أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

«الشرق الأوسط» في مناطق الزلزال المدمر

TT

أنطاكيا التاريخية «مدينة خيم وحاويات»... وخطط الإعمار تهدد تعددية السكان

جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)
جانب من نهر العاصي ومدخل المدينة حيث كانت فنادق ومقاه تاريخية (الشرق الأوسط)

بعد مرور عام على الزلزال المميت، يكاد يكون من المستحيل العثور على شخص لم يفقد أحد أفراد أسرته أو صديقا له أو أحد جيرانه في مركز مدينة هاتاي أو أنطاكيا، جنوبي تركيا. فقدت المدينة نصف سكانها تقريباً وقد هاجر العديد منهم إلى مدن مجاورة أو بعيدة كإسطنبول وأنقرة، بعد دفن أحبائهم وجمع بعض الأثاث من بيوتهم المدمرة.

ويحاول الناجون الآن إعادة بناء حياتهم وسط أنقاض المدينة، وبين مباني الأشباح، والغبار المبعثر المتراكم من مواقع الهدم، على وقع ضجيج المعدات الثقيلة التي لا تزال تعمل على هدم المباني المدمرة. بعد مرور بضعة أشهر على الزلزال، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة أصبحت شهيرة وتُظهر صاحب متجر يعيد فتح متجره مع بعض الترميم، واضعاً حاوية بين الأنقاض في وسط المدينة المهجورة، ولكن من دون أي زبون يلتفت إليه. وتحولت هذه الصورة وغيرها مما يشابهها رمزاً للناجين المطالبين بالاعتراف بوجودهم في المدينة في مواجهة موجة هجرة هائلة. فقد أصبح هجران المدينة ومحيطها مصدراً للقلق الحقيقي بين من تبقى من أن عملية إعادة الإعمار سوف تتعطل أكثر إما لغياب قوة عاملة مستقرة متبقية وإما لانتفاء الضرورة القصوى. وتم تصوير أصحاب المحال التجارية وهم يحملون بعض الماء والمكانس بأيديهم، وهي أدوات كفاحهم الرئيسية من أجل الحفاظ على المدخل نظيفاً وأنيقاً ضد الغبار والأنقاض التي عمّت الأمكنة كلها.

وعلى الجدران انتشرت كتابات رافقت صورة صاحب المتجر «المقاوم» وتقول «لم نغادر»، «لن تفقد الأمل؛ سوف نعود»، «انهارت بيوتنا، وليس أحلامنا». بعض هذه الكتابات على الجدران أطلقت على أكشاك الكباب وغيره من المأكولات الشعبية التي أعاد أصحابها افتتاحها بما هو متاح وبإصرار إبقاء ذكرى الزلزال حية وصمود شعب هاتاي لإعادة بناء حياتهم في المدينة. واليوم، مع الذكرى السنوية الأولى للزلزال، بات هناك العديد من المتاجر المفتوحة، وسوق الخضروات والفاكهة المحلية (البازار) تعج بالناس.

ومع ذلك، لكل منهم رواية يقصها علينا عن مدى صعوبة الحياة في هذه البقعة.

سيدة تركية تزور مقابر أفراد من عائلتها في الذكرى السنوية لوفاتهم بالزلزال (د. ب. إ.)

لم يتغير شيء

بعد عام من الزلزال يفاجأ الزائر بأن المكان ما زال على حاله. وكأن الزمن لم يمر منذ أن ضربت الكارثة. بدت المدينة مهدمة كما يمكن أن تكون. بين الأنقاض، كانت الخيام والحاويات والأواني المعدنية المؤقتة موجودة في كل مكان تقريباً، وهي تقوم مقام المنازل والمتاجر والمطاعم والمصارف والمكاتب.

تغير مشهد المدينة بشكل هائل. مناطق بكاملها سويت بالأرض حتى أن تجربة مشتركة شاعت بين الناجين كانت الضياع في أماكن يعرفونها طوال حياتهم. فلم يعد في الشوارع نقاط استدلال. وفي غياب الأشجار، أو الأبنية التاريخية، أو المقاهي، أو نقاط اللقاء التي كانت تميز المدينة، لم يتمكن السكان من معرفة أين كانت بيوتهم. وقال «ييغيت»، وهو طالب جامعي من أبناء المدينة إن مقابلة صديقه استغرقت منه ساعة تقريباً من المحاولة، بحيث لم يتمكن أي منهما من وصف موقعه. وقال: «انتهى بنا الأمر إلى استخدام (فيس تايم) ورفعنا صوتنا لنسمع بعضنا البعض ونستدل».

قرى الحاويات وعيش بالمياومة

واليوم يسكن العديد من الناجين الذين بقوا في المدينة إما في «مدن الحاويات» أو في الأطراف والقرى المحيطة بهاتاي. وفقا للإعلان الرسمي الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تقيم أكثر من 50 ألف أسرة في 175 بلدة حاويات منتشرة في جميع أنحاء المدينة. وقد تمكن أولئك الذين فقدوا منازلهم من الاستفادة من برنامج للمساعدات يغطي نفقات الانتقال وتكاليف الإيجار. ومع ذلك، فإن المبالغ المخصصة كجزء من البرنامج لا تكفي لإيجار شقة، بعد ارتفاع الأسعار ارتفاعاً صاروخياً سواء بسبب خسارة الأبنية السكنية أو بسبب ارتفاع معدلات التضخم في البلاد.

