متاحف الفنون التشكيلية بالقاهرة... رحلة إلى الإبداع

«الفن المصري الحديث» و«عائشة فهمي» مقصدا الزائرين الأجانب

متحف الفن المصري الحديث (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)
متحف الفن المصري الحديث (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)
TT

متاحف الفنون التشكيلية بالقاهرة... رحلة إلى الإبداع

متحف الفن المصري الحديث (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)
متحف الفن المصري الحديث (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)

تعدّ العاصمة المصرية القاهرة وجهة مثالية لعشاق وذواقة الفن التشكيلي حول العالم، حيث عرف المصريون الفن التشكيلي بأنواعه منذ أقدم العصور، فالنحت والرسم والنقش من أهم ملامح الحضارة المصرية القديمة. كما شهدت مصر نهضة فنية منذ بدايات القرن العشرين، شكّلت ملامح واضحة في حركة التشكيل المعاصرة.

وتعدّ مصر من أهم الدول التي تجتذب المهتمين بالفن التشكيلي، بما تمتلكه من مجموعة كبيرة من المتاحف التي تضم أعمالاً فنية من مختلف التوجهات التشكيلية لأشهر الفنانين المصريين والعالميين. فمع تواجدك في القاهرة، يمكنك زيارة العديد من المتاحف المتخصصة، والاستمتاع بما تضمه من إبداعات فنية.

كما يمكنك إضافة هذه المتاحف إلى جدول زيارتك، ليس فقط لإضافة بعد ثقافي وفني لها، بل ترفيهي كذلك، حيث تشهد المتاحف الكثير من الأنشطة الترفيهية والثقافية والفنية من معارض تشكيلية وأمسيات وندوات وحفلات موسيقية وعروض سينمائية وغيرها.

قصر عائشة فهمي (صفحة مجمع الفنون على «فيسبوك»)

 

- متحف الفن المصري الحديث

متحف الفن المصري الحديث مقصد دائم للأجانب (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)

يعدّ المتحف الواقع داخل حرم دار الأوبرا المصرية، واحداً من أهم المتاحف الفنية في الشرق الأوسط، حيث يتكون من 10 قاعات موزعة على ثلاثة طوابق، بالإضافة إلى عرض في الهواء الطلق في مقدمة المتحف لأعمال النحت كبيرة الحجم، ويضم المتحف آلاف القطع الفنية التي تمثل شتى التيارات الفنية منذ أوائل القرن العشرين وحتى الآن، التي تنتمي إلى مدارس الفنون السيريالية والتجريدية والتكعيبية.

والمقتنيات في المتحف تعدّ من القطع المُصادرة من القصور الملكية، ويبلغ عددها نحو 4288 قطعة فنية، وهي تتمثل فى مجموعة كبيرة من الزجاج البوهيمي ذات طابع شرقي في التذهيب ومجموعة زجاج إسلامي ممّوه بالمينا صناعة مصر من القرنين الحادي عشر والثامن عشر الميلاديين ومجموعة من الزجاج الروماني والزجاج الفرنسي، ومجموعة متنوعة من الخزف الإسلامي (المصري والإيراني والدمشقي والبخاري) والخزف الإغريقي والروسي والتركي والبورسلين الصيني من مختلف العصور.

والمبنى الحالي للمتحف أنشئ عام 1936، وكان يسمى «السراي الكبرى»، ثم تم تطويره عام 1991، ومرة أخرى في 2005. مواعيد الزيار من 10 إلى 4 يومياً عدا الاثنين والجمعة، وتبلغ قيمة تذكرة الزيارة 20 جنيهاً مصرياً للأجانب (أقل من دولار أميركي).

من مقتنيات متحف محمود مختار (موقع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة)

- متحف محمد محمود خليل وحرمه

 

يعدّ أكبر متحف فني في مصر؛ إذ يحتوي على روائع الفن العالمي من تصوير ونحت وخزف، بإجمالي مسطح 538.75م2 وتحيطه حديقة تصل مساحتها إلى 2400م2 ويطل على نيل مصر من الجهة الشرقية، وتعود ملكية القصر إلى محمد محمود بك خليل، رئيس مجلس الشيوخ ووزير الزراعة الأسبق في مصر، الذي شيّده عام 1915م على الطراز الفرنسي.

