تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

حرب غزة تشهد ذروة الدعم العسكري منذ 50 عاماً

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
TT

تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)

استُقبل قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجميد شحنة قنابل ثقيلة لإسرائيل مطلع الشهر الحالي بموجة ترحيب وتهليل من الداعين إلى تغيير سياسة الدعم الأميركية لإسرائيل. لكن هذه الشحنة ليست إلا قطرة في بحر المساعدات الأميركية لتل أبيب التي تتصدر لائحة البلدان المتلقية هذه المساعدات، كما أنها لا تشمل إلا جزءاً بسيطاً من أسلحة هجومية تخشى الإدارة أن تستعملها إسرائيل في عملية رفح، مقابل الإبقاء التام على الأسلحة الدفاعية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل ولا يشملها قرار التجميد. وهذا تحديداً ما تحدث عنه بايدن قائلاً: «لقد أوضحت أنهم إذا دخلوا رفح، فلن أزوّدهم بالأسلحة التي استخدمت تاريخياً للتعامل مع رفح». لكنّه سرعان ما استدرك موضحاً في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» بأن بلاده ستستمر في تقديم أسلحة دفاعية لإسرائيل، وأن التجميد يتعلق بجزئية رفح فقال: «سنواصل التأكد من أن إسرائيل آمنة في ما يتعلق بالقبة الحديدية، وقدرتها على الرد على الهجمات التي انطلقت من الشرق الأوسط».

والولايات المتحدة هي أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. نفوذ تعتمد عليه للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى توفّر سلاحاً قيّماً من خلال صفقات أسلحة دورية وباهظة الثمن من جهة، وتقديم مساعدات عسكرية لبلدان تحتاج إلى دعمها من جهة أخرى.

لكن هذه القوة مثيرة للجدل. فلطالما ارتبط النفوذ الأميركي بترويج الولايات المتحدة للديمقراطية، لتفرض الإدارات المتعاقبة على بعض البلدان شروطاً كثيرة مقابل تقديم هذه المساعدات والأسلحة والتساهل في تطبيقها مع بلدان أخرى؛ ما طرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير الأميركية فيما يتعلق بإسرائيل.

وجاءت حرب غزة، التي تزامنت مع سباق انتخابي محتدم بين الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترمب، لتدفع بقاطن البيت الأبيض إلى اتخاذ خطوة نادرة زعزعت العلاقة مع حليف الولايات المتحدة التاريخي: تجميد شحنة قنابل لتل أبيب تخوفاً من اجتياح رفح، في قرار واجه ردود فعل متفاوتة في الأوساط السياسية، من مرحّب بتطبيق الشروط الأميركية للضغط على إسرائيل للحد من سقوط الضحايا المدنيين، إلى مندّد بالتسبب بإيذاء العلاقات التاريخية بين البلدين.

 

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون متحدثاً في مؤتمر صحافي لحث مجلس الشيوخ على الموافقة على قانون دعم المساعدة الأمنية لإسرائيل (إ.ب.أ)

سياسة «الشيك على بياض»

معلوم أن إسرائيل تتمتع بمكانة بارزة في سلم المساعدات الأميركية؛ إذ تتصدر لائحة المساعدات الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية. فبحسب أرقام لمجلس العلاقات الخارجية، حصلت تل أبيب على أكثر من 300 مليار دولار من الولايات المتحدة منذ العام 1946، منها أكثر من 220 مليار دولار من المساعدات العسكرية.

ولا يقتصر الدعم الأميركي الواسع النطاق لإسرائيل على حزب دون الآخر، بل يتساوى فيه الديمقراطيون والجمهوريون. وكان الكونغرس خصص مبلغاً يتراوح بين 3 مليارات و4 مليارات سنوياً لإسرائيل منذ العام 1970 ضمن المخصصات المالية العسكرية التي يقرّها المجلس التشريعي، ليصل المبلغ إلى ذروته الشهر الماضي مع إقرار مبلغ 15 مليار في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة، وهو مبلغ، بحسب مجلس العلاقات الخارجية، يتخطى أي تمويل فردي لتل أبيب منذ 50 عاماً.