قرى ومدن من الحاويات على أطراف مدينة أنطاكيا (د. ب. إ.)

وبالنسبة للسكان الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه في القرى أو الأطراف وتخيروا الانتقال إلى مدن الحاويات، تخلوا عملياً عن المساعدة في الإيجار فيما لا يزال بعضهم وهم قلة يقيم في الخيام.

تضم إحدى مدن الخيام التي نُصبت في شارع فرعي على بُعد بضعة كيلومترات من وسط المدينة نحو 50 عائلة سورية. يعيش محمد في خيمة واحدة مع زوجته وأطفاله الستة. وعندما سُئل عما إذا كان يتلقى أي مساعدة، أجاب قائلاً: «بعض الناس جلبوا الطعام لبعض الوقت، ولكن ذلك توقف الآن». ومنذ الزلزال لم يعد محمد قادراً على العمل إذ سقط جدار على كتفه وهو يحاول الهرب من مسكنه فاضطر أبناؤه الثلاثة للعمل في محل لبيع الأثاث.

وتتلخص خطة رب الأسرة في تكييف الخيمة مع ما تقتضيه ظروف الشتاء واستمرار العيش فيها. ليس لديه كبير أمل في الترقية إلى حاوية. ويُشكل الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء أكبر مشقة بالنسبة له ولعائلته، لأنهم لا يحصلون على الكهرباء إلا كل يومين.

وفي الأجزاء الأخرى من أنطاكيا أيضا، لا يزال انقطاع مقومات العيش الأساسية يُمثل مشكلة كبيرة. توضح السيدة إليف، وهي مُعلمة تعيش الآن في إحدى بلدات الحاويات، أن الأمر أصبح أقل بؤساً، بالمقارنة مع الأشهر الأولى، ولكن عندما يحدث الانقطاع، يمكن أن يستغرق أحيانا 48 ساعة. وتقول: «بعد الزلزال، كانت الحاجة الفورية إلى إعادة الكهرباء بأسرع ما يمكن، فقام العمال بالسير بالكابلات إلى أي مكان بُغية الاستجابة بسرعة للاحتياجات. والآن، عندما يحدث انقطاع، يستغرق الأمر وقتا طويلا لمعرفة ما حدث لأي كابل».

وتمثل الأمطار مصدر خوف بسبب البنية التحتية الهشة للمدينة ومواقع السكن المؤقتة. ولا يقتصر سبب انقطاع الكهرباء على هطول الأمطار الغزيرة في كثير من الأحيان، بل إن معظم الحاويات ليست مضادة للمياه أصلاً ما يشكل خطراً مضاعفاً. إذ يتسرب الماء من الأعلى ومن الأسفل على السواء في الأماكن حيث تقع البلدات في السهول. ويُلقي الناجون باللائمة في ذلك على نقص التخطيط والتنسيق الذي استمر منذ عمليات الإنقاذ. تقول سينيم، وهي امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً تعيش في حاوية مساحتها 21 مترا مربعا مع أطفالها الثلاثة وزوجها: «إننا غير قادرين على التخطيط لأي شيء، ونحاول فقط قضاء كل يوم بيومه». وكانت مدرسة أطفالها انهارت خلال الزلزال أيضاً وهم الآن مسجلون في التعليم عن بُعد.

لا مكان للعائلات

وفي العديد من الأسر الميسورة مالياً، هاجرت النساء إلى مدن أخرى من أجل تعليم الأطفال، في حين بقي الرجال في هاتاي لمواصلة عملهم. يوسف واحد منهم. يعيش حالياً في حاوية مُقامة في قريته ويستأجر شقة في إسطنبول لزوجته وأطفاله. بعد قضائه فترة قصيرة في إسطنبول، وجد الرجل صعوبة في استئناف العمل فعاد أدراجه إلى أنطاكيا لفتح محل الأحذية. بعد الزلزال، كان معظم زبائنه الجدد من الجنود وضباط الشرطة والعمال الذين جاءوا إلى المدينة كجزء من عمليات الإنقاذ أو لأعمال البناء. وفيما اتبعت العديد من الأسر نمطاً مماثلا، تغيرت ديموغرافيا المدينة بشكل كبير وقلبت نسبة الرجال إلى النساء من 61.8 في المائة إلى 38.1 في المائة، بحسب مركز هاتاي للتخطيط.