عام 1954 انتقلت تبعية المتحف بمقتنياته كافة إلى وزارة الثقافة وفقاً للوصية الصادرة من أميلين هكتور لوس، زوجة خليل. والمتحف أحد أهم المتاحف في المنطقة العربية؛ كونه يضم مجموعة هائلة من روائع الفن العالمي، لكن تبقى مجموعة الأعمال الخاصة بفناني القرن التاسع عشر في أوروبا هي الأهم والأشهر؛ إذ يبلغ عددها 876 عملاً لأبرز فناني المدرسة التأثيرية (إدوار مانيه - ألفريد سيسلي - إدغار ديغاس - بيير أوجست رينوار - كاميل بيسارو - كلود مونيه - تولوز لوتريك - بول سيزان)، بالإضافة إلى أعمال فناني المدرستين الرومانسية والكلاسيكية.

أعيد افتتاح المتحف عام 2021 عقب تطويره، ويتضمن قاعة للعروض المتحفية المتغيرة لرواد الفن التشكيلي المصري والعالمي، وهي من أكبر القاعات المتخصصة في الشرق الأوسط، حيث تبلغ مساحتها 340م2.

مواعيد الزيارة من 10 إلى 4 يومياً عدا الاثنين والجمعة، وتبلغ قيمة تذكرة الزيارة 100 جنيه للأجانب (نحو 3 دولارات).

من مقتنيات متحف عفت ناجي وسعد الخادم (موقع قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة)

- متحف محمد ناجي

 

يضم مجموعة من أعمال الفنان المصري محمد ناجي، الذي ينتمي إلى جيل الرواد الذين وضعوا أساس النهضة الفنية الحديثة، درس الفن في فلورنسا بإيطاليا، وبعد عودته قبيل الحرب العالمية الأولى أصبح ثائراً على الأساليب المدرسية والأكاديمية في الفن وظهر تأثره بالمدرسة التأثيرية، وفي أعماله يميل إلى ربط ماضي مصر الفني القديم بحاضرها، مع شغف بالطبيعة والارتباط بها. كما استلهم الرسم الحائطي عند المصريين القدماء.

عام 1952 شيّد الفنان مرسمه بمنطقة حدائق الأهرام (الموقع الحالي للمتحف)، وفي عام 1962 اشترت وزارة الثقافة المصرية المرسم تمهيداً لتحويله متحفاً، وقامت شقيقته الفنانة عفت ناجى بإهداء الوزارة أربعين لوحة زيتية من أعماله، ومجموعة كبيرة من رسومه التحضيرية، بالإضافة إلى متعلقاته الشخصية.

افتتح المتحف في 1968، وفي عام 1987 اقتنت وزارة الثقافة مجموعة أخرى من اللوحات الزيتية الخاصة بناجي، كما أهدت شقيقته مجموعة أخرى من رسومه للمتحف. وفي عام 1991 تمت إعادة افتتاح المتحف بعد تطويره.

مواعيد الزيارة من 10 إلى 4 يومياً عدا الاثنين والجمعة، وتبلغ قيمة تذكرة الزيارة 100 جنيه للأجانب (نحو 3 دولارات).

 

- متحف عفت ناجي وسعد الخادم

 

يقع بحي الزيتون بالقاهرة على مساحة 520 متراً مربعاً، وجاء إنشاؤه لحفظ تراث الفنانَين، باعتبارهما اثنين من أعلام الفن في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين ورائدين في مجال الفن الشعبي ودراساته. يضم مجموعة من الأعمال الفنية للفنانين، تبلغ 198 عملاً، ومجموعة من القطع الفخارية الشعبية، بالإضافة إلى مكتبة خاصة بالفنانين بها كتب نادرة، كما تضم عدداً من رسائل الماجستير والدكتوراه.

تم افتتاحه لأول مرة عام 2001، ثم خضع لعملية تطوير وافتتح عام 2013. ويمكن زيارته من 10 إلى 4 يومياً عدا الاثنين والجمعة، وتبلغ قيمة تذكرة الزيارة 10 جنيهات للأجانب.

