مرشحون محتملون للرئاسة اللبنانية... من خلفيات متعددة
رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية
بيروت:«الشرق الأوسط»
TT
بيروت:«الشرق الأوسط»
TT
مرشحون محتملون للرئاسة اللبنانية... من خلفيات متعددة
رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية
في حين حسم ثنائي «حزب الله» و«حركة أمل» في لبنان خياراته تجاه دعم ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية، لا تزال خيارات قوى المعارضة أوسع، رغم تحقيق «بداية تقدم» في المفاوضات الجارية.
هذه المفاوضات الجارية تتركز بين القوى المسيحية بشكل خاص، بينما لم تحسم «كتلة الاعتدال الوطني» (جلّ أعضائها من النواب السنّة المستقلين) مرشحها بعد، بانتظار الترشيحات، وتنقسم كتلة «التغييريين» المؤلفة من 13 نائباً إلى اتجاهين، أحدهما يرفض تسمية أحد من الشخصيات المتداولة، والثاني يؤيد بعض الأسماء التي تقترحها المعارضة. وفيما يلي بعض الأسماء المقترحة:
* رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية
> يعد الوزيرال سابق سليمان فرنجية من أحد أبرز المرشحين والمرشح شبه الدائم للرئاسة. دخل البرلمان اللبناني عام 1991، وكان حينها أصغر نائب بالبرلمان، وشارك في الحكومات مرات عدة عبر توليه أكثر من وزارة، منها وزارة الداخلية.
يعرف فرنجية، الذي أورث مقعده النيابي لابنه طوني، بعلاقته الوطيدة مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد الذي يتحدّث عن علاقة صداقة عائلية بينهما. ورداً على معارضي وصوله إلى الرئاسة بسبب علاقته بسوريا و«حزب الله»، قال في تصريح له أواخر الشهر الماضي: «أنا لست مستعداً للتآمر على لبنان من أجل سوريا بل سأتآمر على سوريا من أجل لبنان، ولا يمكن أن أقبل ببقاء النازحين إذا لم يوافق الرئيس الأسد على عودتهم، رغم أنه يقبل بذلك».
العماد جوزيف عون
* العماد جوزيف عون
> يبرز اسم قائد الجيش في كثير من الأحيان كمرشح وسطي، ويُدرَج في خانة المقرّبين من الولايات المتحدة. وهو يعتبر، مثل سائر قادة الجيش، مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، كونه المسيحي الماروني الذي يتولّى رئاسة المؤسسة العسكرية التي سبق أن أوصلت عدداً من الرؤساء إلى هذا الموقع، وآخرهم في الحقبة الحديثة، إميل لحود (1998 - 2007)، وميشال سليمان (2008 - 2014)، وميشال عون.
طُرِح اسم العماد جوزيف عون كأحد أبرز المرشحين، خصوصاً التوافقيين، رغم تأكيد المقرّبين منه أنه لم يطرح نفسه لهذا الموقع. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن انتخاب عون يحتاج إلى تعديل دستوري، كون قائد الجيش من موظفي الفئة الأولى الذين لا يمكن انتخابهم إلا بعد سنتين من استقالتهم أو تقاعدهم، ويُعد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل من أبرز المعارضين لدعم ترشيحه.
يُعرف عون بعلاقاته الواسعة والجيدة مع مختلف الأفرقاء داخل لبنان وخارجه. وسجّل خلال مسيرته في المؤسسة العسكرية منذ عام 2017 زيارات خارجية مهمة له، حيث عقد لقاءات خلالها مع مسؤولين في بلدان عدة، أبرزها فرنسا والولايات المتحدة. وفي الداخل يكاد يجمع الأفرقاء اللبنانيون على نجاحه على رأس المؤسسة العسكرية.
* الوزير الأسبق زياد بارود
> الوزير الأسبق زياد بارود، سياسي وحقوقي لبناني وناشط في المجتمع المدني، ويُعد من المقربين من بكركي (أي البطريركية المارونية). شغل منصب وزير الداخلية والبلديات من عام 2008 إلى عام 2011 لفترتين متتاليتين في حكومتي فؤاد السنيورة وسعد الحريري. وهو يعمل الآن محامياً في الاستئناف ومقرراً للجنة التشريعية لنقابة المحامين في بيروت، كما أنه يحاضر في القانون في جامعة القديس يوسف (اليسوعية)، كما حاضر في المعهد العالي وفي جامعة الروح القدس وفي الجامعة الأنطونية.
