الكويت... صيف ساخن ينتظر «الحكومة الـ 46»

انتخابات مجلس الأمة لم تأتِ بالتغيير المنشود

متخب كويتي يدلي بصوته في انتخابات مجلس الأمة 2024 (كونا)
متخب كويتي يدلي بصوته في انتخابات مجلس الأمة 2024 (كونا)
TT

الكويت... صيف ساخن ينتظر «الحكومة الـ 46»

متخب كويتي يدلي بصوته في انتخابات مجلس الأمة 2024 (كونا)
متخب كويتي يدلي بصوته في انتخابات مجلس الأمة 2024 (كونا)

جاءت رياح انتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، في الرابع من أبريل (نيسان) 2024، بما لا تشتهي سفينة الحكومة ولا سفن أخرى، كانت تنتظر أن يهبّ الكويتيون لتغيير التركيبة السياسية التي تحكم السلطة التشريعية منذ نحو عقدٍ من الزمان، وتقاسمت خلالها مع الحكومة الاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد. إذ كان التغيير طفيفاً، ولا يعتدّ به. ذلك أنه على الرغم من أن التقديرات الأولية أشارت إلى أن نسبة التغيير في انتخابات 2024 بلغت 22 في المائة، فإن النسبة الحقيقية كانت في حدود 10 في المائة فقط، مع بقاء 90 في المائة من التركيبة البرلمانية السابقة، إذا جرى احتساب أن ثلاثة نواب سابقين لم يرغبوا أصلاً في خوض السباق الانتخابي، ونائب رابع شطب ترشحه هو مرزوق الحبيني، ومع عودة ثلاثة نواب سابقين للقبة البرلمانية: نائبان من مجلس 2016 وهم صالح عاشور وأحمد الفضل، ونائب واحد من مجلس 2020 هو الدكتور عبيد الوسمي. وبالتالي، لم يشمل التغيير في هذه الانتخابات سوى دخول 8 نواب جدد فقط من أصل 50 نائباً.

داخل قاعة مجلس الامة (كونا)

الانتخابات الكويتية السابقة جاءت على وقع حلّ برلمان عام 2023 (بعد عمر لم يتجاوز 9 أشهر)، لسبب لا يتصل مباشرة بالعلاقة المضطربة بالحكومة، بل إن الحل وهو الأول من نوعه من حيث التسبيب جاء «بناء على ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة»، حسبما جاء في مرسوم الحلّ رقم 16 لسنة 2024 في 15 فبراير (شباط) الماضي. ومنذ كان ولياً للعهد، دأب الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أمير الكويت على تأكيد «تصحيح المسار». ويوم 20 ديسمبر (كانون الأول) الماضي وجه انتقادات لاذعة لعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة أميراً للبلاد، متهماً إياهما بالتواطؤ في الإضرار بمصالح البلاد.

مفاجآت انتخابية

المفاجأة الأولى التي حملتها الانتخابات تمثلت في أن العملية الانتخابية أسفرت عن عودة كامل الوجوه القديمة، وإضافة وجوه أخرى كانت تعدّ من «الصقور». بل إن النائب المتهم بإطلاق التوصيفات التي صدر بسببها مرسوم الحلّ، وهو عبد الكريم الكندري، حقق فوزاً ساحقاً في الدائرة الثالثة، وجاء في المركز الأول بعدد أصوات بلغ 9428 صوتاً.