لكن الطريق لم تكن سهلة أمام إقرار المبلغ المطلوب من قِبل الإدارة، فقد اصطدم بحائط التجاذبات الحزبية في موسم انتخابي حامٍ، فسعى عدد صغير من الجمهوريين والديمقراطيين إلى عرقلته لأسباب مختلفة. من جهة، طالبت الأقلية الجمهورية بالتركيز على الأزمات الداخلية الأميركية، كالهجرة على سبيل المثال، بينما عارض بعض الديمقراطيين التقدميين المبلغ بسبب انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان من جهة أخرى.

وسرعان ما هبّ صقور الجمهوريين للتصدي لهذه المساعي المعرقلة لإقرار التمويل، فأحبطوها وتم إقرار القانون بأغلبية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في أبريل (نيسان) 2024، ليوقّع عليها بايدن وتصبح قانوناً ساري المفعول.

سوابق تاريخية

صحيح أنه بمجرد أن أعلنت إدارة بايدن عن تجميد شحنة الأسلحة، انهال الجمهوريون بوابل الانتقادات متهمين الإدارة الديمقراطية بالانحياز ضد تل أبيب، وإلى أن مسيرة الديمقراطيين أدت إلى تأزم العلاقات مع حليف الولايات المتحدة التاريخي في المنطقة، لكن الأدلة تقول غير ذلك. فإدارة الرئيس السابق باراك أوباما الديمقراطية هي التي وقّعت مذكرة التفاهم التاريخية مع إسرائيل في العام 2016 التي تعهدت بتخصيص 38 مليار دولار لتل أبيب على مدى 10 أعوام بدءاً من العام 2018.

كما أن الإدارات الجمهورية، وليست الديمقراطية هي التي سبق وأن فرضت قيوداً على إسرائيل بسبب انتهاكها الأعراف الدولية، بدءاً من إدارة رونالد ريغان في العام 1981 والتي جمّدت تسليم مقاتلات «F-16» أميركية لإسرائيل لمدة شهرين بعد أن قصفت مفاعلاً نووياً في العراق. وبعد ذلك بعام، في يوليو (تموز) 1982 جمّد ريغان شحنة من القذائف العنقودية لتل أبيب بعد أن استعملتها إسرائيل خلال اجتياح لبنان.

ولم يكن ريغان الرئيس الجمهوري الوحيد الذي اتخذ خطوات من هذا النوع، ففي مارس (آذار) 1992 أجّل جورج بوش الأب تسليم ديون بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل بسبب مخاوف من مضي إسرائيل قدماً في خطط بناء مستوطنات في الضفة الغربية.

وحول ذلك، يقول كبير المستشارين العسكريين السابق في وزارة الخارجية الأميركية العقيد المتقاعد عباس دهوك: «قانون المساعدات الخارجية وقانون تصدير السلاح يوفران شروطاً واضحة، لكن التطبيق يعتمد على سياسات الإدارة داخلياً وخارجياً. واستعمال المساعدات العسكرية أداةً سياسية هي تقليد قديم في السياسة الخارجية الأميركية تتخطى التعامل مع إسرائيل».

لكن هذه المرة، جاء قرار التجميد كمفاجأة للداعمين والرافضين له على حد سواء.

فلم تمر أيام قليلة على التوقيع حتى أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، رداً على تسريبات صحافية، بأنها قررت تجميد إرسال شحنة من الأسلحة لإسرائيل. ويتحدث جون ألترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، عن هذا القرار، فيقول في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد شحنة الأسلحة المؤلفة من قنابل قوية هي امتداد منطقي للجهود الأميركية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) لتغيير طريقة تفكير إسرائيل بهذه الحرب». ويضيف ألترمان: «منذ البداية حاول المسؤولون الأميركيون التشديد لإسرائيل بأنه ليس هناك حل عسكري بحت للصراع مع (حماس)، وعليها أن تفكر في حماية المدنيين الفلسطينيين لأنهم سيكونون أساس حكومة ما بعد الحرب. إن القلق بشأن تسليم القنابل هو أنها ستتسبب على الأرجح بضرر واسع النطاق لجهود إسرائيل في ضرب قادة (حماس)؛ وهو ما تعتقد الولايات المتحدة أنه سيضر بمصلحة كل من إسرائيل وأميركا». واعتبر ألترمان أن خطوة بايدن «هي بداية التغيير في السياسة الأميركية وقد تؤدي إلى بداية تغيير في السياسة الإسرائيلية».