وفي الوقت نفسه، من نجت مبانيهم وخرجوا بأضرار «طفيفة» أو «متوسطة» عادوا تدريجياً وسط خوف دائم من الهزات الارتدادية أو زلزال آخر. أما أولئك الذين يعيشون في مبان متضررة إلى حد كبير نسبياً فقد غابوا في طي النسيان لعدة شهور، حيث انقسمت السلطات حول ما إذا كانت هذه المباني آمنة للعيش بعد التدعيم والتعزيز، أم أنه ينبغي هدمها وإعادة بنائها. ولم يكن حتى قبل 3 أشهر من الآن أن قالت منظمة الكوارث والطوارئ الحكومية إنها اتخذت قراراً بهذا الشأن بحسب كل مبنى.

تضامن شعبي بددته السياسة

في الأسابيع الأولى التي تلت الزلزال، تضامن العديد من الأفراد والمجموعات والمنظمات غير الحكومية مع الناجين، وخاصة مع سكان هاتاي. فلطالما اعتبرت المدينة مثالاً حياً للتعددية الثقافية، وهي التي تضم العرب العلويين، والسنة، والمسيحيين، والأرمن، واليهود. وحالما انتشرت الصور المفجعة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى قنوات التلفزة، حاول حتى المواطنون العاديون في أنحاء مختلفة من البلاد الوصول إلى المنطقة بوسائلهم الخاصة لإرسال التبرعات أو توفير قوة عاملة في عمليات الإنقاذ. وتأسست شبكات جديدة من التضامن داخل المدينة وخارجها للعمل على كيفية إعادة بناء الحياة. ولا تزال هذه القصص حية في ذكريات الناجين، إذ لدى كثيرين منهم ما يقولونه عن كيفية مساعدة جيرانهم أو أشخاص مجهولين لهم.

ولكنها ذكريات بالفعل. فبعد مرور عام طغت على روح التضامن النزاعات والخلافات، التي كان بعضها موجوداً أصلاً قبل وقوع الكارثة. ولا شك في أن المناخ السياسي البالغ الاستقطاب في البلد يعمل كمحفز إضافي لتعميق الخلافات والفجوات. وقد أبدى حزب الشعب الجمهوري حذراً خاصاً من الإجراءات التي اتخذتها حكومة حزب العدالة والتنمية إزاء المجتمع العربي - العلوي في المدينة - ثاني أكبر مجموعة بعد السكان السنة - والذي يُصوت عموماً لصالح حزب المعارضة الرئيسي.

وذكرت موجان، وهي صاحبة مطعم عمرها 45 عاماً، أن منطقتها لم تتلق أي مساعدات حكومية في الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال، لأنها منطقة يسكنها بالأساس العرب العلويون. ومثل العديد من العرب العلويين الآخرين في المدينة، تعتقد موجان أن الحكومة تستخدم الزلزال لتفريق المجتمع من خلال جعل حياتهم أكثر صعوبة وفرض الهجرة عليهم بصورة غير مباشرة كخيار وحيد.

ووفقا للسيدة موجان، ازداد الانقسام بين السكان السنة والعرب - العلويين، بعد وصول اللاجئين السوريين إلى المدينة، وهو ما تعتبره أيضاً جزءا من سياسة الحكومة التقسيمية. كما أدى قراران صادران عن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن مصادرة الأراضي في الأشهر التالية على الزلزال إلى إثارة مخاوف المجتمع العربي - العلوي. فقد سمحت هذه القرارات لوكالة الإسكان الحكومية (توكي) بمصادرة أراض لبناء مبان جديدة في «ديكمجة» و«غولدرين»، وهما حيان من مدينة أنطاكيا يسكنهما بشكل رئيسي العرب - العلويون. والقراران مرفوعان حاليا إلى المحكمة الإدارية. بعد فترة وجيزة من القرار الرئاسي، شرع أهالي قرية «ديكمجة» في مقاومة مصادرة بساتين الزيتون ونظموا عدة احتجاجات للحفاظ على أرزاقهم، ما أدى إلى مواجهات عنيفة بين الشرطة المحلية والأهالي.

أحياء سويت بالارض في وسط مدينة أنطاكيا (الشرق الأوسط)

الإعمار معضلة متشعبة

ويقول المحامي المحلي أجاويد ألكان: «هناك فوضى في المدينة، والساسة مستفيدون؛ فمن الأسهل أن يحكموا بهذه الطريقة». وإلى جانب تداعيات المشكلات الوطنية العامة على المدينة المنكوبة، صارت النزاعات في مختلف الشؤون جزءاً من الحياة اليومية». ويقول ألكان: «لا تخلو مجموعة واتساب من نزاعات. فهذه المجموعات تشكلت بين سكان الشقق ويتعين عليهم الآن أن يقرروا معاً ما ينبغي القيام به حيال المباني المنهارة». والخيارات هي إما إعادة البناء في نفس المكان، وهو ما يتطلب موافقة 50 في المائة من أصحاب المساكن، أو استبدال شقة من وكالة «توكي» بحقهم في الملكية. وأيا كان الخيار الذي سيتخذونه، سوف تُقدم الحكومة منحة قيمتها 750 ألف ليرة تركية (أي نحو 24 ألف و700 دولار) وقرضاً من دون فائدة بنفس المبلغ، يبدأ سداده بعد سنتين. بيد أن هذه المبالغ ظلت منخفضة للغاية مقابل معدل التضخم المرتفع في البلاد، فيما أغلب الناجين خسروا أعمالهم بالإضافة إلى مساكنهم وهذه المبالغ وإن كانت ضئيلة لكنها تفوق قدرتهم. وهم الآن يُعربون عن قلقهم من أن البنايات الجديدة قد تكلفهم أكثر بكثير مما قد تغطيه المنحة والائتمان معاً، وقد ينتهي بهم الحال إلى الوقوع في براثن الديون الضخمة.

