غانا... أرض الذهب والمهرجانات

تحيي «شهر النار» وتتهيأ لموسم الاحتفالات الكبير

مهرجان هومووو ـ (هيئة السياحة الغانية)
مهرجان هومووو ـ (هيئة السياحة الغانية)
TT

غانا... أرض الذهب والمهرجانات

مهرجان هومووو ـ (هيئة السياحة الغانية)
مهرجان هومووو ـ (هيئة السياحة الغانية)

رغم تنوعها العرقي والثقافي الكبير، وتجاوز عدد اللغات المستخدمة بها 80 لغة، تتفق مختلف مكونات المجتمع الغاني في عشقها للمهرجانات والاحتفالات والألوان والموسيقى، مثلها في ذلك مثل غالبية شعوب القارة الأفريقية. ما جعل حكومات البلاد المتعاقبة تحرص على استغلال ذلك في تعزيز السياحة، وجعل «سياحة المهرجانات» قطاعاً رئيسياً بالبلاد.

تعايش غانا، التي حملت سابقاً اسم ساحل الذهب، في إشارة إلى كنوز الذهب بأراضيها، أجواء المهرجانات على مدار أشهر العام دونما توقف تقريباً، حتى أن هناك تقديرات بأن عدد المهرجانات هناك قد يتجاوز 200 مهرجان في العام، لكن الموسم الكبير يأتي مع حلول فضل الخريف.

مهرجان بانافيست (الموقع الرسمي للمهرجان)

فنجد في هذه الأيام، يحتفل الشمال الشرقي من غانا، بـ«مهرجان النار» الذي يمتد لشهر أغسطس (آب) ويرتبط بأبناء عرق «مامبروسي». يقول إدريسي ماني، أحد مؤسسي منظمة «نورزرن هريتيدج» المعنية بالقضايا الثقافية لأبناء شمال غانا: مهرجان النار «يحتفي بقصة أمير فُقد صغيراً لأيام عدة في حقبة قديمة، وأصدر والده الملك أوامره بخروج جميع أبناء المملكة، حاملين المشاعل ليلاً للبحث عن الأمير المفقود». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «عندما عثروا على الأمير نهاية الأمر، أطفأوا المشاعل واقتطعوا بعض أغصان شجر النيم وانطلقوا في الغناء في طريق عودتهم؛ ابتهاجاً بعودته».

ويتشابه الاحتفال بمهرجان النار مع احتفالات يوم «عاشوراء» بين المسلمين، التي قد تتزامن معاً، وفيها يخرج الزعيم القبلي من قصره، ليبادر إلى حمل الشعلة الأولى ويحركها بطريقة دائرية حول رأسه ثلاث مرات، وينطلق في موكب يضم أكابر المنطقة وعازفي الطبول.

مهرجان هومووو (وكالة أنباء غانا)

المهرجانات في غانا لا ترتبط بالماضي فحسب، فقد شهد أغسطس كذلك فعاليات مهرجان «بانافيست»، الذي رغم أن عمره يتجاوز بالكاد الأعوام الثلاثين، نجح في بناء مكانة متميزة له محلياً وعالمياً، بوصفه أحد أبرز المهرجانات الأفريقية.

ووفق هيئة السياحة الغانية، فإن «بانافيست»، والذي يحمل كذلك اسم «يوم التحرر»، هو «مهرجان سنوي يرتبط بعموم أفريقيا، يقود الاحتفال به أبناء الشتات الأفريقي، ويرمي إلى تعزيز روح الوحدة والتضامن بين أبناء القارة من خلال الفنون والثقافة عبر سلسلة من النشاطات المختلفة».

ومن بين فعاليات المهرجان الانطلاق في رحلة «حج» لمدة 3 أيام على طول «طريق العبيد»، تحت رعاية منظمة «يونيسكو»، مع التركيز على نقاط بعينها تحمل ذكريات قصص بطولية ومأساوية لآلام وصمود أبناء غانا. ولا يخلو المهرجان من صور كلاسيكية من فنون الرقص والموسيقى، تجري في حضور زعامات قبلية تقليدية.

ومن بين قائمة طويلة من المهرجانات على الموقع الرسمي لوزارة السياحة والفنون والثقافة في غانا، نجد مهرجان «أكواسيداي»، الذي يحتفل به أبناء عرق الأشانتي، وكذلك الشتات بمختلف أرجاء العالم، ويقام الأحد كل ستة أسابيع؛ للاحتفاء بـ«أرواح الأجداد ومواسم الزراعة المتنوعة». وتتضمن الاحتفالات قرع الطبول والرقص والغناء وإقامة مآدب عامة.

مهرجان بانافيست (الموقع الرسمي للمهرجان)

كذلك مهرجان «هومووو»، ويعني «الاستهزاء من الجوع»، ويحتفي المهرجان بالمحنة التي عايشها أبناء منطقة «غا» عندما ضربتهم مجاعة قاسية في عصر قديم. وعندما عاودت الأمطار الهطول، عمّت الاحتفالات الأرجاء، ومن هنا بدأت فكرة المهرجان.