 

- مجمع الفنون بالزمالك (عائشة فهمي)

 

على الطراز الأوروبي، وعلى صفحة مياه النيل بحي الزمالك بالقاهرة، بُني قصر «عائشة فهمي» عام 1907، الذي انضم إلى هيئة الفنون والآداب المصرية عام 1976، وأُطلِق عليه اسم (مجمع الفنون)، ليبدأ دوره الفني البارز، حيث قدم مئات المعارض لفنانين عالميين، إلى جانب الندوات والحفلات الموسيقية والعروض السينمائية، وهو الدور الذي يمارسه حتى اليوم، مجتذباً آلاف الزائرين من عشاق الأصالة والعمارة والفنون.

يتكون القصر من طابقين، وحديقة واسعة تطلّ على النيل، في الطابق الأول يوجد بهو كبير تتفرع على جانبيه 4 غرف صُمّمت لتشغلها صالونات الاستقبال، حيث تتزين جدران الغرف والصالات بالحرير الراقي، وأعمال فنية نحتية وتصويرية يعود بعضها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لفنانين عالميين. وتتمتع النوافذ الخارجية بفنّ الزجاج المعشَّق بالرصاص، أما الأرضيات فهي من الباركيه المشغول، بينما توجد في الطابع العلوي مجموعة من الغرف ذات الطابع الأثري وتضم زخارف بديعة على الجدران والأسقف.

تم تجهيز الغرف لاستقبال الأعمال الفنية التي يحتضنها القصر من حين إلى آخر بأحدث وسائل العرض الفني والمتحفي، بعد أن خضع القصر لعملية ترميم وتجديد شامله، وافتتاحه عام 2017.

من أهم الأحداث التي يحتضنها المجمع سلسلة معارض «كنوز متاحفنا الفنية»، التي تتيح الفرصة لإعادة اكتشاف الإبداعات التشكيلية التي تروي أجزاء من قصة التاريخ الفني للحضارة الإنسانية، وهي السلسلة التي تجذب آلاف المترددين من المصريين والأجانب. زيارة القصر من 10 حتى 1.30، ومن 5.30 حتى 9.30. والدخول مجاني.

متحف الفن المصري الحديث (صفحة متحف الفن المصري الحديث على «فيسبوك»)

- متحف محمود مختار

 

هو أول متحف لمثّال مصري، وأنشئ تكريماً وتخليداً لذكراه وتقديراً لفنه ونبوغه، حيث يعدّ مختار هو المثَّال الأول في العصر الحديث الذي عبّر في أعماله عن شخصية مصر، وأعاد فن النحت ثانية في ثوب جديد منذ أن توقف الفن المصري بانتهاء العصر الفرعوني، حيث يعد تمثال «نهضة مصر» الشهير الذي يعبّر عن تمثال أبو الهول تجاوره فلاحة مصرية، هو أبرز أعماله.

يحتوي المتحف على 175 من أعمال مختار المنفذة بمختلف الخامات، بالإضافة إلى أدواته الخاصة التي كان يستخدمها في النحت، وكذلك وثائق وصور نادرة له، وأهم الجوائز والأوسمة العالمية التي حصل عليها.

يقع المتحف في مواجهة دار الأوبرا المصرية، إلا أنه قد تأسس بداية في مبنى مؤقت بخلاف الحالي، لكن عملت وزارة الثقافة والإرشاد القومي بداية من عام 1958 في أعقاب ثورة 1952 على إقامة بناء جديد خاص للمتحف، وهو الموقع الحالي للمتحف، وقد افتتح عام 1962.

خضع المتحف لعملية تطوير لنظم العرض المتحفي والإضاءة والنظم الأمنية وتم افتتاحه للجمهور عام 2012. يستقبل المتحف زواره للتعرف على أعمال المثّال الراحل من 10 إلى 4 مساء، عدا الاثنين والجمعة. وبلغ سعر تذكرة الزيارة 10 جنيهات للأجانب.

 

- متحف حسن حشمت

 

أقيم متحف الفنان حسن حشمت داخل الفيلا الخاصة به بمنطقة عين شمس بالقاهرة منذ عام 1960؛ فهو رائد ومؤسس مدرسة فنية شديدة الخصوصية، وأول من أنتج التماثيل الصغيرة التي تعبّر عن روح مصر بحاضرها وماضيها من البورسلين.

تبلغ مساحة الفيلا 1200م2، ويضم المتحف 235 قطعة نحتية وخزفية من إنتاج الفنان، بالإضافة إلى أصول بعض تماثيله ولوحاته الحجرية والخزفية. وقام الفنان بإهداء متحفه إلى وزارة الثقافة عام 1998 ليكون متحفاً ومركزاً ثقافياً.