راهناً، تُصنف المباني في المدينة إلى أربع مجموعات، وهي: «مُدمرة»، «أضرار جسيمة»، «أضرار متوسطة»، «أضرار طفيفة أو معدومة الضرر». وبدورها تحولت هذه التصنيفات أيضاً إلى مصدر رئيسي للخلاف، إذ رفع الكثير من السكان تقييم ممتلكاتهم إلى المحاكم على أمل تغييرها إما إلى أضرار «متوسطة» أو «طفيفة» للحيلولة دون هدمها. فمدينة هاتاي، وكذلك منطقتها المركزية أنطاكيا، مليئة بالمباني التي تحمل لافتة تقول «لا تهدم، ارفع إلى المحكمة»، حيث يخشى المالكون من أنهم إذا فقدوا حتى أطلال ما كانوا يمتلكونه، يمكن مصادرة أراضيهم لصالح بعض المشاريع الحكومية أو بناء مبان جديدة لا يمكنهم تحمل نفقات إعادة شرائها. وأعرب مسؤولون حكوميون عن قلقهم إزاء العدد الكبير من القضايا التي غمرت المحاكم المحلية وتؤخر عملية إعادة الإعمار من وجهة نظرهم.

البازار خلاف إضافي

أصبح «أوزون كارشي» (السوق الطويلة) أو البازار التاريخي للمدينة أكثر حياة وحيوية مما كان عليه قبل شهرين. ومع ذلك، يختلف أصحاب المتاجر فيما بينهم حول أهمية البازار. إذ تقضي الخطة الرسمية بهدمه وإعادة بنائه ببنية تحتية أفضل. ولكن لا يتفق الجميع مع تلك الخطة، ويوسف من أشد المعترضين. فهو يرى أن إعادة الإعمار سوف تستغرق وقتاً أطول بكثير مما هو مُعلن رسمياً، خصوصاً أن الحكومة لم تفِ بعد بأي من وعودها السابقة. وإذا ما تم هدم البازار، سوف يُنقل مؤقتاً إلى سوق الحاويات التي، بحسب يوسف، تفتقر إلى روح البازار التاريخي ولن تجذب أحداً.

ولا شك أن سكان المدينة الموالين للحكومة أكثر تفاؤلاً بشأن هذه العملية، ويعتقدون أنه إذا وضع الجميع ثقتهم في الحكومة، فالأمور ستسير بسلاسة أكبر. ولكن حتى سردار، الذي يعمل موظفاً مدنياً في بلدية أنطاكيا (بقيادة حزب العدالة والتنمية)، يعترف بأن الأمور تتحرك ببطء شديد مقارنة بالمدن الأخرى المدمرة. ويقول: «كأن هاتاي (شُرابة) مُعلقة بالبر الرئيسي. كأنها عبء إضافي ومشكلاتها لا تندرج في الأجندة السياسية كأولوية».

مثل هذه المشاعر شائعة بين سكان هاتاي، بصرف النظر عن هوياتهم الخاصة. سليم، على سبيل المثال، دهن جراره الزراعي بألوان قوس قزح ووصف في الخلف كيف تُركت المدينة وحدها بعد الزلزال. وعلق لوحة أرقام مؤقتة تقول «31 زلزال 4.17»، علماً بأن 31 هي رمز المرور في هاتاي، و4.17 ترمز للوقت الذي ضرب فيه الزلزال الأول المدينة بشدة. كان سليم يمتلك مطعماً قبل الزلزال، وقد اشترى الجرار القديم لاستخدامه كديكور في الواجهة غير مدرك أنه سيتحول إلى مصدر رزق. ففي الوقت الحالي، بات يستخدمه لجمع الأشياء من مواقع التدمير ولا يعرف ما العمل الذي يمكن أن يجده بعد ذلك.