يمتد الاحتفال بين أغسطس وسبتمبر (أيلول)، بينما يبدأ الإعداد له في 15 مايو (أيار). وتتضمن الاحتفالات الخروج في مسيرات كبيرة تقودها الزعامات القبلية وقرع الطبول والغناء وتلوين الوجوه والغناء وأداء رقصات تقليدية.

وأيضاً مهرجان «كوبيني»، ويرتبط بشعب منطقة لاورا، شمال غرب غانا، ويتميز بأداء رقصة مميزة تحمل الاسم ذاته. ويعقد المهرجان خلال سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول)؛ للاحتفال بنجاح موسم الحصاد. بالإضافة إلى مهرجان «أبو»، والذي يقام في أكتوبر لمدة أسبوع، ويتركز الاحتفال به في غرب غانا. علماً بأن اسم المهرجان مستوحى من لفظ «بو» ويعني «رفض»، ويقوم على فكرة «تخصيص أيام محددة يعبّر فيها المرء عما يجول بصدره بصدق دون أن يحاسبه أحد، وبذلك تصفو النفوس ويتخلص المجتمع من الشرور والرذائل الاجتماعية، وتقوى وحدة صفوف الأسر»، على حد تعبير منظميه.


مقالات ذات صلة

10 نصائح لقضاء وقت سعيد خلال السفر

يوميات الشرق أسرة خلال رحلة (رويترز)

10 نصائح لقضاء وقت سعيد خلال السفر

تُعد الإجازة وسيلة رائعة للهروب من مسؤولياتنا اليومية، ولكن من المهم أن نلتزم بالضوابط عند زيارة وجهات جديدة واستكشاف ثقافات مختلفة

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
سفر وسياحة اختلاف الاهتمامات والأنشطة والحركة يعكر صفو الرحلة بين الأصدقاء (رويترز)

3 علامات تحذرك من السفر مع صديقك

هناك علامات تشير إلى أنه لا ينبغي لك ولصديقك السفر معاً حتى لا تعكر صفو علاقتكما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة الغابة السوداء مليئة بالنشاطات الرياضية في الهواء الطلق (شاترستوك)

كيف تمضي عطلة صديقة للمناخ والبيئة في ألمانيا؟

السياحة المستدامة أو السياحة التي تعنى بالمحافظة على البيئة أصبحت من بين أولويات ما يتطلع إليه العديد من السياح من جميع الجنسيات، مما دفع بالفنادق

جوسلين إيليا (لندن )
علوم «قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

«قارب أجرة» كهربائي ذاتيّ القيادة

بمرور السنوات، تحولت الممرات المائية في المناطق الحضرية، مثل الأنهار والقنوات من ممرات أساسية للسفر والتجارة، إلى مجرد عناصر ثانوية داخل هذه المناطق.

نيت بيرغ (واشنطن)
يوميات الشرق سانتوريني تُعد واحدة من الوجهات الشهيرة للعطلات التي تواجه اكتظاظاً هذا الصيف (رويترز)

«مثلما فعلت البندقية»... اليونان تكشف عن خطط لمكافحة «السياحة المفرطة»

كشف عمدة إحدى الجزر الأكثر زيارة في اليونان عن خطط للقضاء على السياحة المفرطة؛ حيث يتجاوز عدد السياح أعداد السكان يومياً خلال موسم الذروة.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
TT

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)

قبل سنوات عدة كانت الكهوف المنتشرة في السعودية والتي تزيد عن 300 كهف، حالة قائمة بذاتها لمعرفة التاريخ وتوابعه من عمليات التكوين واختلافها من موقع إلى آخر، دون الغوص في تفاصيل كثيرة مثل كيفية الاستفادة منها في المسارات السياحية الاقتصادية، خاصة تلك الكهوف القابعة في جنوب السعودية لما تحتويه من امتيازات مرتبطة بالطبيعة.

ومع مرور السنوات اختلفت الحال، حتى أخذت الكهوف منحى آخر خاصة في منطقة الباحة، لتخرج من المفهوم التقليدي إلى أنماط جديدة في عالم السياحة الريفية التي يقبل عليها الزوار من مختلف دول العالم، وعلى وجه الخصوص أوروبا والصين للاستمتاع بها وبالخدمات اللوجستية التي تقدم لزوار هذه المواقع، بخلاف الطبيعة في المنطقة واعتدال مناخها في فصل الصيف.

كهوف الباحة تجد رواجاً وإقبالاً من السياحة لما تحتويه من آثار وخدمات (الشرق الأوسط)

يشكل «جبل شدا» في الأسفل، إحدى أبرز الوجهات السياحية لما يعرف بـ«الكهوف» في منطقة الباحة؛ لأنه يتيح للزائر والسائح فرصة التعرف على الكهوف القديمة التي كانت مساكن السكان الأصليين منذ آلاف السنين، كما أن «جبل شدا» بتشكيلاته الجيولوجية التي تعود لطلائع التكوينات المبكرة في الأرض، يُعد نمطاً جديداً من أنماط السياحة الجيولوجية التي تجد إقبالاً كبيراً من مختلف طبقات المجتمع لتحقيقها الكثير من أهداف الزائر من نواحٍ معرفية وثقافية ورياضية.