خضع المتحف لعملية تطوير لنظم العرض المتحفي والإضاءة والنظم الأمنية، وتم افتتاحه للجمهور عام 2018، مستقبلاً ذواقي الفن للتعرف على أعمال المثال الراحل من 10 صباحاً إلى 4 مساءً، فيما عدا الاثنين والجمعة. ويبلغ سعر تذكرة الزيارة 10 جنيهات للأجانب.


مقالات ذات صلة

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

الاقتصاد صورة لوزيرة السياحة البحرينية فاطمة الصيرفي مع مسؤولي برنامج الربط الجوي السعودي خلال مؤتمر مسارات العالم (الشرق الأوسط) play-circle 00:46

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

تحدّث الرئيس التنفيذي لبرنامج الربط الجوي السعودي، ماجد خان، لـ«الشرق الأوسط»، عن نجاح البرنامج، هذا العام، في جذب 12 شركة طيران.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)

1000 فعالية سياحية يشهدها «شتاء السعودية» لخَلْق تجارب لا تُنسى

تتيح منصة «روح السعودية» للسياح والزوار الراغبين في معلومات إضافية عن برنامج هذا العام، الاطّلاع على العروض والباقات والخصومات الخاصة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة نافورة بحيرة لومان الاشهر في المدينة (شاترستوك)

جنيف... أناقة بالخط العريض

هل تعلم بأن أكثر من %40 من سكان مدينة جنيف هم من غير السويسريين؟ والسبب هو أن هذه المدينة تضم العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

جوسلين إيليا (جنيف)
سفر وسياحة مشهد الغروب يؤكد استثنائية التجربة البصرية (حساب «C-Lounge» في «فيسبوك»)

مغيب الشمس من سطوح بيروت... استثنائية التجربة البصرية

تحلو الجلسة المُطلَّة على مشهد يُبهج النفس ويهدِّئ همَّ الأيام. في بيروت، تتعدَّد الأماكن المشرفة على العاصمة ببحرها ومبانيها وأفقها البعيد حيث تتوارى الشمس

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد يقوم عدد من مقدمي طلبات التأشيرات في مركز التأشيرات بالرياض بإكمال إجراءات طلباتهم (الشرق الأوسط)

نمو طلبات تأشيرات «شنغن» في السعودية بنسبة 23 % هذا العام

كشفت شركة «في إف إس غلوبال» عن أن الطلب على تأشيرات «شنغن» في السعودية شهد نمواً ملحوظاً بنسبة 23 في المائة هذا العام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
TT

جنوب سردينيا القسم الجميل والمهمل في إيطاليا

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)
جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

كان الضجيج نادراً في جنوب سردينيا منذ مدة طويلة، يقول البعض ربما منذ انحدار الحضارة النوراجية من العصر البرونزي في المنطقة. ومع ذلك، في ثاني أكبر جزيرة إيطالية، حيث تفوق الأغنام عدد السكان إلى حد كبير، هناك طاقة جديدة لا لبس فيها في «كالياري»، عاصمة البحر الأبيض المتوسط الصغيرة، والريف المحيط بها.

تشتهر سردينيا بطبيعتها وشواطئها الجميلة (نيويورك تايمز)

يقول المؤرخ المحلي فينتورينو فارغييو، بينما كنا نشاهد احتفال الأزياء الشعبية السنوي في سانت إفيزيو في المدينة: «لقد اعتدنا أن نعدّ أنفسنا ريفيين، معزولين في هذه الجزيرة النائية. لكن سكان سردينيا بدأوا يدركون أن ثقافتنا لها قيمة حقيقية بالنسبة إلينا وللأجانب».

في كالياري، هناك زيادة في الفخر، إلى جانب موجة من التنمية الجديدة، أغلبها يهدف إلى زيادة الأعداد المتزايدة بالفعل من السياح. في حي مارينا الذي يتغيّر بسرعة، وهو معقل سابق لصيادي الأسماك، صار اليوم مزيجاً نابضاً بالحياة من المهاجرين والمقيمين منذ مدة طويلة، سوف يُنشئ متنزه، جرى تصميمه من قبل المهندس المعماري «ستيفانو بويري»، حديقة مورّقة على طول الواجهة البحرية. سوف يوصل خط قطار خفيف المارينا بضواحي كالياري، ويجري إنشاء ميناء جديد، من المتوقع أن يكون عام 2026 لنقل سفن الرحلات البحرية بعيداً، ما يسمح للسفن الشراعية بالرسو (وإنفاق الأموال) في وسط كالياري.

