«الفسطاط»... واجهة محبي الفنون التراثية المصرية

تضم أكبر مركز للحرف التقليدية

مركز الحرف اليدوية بالفسطاط (صفحة المركز الفيسبوك)
مركز الحرف اليدوية بالفسطاط (صفحة المركز الفيسبوك)
TT

«الفسطاط»... واجهة محبي الفنون التراثية المصرية

مركز الحرف اليدوية بالفسطاط (صفحة المركز الفيسبوك)
مركز الحرف اليدوية بالفسطاط (صفحة المركز الفيسبوك)

هل تود اقتناء قطعة من تاريخ مصر وتراثها أو تستمتع بمشاهدة أمهر الفنانين وهم يبدعون منتجات مستلهمة من روح الماضي من دون أن ترهق ميزانيتك؟ إذن توجه إلى «مركز الحرف التقليدية» بمنطقة الفسطاط العتيقة (مصر القديمة)؛ فهو أكبر مركز لإنتاج الفنون التراثية في مصر؛ لتختار بنفسك باقة من الروائع الفنية التي تجتذب عشاق الجمال والأصالة من مختلف الثقافات والأذواق.

مركز الحرف التقليدية مركز إشعاع للفنون (صفحة المركز الفيسبوك)

تكتسب مدينة الفسطاط سحراً خاصاً؛ بسبب عراقتها وثرائها الحضاري؛ فهي المدينة التي أسسها عمرو بن العاص بعد الفتح الإسلامي، لتُعد أول وأقدم العواصم الإسلامية وبدأت عمارتها ببناء جامع عمرو بن العاص الذي أطلق عليه فيما بعد اسم «الجامع العتيق»، وظلت عاصمة لمصر 113 عاما.

ووسط هذا الزخم التاريخي تأسس مركز الحرف التقليدية، بهدف الحفاظ على الصناعات الإبداعية؛ فهو أحد المشروعات الكبرى التي أنشأتها وزارة الثقافة المصرية؛ لإعادة إحياء هذه الصناعات، بإتاحة الفرصة الكاملة أمام الفنانين والحرفيين لممارسة إبداعاتهم، وبالنسبة لأي سائح هو فرصة للتعرف على لمحات من الفنون التراثية التي شهدتها مصر.

يلتقي عشاق الفن التراثي مع أمهر الحرفيين (صفحة المركز الفيسبوك)

يحتضن مركز الفسطاط الذي يُطلق البعض عليه اسم «متحف الكنوز التراثية» أمهر الحرفيين، ويضم بين أرجائه إبداعاتهم وروائعهم الفنية، فهو يحكي تفاصيل قصة التراث المصري اليدوي، وهنا ستجد عدداً ضخماً من منتجات الخزف والنقش على النحاس والخيامية والتطعيم بالصدف والقشرة والحلي التراثية وغيرها.

في المركز يمكنك أيضاً شراء المنتجات الحرفية بأسعار زهيدة مقارنة بأسعارها في البازارات السياحية أو المولات التجارية، فأنت هنا تحصل عليها من «المنبع» بيد أمهر الحرفيين، لا سيما أنهم ينظمون معارض دائمة وأخرى مؤقتة طوال العام. وإذا أردت أن تساهم في صنع قطعتك الفنية اطلب من الحرفيين وسيساعدونك بالقيام بذلك، بشرط أن تتبع الخطوات والإرشادات التي سيذكرونها.

تحيط بالمركز العديد من المواقع الأثرية، في مقدمتها «مجمع الأديان» الذي يمثل وجهة للسياحة الدينية بامتياز، ويضم مزارات مختلفة لأبنية يهودية، ومسيحية، وإسلامية، ما جعلَ منها قبلةً للزائرين، منها «معبد بن عزرا اليهودي، والكنيسة المعلقة، وجامع عمرو بن العاص»، فضلاً عن حفائر أطلال مدينة الفسطاط، ومقياس النيل بجزيرة الروضة، وقصر المانسترلي، ومتحف الحضارة وقصر محمد علي بالمنيل. من هنا أرشح لك حين تزور أحد هذه المواقع الأثرية أن تستكمل جولتك السياحية بالتوجه إلى المركز، أما إذا كان هو وجهتك منذ البداية فمن الضروري أن تزور تلك المواقع ذات العبق التاريخي المتفرد والتي تقع على مقربة منه.

حرف وأدوات متوارثة عبر عقود طويلة (صفحة المركز الفيسبوك)

عند زيارة المركز لا تتردد بين أقسامه، وفي مقدمتها قـسـم الـنجـارة حيث يتم فيه ابتكار وتصميم وتنفيذ الوحدات الخشبية ذات الزخارف الإسلامية، وستشاهد بنفسك عمليات الخرط العربي والأركيت والصدف والأستر، وتستطيع اقتناء قطع فنية من التطعيم بالصدف، أو إذا كان لديك منزل بالقاهرة سيساعدك ذلك على اختيار وحدات من الأثاث المتميز بفن «الأويما» فتبدو كما لو أنها لوحات من الزخارف النباتية أو الهندسية.