في المقابل، لفت دهوك إلى أن القرار «نابع من دوافع سياسية بحتة»، وقال دهوك لـ«الشرق الأوسط»: «إدارة بايدن تتعرض لضغوط شديدة من الجمهوريين والديمقراطيين والناخبين الأميركيين وطلاب الجامعات لتمارس نفوذها على حكومة نتنياهو. وهذه الخطوة تعكس تقليداً قديماً في السياسة الخارجية الأميركية، حيث يتم استعمال المساعدات العسكرية كأداة سياسية».

وبالفعل، هذا ما تعول عليه الإدارة التي أكدت أنها ملتزمة بالقوانين الأميركية، وأن الأسلحة المجمدة لا تشمل أي أسلحة دفاعية، التزاماً بما يعرف بـ«قانون لايهي» الذي أقرّه الكونغرس في العام 1997، وتحسباً لتقرير مرتقب للكونغرس بناء على مذكرة تفاهم رئاسية أقرها بايدن في فبراير (شباط) 2024 عُرفت باسم «NSM-20».

موظفون في الكابيتول يرفعون لافتة للمطالبة بـ«إنقاذ رفح» قُبيل التصويت على قانون تجميد صفقة السلاح لإسرائيل (أ.ف.ب)

مذكرة الأمن القومي رقم 20

لم يأتِ قرار الإدارة بالتجميد، رغم ندرته، من فراغ، بل تزامن مع موعد تسليم الإدارة لتقريرها الملزم قانونياً إلى الكونغرس، بحكم المذكرة الرئاسية التي أقرّها بايدن في 8 فبراير 2024، وتعطي هذه المذكرة الرئاسية، التي تتمتع بصلاحيات قانونية، وزير الخارجية الأميركي فترة 45 يوماً لتوفير «ضمانات مكتوبة موثوقة وذات مصداقية» من حكومات الدول الأجنبية التي تحصل على مساعدات عسكرية أميركية والتي تواجه صراعات حالية كإسرائيل وأوكرانيا. وعلى هذه الضمانات أن تشمل تعهدات بأنها تستعمل المساعدات العسكرية بالتوافق مع القوانين الدولية الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان.

وفي حال فشلت هذه الحكومات في تقديم التعهدات المذكورة في الوقت المطلوب، يتم تجميد هذه المساعدات العسكرية باستثناء أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة دفاعية أخرى، وهو ما فعلته إدارة بايدن جزئياً مع إسرائيل، بعد أن خلصت في تقريرها إلى أن الأدلة غير كافية بشأن انتهاك إسرائيل لقواعد استعمال الأسلحة الأميركي.

ويوافق كبير الموظفين السابق في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جايسون ستاينبوم على مقاربة بايدن في هذه الإطار، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل لديها «حق الدفاع عن نفسها لتدمير (حماس)، لكن لديها أيضاً واجب الحد من وقوع الضحايا المدنيين على قدر المستطاع والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وهي لم تقم بهذا بالشكل الكافي، والرئيس بايدن محق في وضع شروط على المساعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل على ضوء تصرفاتها في رفح ومع المدنيين في غزة».

يرى بعض المنتقدين أن هذه المذكرة التي أقرّها بايدن لم تكن سوى أداة سياسية وظفها الرئيس الأميركي لاسترضاء الشق التقديم من حزبه والذي يعارض سياسته في حرب غزة، ويشير هؤلاء إلى وجود قوانين أميركية كقانون المساعدات الخارجية وقانون لايهي الذي يحتوي فعلياً على الشروط نفسها.