«لاي» من أشهر الأجبان في جنوب سردينيا (نيويورك تايمز)

بالنسبة إلى كالياري والجنوب الذي يمتد على طول ساحل رملي أبيض وبحر أزرق من الشواطئ الخلابة يمكن أن يثبت المد السياحي إما أنه مدمر وإما أنه نعمة للمنطقة التي تعاني من نقص الفرص. منذ عقود مضت، أصبحت «كوستا إزميرالدا» في شمال سردينيا ملعباً ومنتجعاً للأثرياء مثل ميلانو على البحر الأبيض المتوسط التي ترمز إلى كيفية استعمار السياح لمنطقة ما.

جبن محلي الصنع في سردينيا (نيويورك تايمز)

لكن هل يمكن إنشاء صورة أكثر انسجاماً من السفر في الجنوب؟ مع السياحة المفرطة التي أصبحت الآن لعنة عديد من المواقع الإيطالية، زرت المنطقة وسألت السكان المحليين: ما الذي قد يشكّل مستقبلاً أفضل؟

قال سامويلي موسكاس، أحد مؤسسي «سابوريس»، وهو مطعم خلاّب ومقهى في مارينا: «هذه المدينة تتطوّر لتناسب السياح». يتميّز المطعم بمظهر باريسي رائع، ولكنه يقدّم قائمة طعام محلية وزواراً محليين، وهو واحد من كثير من المطاعم الحضرية في كالياري التي تنافس تلك الموجودة في المدن الإيطالية الكبرى. قدّم لي موسكاس الذي بدأ رحلته في «سابوري دي سردينيا»، وهو متجر قريب للأغذية، الذي كان يضم «سابوريس» وجاره القريب «بيبيت»؛ طبقاً من الهليون البري من شمال سردينيا، وأشار إلى أنني كنت الشخص الوحيد غير السرديني في غرفة الطعام. ثم قال: «لقد أنشأنا هذا المكان لمجتمعنا. ونرحّب بالسياح أيضاً، لكننا نريد منهم أن ينغمسوا في ثقافتنا، في مكان خاص بنا».

مقارنة بالمدن الإيطالية الأخرى، قد تبدو المواقع الثقافية في كالياري قليلة بعض الشيء، رغم أن المتحف الأثري يحتوي على مجموعة رائعة من القطع الأثرية النوراجية والفينيقية والرومانية القديمة في سردينيا، بما في ذلك الرماة النوراجيون المنحوتون على الحجر، والمعروفون باسم عمالقة «مونتي براما». وفي أماكن أخرى، هناك مواقع مثل «غياردينو سونورو»، وهو تركيب خارجي من منحوتات حجرية لصنع الموسيقى من قِبل الفنان المحلي «بينوكيو سيولا»، وكاتدرائية الباروك مع قبوها المقوّس المغطى بالبلاط الذي يُصوّر ما يقرب من 200 قديس.

جزيرة نائية تسكنها نسبة قليلة من الإيطاليين (نيويورك تايمز)

إنها مدينة يكون الاستمتاع بها بشكل أفضل من خلال التجول. يُعدّ شاطئ «بويتو» الذي يمتد لمسافة أميال مكاناً رائعاً للخروج في كالياري خلال الطقس الدافئ، مع نوادي الشاطئ ومطاعم المأكولات البحرية الكلاسيكية مثل مطعم «ريستورانتي كالاموسكا» على حافة الماء. تتجمع طيور الفلامنغو الوردية، وهي أكثر سكان المدينة تقديراً، بالقرب من مسطحات «مولينتارغيوس» الملحية. يتدفق السياح والسكان المحليون على حد سواء إلى حصن سانت ريمي، أفضل نقطة مراقبة في هذه المدينة ذات التلال المتحدرة. وفي وقت مبكر من المساء، تمتلئ ساحة «غيتانو أورو» بالشباب الذين يتجمعون حول بار «فينيريا فيلانوفا»، ويتوجهون لتناول العشاء في المطاعم الكلاسيكية مثل مطعم «تراتوريا ليليكو»، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1938، أو أحد مطاعم الجيل الجديد مثل «ريتروبانكو»، و«وسابوريس».