الغموض الذي أصاب كل جوانب الحياة في هاتاي بالشلل تقريبا، مع غياب التحرك السياسي الفعال لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان، يختصر المناخ العام للمدينة بعد سنة من الزلزال. ولكن مع الانتخابات البلدية التي ستجرى في 31 مارس (آذار) المقبل تمحورت السياسة في المدينة حول الوعود الانتخابية التي تزيد الريبة والشك بين الناخبين في المدينة. فإذا لم يتحقق شيء من الوعود خلال عام، ماذا يرتجون في أشهر؟


مقالات ذات صلة

زلزال بقوة 6.7 درجة يضرب جزيرة مينداناو في الفلبين

آسيا صورة عامة للعاصمة مانيلا (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.7 درجة يضرب جزيرة مينداناو في الفلبين

ذكر المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض أن زلزالاً بقوة 6.7 درجة ضرب مينداناو بالفلبين اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (مانيلا)
علوم كوكب الأرض كما يظهر من سطح القمر (ناسا - أ.ب)

هل يصبح يومنا أقصر بسبب دوران لُب الأرض؟

داخل كوكب الأرض كرة من الحديد، تدور بشكل مستقل عن دوران كوكبنا حول نفسه، هذه الكرة لطالما شغلت الباحثين.

شؤون إقليمية فرق الإنقاذ التي تبحث عن ناجين وسط الركام، بعد الزلزال الذي ضرب مدینة كاشمر في شمال شرق إيران (إيسنا)

قتلى وعشرات الجرحى في زلزال هزّ شمال شرق إيران

زلزال بقوة 4.9 درجات يضرب مدينة كاشمر في مقاطعة رضوي خراسان شمال شرقي إيران؛ ما أسفر عن سقوط 4 قتلى وعشرات المصابين

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا رسم بياني لزلزال (رويترز - أرشيفية)

زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب وسط اليابان

ضرب زلزال قوي بلغت شدته 5.9 درجات وسط اليابان، صباح اليوم (الاثنين)، من دون أن يتسبب في إطلاق تحذير من تسونامي، حسبما ذكرت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
أوروبا مواطنون يتجمعون في منطقة آمنة بالشارع على الواجهة البحرية بين نابولي وبوزولي بعد وقوع زلزال (د.ب.أ)

لم تحدث منذ 40 عاماً... هزات أرضية تثير الذعر جنوب إيطاليا

سجّلت عشرات الهزات الأرضية بدرجات غير مسبوقة منذ 40 عاماً في كامبي فليغري قرب نابولي بجنوب إيطاليا.

«الشرق الأوسط» (روما)

«المقاومة العراقية» إلى «حرب أوسع» في لبنان

فلسطيني يحمل صندوق تبرعات لضحايا حرب غزة خلال حملة نظمتها «حماس» في عيد الأضحى (رويترز)
فلسطيني يحمل صندوق تبرعات لضحايا حرب غزة خلال حملة نظمتها «حماس» في عيد الأضحى (رويترز)
TT

«المقاومة العراقية» إلى «حرب أوسع» في لبنان

فلسطيني يحمل صندوق تبرعات لضحايا حرب غزة خلال حملة نظمتها «حماس» في عيد الأضحى (رويترز)
فلسطيني يحمل صندوق تبرعات لضحايا حرب غزة خلال حملة نظمتها «حماس» في عيد الأضحى (رويترز)

حين حذّر وزير خارجية العراق، فؤاد حسين، من اندلاع حرب في لبنان، كان من المرجح أن يلقى كلامه المقلق استجابة عاصفة من الفصائل العراقية الموالية لإيران، أقلها التحضير لمساندة الحليف «حزب الله» اللبناني. ولم يحدث هذا كما جرت العادة بين حلفاء «محور المقاومة».

في 13 يونيو (حزيران)، كان الوزير حسين، يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، ومن دون سياق مسبق، وفي سابقة بين البلدين، رمى «طلقة تحذير» حول الجنوب اللبناني، بينما بغداد ملتزمة بالهدنة بظلال حكومة تحظى بإعجاب الأميركيين يوماً بعد آخر.

قال حسين: «لو اندلعت حرب هناك، ستتأثر المنطقة برمتها، وليس لبنان فقط».

وبالنسبة لكثيرين، كان كلام كبير الدبلوماسية العراقية «رسالة» تستند إلى معطيات وفرّها الزائر الإيراني، باقري كني، الذي كان قبل أسبوعين من وصوله إلى بغداد، يجري لقاءات «طبيعية» في بيروت ودمشق عن «الشراكة الوثيقة والدائمة».

شخصيتان في «الإطار التنسيقي»، أخبرتا «الشرق الأوسط»، أن باقري كني حين وصل إلى بغداد تحدث في الكواليس مع مسؤولين عراقيين، عن «حرب محتملة تُخطط لها إسرائيل في جنوب لبنان، فما موقف العراقيين؟».

وتقاطعت معلومات المصدرين حول أن باقري طلب صراحةً أن يكون «لبنان محور المؤتمر الصحافي المشترك». وقال أحدهما لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع، الحرب في لبنان تقلق الجميع، وستُسمع أصداؤها في بغداد أولاً»، ولهذا تبرّع الوزير العراقي بالتحذير، لأن حكومته والتحالف الشيعي الحاكم كان عليهم التعاطي مع جس نبض الإيرانيين بشأن لبنان.

وفي محاولة لاستنباط موقف «العسكريين»، تحدثت «الشرق الأوسط» إلى قائد فصيل عراقي فقال: «لقد وجّهت إلينا أسئلة عن موقفنا لو اشتعلت جبهة لبنان أكثر. فقلنا: مستعدون (...) سنذهب إلى هناك».