كان باسيل طرح اسمه للرئاسة في الخريف الماضي كأحد الخيارات، لكنه اصطدم برفض بعض قوى المعارضة. وللعلم، سبق لبارود أن خاض انتخابات البرلمان على لائحة العونيين قبل بضع سنوات.
صلاح حنين
* النائب السابق صلاح حنين
> في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن النّائب السّابق صلاح حنين، ترشّحه رسمياً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية بعدما تداول نواب وقوى سياسية باسمه كمرشح وسطيّ، وأبرزهم نواب من «كتلة التغيير» ونواب معارضون أدرجوا اسمه ضمن قائمة البحث التي تناقش فيها المعارضة.
حنين محام وخبير قانوني حاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة ساوثامبتون Southampton البريطانية عام 1991. ولقد انتُخب نائباً عن محافظة جبل لبنان دائرة بعبدا – عاليه عام 2000، كما انتخب عضواً في اللجان النيابية بين عامي 2000 و2005 في لجان المال والموازنة، والاقتصاد الوطني، والمرأة والطفل، وهو عضو أيضاً في لجنة الفرنكوفونية.
يتحدّر حنين من أسرة سياسية، فوالده النائب والوزير السابق إدوار حنين، كان أمين عام «الجبهة اللبنانية» إبّان الحرب اللبنانية، وهو ما قرّبه من «لقاء قرنة شهوان» حين كان عضواً في اللقاء المعارض للوجود السوري في لبنان.
مع إسدال الستار على قمة «مجموعة العشرين» التي عقدت أخيراً في العاصمة الهندية نيودلهي، بحضور كوكبة من زعماء العالم ورؤساء منظمات دولية بارزة على مدار ثلاثة أيام،
يكشف الحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين، في النقاش العام الفرنسي، التهميش السياسي لأولئك الذين يُصار إلى تقديمهم على أنهم تهديد للتعددية الديمقراطية.
> مُنيت المبادرة الفرنسية الأخيرة في لبنان بفشل ذريع، إذ إن رهان الرئيس إيمانويل ماكرون على دور مبعوثه إلى بيروت وسفيرته في لبنان آن غريّو، سرعان ما تبدّد.
منظر يعبر عن فداحة الكارثة في درنة المنكوبة (رويترز)
تفجّرت شرارة غضب مفاجئة، من قلب الركام في مدينة درنة الليبية الجريحة، مهددة على نحو غير متوقع مواقع «الساسة التقليديين» في ليبيا، ومعلنة على ما يبدو أن «ساعة الحساب قد اقتربت»، وأن «الطغمة الحاكمة» ستسدد حتماً فاتورة «الخراب» الذي حلّ بالمدينة... كل من واقع مسؤولياته. فلقد ظن البعض أن «دفتر الأحزان» الممتد على طول ليبيا وخارجها قد يُلهي المكلومين عن تتبع «الجناة» والمطالبة بالاقتصاص منهم، لكن ما شهده محيط مسجد الصحابة وسط درنة، منتصف الأسبوع الماضي، جاء مذهلاً لمَن في سدة الحكم: فها هم «أصحاب الدم»، بعد ما فرغوا من مواراة جثامين أبنائهم وذويهم الثرى، جاءوا بالآلاف غاضبين محتجين متوعّدين بالبحث عن قاتليهم، وهم يهتفون باسم «ليبيا الموحدة».
كـ«طائر الفينيق»، انتفضت أسر ضحايا فيضانات شرق ليبيا واحتشدت قُبالة المسجد الذي يجاوره مقابر أربعة من الصحابة في مدينة درنة المنكوبة، فيما اعتلى بعض المتظاهرين سقفه والتفوا حول قبته الذهبية التي تعد أحد معالم المدينة، مطالبين بمحاسبة عدد من المسؤولين من بينهم رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح.
عبدالحميد الدبيبة (غيتي)
وهناك من قلب المدينة، المطلّة على البحر المتوسط، التي تحولت إلى خلية نحل لفرق إنقاذ محلية وعربية ودولية، بدا أن الضحايا الذين قضوا تحت الركام يبعثون من مرقدهم رسائل رفض إلى المتكلمين باسمهم في «حِسبة سياسية» على وقع تناحر وانقسام حكومي.
