أمادو با... «مفتش الضرائب» الخارج من تحت عباءة ماكي سال

مرشح الائتلاف الحاكم لرئاسة السنغال

امادو با
امادو با
TT

أمادو با... «مفتش الضرائب» الخارج من تحت عباءة ماكي سال

امادو با
امادو با

يؤمن أمادو با، رجل المال و«مفتش الضرائب» السابق الخارج من تحت «عباءة ماكي سال» أن الهدف الوحيد لبرنامجه هو تحقيق «الرخاء للجميع». وهو يقول ويكرر في جولاته الانتخابية، إنه «يعتزم تسريع التحول الهيكلي للاقتصاد، وتعزيز النمو لبناء اقتصاد تنافسي وشامل ومرن يخلق فرص عمل لائقة»، واعداً بـ«خلق أكثر من مليون فرصة عمل بحلول عام 2028».

لقد جاء ترشيح با، للمنافسة على مقعد الحكم في 9 سبتمبر (أيلول) من العالم الماضي، بعد مرور سنة على تعيينه رئيسا للوزراء. وخلال ساعات من إعلان سال ترشيحه، كتب با رسالة نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، تقول «أتقبل بمسؤولية وتواضع الاختيار الذي اتُّخذ». والواقع أن با، السياسي والخبير الاقتصادي الاشتراكي، المرشح الأوفر حظا في الانتخابات المقبلة رغم قصر حملته الانتخابية التي تسارعت خطاها عقب إعفائه من منصبه كرئيس للوزراء في 6 مارس (آذار) الماضي. وهو يسعى من واقع خبرته العملية إلى تنفيذ رؤيته الطويلة المدى للسنغال.

خبرة مالية واسعةولد أمادو با يوم 17 مايو (أيار) 1961 في العاصمة السنغالية داكار، وحصل على البكالوريا الفنية عام 1980، ثم درس الاقتصاد في جامعة «الشيخ أنتا ديوب» في داكار، وبعدها حصل على درجة الماجستير في العلوم الاقتصادية.

وفي سن الـ27، تخرّج في المدرسة الوطنية للإدارة (ENAM)، وهو حاصل أيضاً على الدبلوم العالي في المحاسبة، وسبق له تدريس المحاسبة لعدة سنوات في «المدرسة الوطنية للإدارة» منذ عام 1992، وكذلك عمل في التدريس والتدريب أيضا خلال الفترة ما بين عامي 1995 و2000، في مركز غرب أفريقيا للتدريب والدراسات المصرفية، التابع للبنك المركزي لدول غرب أفريقيا.

با رجل عملي ميداني معروف في عالم الاقتصاد، بدأ مسيرته المهنية من مدينة ديوربل عام 1989 بوظيفة مفتش ضرائب متدرب. وبعدها عيّن في وظيفة كبير مفتشي القطاع الأول لضريبة القيمة المضافة في المديرية العامة للضرائب بالعاصمة.

ثم تولى بعد ذلك مهام مفوض مراقب التأمين في إدارة التأمين بين عامي 1992 و1994، فمفتش مدقق في قسم التدقيق الضريبي والتحقيقات حتى عام 2002. ولقد ساعد با في إصلاح النظام الضريبي السنغالي، ما أدى إلى زيادة إيرادات الدولة وتمويل مشاريع التنمية المختلفة.

لاحقاً، استمرت المسيرة صعوداً، فرقي با إلى منصب المدير العام للضرائب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى 2 سبتمبر (أيلول) 2013، حيث عين وزيراً للاقتصاد والمالية في السنغال.

وواقع الأمر، أن فترة عمل با وزيراً للاقتصاد، التي امتدّت 6 سنوات حتى عام 2019، تميزت بالإدارة الصارمة للمالية العامة، الأمر الذي أدى إلى خفض الدين الوطني، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي للبلاد.

خلال تلك الفترة ذهب با إلى فرنسا مرتين عامي 2014 و2018، ووقف أمام «نادي باريس» مدافعا عن خطط الحكومة السنغالية وبرنامجها الاقتصادي، وكذلك برنامج الحوكمة للنظام الحالي، وهو «إطار مرجعي جديد يهدف إلى قيادة السنغال نحو النمو بحلول عام 2035»، واستطاع أن يحصل على عدَّة وعود بالتمويل والاستثمارات. وهنا، يقال إن شعبية با المتزايدة في تلك الفترة كانت سببا في تركه وزارة الاقتصاد، ليتولّى حقيبة الخارجية من 2019 إلى نهاية 2020. ورغم قصر فترة عمله على رأس وزارة الخارجية، فإن البعض يرى أنه «بنى علاقات متينة مع عدة دول وعزّز مكانة السنغال على الساحة الدولية».