أما المفاجأة الثانية، فكانت نسبة الإقبال على الاقتراع، إذ فاقت النسبة الـ62 في المائة. ومع نسبة مشاركة عالية بلغت 62.10 في المائة من الناخبين البالغ عددهم 518 ألفاً و365 ناخباً من أصل 835 ألفاً يحق لهم التصويت - أكثر من نصفهم من النساء - رغم الظروف المصاحبة لإجراء الانتخابات ووقوعها في أواخر شهر رمضان، وأيضاً مع تكرار توجه الناخبين للاقتراع، وسط فقدان الأمل بحدوث تغيير حقيقي، بدا أن النسبة العالية أبرزت قلقاً على مصير التجربة الانتخابية في الكويت، ورغبة في تأكيد التمسك بها، مع تكرار عمليات حلّ المجلس. ثم إنها أظهرت أيضاً قلقاً آخر بشأن إجراءات سحب الجناسي، وهو موضوع اختارت الحكومة طرحه بموازاة الحملات الانتخابية، بعدما أعلنت عن عزمها على مكافحة مزوري ومزدوجي الجنسية، ودعت الجمهور للإبلاغ عنهم. هذا الموضوع شكل في الواقع القضية الأساسية للانتخابات. وبحسب أحد النواب الفائزين لـ«الشرق الأوسط»، فإن الكويتيين خاضوا انتخابات 2024 من دون قضية مركزية، إلى أن جاءت التصريحات الحكومية بشأن مكافحة تزوير الهوية الوطنية (الجنسية) وملاحقة المزدوجين، لكي تشدّ العصب في اتجاهين متناقضين: الاتجاه الأول الجمهور الذي كان يخشى استغلال قضايا الهوية الوطنية للعقاب السياسي، وهؤلاء أكثرهم من الاتجاهات القبلية. والاتجاه الثاني الذي أظهر تشدداً وحزماً نحو حماية الهوية الوطنية ومكافحة المزورين.

لقد أنتجت الانتخابات أيضاً مجلساً تهيمن عليه المعارضة التي حافظت على مقاعدها الـ29 من أصل 50، وإن كانت معارضة مفتتة وغير متجانسة، وسيكون بإمكان الحكومة أن تشدّ بعض الكتل والمستقلين نحوها. بل إن الخلافات بين أعضاء المجلس تبدو أحياناً أقوى مما هي عليه مع الحكومة، أضف إلى ذلك أنه عادة ما يمثل قطاع واسع من النواب الانقسام السياسي الأكبر الذي تقوده أقطاب بارزة في الدولة.

خريطة المجلس

لقد تقاسم مجلس الأمة بالمناصفة: الحَضَر (25 نائباً)، والقبائل (25 نائباً). وجاء الإسلاميون السنة بنصيب وافر (8 مقاعد للتيار السلفي)، ومقعد واحد من أصل ثلاثة للحركة الدستورية الإسلامية (حدس – الإخوان المسلمين) مع وجود نواب مقربين لها في العديد من الدوائر. وحصل الإسلاميون الشيعة على 3 نواب: «نائبان للتآلف الإسلامي»، ونائب واحد لـ«تجمع العدل والسلام». ولوحظ أن الانتخابات الأخيرة أسوة بالانتخابات التي سبقتها شهدت تراجعاً في مزاج الناخب الشيعي في الكويت لصالح دعم مرشحين ليبراليين أو مستقلين، مع تمثيل المرأة الوحيدة في المجلس لدورتين، الدكتورة جنان بوشهري، كما حصل نائبان شيعيان على التمثيل لأول مرة، وهما من فئة الشباب: محمد جوهر حيات (ليبرالي)، وباسل البحراني، الذي ينتمي إلى التكتل الشعبي الذي يقوده النائب السابق مسلم البراك (يمثل هذا التكتل حالياً نائبان، هما البحراني، ومحمد الدوسري)، وهكذا يصبح مجموع النواب الشيعة في هذا المجلس ثمانية.

مشاركة واسعة في الافتراع (كونا)

العواصف المقبلة

نتيجة هذه الانتخابات ظهرت بوضوح في قرار رئيس الحكومة السابق، الدكتور محمد صباح السالم، الاعتذار عن تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك بعد أول تجربة له في قيادة «الكابينة» الوزارية، وفي أعقاب موجة تفاؤل وترحيب لم يسبق لهما مثيل، استقبلته يوم تعيينه رئيساً للوزراء في 4 يناير (كانون الثاني) 2024. لكن المدة التي أمضاها رئيساً للوزراء لم تتجاوز 100 يوم.

وعلى الأثر جرى تعيين رئيس وزراء جديد، يتولى قيادة الحكومة لأول مرة، هو الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح. وفي حال تشكيل حكومته الجديدة سيصبح الشيخ أحمد العبد الله، رئيس الوزراء الحادي عشر في تاريخ الكويت، وستحمل حكومته المقبلة الرقم 46 في تاريخ الحكومات منذ نحو 62 سنة هو عمر الحكومات الكويتية.