الغضب الشعبي في درنة يتمثل في أن «الفساد» الذي تعانيه ليبيا - وفق تقارير ديوان عام المحاسبة - كان أحد أسباب الدمار الذي لحق بالمدينة ومضاعفة أعداد ضحاياها، وفقاً لرؤيتهم، وذلك بالنظر إلى تجاهل تحذيرات أُطلقت قبل سنة، تشير إلى أضرار جسيمة ببعض سدودها تتطلب إخضاعها للصيانة.
عقب ساعات من اندلاع الإعصار، الذي شبهه بعض الناجين المصريين بطوفان سيدنا نوح. سارعت السلطة التنفيذية في العاصمة، ممثلة في محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى مطالبة النائب العام بفتح تحقيق «شامل» في تداعيات الكارثة، ومحاسبة المسؤولين عن انهيار سدّي «وادي درنة» و«أبو منصور» بالمدينة.
غضب وطلب محاسبة
في تلك الأثناء، كان سكان المدينة يوارون المئات من القتلى في مقابر جماعية، في حين لا تزال الجثث عالقة تحت الركام، ورائحة الموت تفوح في جميع الأنحاء، والمطالب تتصاعد بضرورة محاسبة «المتورطين». وفي جلسة برلمانية لبحث تداعيات أزمة السيول، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إن ما حصل في درنة «فاجعة كبرى». وسعى إلى صرف اللوم عن السلطات المسيطرة على درنة، واصفاً الإعصار بـ«الكارثة الطبيعية»، وقال إنه «ينبغي عدم التركيز الآن على ما كان يمكن القيام به».
تصريح صالح، وضعه في مرمى الغاضبين في درنة، فوجهوا إليه انتقادات لاذعة، مردّدين هتافات تطالب بـ«رحيله»، غير أن عددا من السياسيين الذين تكلموا إلى «الشرق الأوسط» لفتوا إلى أن موجة الغضب هذه لم ولن تتوقف عند صالح، بل «ستطول جميع الساسة في عموم البلاد»، لكونهم «انشغلوا طوال العقد الماضي بتحقيق مكاسب سياسية لهم ولجبهتهم على حساب الشعب الليبي».
ولقد قال جمال الفلاح، رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية: «عندما نتحدث عن رحيل الأجسام السياسية فإننا نشير إلى ضرورة رحيلها جميعاً، مجالس وحكومات». وما ذهب إليه الفلاح تبنته تيارات سياسية عديدة ترى أن السياسيين في البلاد «عملوا طوال السنوات الماضية على عرقلة المسار الانتخابي بهدف بقائهم في السلطةعلى حساب المواطنين الذين طحنتهم الأزمات المتلاحقة».
أيضاً اعتبر المحتجون في درنة تصريحات صالح «تستراً» على حكومة أسامة حمّاد، المكلفة من مجلسه، ولذا تمسكوا في مطالبهم بـ«إجراء تحقيق دولي» في انهيار السدّين، وأن تكون «إعادة إعمار مدينتهم تحت إشراف دولي» أيضاً، كما حمّلوا المسؤولية «للحكومات المتعاقبة حتى الآن، ولمجلس النواب الحالي بشكل خاص». وأرجع المتظاهرون غضبتهم إلى التحذيرات السابقة التي أوردها الباحث الليبي عبد الونيس عاشور، في كلية الهندسة جامعة عمر المختار بالبيضاء، ورأى فيها الحاجة الملحة لصيانة سدود درنة، خوفاً من تعرضها للغرق حال حدوث فيضان، وذلك بعدما عاين ما بها من تشققات.
«تحقيق دولي» ... وتداعيات
للعلم، تقع درنة شمال شرقي ليبيا، ويبسط «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر سيطرته عليها، بجانب إشراف حكومة أسامة حمّاد. والسيول التي أوقعت آلاف الضحايا في مدن شرق ليبيا هي الآن محل تحقيق من المستشار الصديق الصور النائب العام الليبي، وسط تبرؤ الحكومتين مما لحق بالبلاد من كارثة. هذا، وقال مصدر في النيابة العامة الليبية، لـ«الشرق الأوسط» إن النائب العام بدأ التحقيقات في القضية، منتصف الشهر الحالي، لمعرفة الأسباب التي أدت لانهيار سدي «وادي درنة» و«أبو منصور». وتابع أن «المساءلة ستشمل مسؤولين من السلطات التي تعاقبت على حكم البلاد خلال العقد الماضي». وما يُذكر هنا أنه سبق واستدعى النائب العام مسؤولين من وزارة الموارد المائية والهيئة المختصة بصيانة السدود لسماع أقوالهم، بالنظر إلى وجود تحذيرات سابقة من «كارثة» قد تتعرض لها درنة في حال تعرضها لأي فيضان، ما لم تبدأ السلطات في صيانة السدود.