مد يديك لتصنع قطعا فنية استثنائية (صفحة المركز الفيسبوك)

في قسم الزجاج المعشق بالجبس فستنبهر بواحدة من أهم الحرف التي كانت تميز العصر الإسلامي سواء على مستوى الحياة الدينية أو العمارة، وتتميز بالزخارف النباتية والكتابية، وتزيدها قطع الزجاج الملون المستخدم لسد الفراغات جمالاً، كما يضفي التكوين الهندسي عليها مزيداً من الإبهار.

زيارة وتعليم لحرف تراثية (صفحة المركز الفيسبوك)

ومنه انتقل إلى قسم الحُلي؛ فتشاهد الأحفاد يسيرون على خطى الأجداد في تقديم روائع من الحُلى متقنة الصنع عبر تقنيات متنوعة من الأدوات الحياتية تحمل الكثير من القيم الجمالية والحس الفني المنعكس في صناعة متقنة دقيقة، ومن أروع ما يقدمه المركز منتجات الخيامية حرفة الحضارة المصرية القديمة بلمسات عصرية، فتختار ما بين المنسوجات من الخيامية والمعلقات، وسيحكي لك الحرفيون عن ازدهار هذه الحرفة في العصر المملوكي؛ حيث كان يتسابق الأمراء والسلاطين على اقتناء كل ما هو ثمين وجميل.

في قسم النحاس من الصعب أن تخرج منه من دون أن تقرر اقتناء مشغولات نحاسية يدوية، بعد أن تشاهد الطرق والنقش على النحاس والأركيت والتكفيت بالفضة والتلميع على أيدي الحرفيين المهرة.

وعبر الأعمال الخزفية بالمركز تضع يديك على موهبة الحرفي المصري في تحويل ثروة الطبيعة إلى روائع فنية تخطف الأنظار، ولاحظ أن تبادل الحوار مع الحرفيين يكسب زيارتك للمركز مزيداً من المتعة وسيسمح لك بالتعرف على أصناف ودلالات الحرف التقليدية المصرية؛ وتصل بنفسك إلى ســر بـقـاء هذه الحرف وصمودها أمام الآلات الحديثة.

مد يديك لتصنع قطعا فنية استثنائية (صفحة المركز الفيسبوك)

المدهِش أنك قد تلتقي هناك بجيل جديد أيضاً من الحرفيين في إطار مبادرة «صنايعية مصر»، التي تنظمها وزارة الثقافة بالمركز.

وتتراوح أسعار المنتجات ما بين بضعة جنيهات إلى عدة آلاف، وفقاً لحجم القطعة الفنية، ومساحة الشغل اليدوي بها، ونوع الخامات وخبرة الصانع. وإذا كانت زيارتك لمصر طويلة فمن الأفضل قبل التوجه للمركز أن تسأل عن خريطة نشاطاته التي سيشهدها قريباً، إذ يقيم فعاليات متنوعة، منها الورش الفنية التدريبية والمعارض التي تتمتع ببعض التخفيضات، كما يقام به مهرجان شهري للفنون الشعبية، والحرف التراثية، يقيمه وزارة الثقافة المصرية به لجذب الجمهور وتشجيع محبي الفنون التراثية العريقة على اقتنائها.

أما عن الوصول إليه فبجانب السيارة الخاصة من أي مكان في القاهرة، من الممكن أن تركب مترو الأنفاق، حيث يوجد بالقرب منه محطة «مارجرجس» التي تأخذك إلى المكان لتحصل بعدها على جولة سيرا على الأقدام بالمنطقة.


مقالات ذات صلة

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

سفر وسياحة كازينو مونتي كارلو يلبس حلة العيد (الشرق الأوسط)

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

لنبدأ بخيارات الوصول إلى إمارة موناكو، أقرب مطار إليها هو «نيس كوت دازور»، واسمه فقط يدخلك إلى عالم الرفاهية، لأن هذا القسم من فرنسا معروف كونه مرتعاً للأغنياء

جوسلين إيليا (مونتي كارلو)
يوميات الشرق تنقسم الآراء بشأن إمالة المقعد في الطائرة (شركة ليزي بوي)

حق أم مصدر إزعاج؟... عريضة لحظر الاستلقاء على مقعد الطائرة

«لا ترجع إلى الخلف عندما تسافر بالطائرة» عنوان حملة ساخرة أطلقتها شركة الأثاث «ليزي بوي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتُتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سياح يتجولون في أحد شوارع طوكيو (إ.ب.أ)

33 مليون زائر هذا العام... وجهة شهيرة تحطم رقماً قياسياً في عدد السياح

يسافر الزوار من كل حدب وصوب إلى اليابان، مما أدى إلى تحطيم البلاد لرقم قياسي جديد في قطاع السياحة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
سفر وسياحة البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

في مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتنافس بلدات ومدن لبنانية على اجتذاب الزوّار. مدينتا جبيل والبترون كما زغرتا تشكّل وجهات سياحية داخلية محببة.

فيفيان حداد (بيروت)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.