ولكن إذا نظرنا إلى الصورة القريبة، فإن الحكومة العتيدة ستكون الرابعة في ظرف ثلاث سنوات فقط. ويكفي أن نشير إلى أنه خلال سنتين جرى تكليف ثلاثة رؤساء للحكومات، كما أن الرئيس الأول، وهو الشيخ أحمد النواف، مكث في منصبه نحو سنة ونصف شكّل خلالها أربع وزارات. ومنذ عام 2022 تم انتخاب ثلاثة مجالس نيابية في غضون سنتين. ومنذ عام 2020، نظّمت أربع انتخابات برلمانية في الكويت، وحُلّ مجلس الأمة السابق 2023 في فبراير (شباط) الماضي، بعد نحو تسعة أشهر فقط على بدء أعماله.

فضلاً عما سبق، فإنه قبل أسبوعين من موعد افتتاح أعمال مجلس الأمة، وتقديم الحكومة تشكيلتها للمجلس، توعّدت مجموعة من النواب كلاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالاستجواب، على خلفية توقيف مرشح سابق بسبب تصريحات منسوبة إليه تمثّل تجاوزاً على الذات الأميرية، بحسب النيابة. غير أنه من الواضح أن هذه الحادثة، ومعها قضايا ملاحقة مزوري الجنسية، تمثلان «رأس جبل الجليد» في الثقة المعدومة بين النواب والحكومة، وخاصة أن علاقة المجلس السابقة برئيس الحكومة الجديد لم تكن على وفاق حين كان وزيراً في الحكومات السابقة.

أنتجت الانتخابات مجلساً تهيمن عليه

المعارضة

التي حافظت

على مقاعدها

الـ29 من أصل 50

آفاق المرحلة المقبلة

بالنسبة لآفاق المرحلة المقبلة، توّقع المحلل السياسي الكويتي الدكتور عايد منّاع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تشهد العلاقة بين المجلس الجديد والحكومة المقبلة «شدّاً وجذباً» في المرحلة المقبلة. ويلاحظ الدكتور منّاع، أن رئيس الوزراء الجديد يمتلك سجلاً من العلاقات السابقة بالبرلمان، إذ سبق له شغل مناصب وزارية متعددة كالمالية والمواصلات والنفط والإعلام والصحة. ولكن في المقابل أيضاً، كان يشوب هذه العلاقة كثير من الشوائب، وكانت لكثرة من نواب البرلمان تحفظات عليه في المرحلة السابقة قبل أن يكلف رئاسة الوزارة. ومع أن الرئيس الجديد القادم من القطاع الخاص، يمتلك تأهيلاً جيداً، فإن العلاقة المستقبلية بين رئيس الوزراء وحكومته، وبين البرلمان، تعتمد على السياسة التي ستتبناها الحكومة في علاقتها بالبرلمان، وعلى الخطوات التي ستقوم بها.

أما عما يتعيّن على رئيس الوزراء القيام به، فهنا يقول الدكتور عايد مناع «يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد، كي يتجنب المواجهة مع البرلمان، أن يتعامل معه بطريقة مهنية تتضمن تلبية مطالب النواب وفقاً للقانون وبأسرع طريقة ممكنة. وعدا ذلك فإن العلاقة ستشهد مرحلة من التجاذب لكنها قد لا تصل إلى القطيعة إذا ما أجاد رئيس الوزراء كيفية التعامل وامتصاص ردود الفعل، وقدّم رؤى حقيقية من القيادة السياسية لتحسين الأوضاع الداخلية في البلد من تحسين رواتب المواطنين وتنظيم مصادر الدخل وضبط الأمن الداخلي وتجنب استفزاز المجتمع بملفات معينة، مثل قضايا التجنيس وغيرها».