لكن الدوائر الدبلوماسية والسياسية ليست حاسمة إلى تلك الدرجة، فقد أكد مسؤول دبلوماسي أن «الأمر (طلب باقري) لم يكن بهذه الطريقة»، كما أن خبيراً عراقياً فسّر كلام فؤاد حسين بأنه «للموازنة السياسية بين الحكومة والمقاومة»، مقللاً من احتمالات حرب «أوسع».

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين تولّى التحذير من حرب في لبنان بحضور نظيره الإيراني باقري كني (رويترز)

مَن يريد توسعة الحرب... إيران أم إسرائيل؟

تشهد مناطق الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي منذ أشهر أعنف هجمات متبادلة منذ حرب 2006، لكنها أقل من أن توصف بالحرب المفتوحة. ثمة قواعد اشتباك غير تقليدية تجعلها حرباً على جرعات، بتكاليف عالية، لاسيما من جهة «حزب الله» وحاضنته في الجنوب.

تقول مصادر لبنانية، لـ«الشرق الأوسط»، إن حصيلة الأشهر الماضية تعادل أضرار حرب شاملة، لكنها في ميزان القوى، ليست كذلك.

وتزداد كثافة النيران الإسرائيلية على عمق 4 كيلومترات من الحدود، بمعدل قصف يومي، وتقل تدريجياً بعد عمق 10 كيلومترات وصولاً إلى نهر الليطاني.

المصادر التي قدمت هذه التوصيفات الميدانية قالت إن مناطق القصف شبه خالية ومدمرة على نحو غير مسبوق، والحديث عن «حرب أشد» مستحيل بغياب حاضنة اجتماعية، ومع تغير مواقع إدارة العمليات لـ«حزب الله»، على نحو طارئ.

لبنانيات يلتقطن صورة إلى جانب منزل مدمَّر بغارة إسرائيلية في بلدة عيتا الشعب بالجنوب (أ.ف.ب)

إذن، ما الحرب الأشد التي حذّر منها الوزير فؤاد حسين؟ ومَن يريد إشعالها؟ طهران أم حكومة بنيامين نتنياهو؟ على الأقل، فإن آموس هوكستين، مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وصل إلى إسرائيل الاثنين، ومنها إلى بيروت، لديه رسالة لثني نتنياهو عن أي تصعيد محتمل، قد يثير ذعر إيران ويدفعها إلى التدخل المباشر في لبنان، والتدخل سيكون بأذرعها في العراق.

ويعتقد عقيل عباس، وهو أستاذ العلوم السياسية من واشنطن، أن نتنياهو «يريد هذه الحرب أكثر من (حزب الله)، ومن إيران بالضرورة»، لأن الأخيرة تريد المحافظة على نسق الضربات المتواترة من «حزب الله» لتخفيف الضغط على «حماس» في غزة. أكثر من هذا سيكون ضاراً لها.

كما أن «حزب الله» نفسه يريد الحفاظ على «ديناميكية الردع» بمنسوبها الحالي، فإن أي عملية عسكرية مفتوحة من الإسرائيليين ستدمر البنى التحتية اللبنانية أكثر مما هي الحال الآن، و«هذا يسبب مشكلة لحسن نصر الله مع الشركاء اللبنانيين»، كما يقول عباس.

رواية أخرى... إيران تُلوّح بورقة «حزب الله»

قبل أن يصل باقري كني إلى بغداد، كانت إيران تنقل رسائل جس نبض إلى العراقيين توحي بأنها تواجه 3 مشاكل مستعصية؛ فراغًا خلّفه رئيسي وعبداللهيان، والضغط الهائل من الأميركيين والغرب في البرنامج النووي، وموضع طهران في صفقة وقف النار بغزة، وفي كل منها ستضطر إلى التخلي عن أحد محاورها في المنطقة، لكن الحصة «في المقابل» لا تساوي ثمنها، كما يصف سياسي عراقي على اطلاع بهذه الرسائل.

يقول السياسي العراقي: «إن التلويح بحرب قائمة بالفعل ضغط سياسي، حتى يعرف الإيرانيون حصتهم من صفقة وقف النار في غزة، لا سيما المرحلة الثانية منها».

في هذه الأجواء، إيران هي من تريد وضع ورقة «جنوب لبنان» على الطاولة لتحسين ظروفها في المفاوضات. ليس من الواضح ملاءمة هذه الفرضية مع حالة «حزب الله» الذي يتحدث كثيرون عن إنهاكه ومحدودية حركته. ويرد السياسي العراقي بالقول: «لم يختبر أحد حتى الآن حقيقة أن (حزب الله) منهك، بينما يستطيع في أي وقت إحداث خرق مؤذٍ للإسرائيليين».

وإلى حد كبير يوافق على هذا الطرح عقيل عباس، الذي يرصد قلقاً إسرائيلياً تشاركه تل أبيب مع واشنطن بشأن «القدرات العسكرية والتكنولوجية لـ(حزب الله)»، حتى بعد أشهر من الاستنزاف.