رئاسة الحكومة

تولى أمادو با رئاسة الحكومة السنغالية في سبتمبر (أيلول) 2022، بعدما أعاد الرئيس ماكي سال هذا المنصب خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021. ويذكر أن المنصب كان قد ألغي في أبريل (نيسان) 2019، عقب انتخابات تشريعية متوترة، خسر فيها حزب سال الحاكم غالبيته الكبيرة في البرلمان. وعلى الأثر، عزز با موقعه وحضوره في المناصب الحكومية، وأصبح شخصية سياسية بارزة، يراه من يعملون تحت إدارته «مديراً متمكناً وخبيراً في السياسات الاقتصادية». وحقاً، يبدو الرجل هادئ الطباع، يخفي جسده الضخم في بدلات أنيقة، وتعطيه النظارات مظهر الأكاديمي أو رجل الدولة التكنوقراط، بحسب مراقبين.

مناصروه ومحبوه يتفقون على اعتباره «سياسياً بارعاً»، صقل مهاراته كزعيم اشتراكي في ظل نظام الرئيس الأسبق عبده ضيوف خلال الفترة ما بين عامي 1980 و2000، وكانت له مسيرة مهنية في أعلى المستويات الحكومية. إلا أن البعض يتساءل عما إذا كان سيتمكن من التخلص من بدلته التكنوقراطية. وفي تقرير نشرته صحيفة «لوبزيرفاتور»، أخيرا، قالت إن «با ليس جيد التواصل، لأنه تكنوقراطي أكثر من اللازم». وأضافت أنه رغم «مهارته الاقتصادية يفتقر إلى الخبرة كقائد سياسي للحزب، ما قد يشكل قصوراً في حملته الانتخابية».

دعم ماكي ساللكن با، في المقابل يحظى بدعم كبير من الرئيس سال، الذي وعد ببذل قصارى جهده لدعم الغالبية وتحقيق النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذ قال سال، في بيان إعلان ترشيح با إن «معايير الاختيار استهدفت مهارات مهنية ومهنة متنوعة... قرارنا كان مدفوعاً بصفات التواضع والاستماع للقيادة. وبهذه الروح اخترنا أمادو با».

الأمر نفسه أكده، وفي اليوم ذاته، رئيس الوزراء السنغالي السابق مصطفى نياسي بقوله، «بعد مشاورات واسعة النطاق، وهي مهمة كانت معقدة وصعبة... بما في ذلك النظر في إجراء انتخابات تمهيدية رفضها المرشحون المهتمون والقادة في الائتلاف، اعتمدنا اختياراً توافقياً وجماعياً».

وبالنسبة لبا نفسه، رغم إدراكه أنه لم يكن مرشحاً بالإجماع عن الائتلاف الحاكم، فإنه يبدو أنه واثق من قدرته على حسم المعركة الانتخابية في الجولة الأولى من الاقتراع. ولذا بدأ على الفور في حشد المؤيدين، وقال في أحد خطاباته «أناشد رفاق الدرب الشعبي الثوري والائتلاف الحاكم والمؤيدين وجميع السنغاليين الذين يؤمنون بقيم الجمهورية، أن يتّحدوا من أجل مواصلة وتسريع مسيرة بلادنا نحو التقدم». وضمن هذا السياق، يرى مراقبون أن كون با تكنوقراطياً يؤمن له شبكة كبيرة من العلاقات قد تكون مفيدة لائتلاف «بينو بوك ياكار» الحاكم. ومن الممكن أن تؤدي قدرته على حشد الدعم السياسي والاقتصادي إلى تعزيز تماسك التحالف وتوسيع قاعدته الانتخابية.

تحت عباءة سال

في المقابل، أثار إعلان ترشيح با ضجة عند الغالبية، إذ عارض البعض تأييده على أساس أنه إضافة إلى الحزب في اللحظة الأخيرة، بحسب تقرير نشره موقع «أفريكا ريبورت»، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. لكن با نفسه لا يبدو قلقاً... بل يقول «هناك الكثير من القضايا المُلحّة التي تحتّم علينا تجنيب بلادنا الدخول في حملات سياسية تستغرق وقتاً طويلاً».

أيضاً، من خلفيات انتقاد البعض لترشيحه، كون با «يشكّل استمراراً للسياسة الاقتصادية التي ينتهجها سال». حتى إن الرئيس السنغالي قال، في بيان إعلان الترشيح إن «با سيكون شخصية موحدة داخل حزبه والائتلاف، وسيضمن استمرارية السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».

