تحدّيات الداخل والخارج تُربك الاستقرار السياسي في العراق

بعد سنة على تشكيل حكومة السوداني

محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
TT

تحدّيات الداخل والخارج تُربك الاستقرار السياسي في العراق

محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)
محمد شيّاع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ف ب)

في حين يراهن رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، وفريقه الحكومي، على الزمن القليل المتبقي لإنجاز عدد من المشروعات الاستراتيجية المهمة، طبقاً لما تعهّد به في المنهاج الوزاري، فإن الاستقرار السياسي الذي شهده العراق، خلال العام الأول للحكومة، بات يواجه الآن سلسلة من التحديات في الداخل والخارج. التحدي الأول، الذي واجه السوداني، بدأ فجر السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي باندلاع حرب غزة (طوفان الأقصى)، الذي كان المؤشر الأول على خلخلة الاستقرار السياسي عبر الهدنة غير المكتوبة بين الحكومة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعي المشكلة لها، وبين الفصائل العراقية المسلَّحة القريبة من إيران. ويذكر أن السوداني، وهو مهندس زراعي عمل، في زمن النظام السابق الذي أعدم والده بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة، مديراً لفرع الزراعة في مسقط رأسه محافظة ميسان. وبعد احتلال العراق عام 2003 من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، شغل مناصب رفيعة بدأت بتولّيه منصب قائمقام، ثم عُيّن محافظاً لميسان، فوزيراً لنحو 5 وزارات، قبل أن يتولى يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 منصب رئيس الوزراء، على أثر تغلُّبه على نحو 14 مرشحاً من جيل «القادة الشباب» الشيعة.

يوصَف رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، بأنه إداري ناجح وحازم، ولم تظهر عليه، طوال فترة تولّيه مناصبه الوزارية، أي مؤشّرات فساد، بل يرى راصدو مسيرته أنه أظهر، بعد تولّيه رئاسة الوزراء، قدرات سياسية لافتة عبر التعامل مع ملفات سياسية واقتصادية طرحها بقوة عبر ما سمّاه «الدبلوماسية المنتجة».

وعلى الرغم من أن التحدي السياسي الأول الذي كانت كل التوقعات تشير إلى أنه سيواجهه، هو انسحاب «التيار الصدري»، بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب والراديكالي مقتدى الصدر، فإن المفاجأة التي لم يكن يتوقّعها أحد هو صمت الصدر وتياره عن استهداف السوداني وحكومته، إذ استمر الصمت بينما لم تتوقف الانتقادات الحادّة التي دأب الصدر على توجيهها إلى قيادات «الإطار التنسيقي» الشيعي، الذي يُعدّ الكتلة البرلمانية الأكبر حجماً التي شُكلت منها حكومة السوداني.

أكثر من هذا، مع أن الصدر ذهب بعيداً في إطلاق الأوصاف على «الإطار التنسيقي»، بما في ذلك إطلاق لقب «بني العباس» على قيادات تلك الكتلة، فإنه لم يوجه أي نقد مباشر للسوداني وحكومته. وللعلم، كان الصدر، قبل انسحابه المدوّي من البرلمان في شهر يونيو (حزيران) 2022، قد خاض مع قوى «الإطار التنسيقي» معركة بدت وكأنها «معركة كسر عظم» داخل «المنطقة الخضراء»، وأعلن على الأثر انسحابه الكامل من العملية السياسية.

ازدحام وسط العاصمة العراقية بغداد (آ ف ب)

نار تحت الرماد

في أية حال، انسحاب الصدر وتياره، وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات، بقي بمثابة «نار تحت الرماد» تهدّد الحكومة التي شكّلها «الإطار التنسيقي» الشيعي بوصفه الكتلة البرلمانية الأكثر نواباً، وبعد ذلك تحالف مع حلفاء الصدر السابقين ضمن تحالف «إنقاذ وطن»، وهما «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، وحزب «تقدّم» بزعامة محمد الحلبوسي. غير أنه طوال سنة كاملة لم يكن هناك أي احتكاك بين جمهور الصدر العريض، وبين الحكومة أو داعميها، وفي مقدمتهم ائتلاف «إدارة الدولة» الذي أصبح أكبر كتلة داعمة لحكومة السوداني في البرلمان بعدد نواب يبلغ 180 نائباً من مجموع أعضاء البرلمان العراقي، البالغ عددهم 329 عضواً.