وينقسم هذا الجبل إلى قسمين «الأسفل»، و«الأعلى»، ويقع بين مدينتي قلوة والمخواة، ويقدر ارتفاع قمة الجبل عن مستوى سطح البحر بـ2200 متر، وتغلب على تضاريس الجبل الصخور الملساء، كما أنه يشكل أهمية تاريخية لينضم فيما بعد إلى قائمة المحميات الطبيعية في المملكة؛ كونه مسكناً لعدد من الكائنات الحية النادرة والطيور المهاجرة.

ومع هذا التنامي والتنسيق الدائم بين الجهات المعنية، تكون الكهوف في السعودية دخلت منعطفاً جديداً مع زيادة أعمال الاكتشاف؛ إذ يترقب المجتمع السعودي والأوساط العالمية المهتمة بعلوم الجيولوجيا وزيارة الكهوف، المزيد من الاكتشافات في عالم الكهوف والأحافير التي ستسهم في نمو هذا النوع من السياحة على المستويين الداخلي والخارجي.

كهف أبو الوعول الذي اكتُشف مؤخراً من قبل هيئة المساحة الجيولوجية (هيئة المساحة)

وتقوم هيئة المساحة الجيولوجية بدور بارز في هذا الاتجاه، ولعل من أبرز الكهوف المكتشفة التي تضاف إلى 300 كهف، كهف أم جرسان، وكهف عين الهيت، وكهف شغفان حيث بلغ طوله كيلومترين وارتفاعه ثمانية أمتار، وهي كهوف تمتاز بعمقها وطولها مع اختلاف درجات الحرارة فيها، وهذه المقومات يبحث عنها المختصون ومحبو المغامرات، وخاصة أن الكهوف عُرفت من قديم الزمن وتستهوي الكثير للاكتشاف والبحث للمعرفة العلمية ولجماليات الكهف.

العناية بالكهوف وترميمها جعلاها هدفاً للزوار (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى كهوف تهامة، فيبدو أنها أخذت مساراً مختلفاً في عملية الترويج لزيارة هذه الكهوف، من خلال تهيئة الموقع وتوفير كافة المتطلبات فيه، مع اختيارها بعناية ودقة عالية بهدف توفير حالة متفردة للراغبين في الإقامة والاستمتاع بالنقوش داخل الكهف والطبيعة من كل الاتجاهات.

توفير البنية التحتية لكهوف الباحة أسهم في قيمتها السياحية (الشرق الأوسط)

في حديث لـ«الشرق الأوسط» قال ناصر الشدوي، الباحث في التاريخ والمهتم بالسياحة، إن سياحة الكهوف في تهامة بدأت في الظهور قبل 10 أعوام وارتفعت وتيرتها والإقبال عليها في الآونة الأخيرة، وأصبحت تشكل هدفاً للراغبين في السياحة الريفية والإقامة داخل الكهوف، لما تتمتع به من خصائص طبيعية. وساعد موقعها الجغرافي في نمو هذا النوع من السياحة.

وتكلم الشدوي عن تجربته في هذا القطاع حيث جاء إلى مسقط رأسه «جبل شدا» في الباحة بعد رحلة طويلة لإحياء مزارع العائلة خاصة تلك التي تنتج البن، ليقوم فيما بعد بترميم منزله ويتبعه بترميم وتوسيع المساكن الكهفية، موضحاً أن هذا العمل كان له ردة فعل إيجابية لدى العامة، ومن ثم بدأ يفد إلى المكان العديد من الشخصيات والسياح، ما انعكس على باقي السكان الذين قاموا بإعادة إحياء مزارعهم ومساكنهم بعد أن هُجرت تماماً ورحل الناس من الجبل برمته.

تزيين الكهوف في جبل شدا ورفع الخدمات زادا من إقبال السياح عليها (الشرق الأوسط)

ومن تلك الواقعة، ومن طلب الكثير من قاطني الجبل تحويل وترميم تلك الكهوف والاهتمام بالأراضي الزراعية، اختلف مفهوم ونوع السياحة في المنطقة، كما يقول الشدوي، الذي وصف جبل «شدا الأسفل» في منطقة الباحة بأنه إحدى أجمل الوجهات السياحية في المملكة، وأنه يستقبل الوفود السياحية من مختلف دول العالم، بل بدأ يلقى اهتماماً كبيراً من المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الباحة كغيره من مناطق الجذب في المنطقة؛ كونه يصلح للكثير من جوانب التنمية السياحية طبيعية كانت أو علمية أو رياضية، وغير ذلك من أنماط السياحة المختلفة.

ويجد السائح غايته وهو يتنقل بين «جبل شدا»، خاصة عشاق ممارسة رياضة الهايكينغ؛ إذ يعد الجبل من أهم الوجهات المناسبة لهذه الرياضة، وذلك لجمال الموقع واعتدال المناخ في فصلي الخريف والشتاء، إضافة إلى توفر العديد من المغامرات التي تقام وتكون عاملاً مضافاً لعملية جذب السياح للكهوف بشكل عام ومكونات الجبل الذي يشتهر بزراعة البن وأنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية.