> عندما قرّر النظام الفنزويلي تجريد القيادية اليمينية المعارضة ماريا كورينا ماتشادو من حقوقها السياسية ومنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية، اضطرت المعارضة لاختيار إدموندو غونزاليس أورّوتيا بديلاً عنها.
يومذاك، كانت جميع استطلاعات الرأي ترجّح فوز ماتشادو على الرئيس مادورو الذي لجأ إلى المدعي العام طارق صعب لفبركة ملف اتهامي ضدها يقطع عليها الطريق إلى الرئاسة.
ولكن حتى بعد «فوز» غونزاليس، الذي اعترفت به معظم الدول الديمقراطية واليمينية، تظل ماتشادو هي «أيقونة» المعارضة الفنزويلية والخصم الفعلي لمادورو، ومنافسته الوحيدة حالياً، خاصة أن علاقات وثيقة تربطها بوزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو، الذي يناصب النظام الفنزويلي وداعمه النظام الكوبي عداءً شديداً.
هذا، وقبل فترة غير بعيدة، أعلن «مجلس أوروبا» منح «جائزة فاتسلاف هافل»، التي تحمل اسم الكاتب والمناضل السياسي التشيكي، وقائد «الثورة المخملية» التي أسقطت النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عام 1989، لماريا ماتشادو. وبرّر ذلك بـ«الدور الاستثنائي الذي تلعبه في الدفاع عن حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية». وخلال حفل تسلم ابنتها الجائزة نيابة عنها، وجهت ماتشادو رسالة مسجلة عبر الفيديو قالت فيها إنها تهدي الجائزة لملايين الفنزويليين الذين يجسدون كل يوم المبادئ والقيم التي دافع عنه هافل، والذين هم على استعداد لتقديم المزيد من التضحيات. وأدانت ماتشادو «ردة الفعل الوحشية لنظام نيكولاس مادورو ضد الذين تظاهروا رفضاً للنتائج الرسمية، وحملات الاعتقال والتعذيب التي تعرّض لها الآلاف، والمنفى القسري الذي فرضه النظام على مرشح المعارضة».
الصعود السريع
حتى مطالع العام الماضي كانت ماتشادو اسماً شبه مغمور في مشهد المعارضة الفنزويلية التي - لأسباب عديدة - فشلت طوال سنوات في سعيها إلى توحيد الصفوف وراء زعامة واحدة تقف بوجه النظام الذي سهلت عليه محاصرتها والتفرقة بين مكوناتها. بيد أن ماتشادو، التي يرى فيها البعض النسخة الفنزويلية الانفعالية والعاطفية لرئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر، أضحت اليوم في عداد القيادات اليمينية المحافظة التي ظهرت بسرعة على مسرح الأحداث مثل دونالد ترمب في الولايات المتحدة، وجاير بولسونارو في البرازيل، وخافيير ميلي في الأرجنتين، ونجيب أبو كيلة في السالفادور.
مع هذا، ليست هذه الزعيمة المعارضة وجهاً طارئاً على المشهد السياسي الفنزويلي ولا حديثة عهد في النضال ضد النظام الذي أرسى قواعده هوغو تشافيز. أكثر من هذا، لا تعد ماتشادو من طينة القيادات اليمينية المتطرفة أو التيارات الشعبوية التي تعزف على أوتار الأزمات الاجتماعية والمعيشية لتأليب الأنصار واستقطاب المؤيدين. فلقد بدأت مسيرتها النضالية منذ عقود في صفوف الجناح الراديكالي للمعارضة الفنزويلية الذي تقوده منذ سنوات. وكان تشافيز وصفها يوماً بأنها أفضل من يمثل «البورجوازية الناعمة»، وإن كان يحلو لأنصارها تلقيبها بـ«المرأة الحديدية»؛ تيمناً برئيسة الوزراء البريطانية السابقة الراحلة مارغريت ثاتشر.
بالمناسبة، تعرّف ماتشادو عن نفسها بأنها ليبرالية في السياسة والاقتصاد وفي مقاربة القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض والحريات الجنسية. وتدور رؤيتها الاقتصادية حول الدفاع عن الخصخصة والحد من دور الدولة في تأمين الخدمات الأساسية، وتشجيع القطاع الخاص والمبادرات الفردية بهدف زيادة فرص العمل والثروة العامة. وقد أعربت في غير مناسبة عن إعجابها بالرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر، التي قالت عنها إنها «تجرأت في الدفاع طيلة حياتها عن القيم التي كانت تؤمن بها، غير آبهة بمن وما كان يقف ضدها».
سيرة شخصية
ماتشادو (55 سنة) مطلقة وأم لثلاثة أولاد عاشوا خارج فنزويلا وبعيدين عنها. وهي منذ بداية مسيرتها السياسية لم تستوعب أبداً جنوح النظام نحو اليسار مع تشافيز، وكانت تعتبر مثل أنصارها الذين كانوا يقتصرون على الطبقة الميسورة التي تنتمي إليها أسرتها، أن النموذج الكوبي الذي استنسخه تشافيز يشكل تهديداً مباشراً لمصالحها.
إلا أنها منذ بروزها زعيمة لا منازع لها في صفوف المعارضة ومحاصرة النظام لها، تحولت إلى ما يشبه «الأميرة الشعبية» التي يتهافت المواطنون، سواء أثرياء وفقراء، على تأييدها والتجاوب مع دعواتها وطروحاتها لمعالجة الأزمتين المعيشية والسياسية. وعندما فازت في الانتخابات الأولية التي أجرتها أحزاب المعارضة لاختيار مرشحها للرئاسة قالت: «إذا كان استئصال الفقر مسؤولية المجتمع هو طرح يساري فأنا يسارية... وإذا كانت الحرية الفردية والاستثمار والإنتاجية من طروحات اليمين فأنا يمينية».
في أي حال، يصف متابعو مسيرتها السياسية طروحاتها بأنها تقع على يمين الأحزاب المحافظة التقليدية التي تعاقبت على الحكم في فنزويلا قبل ظهور تشافيز، وأن رؤيتها أقرب إلى النموذج الأميركي منها إلى الأوروبي بالنسبة لتوزيع الموارد الاجتماعية، كما خطابها المناهض للشيوعية يكاد الجمهوريون الأميركيون يحسدونها عليه.