التحدي الثاني

أما التحدي الثاني، الذي كان متوقعاً، والذي كانت تتحسّب له قوى «الإطار التنسيقي» من خَصمها القوي التيار الصدري وزعيمه، بدا بمثابة تحدٍّ مؤجَّل حتى حان وقت تفعيله قبل أقل من شهر، وعندها تحوَّل إلى البند الثاني في سلسلة التحديات التي تواجه حكومة السوداني وداعميها. فالقوى السياسية التي بدا أنها استفادت من انسحاب الصدر، ومن ثم صمته، وفي مقدمتها خصومه الشيعة (أي قوى الإطار التنسيقي) عملت بقوة على تأخير إجراء الانتخابات البرلمانية، والتركيز على الانتخابات البديلة التي هي مجالس المحافظات.

هذه المجالس، التي توقّف العمل بها منذ نحو 7 سنوات، أعادتها إلى العمل «المحكمة الاتحادية العليا»، مع أن إلغاءها كان أحد مطالب التظاهرات الجماهيرية الكبرى التي اندلعت في العراق، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، والتي أدت، في وقت لاحق، إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي. إلا أن «المحكمة الاتحادية» أفتت فيما بعد بجواز عودتها بوصفها واردة بالنص في الدستور العراقي.

والواقع أن تأجيل الانتخابات البرلمانية بدا خياراً أساسياً لمعظم القوى السياسية، ولا سيما الشيعية منها، التي حصلت على 73 مقعداً إضافياً بعد انسحاب الصدر، وهو ما لا يمكنها الحصول عليه في حال أُجريت انتخابات جديدة. وبناءً عليه، رأت هذه القوى أن مِن مصلحتها إجراء انتخابات المجالس المحلية لكي تهيمن على الحكم المحلي بالكامل، عبر هيمنتها على مجالس المحافظات، بما في ذلك إقصاء عدد من المحافظين الذين لم يدخلوا في معطف أي من هذه القوى.

لذا غَدَت الرهانات المتقابلة والتداعيات المحتملة، مع اقتراب موعد إجراء تلك الانتخابات يوم 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023 الحالي، ثم مع إعلان الصدر لجمهوره بمقاطعة تلك الانتخابات، التحدي الثاني أمام حكومة السوداني. أضف إلى ذلك أن الحكومة تُعِد العُدة بعد أقل من شهرين من قطف ثمار عدد من المشروعات المهمة التي أمكنها إنجازها، ومن بينها عدد من مشروعات فك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، التي تحوّلت الآن إلى ورشة عمل من أجل إكمال تلك المشروعات.

في المقابل، مع أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية إقدام «التيار الصدري» بتصعيد قد يؤدي إلى عرقلة إجرء تلك الانتخابات، تظل المخاوف قائمة من إمكانية حصول أمر قد يؤدي إلى خلط الأوراق، وربما يضع الحكومة في مأزق سياسي لا تريد الوقوع فيه، ما دامت تجد نفسها قطعت شوطاً مهماً على صعيد إنجاز ما وعدت به الناس.

أمر آخر مهم هو أنه بينما تُراهن الحكومة على إحجام الصدر عن محاولة عرقلة هذا المسار، وهو الذي يرفع شعار الإصلاح ومحاربة الفاسدين الذي تقول الحكومة الحالية إنها تلتزم به، فإن خصوم الصدر في قوى «الإطار التنسيقي» ليسوا مطمئنين إلى إمكانية سماحه لهم بالهيمنة على مجالس المحافظات، كما هيمنوا على البرلمان بعد انسحابه.

ومن ثم، فبين الرهانات على ألا يحصل عرقلات وتسير الانتخابات بصورة طبيعية... وبين التداعيات المحتملة لأية عرقلة قد تعني اضطرار الحكومة لتطبيق القانون الضعيف أصلاً في العراق، تجد حكومة السوداني نفسها أمام مأزق سياسي على صعيد مواجهة هذا التحدي.

الفصائل أم «أمراء الحرب»؟

وأخيراً نصل إلى التحدي الثالث.

التحدي الثالث الذي بات يواجه حكومة السوداني، بل مجمل الأوضاع العامة في العراق - سياسياً واقتصادياً - هو المتغيّر الذي لم يكن محسوباً حتى يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما اندلعت حرب غزة وبدأت الفصائل العراقية المسلّحة تتحرك، بعد «هدنة» استمرت أكثر من سنة.

هذه «الهدنة» كانت قد جعلت الحكومة تشرع في اتخاذ مزيد من الإجراءات على صعيد تطبيق البرنامج الحكومي. ومع أن موقف الفصائل المسلَّحة حيال الوجود الأميركي في العراق، وطريقة التعامل معه بعد أحداث غزة، ما كان موحّداً... فإنه أضحى الآن موضع قلق، وبالأخص، لجهة الرد الأميركي المحتمل ضد هذه الفصائل، أو الحكومة العراقية بشكل عام، أو كيفية احتواء الأزمة في حال حصلت تداعيات في الشارع.