من جهة ثانية، كان الدبيبة قد نقل عن وزارة التخطيط التابعة لحكومته «وجود تشققات وهبوط أرضي ومشكلات إنشائية بالسدّين المنهارين، وعدم إخضاعهما للصيانة منذ عام 2011». وبدا لليبيين عديدين سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين أن كارثة الإعصار لن تمر على البلاد كأزمة اعتيادية شهدت مثلها منذ رحيل الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. إذ إن أكثرهم يعتبرون أيضاً ما حدث في البلاد بمثابة «طوفان» سيعصف بسياسييها كما أتى على ديار «الدرناوية»، وأغرق قرابة ربعها في البحر.
محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالح» يرى أن «التحقيق ومعاقبة المُقصّرين مطلب لا يمكن التنازل عنه». وبالفعل، أضرم متظاهرون النار في منزل عبد المنعم الغيثي عميد بلدية درنة، بعد اتهامات بـ«الفساد والإهمال» اللذين تسببا في عدم إجراء الصيانة اللازمة للسدود وانتهى بالكارثة. لكن رئيس حكومة شرق ليبيا سارع بإقالة جميع أعضاء المجلس البلدي لدرنة وأحالهم إلى التحقيق. ومع تعاظم تداعيات الإعصار المميت، وتصاعد المطالب بالتحقيق، سارعت بعض الجهات السياسية بتقديم ما يمكن وصفه بـ«كشف حساب» عن تحركاتها حيال تأثير الكارثة. وفوّض المجلس الأعلى للدولة الجهات المعنية في الدولة بمطالبة إجراء «تحقيق دولي شامل» في أسباب الكارثة، وقال إنه أعلن درنة «مدينة منكوبة» وطلب اتخاذ ما يلزم من إجراءات وترتيبات لاستصدار قرار دولي بهذا الشأن وبما يضمن تخصيص ورصد الأموال اللازمة لإعادة إعمارها. وأضاف المجلس أنه طالب بضرورة الإسراع في توفير الإمكانيات اللازمة للرعاية الصحية في درنة، واستحداث مركز للدعم النفسي والاستعانة بجهود دول أو منظمات متخصصة في هذا الشأن.
المكاسب السياسية
في سياق آخر، بعد 10 أيام من وقوع الكارثة واستمرار عمل فرق الإنقاذ في درنة، واندماج الأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية التابعة لغرب ليبيا وشرقها معاً هناك، بدا أن أطرافاً سياسية لم تتخل بعد عن «الروح الانقسامية». وظهر ذلك جلياً في اتهامات موجهة لحكومتي الدبيبة وحمّاد.
وأمام جلسة برلمانية، خرج يوسف العقوري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، عن تحفظه، واتهم وزراء حكومة حمّاد وبعض النواب بالسعي لتحقيق «مكاسب سياسية» لكونهم طالبوا المنظمات الدولية والسفراء الأجانب بالتوقف عن التواصل مع الدبيبة. وقال «الناس تموت والجثث في البحر، وأنتم تبحثون عن مكاسب سياسية».
وفي المقابل، عدّد علي القطراني، نائب رئيس حكومة حمّاد عضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة، الجهود الإغاثية التي تجريها حكومته على الأرض، وأشار في مؤتمر صحافي لما سماه «متاجرة سياسية رخيصة بدماء وأرواح الضحايا» من بعض أطراف (لم يسمها) وقال إنها «تنسب هذه المجهودات لنفسها؛ وهم أبعد ما يكونون عن الواقع أو الأرض»، في إشارة إلى حكومة الدبيبة.
