجماليات والمناظر حضورها أيضاً في تزيين المدينة وقُراها من خلال الميادين، وفي مقدمتها ميدان التاريخ بعسفان، الذي يرمز إلى تاريخ المدينة وموقعها ومكانتها التاريخية.


مقالات ذات صلة

السعودية… حوكمة عمليات الشراء الحكومية ورفع كفاءة أداء المحتوى المحلي

الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية رئيس مجلس إدارة «هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية» بندر الخريف (واس)

السعودية… حوكمة عمليات الشراء الحكومية ورفع كفاءة أداء المحتوى المحلي

ركزت السعودية على تحفيز الفئات المستهدفة في تبني المحتوى المحلي وإعطائه الأولوية، إلى جانب تحسين حوكمة عمليات الشراء الحكومية، ورفع كفاءة الأداء في هذا المجال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبنى المكعب ضمن وجهة المربع الجديد (الشرق الأوسط)

رئيس «المربع الجديد»: توظيف مبادئ الاقتصاد الدائري في تطوير الداون تاون

أكد الرئيس التنفيذي لشركة «المربع الجديد»، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، مايكل دايك، على التزام الوجهة بتوظيف مبادئ الاقتصاد الدائري.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد جناح "بلت الصناعية" في أحد المعارض بالسعودية (موقع الشركة الإكتروني)

شركة تابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية توقع عقداً بـ171 مليون دولار لتنفيذ مشروع «ذا بوينت»

وقعت شركة «بلت الصناعية»، التابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية، عقداً بقيمة 645.66 مليون ريال (171.8 مليون دولار)، لتنفيذ أعمال مشروع «ذا بوينت» بمدينة أبها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أحمد الخطيب وزير السياحة ورئيس المجلس التنفيذي للسياحة بالأمم المتحدة (الشرق الأوسط)

مع ختام رئاستها المجلس التنفيذي... السعودية تدعو لدعم السياحة العالمية

من المتوقع أن ترتفع مساهمة السياحة مدعومة بزيادة الربط الجوي والطلب في مرحلة ما بعد جائحة «كورونا»، وتوسع القاعدة السياحية للطبقة المتوسطة في الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (قرطاجنة)
سفر وسياحة التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية».

غازي الحارثي (الرياض)

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
TT

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

وسط مسعى السعودية لتنمية مدنها والارتقاء بمعايير جودة الحياة العصرية وتوسيع نطاق العروض السياحية، أبرم عدد من الجهات في القطاعين الخاص والحكومي اتفاقيات بارزة مؤخّراً في هذا الإطار، وشهد معرض «سيتي سكيب» العالمي في الرياض توقيع عدد من هذه الاتفاقيات.

وبهدف تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية، أعلنت «أسفار»، الشركة السعودية للاستثمار السياحي، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن توقيع مذكرة تفاهم مع «وزارة البلديات والإسكان»، ووفقاً للمسؤولين، سيوفّر هذا التعاون الاستراتيجي فرصاً ترفيهية وثقافية ورياضية جديدة في الأماكن العامة غير المستغلة، ما يسهم في نمو قطاع السياحة في البلاد.

تعزيز الثقافة المحلية والجمال الطبيعي للمناطق

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية من خلال استثمارات استراتيجية تعزز الثقافة المحلية، وتبرز الجمال الطبيعي الفريد لكل منطقة». وأضاف أن هذه المبادرات «تمثِّل خطوة مهمة في رحلتنا المستمرة نحو بناء شراكات قوية وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة السياحة في السعودية».

جانب من التوقيع بين «وزارة البلديات والإسكان» و«أسفار» إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي. (الشرق الأوسط)

وبحسب ابن مشيط، تتطلّع «أسفار» إلى تعزيز علاقتها مع البلديات وهيئات تطوير المناطق التي تستثمر فيها لتحقيق مهمتها، كاشفاً عن التزام بـ«ترسيخ مكانة السعودية على خريطة السياحة العالمية، وأن نكون جسراً نحو نمو مستدام يحقق قيمة طويلة الأمد للمجتمعات السعودية عبر كافة مناطق السعودية وإثراء تجارب الزوار».

تحويل المساحات إلى وجهات حيوية

وعلمت «الشرق الأوسط» أن التعاون الاستراتيجي يستهدف أيضاً تحويل المساحات غير المستغلة إلى وجهات مجتمعية حيوية، ما يساعد في تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر، وذلك تماشياً مع مشروع «بهجة» المبادرة الوطنية للوزارة، بهدف تنمية المدن وتعزيز رفاهية سكانها وتجربة زوارها نحو تحقيق مفهوم جودة الحياة، كما يتناغم مع ما تلتزم به «أسفار» من تحويل المدن الواعدة إلى وجهات سياحية بارزة، تحقيقاً لمستهدفات «رؤية السعودية 2030».

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

8 مدن واعدة

ووفقاً لمصادر «الشرق الأوسط»، جاءت الـ8 مدن الواعدة، التي ستعمل «أسفار» على تحويلها إلى وجهات سياحية بارزة كالتالي: الأحساء، الباحة، الجوف، حائل، الخبر، ينبع، الطائف، الدمام.

وفي الإطار ذاته، أُبرمت الاثنين اتفاقية ثلاثية، جمعت أمانة المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وشركة «أسفار»، بحضور خالد البكر الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة في السعودية، وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز الاستثمار السياحي في مدينة الخبر، ودعم أهداف برنامج جودة الحياة في السعودية، وتضمّنت الاتفاقية إلى جانب تعزيز الوجهات السياحية والترفيهية في المنطقة الشرقية، وتحديداً مدينة الخُبر، تطوير موقع «الكورنيش الجنوبي» ليصبح وجهة سياحية متكاملة ورائدة في القطاع السياحي للمواطنين، المقيمين والزوار على حد سواء.