قانون لايهي

في العام 2017 كتب السيناتور الديمقراطي حينها باتريك لايهي مشروع قانون يحُول دون تقديم مساعدات عسكرية للوحدات الأمنية في دول أجنبية تنتهك حقوق الإنسان، ليقرّه الكونغرس في إطار قانون المساعدات الخارجية. فبالنسبة للسيناتور عن ولاية فيرمونت، الذي خدم في الكونغرس منذ العام 1975 وتقاعد في 2023 عن عمر يناهز 81 عاماً، يحرص قانونه على «وقف المساعدات الأميركية عندما تكون هناك أدلة واضحة وموثوق بها عن انتهاكات لحقوق الانسان»، لكن القانون يعطي الصلاحية للإدارة الأميركية بتخطيه «للسماح بتقديم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في هذه البلدان».ويقول ستاينبوم إن القانون لا ينطبق على مبيعات الأسلحة، ويشرح قائلاً: «إن تطبيق قانون لايهي معقد؛ فالقانون يشمل الأسلحة ضمن المساعدات الأميركية، لكن الأسلحة الاخرى التي باعتها أميركا لإسرائيل لا تقع ضمن القانون المذكور. إذن، سيتطلب نظر الحكومة الأميركية في الانتهاكات المتعلقة بالقانون وقتاً طويلاً». مضيفاً: «إن فرض شروط على تسليم الأسلحة هي إشارة تدل على خلاف جدي بين البلدين اللذين عادة ما يسعيان جاهدين إلى عدم إظهار خلافاتهما إلى العلن».

وساهم السيناتور لايهي المخضرم في رسم صورة جديدة للمساعدات الأميركية وتاريخها الطويل الذي مرّ بمراحل كثيرة منذ سعيها إلى تغيير مسار الأنظمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، مروراً بالتصدي للاتجار بالمخدرات في التسعينات ووصولاً إلى مواجهة الأفكار المعادية للغرب في الأعوام اللاحقة. فالولايات المتحدة هي من البلدان الأبرز التي تقدم مساعدات عسكرية خارجية وتوفر تدريبات عسكرية للجيوش وقوى الأمن الاجنبية، ففي العام 2012 على سبيل المثال، وصلت النفقات الأميركية على برامج من هذا النوع إلى أكثر من 25 مليار دولار قدمتها لنحو 100 بلد حول العالم.

ويقول ألترمان رداً على الاتهامات لأميركا بازدواجية المعايير في تطبيق الشروط على تسليم الأسلحة: «هناك قيود قانونية على المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة وبعض الاستثناءات التي تسمح للرئيس بالتصرف في بعض القضايا لتقديم مصلحة الأمن القومي، حتى إن لم يتم احترام الشروط المذكورة. بشكل عام، إن حافز الولايات المتحدة هو تقديم المصالح القومية».

 

هل تتأثر عملية رفح؟

أطفال فلسطينيون يتفقدون مكان قذيفة إسرائيلية في رفح (أ.ف.ب)

وفي خضم الجدل الدائر حول السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وتجميد شحنة القنابل في مساعي للضغط على تل أبيب للتراجع عن اجتياح رفح، يقول ألترمان: «لعقود تصرفت الولايات المتحدة على افتراض أن إسرائيل تعيش في بيئة تهديد خطيرة، وأن لديها فهماً جيداً للتهديدات التي تواجهها وقدرة مستقلة قوية للتصدي لهذه التهديدات. كما كان هناك تصور بأنه إذا شعرت إسرائيل بالأمان فستكون قادرة على تقديم تنازلات للسلام، لكن عندما تشعر بالتهديد فمن المستبعد ان تقوم بذلك».

واعتبر ألترمان أنه فيما يتعلق برفح، فإن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يتوقعان أن خطوة الادارة هذه سوف تؤدي إلى تغيير فوري في خطط إسرائيل.ويوافق دهوك مع هذا التقييم مشيراً إلى أنه ورغم أن قرار بايدن بتجميد شحنة الذخيرة خلق انتقادات سياسية بسبب الضغوط الداخلية فان التأثير المباشر على العمليات في رفح هو بسيط جداً، مضيفاً: «الجيش الإسرائيلي يملك طرقاً بديلة لشن مهامه العسكرية ويستفيد من توجيهات الجيش الأميركي للحد من الخسائر في الارواح والممتلكات من الطرفين».

أما ستاينبوم فيعتبر أن «إسرائيل بلد مستقل وستقوم بما تعتقد أنه ضروري لحماية أمنها القومي»، مشيراً إلى أنها تجاوبت مع بعض المطالب الأميركية عبر السماح بدخول بعض المساعدات الانسانية لغزة «لكن لا يبدو أن هذه القيود المحدودة على الأسلحة الأميركية أدت بشكل جدي إلى تغيير مقاربة إسرائيل فيما يتعلق برفح»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!