أرشيفية لعناصر حركة «النجباء» التي تنشط في شرق سوريا خلال عرض عسكري في بغداد

«الأيدي على الزناد يا لبنان»

حين خرج الوزير العراقي بتحذيره اللبناني، كانت بغداد تحظى بمسافة أمان عن نيران حرب غزة في المنطقة. الحكومة استطاعت إدامة الهدنة مع القوات الأميركية لأشهر، ورئيسها محمد شياع السوداني يمسك بصعوبة بلحظة التوازن بين متطلبات إيران وطموحات الفصائل، ومنذ وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لم يسمع قادة الأحزاب الشيعية والفصائل أشياء كثيرة مهمة من الإيرانيين.

يقول قائد فصيل شيعي في بغداد، طلب عدم نشر اسمه وعنوان الفصيل، إن الزيارات غير المعلنة للعسكريين الإيرانيين إلى العراق أصبحت قليلة جداً منذ وفاة رئيسي. مع ذلك، «هناك اتصالات روتينية فُهم منها أن طهران مشغولة بمشكلتها (...) سنتكلم لاحقاً».

قبل أن يزور باقري كني بغداد وأربيل، وصلت «أسئلة مباشرة من الإيرانيين لكتائب «حزب الله» وحركة «النجباء»: «هل تشاركون في حرب جنوب لبنان لو هاجمتها إسرائيل». يقول قائد الفصيل، لـ«الشرق الأوسط»: «قلنا لهم، نعم بالطبع. الأيدي على الزناد، نشارك وندعم».

قائد قوة القدس التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قاآني كان في قلب تلك الاتصالات التي كسرت صمت طهران عن الحلفاء العراقيين منذ وفاة رئيسي. وحين وصل باقري كني كانت الحكومة العراقية تشعر بالضغط، كما يقول قيادي في الإطار التنسيقي، واضطرت إلى التحذير لمنح الانطباع بأن العراق لن يواصل الجلوس في «منطقة الراحة» خلف توترات غزة، في لبنان تحديداً.

مع ذلك، يرى الخبير عقيل عباس، أن كلام الوزير العراقي «فعل موازنة سياسي وإعلامي لإظهار أن العراق مع إيران ومع المقاومة بشكل عام، وليس محور المقاومة بشكل خاص».

يفسر عباس هذه المعادلة بأن ما تقوم به الحكومة من وراء كل هذه التحركات، بما فيها التحذير من حرب في جنوب لبنان، هو الموازنة، لا أكثر. «لأن حكومة السوداني غاضبة من الفصائل، وتحاجج ضدها داخل الإطار التنسيقي، وتطالب بمواقف جدية ضدها، من ضمنها إدخال إيران نفسها بصفتها فاعلاً ضاغطاً يردع الفصائل».

لكن الفصائل ليست سعيدة، خصوصاً حركة «النجباء» وكتائب «حزب الله»، اللتين تظهران حنقاً من الهدنة، وتحاولان استغلال أي فرصة للتمرد عليها.

وكانت مصادر عراقية، أبلغت «الشرق الأوسط» أن الهجمات التي تعرضت لها مطاعم أميركية في بغداد والمحافظات كان تخفي «نية للتمرد على الهدنة، وإيصال رسالة للإيرانيين بأنها حانقة على قرار التهدئة الذي ترعاه طهران في العراق».

وأكدت المصادر أن السوداني «تحدث مع قادة حلفاء وأصدقاء عن ضرورة لجم هذه الحركات التي لا معنى لها، سوى الاعتراض على وضع سياسي لا يلائم بعض القادة الشيعة».

بهذا المعنى، يقول سياسي عراقي مقرب من رئيس الحكومة: «إن الأخير يلاحق جميع المنافذ التي يمكن أن تفلت منها الفصائل إلى حرب (تجر معها الجميع)».

هوكستين أبلغ بري بأن التهديد الإسرائيلي «جدي جداً» (رئاسة البرلمان اللبناني)

«حزب الله» لا يريد العراقيين

«بالفعل، نستعد لأي طارئ في لبنان (...) نعرف ما تواجهه درة تاج المقاومة في المنطقة (حزب الله)»، يقول قائد ميداني لفصيل شيعي متنفذ، ينشط في محافظة نينوى (شمال العراق)، وزعم أنه «أبلغ (الحرس الثوري) الاستعداد للقتال إلى جانب المقاومة في لبنان».

يبدو أن طهران تريد من «الأطراف المعنية» إظهار هذا الموقف علناً، بينما يتعرض «حزب الله» إلى ضغط هائل من الإسرائيليين الذين يخططون لحرب بهدف تفكك «المقاومة جنوب لبنان»، كانوا يريدون منح الانطباع بأن الهجوم على الجنوب أكثر سيجذب كل المقاومة أكثر إلى حرب شاملة.