حقيقة الأمر أن العراق الآن على مشارف انتخابات محلية تبدو مصيرية لغالبية القوى السياسية. والفصائل التي أعلنت أنها «حرّرت العراق عسكرياً»، طبقاً لبيان صَدَر عن قيادة إحدى هذه الفصائل - وهي «النجباء» - بدأت بقصف القواعد الأميركية في العراق، بينما تكرر الحكومة العراقية تحمُّلها مسؤوليتها حيال حماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين الأميركيين الموجودين في العراق بطلب من الحكومة العراقية. وما يجدر ذكره، في هذا السياق، أنه بينما بَدَت الفصائل المسلَّحة التي لديها تمثيل سياسي في البرلمان والحكومة مثل «عصائب أهل الحق»، و«بدر»، وغيرها أكثر انسجاماً مع موقف الحكومة، يلاحَظ أن فصائل أخرى تلتزم بموقف الحكومة؛ أبرزها «النجباء»، و«كتائب حزب الله»، و«كتائب سيد الشهداء»... وفصائل أخرى تحت عناوين وذرائع مختلفة.

في ضوء هذا الواقع، لعل الانقسام الحاصل بين الفصائل التي تؤيد موقف الحكومة حيال حرب غزة، فضلاً عن تأكيدها الدائم حماية البعثات الدبلوماسية والتحالف الدولي في العراق، والفصائل التي أعلنت الحرب على الأميركيين داخل العراق، شجع مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية على تصنيف بعض قادة هذه الفصائل «أمراء حرب»، وهذه تسمية جديدة ما كانت تُستخدم في السابق.

وفي مقابل ما ذُكر، فإن حكومة السوداني أدانت أخيراً عملية قصف الطيران الحربي الأميركي مواقع عدد من هذه الفصائل في منطقة جرف الصخر، جنوب بغداد، لكن اللافت أن تلك الإدانة لم ترْقَ إلى مستوى تقديم الإحتجاج الرسمي، مثلما علّقت أطراف عراقية مناوئة للوجود الأميركي في العراق. ذلك أن «اللغة الدبلوماسية» التي كُتب بها البيان بدقة وعناية بدت كما لو كانت تسير على حبل مشدود بين واشنطن من جهة، والفصائل المسلّحة من جهة أخرى. وربما يفسَّر هذا الأمر بتأكيد الحكومة العراقية المستمر حاجتها إلى التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، فضلاً عن تمسك الحكومة باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقَّعة بين بغداد وواشنطن عام 2008.

من جانب آخر، لا تستطيع الحكومة المُضي قدماً باتجاه مزيد من التصعيد مع هذه الفصائل؛ لأسباب عاطفية تتصل مرةً بالحرب في غزة، ومرة ثانية بتداخل المواقف بين ما يتخذه العراق من إجراءات لدعم الشعب الفلسطيني، وموقفه من الوجود الأميركي في العراق، وهذا على الرغم من الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل في أحداث غزة.

وحقاً، اكتفت اللهجة التي تضمّنها البيان الحكومي العراقي بما هو وارد في بيانات ذات لمسة دبلوماسية معتادة بين الدول... حتى وإن بَدَت شديدة أحياناً، ذلك أن البيان يقول: «ندين بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية؛ ما يُعدّ انتهاكاً واضحاً للسيادة، ومحاولة للإخلال بالوضع الأمني الداخلي المستقر، فالحكومة العراقية هي المَعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين». وهنا، القول بأن الهجوم وقع دون علم الحكومة العراقية بدا رسالة احتجاج لواشنطن، فمن جهة يثير مسألة أنه وقع دون علمها رغم أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي تُلزمها بذلك. ومن جانب آخر، بدا أشبه برسالة «طمانة» للفصائل المسلَّحة بأن الحكومة لم تمنح واشنطن «الضوء الأخضر» بأي شكل من الأشكال، وهو ما عدّته انتهاكاً للسيادة.

ليس هذا فحسب، بل إن البيان الحكومي كان قد كرَّر الترحيب بالتحالف الدولي، في سياق القول إن «وجود التحالف الدولي في العراق هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلَّحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة، وأن ما جرى يُعدّ تجاوزاً واضحاً للمهمة التي توجد من أجلها عناصر التحالف الدولي لمحاربة (داعش) على الأراضي العراقية؛ لذلك فإنها مدعوّة إلى عدم التصرف بشكل منفرد، وأن تلتزم سيادة العراق التي لا تهاون إزاء خرقها بأي شكل كان».