في الوقت الحالي، لا تزال كالياري تبدو وكأنها مدينة تنتمي إلى سكانها، على عكس فلورنسا أو البندقية أو غيرهما من المدن التي يكتظ بها السياح. قال جوزيبي دي مارتيني، المدير العام لمطعم «ريتروبانكو»: «لكننا نريد زيادة الزوار هنا». وأضاف: «يجب أن تصبح كالياري عاصمة البحر الأبيض المتوسط».

يُعد جبن «لاي» سبباً كافياً لزيارة المنطقة. ففي «سينوس»، ورشته الصغيرة، يتبع تقليداً سردينياً قديماً لصنع الأجبان الطبيعية باستخدام الحليب الطازج من الأغنام التي تملكها عائلته. ويقول: «يُصبح الطعام المصنوع بطريقة واعية وسيلة لنقل الثقافة»، بينما كنا غارقين حتى مرافقنا في الحليب الساخن، ونسكب اللبن الرائب في وعاء نحاسي مسخن بالنار. يمكن للضيوف زيارة المتجر لتذوق أجبانه العتيقة الرائعة أو، كما فعلت، تجربة صناعتها بأنفسهم.

في منطقة «سولسيس» المجاورة، واجهت تفسيراً آخر لـ«سردينيا»، حيث يتم الجمع بين الحرف التقليدية والتصميم المعاصر بلا خجل. «بريتزايدا» هي الاستوديو الإبداعي لكل من «إيفانو أتزوري» و«كاير تشينڨن»، وهما مهاجران من كاليفورنيا وميلانو، يصممان وينتجان الأثاث مع الحرفيين المحليين. هذا الربيع، افتتح الثنائي «لوكسي بيا»، وهي مجموعة من بيوت الضيافة الحجرية المحيطة بها أشجار الزيتون والحقول الخضراء. أعادا بناء المساكن وفقاً للأسلوب التقليدي للمنطقة وملأوها بأسرّة «بريتزايدا» ذات الإطارات الخشبية المنحوتة المذهلة، وطاولات جانبية من الفلين المنحوت، وغير ذلك من القطع المعاصرة المصنوعة يدوياً.

طبيعة جميلة في واحدة من أكبر جزر إيطاليا (نيويورك تايمز)

لاحقاً، استقللت دراجة كهربائية للوصول إلى «تومبي دي جيغانتي»، وهو موقع «نوراجيكي» مع مسارات المشي لمسافات طويلة تطل على التلال المشجرة. تقع شواطئ الأحلام «بورتو بينو»، و«سو بورتو دي سو تريغو»، و«إيس سوليناس» في البحر الأبيض المتوسط على مسافة قصيرة بالسيارة، وكذلك مجتمع الصيد الغني بالتاريخ في جزيرة «سانت أنتيوكو»، المتصلة بالجزيرة الرئيسية عبر جسر بري رفيع.

في أعماق «سولسيس»، وهي منطقة معروفة بأعمال التعدين السابقة، وعلى طول الساحل الجنوبي الغربي، افتُتح «لو ديون بيسيناس» في مايو (أيار)، بوصفه فندقاً فخماً في مستودع سابق للتعدين، وهي محاولة طموحة لتحويل منطقة فارغة الآن من الصناعة إلى وجهة ذات طابع طبيعي. أصبحت الحديقة المحيطة جزءاً من درب المشي «سانتا باربرا»، باتباع المسارات التي كان يسير عليها عمال المناجم ذهاباً وإياباً من العمل. لكن موطن الجذب الحقيقي هو العزلة الرائعة للفندق وشاطئه المواجه للغروب، والمدعوم بشكل كبير ببعض أطول الكثبان الرملية في أوروبا «ربما الجزء الأكثر عزلة من ساحل سردينيا»، كما قالت المالكة «مارسيلا تيتوني»، التي قضت 10 سنوات في تجديد الفندق: «ما أفضل طريقة لإحيائه سوى من خلال الزوار وهذا العمل المفعم بالمحبة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»