من جهة ثانية، سبق للمتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نجوى مكي، القول لوكالة «رويترز» للأنباء إن «فريقاً من الأمم المتحدة كان من المقرر أن يذهب إلى درنة من بنغازي (الثلاثاء) للمساعدة في مواجهة آثار السيول، ولكن لم يسمح له بذلك»، وطالبت بالسماح بوصول الفرق دون عراقيل. وعلى الفور أمر الدبيبة مصلحة الجوازات والجنسية بوزارة الداخلية، التابعة لحكومته، بتسهيل منح تأشيرات دخول فرق الإنقاذ العربية والأجنبية، وتيسير إجراءات الموافقة لدخول بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساهمة الإغاثة.
كلام عبد الجليل
اليوم يربط بعض المراقبين بين مطالبة حكومة حمّاد للصحافيين ووسائل إعلام بمغادرة درنة، وبين المظاهرات الاحتجاجية لأسر الضحايا التي خرجت تطالب برحيل صالح، ويرون أن الحكومة «لا تريد نقل حالة الاحتقان الحاصلة إلى الرأي العام الدولي». غير أن الدكتور عثمان عبد الجليل، وزير الصحة في حكومة حمّاد وعضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة، قال إن «فرق الإنقاذ المحلية والدولية لا تزال تتوافد على درنة للمساعدة في عمليات الإغاثة (...) ويوجد 14 فريق إنقاذ يعملون على الأرض منهم 10 فرق أجنبية». وبشأن إخلاء المدينة، نفى عبد الجليل ذلك، وقال «إخلاء جزئي لبعض المناطق فقط؛ لتسهيل عمل فرق الإنقاذ لاستخراج الجثث من تحت الأنقاض». وكان صحافيون ووسائل إعلام ينقلون الأحداث على الهواء من المدينة منذ أيام قد ادعوا أنهم «أُمروا بالمغادرة».
تسييس المعاناة
أمام هذه التجاذبات تساءل المحلل السياسي الليبي يوسف الحسيني «كم هو بشع تسييس المعاناة الإنسانية»؟ وأردف «... والأبشع أن يحدث ذلك باسم الله». ثم إنه على الرغم مما يحدث قال السفير الليبي إبراهيم موسى قرادة، كبير المستشارين بالأمم المتحدة سابقاً، إن درنة، التي شبهها بطائر الفينيق «تسمو على مصابها، وتُسمع العالم صوتها؛ بشعار صادح وصادق وصادم يعري انتهازيي الداخل، ويهز متربصي الخارج هو ليبيا وحدة وطنية... لا شرقية ولا غربية».
الحقيقة، أن لليبيا تاريخاً ممتداً في الإفلات من العقاب، على مدار العقد الماضي، والذي شهد العديد من الجرائم دون محاسبة المتورطين فيها. لكن بعض المنظمات الحقوقية المحلية والعربية دعت إلى ضرورة إجراء تحقيقات «شاملة ومستقلة ونزيهة وشفافة» في ظروف هذه الكارثة و«إعلان نتائجها على الملأ». ولكن في هذه الأثناء، لم يتحدد بعد العدد الإجمالي للقتلى، إذ لا يزال الآلاف في عداد المفقودين. وظهر تفاوت كبير في الأعداد التي أعلنها مسؤولون، علماً بأن «منظمة الصحة العالمية» أكدت وفاة 3922 مع نهاية الأسبوع الماضي.
أيضاً، ما يستحق الإشارة أن «إعصار دانيال» ضرب يوم سبتمبر (أيلول) الحالي معظم منطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا، متسبباً بأضرار بشرية ومادية بالغة في كل من مدن درنة والبيضاء وشحّات والمرج وسوسة وتاكنس والبياضة ووردامة وتوكرة.
مواطنان أمام الدمار الكبير (رويترز)
ليبيا: سنوات من الفوضى والفشل في عقد الانتخابات
شهدت ليبيا خلال السنوات الـ12 الماضية عشرات الأزمات على مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة، بداية من الفوضى الأمنية التي سادت البلاد عقب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، وما أعقبها من انقسام سياسي ضرب البلاد عام 2014، واستمر حتى الآن.
وهنا نرصد أهم هذه المحطات في تاريخ البلاد:
> بدأت التوترات تظهر في ليبيا عندما حملت ميليشيات محلية السلاح ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، إلى أن تمكنت من إسقاطه في مشاهد مأساوية. ومن ثم، انزلقت البلاد إلى حالة الفوضى بعد الإطاحة بالنظام السابق في عام 2011.