فؤاد حسين (رويترز)

تعايش حرج ومحيّر بين سلطات بغداد والوجود العسكري الأميركي

> في حالات ومواقف كتلك التي يشهدها العراق، غالباً ما تُصدر القوى السياسية بيانات هي الأقرب لما يمكن تسميته «إسقاط الفرض» أكثر مما يعبر عن حقيقة مواقفها، وذلك ما دامت الحاجة قائمة للتعبير عن مواقف معينة أمام وسائل الإعلام والرأي العام.

وبناء عليه، فإن البيانات التي صدرت أخيراً عن عدد من القيادات العراقية الشيعية تحديداً، تراوحت بين أمرين:

- شدة اللهجة عبر تكرار الدعوة للحكومة بتنفيذ قرار البرلمان الصادر عام 2020 بإخراج القوات الأميركية من البلاد.

- محاولة التوفيق بين التنديد والدبلوماسية.

هادي العامري، زعيم تحالف «الفتح»، وقيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق»، كانا في طليعة الداعين إلى إخراج الأميركيين. وهذه الدعوة تكررت عشرات المرات، طوال السنوات الماضية. وفي المقابل، حاول زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي - ولا يزال - بين التنديد وبين ترك مساحة للعمل الدبلوماسي، وهذا ما ظهر عبر تأكيده، في البيان الذي أصدره، أن «الحكومة العراقية ملتزمة بحماية البعثات الدبلوماسية»، وهو ما يعني أن التعهد قائم لجهة حماية البعثات، ولكن ليس بالضرورة القواعد التي يتمركز فيها الأميركيون.

أما على صعيد البعثات الدبلوماسية، فإن السفارة الأميركية، التي تحتل المساحة الأكبر داخل «المنطقة الخضراء» المحصَّنة والمُطلّة على نهر دجلة، لم تتعرض لأي قصف من أي نوع، طوال فترة التصعيد الأخيرة، ثم إن السفارة نفسها لم تُطلق، ولو من باب التجريب، منظومة «سيرام» التي تحمي مقر السفارة، مثلما كانت تفعل سابقاً حين كانت هدفاً للفصائل التي كانت تنفي مسؤوليتها وعلمها بتلك الضربات، ولا سيما أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي.

من جهته، بدا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين حائراً حين استقبل السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانسكي، بل إن رومانسكي بدت هي الأخرى حائرة في كيفية التعامل مع أزمة التصعيد الأخيرة، بعدما وسّعت الفصائل المسلَّحة نطاق هجماتها، وإن كانت لم تطاول السفارة، ولا سيما، بعدما وسّعت واشنطن، في مقابل ذلك، نطاق الضربات لتصل إلى عقر دار تلك الفصائل.

الوزير حسين، وفق البيان الذي صدر عقب لقائه مع السفيرة رومانسكي، لم يُسلّمها رسالة احتجاج دبلوماسية، وهذا جانب أخذه عليه عدد من الأطراف السياسية العراقية المقرَّبة من الفصائل، ما يوحي بأن بغداد، وإن كانت قد أدانت الهجمات، فإن لهجتها الدبلوماسية لم تبلغ حد الاحتجاج الرسمي. والحقيقة أن البيان، الذي صدر، الخميس الماضي، اكتفى بالقول إن وزير الخارجية فؤاد حسين أكد رفض بلاده «التصعيد الأميركي الأخير»، المتمثل بقصف موقعين تابعين للفصائل المسلَّحة ضمن «الحشد الشعبي»، معتبراً ذلك «تجاوزاً لسيادة العراق». وهذا بينما هاجمت الفصائل مجدداً قاعدة حرير، التي تضم جنوداً أميركيين في أربيل بإقليم كردستان. وجاء في نص البيان أن «الوزير أكد للسفيرة رفضه التصعيد الأخير الذي شهدته الساحة العراقية، خلال اليومين الماضيين». وشدد على أنه «تصعيد خطير، وفيه تجاوز على السيادة العراقية، التي نلتزم بصونها وحفظها، وفق الواجبات الدستورية والقانونية للحكومة». وأكد «إدانة حكومة العراق الهجوم الذي استهدف منطقة جُرف الصخر، والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية»، عادّاً ذلك انتهاكاً واضحاً للسيادة العراقية، وأنه «مرفوض بالاستناد للسيادة الدستورية العراقية والقانون الدولي».‏



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».