كذلك، بينما ترى قوى المعارضة أن «كل ما سيفعله با هو إدامة سياسة سال في التعامل مع الموارد العامة للدولة... التي لم تكن موفقة»، وفق «أفريكا ريبورت»، فإن ثمة من يعد عمله مع سال لسنوات طويلة «منبعاً للثقة». وفي حفل أقامه با في ديسمبر الماضي، وضم مجموعة من أنصاره، قالت إحدى الحاضرات، التي سافرت لحضور الحدث من مباو في ضواحي داكار، لإذاعة فرنسا الدولية «كان أمادو با مع رئيس الجمهورية لفترة طويلة جداً... وبالتالي، لدي ثقة به». والمعنى ذاته كرره آخر بقوله «إنه رجل يعرف كيف يمارس السياسة. إنه مثقف. وهو يعرف ما يفعله. ولهذا السبب نحن هنا من أجله».

وعود وتحديات

من جانب آخر، بينما يحفل تاريخ با المهني بإنجازات طيبة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فإن خصومه السياسيين يوجّهون له تهم التربح من وظيفته، الأمر الذي يحتم عليه مواجهة هذه الصورة النمطية السلبية التي رسمها له معارضوه حول «الموظف المدني الملياردير». وما يذكر في هذا الصدد، أن با لم يصمت إزاء تهم خصومه وانتقاداتهم، بل رد عليها مشدداً على أنه أنجز مهمته كرئيس للوزراء، وكان دائما في خدمة الرئيس، متابعاً «الشيء المهم هو أن تكون فعالاً، وليس أن تظهر للجميع ما تفعله أو لا تفعله».

أيضاً، يظهر بوضوح أن في رأس ما يهمه أن يكون «المرشح الموحِّد من أجل سنغال مستقرة ومزدهرة وآمنة». وهو يروي أنه منذ دخل سلك الخدمة العامة كان «خادماً للدولة» في مجالات الضرائب والمالية العامة والشؤون الحكومية والاقتصاد والدبلوماسية». ثم يضيف «لقد فهمت ضرورة إعطاء الأولوية لتوقع المشاكل، واحترام كرامة الإنسان، وحرمة العمل المنجز، والحفاظ على الموارد العامة، والتوزيع العادل للثروة، وتنمية الإنسان دون تمييز».

انتخابات في ظل التوترات السياسية

في أي حال، يأتي ترشيح أمادو با للانتخابات الرئاسية في ظل توترات سياسية داخلية. فمنذ عام 2021 اهتزت السنغال تحت ضغط الاضطرابات السياسية والقضائية التي أدت إلى استقطاب المجتمع. وأدت المظاهرات وقضايا الفساد إلى اشتباكات بين متظاهرين والسلطة، ما يضع على با عبء تخفيف هذه التوترات، وتعزيز الحوار السياسي، كعنصر حاسم في حملته الانتخابية.

كذلك خارج حدود السنغال، تنتشر التهديدات الإرهابية في عدد من البلدان المجاورة، والسنغال ليست بعيدة عن هذه المخاوف. ولهذا السبب غدت مسألة الأمن القومي قضية مركزية في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يحتم على با العمل على ضمان استقرار وأمن البلاد. وحالياً، يعتزم المرشح الرئاسي، بالفعل، التركيز على «الثروة البشرية» لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة مخاطر الكوارث.

وهو يعد، في برنامجه الانتخابي، حال فوزه بالرئاسة، بالعمل على «تحقيق الاستقرار والأمن معتمداً ممارسات الحكم الرشيد»، التي يقول إنها «تساهم في فعالية وكفاءة السياسات العامة».

أكثر من هذا، رغم تمسك با حتى الآن بشعار «مرشح الاستمرارية»، فإنه يؤكد على «ضرورة إحداث تغيير حقيقي والانفصال عن الماضي، مع الحفاظ على مكتسبات الوطن والحفاظ على قيمه وتراثه». ولذان في بيانه الانتخابي، وعد بأن 63.5 في المائة من سياسة الإصلاح ستركز على تطوير البنية الأساسية وخدمات الطاقة، والزراعة، والصناعة، والبنية الأساسية والخدمات الخاصة بالنقل البري.

ووفقا له، فإن تكلفة مشاريع وبرامج الإصلاح التي يعتزم تنفيذها حتى عام 2028 تقدر بـ27.182 مليار فرنك أفريقي، منها 14.511 مليار للقطاع العام (الدولار بـ599 فرنك أفريقي). رغم أنه لم يكن مرشحاً بالإجماع عن الائتلاف الحاكم

يبدو أمادو با واثقاً من قدرته على حسم المعركة الانتخابية

في الجولة الأولى من الاقتراع


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،