غير أن مشاركة العراقيين «المقاومين» في حرب إلى جانب «حزب الله» ليست مضمونة، رغم أن العراقيين يعرضون «العدة البشرية»، فالفصيل اللبناني لم يبلغ أحداً من «رفاق المقاومة» بأنه سيسمح لهم بالانتشار في الميدان، على الأراضي اللبنانية.

يتفق قائدا الفصيلين الشيعيين في بغداد ونينوى على أن «(حزب الله) لن يستقبل العراقيين، لأنه ينظر إليهم غير مؤهلين، ولا يمتلكون كياناً متماسكاً، وهم في أفضل الأحوال حلفاء سيئون، لديهم مشاكل لا تعد ولا تحصى في صناعة القرار».

ما يزيد القناعة بعدم مشاركة الفصائل العراقية في حرب جنوب لبنان، هو التفاهم النادر بين الإيرانيين والحكومة في بغداد على حماية صيغة الاستقرار القائمة.

يقول مسؤول بارز في حكومة عادل عبد المهدي إن «العراق هو درة التاج لدى الإيرانيين، أكثر من (حزب الله)، ولن يغامر به في حرب جنوب لبنان». ويضيف: «ما قام به الوزير فؤاد حسين هو الضغط لمنع الحرب، وليس العكس».

ويقول عقيل عباس، إن «الجنرال قاآني توصل إلى اتفاق مع الأميركيين، نضج مع وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان، بعدم استهداف القوات الأميركية حتى تنتهي الحملة الانتخابية للرئيس جو بايدن».

يدفع هذا عباس إلى الاعتقاد بأن طهران لا تريد تسهيل فوز ترمب بضرب الأميركيين تحت ولاية منافسه بايدن.

في السياق، يكشف المسؤول العراقي السابق، أن إيران «أكثر من هذا»، تريد إبعاد الحرب عن حدود العراق، لأنهم «الآن أكثر حرصاً على الهدوء في العراق».

وأظهرت إيران خلال مراسم عزاء رئيسي إشارات تهدئة، حينما قدّم المرشد الإيراني، في مجلس تأبين أقامه يوم في 25 مايو (أيار) 2024، شخصيات سياسية ضالعة في الحكومة الحالية، وليس في الفصائل «المتمردة»، وأجلست في الصف الأول من المعزين شخصيات، مثل عمار الحكيم زعيم تيار «الحكمة»، ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان، وحيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، خلافاً لقادة فصائل وضعت ترتيب جلوسهم في المقاعد الخلفية، مثل أكرم الكعبي زعيم حركة «النجباء»، وعبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ«أبو فدك»، رئيس أركان هيئة «الحشد الشعبي».

صورة وزعها مكتب خامنئي لتأبين رئيسي في 25 مايو ويظهر في الصف الأول مسؤولون وسياسيون عراقيون

النموذج السوري في لبنان

يقول المسؤول العراقي السابق، بناءً على اتصالات يجريها من واشنطن مع قيادات عراقية ولبنانية حول التوتر الأخير، إن «الحرب الشاملة غير موجودة إلا في خيالات اللبنانيين». ومع ذلك، لو حدثت «ليس من المرجح أن يحتاج (حزب الله) إلى الكتائب العراقية، على سبيل المثال»، لأن «الوضع الميداني صعب على أبناء المقاومة المحلية، الذين يتحركون بالكاد في مناطقهم، فكيف على مسلح قادم من العراق».

لكن لو اندلعت الحرب فإن «إيران لن تترك (حزب الله) لوحده. هذا لن يحدث (...) ستفعل شيئاً بالتأكيد»، يقول المسؤول الذي يرى أن مجيء سفيرة أميركية جديدة إلى العراق بموقف متطرف ضد الإيرانيين على صلة بالأمر، «يبدو أن واشنطن تحسب حسابات اليوم التالي لحرب غزة بتدابير سياسية جديدة من بغداد، لصد رد الفعل الإيراني على المرحلة الثانية من وقف الحرب في القطاع (...) لو أنجزت المرحلة الأولى منه».

لكن السيناريو المغرق في التشاؤم يفيد بأن الحرب «الأوسع» ستندلع في جنوب لبنان، وحينها ستلجأ إيران إلى النموذج السوري في لبنان، تحت ضغط صفقة غزة، ومفاوضات النووي. يقول المسؤول العراقي: «هذا يعني تقسيم خريطة لبنان وفق معطيات وحسابات معينة، بين فصائل من العراق واليمن وأفغانستان، والزحف إليها سيبدأ من سوريا».

في المحصلة، ليس هناك تقاطع معلومات حاسم بشأن حرب أوسع في جنوب لبنان، ومشاركة الفصائل العراقية فيها. على الأرجح فإن الطرف العراقي المعني بـ«محور المقاومة» يمتلك الرسائل دون الحقائق، وأن إيران من خلفه تحاول استخدام جميع الأوراق بحذر لإجراء تعديلات لصالحها في صفقة «اليوم التالي» لغزة، وتخشى انفلات «الساحات» التي تديرها إلى حرب تفقدها القدرة على المناورة.