 

الدكتور عايد المناع (الشرق الأوسط)

من هو رئيس الوزراء المقبل؟

رئيس الوزراء الجديد الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح (مواليد 5 سبتمبر (أيلول) 1952)، هو الابن الخامس للشيخ عبد الله الأحمد الجابر الصباح، الابن الأكبر لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح. وهو مثل سلفه الشيخ محمد صباح السالم، متخصص في الاقتصاد، إذ التحق بجامعة إيلينوي في الولايات المتحدة؛ حيث درس تمويل البنوك والاستثمارات، وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1976. بعد ذلك، في عام 1978 عمل في المركز المالي الكويتي، ثم انتقل إلى العمل في البنك المركزي الكويتي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1987. وكان في ذلك الوقت يشغل منصب مدير إدارة الرقابة المصرفية بدولة الكويت.

في عام 1987 تولى الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح منصب رئيس مجلس إدارة بنك برقان الكويتي، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1998. أما أول منصب وزاري يتولاه فكان تعيينه وزيراً للمالية ووزيراً للمواصلات يوم 13 يوليو (تموز) 1999. بعدها، في 14 فبراير 2001 جرى تعيينه وزيراً للمواصلات مجدداً. وفي 14 يوليو 2003 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للتخطيط ووزير دولة لشؤون التنمية الإدارية. وفي 15 يونيو (حزيران) 2005 عيّن وزيراً للمواصلات ووزيراً للصحة. ومن ثم عُين في 9 فبراير 2006 وزيراً للصحة. وفي 10 يوليو 2006 أعيد تعيينه وزيراً للصحة مرة أخرى.

صدام مع البرلمان

لقد شهدت مسيرة الشيخ أحمد صداماً مع البرلمان، حين قُدّم له في 19 فبراير 2007 استجواب من عدد من أعضاء مجلس الأمة، وتقرر تقديم طلب طرح ثقة فيه. عندها أقدمت الحكومة على تقديم استقالتها في 4 مارس (آذار) 2007، ورفض الشيخ أحمد الصباح العودة إلى الحكومة التي تلتها في أي منصب وزاري آخر. بيد أنه عاد يوم 9 فبراير 2009 ليشغل منصب وزير النفط، ثم في 29 مايو (أيار) من العام نفسه أسندت إليه أيضاً حقيبة وزارة الإعلام بجانب وزارة النفط، وظل بهذا المنصب حتى 8 مايو 2011 عندما شُكّلت حكومة جديدة ولم يكن ضمن الوزراء بها. ولاحقاً، في 20 سبتمبر 2021 صدر مرسوم بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد بدرجة وزير لمدة أربع سنوات.


مقالات ذات صلة

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

رياضة عربية منتخب الأردن اكتفى بالتعادل مع الكويت (الاتحاد الأردني)

«تصفيات المونديال»: الكويت تحبط الأردن بالتعادل

فرّط منتخب الأردن في تقدمه بهدف رائع ليزن النعيمات، بعدما سجل محمد دحام في الشوط الثاني ليتعادل 1 - 1 مع مضيفه الكويت.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة عربية عبد الرحمن المطيري وزير الرياضة والشباب الكويتي (كونا)

وزير الشباب الكويتي لـ«الشرق الأوسط»: جاهزون لاستضافة كأس الخليج

أكد عبد الرحمن المطيري، وزير الرياضة والشباب الكويتي، استفادة بلاده بشكل كبير من التجارب السابقة في تنظيم المباريات، وذلك خلال مواجهة الكويت وكوريا الجنوبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج الشيخ مبارك حمود الجابر الصباح

مبارك حمود الصباح رئيساً للحرس الوطني في الكويت

وافق مجلس الوزراء الكويتي في اجتماعه الأسبوعي، اليوم (الثلاثاء)، على مشروع مرسوم بتعيين الشيخ مبارك حمود الجابر الصباح، رئيساً للحرس الوطني.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان

محمد بن زايد يبدأ زيارة دولة إلى الكويت غداً

أعلنت دولة الإمارات أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس البلاد، يبدأ غداً الأحد زيارة دولة إلى الكويت.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الخليج قرار اللجنة العليا لتحقيق الجنسية بسحب الجنسية الكويتية من 930 حالة هو أكبر إجراء من نوعه منذ بدء عملها مارس الماضي (كونا)

رقم قياسي لسحب الجنسية الكويتية... 930 حالة في يوم واحد

في أكبر إجراء من نوعه، قررت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية سحب وفقد الجنسية من 930 حالة، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو
TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.