> أجريت في ليبيا انتخابات برلمانية شهدت نزاعاً على نتيجتها وتصعيد الاقتتال في عام 2014. وفي أعقاب ذلك ظهرت حكومتان متنافستان: واحدة تتمركز في الشرق والأخرى في العاصمة طرابلس.
> انقسم مصرف ليبيا المركزي إلى فرعين في غرب ليبيا وشرقها بعد ظهور إدارة موازية في الشرق لدى انقسام ليبيا جراء الحرب الأهلية.
> تولى البنك المركزي في طرابلس التعامل مع عائدات الطاقة، وكان يصرف المرتبات الحكومية ويوفر العملة الصعبة للمستوردين والتمويل الحكومي.
> ضمت طرابلس حينها حكومة «الوفاق الوطني» غير المنتخبة التي ترأسها فائز السراج، وكانت تشكلت بموجب «اتفاق الصخيرات» الموقع في المغرب، والذي توسطت فيه الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2015.
> نسجت حكومة «الوفاق الوطني» تحالفات في المناطق الغربية، أما شرق ليبيا فيخضع منذ فترة ما بعد رحيل القذافي لسيطرة «الجيش الوطني الليبي» الذي أعاد خليفة حفتر تكوينه هناك، حتى بات يسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد.
> طردت عناصر «البنيان المرصوص» تنظيم «داعش» من سرت عام 2016 بإسناد أميركي. وتعافى جزئياً إنتاج النفط وانحسرت شبكات تهريب المهاجرين إلى حد ما في تلك الأثناء إثر ضغوط قوية من جانب إيطاليا، لكنها نشطت عقب ذلك.
> تحديات سياسية وأمنية ولوجيستية عديدة جعلت من الصعب إجراء انتخابات ناجحة، في ظل مساعٍ أممية لإنهاء المرحلة الانتقالية.
> اعتبر سياسيون ليبيون أن الحملة العسكرية التي شنها «الجيش الوطني الليبي» ضد حكومة «الوفاق الوطني» بالعاصمة طرابلس عام 2019 انتكاسة للجهود الأممية حينها للوصول إلى اتفاق يُعجّل بالعملية الانتخابية.
> عقب «مؤتمر برلين»، نظمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «ملتقى الحوار السياسي» الليبي الذي اختار حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأنيط بها تجهيز البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 ديسمبر 2021. لكن ذلك لم يحدث لأسباب تتعلق بالقوانين الانتخابية.
> بعد فشل انتخابات 24 ديسمبر أصدر مجلس النواب مرسوماً في 10 فبراير (شباط) 2022 يسمح بتعيين فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة، لتجد ليبيا نفسها مرة أخرى أمام حكومتين متنازعتين على السلطة.
> تمسكت حكومة «الوحدة الوطنية» بالاستمرار في الحكم حتى إجراء انتخابات جديدة (رغم انتهاء ولايتها) بعد تكليف البرلمان لحكومة باشاغا.
> تصدت ميليشيات مسلحة موالية لحكومة الدبيبة لمسؤولي حكومة باشاغا ومنعتهم من الدخول إلى العاصمة طرابلس لممارسة مهامهم، ما اضطر باشاغا لقيادة الحكومة من سرت وبنغازي إلى أن أعلن مجلس النواب عزله وإسناد الحكومة إلى أسامة حمّاد.
- أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا عن الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة «6 6» مكونة من أعضاء مجلس النواب و«الدولة» لحسم الملفات الخلافية بينهما، بشأن القوانين الانتخابية، لكنها حتى الآن لم تتوافق على الشكل النهائي للقاعدة التي من المفترض أن يجرى على أساسها الاستحقاق.
- تسعى الأمم المتحدة لدى الأطراف السياسية في ليبيا إلى حالة من التوافق، والاتفاق معها على ضرورة انتهاء اللجنة المشتركة «6 6» من وضع القوانين الانتخابية، وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات.
- تسببت كارثة درنة التي وحدت الجهود الشعبية في انصراف الحديث عن الانتخابات راهناً، وبات الجميع منشغلا بعمليات الإنقاذ والإغاثة مع ارتفاع أعداد الضحايا والمفقودين والمشردين بمدن شرق ليبيا.
يبدو أن على رئيس الكونغو برازافيل دينيس ساسو نغيسو أن «يتحسّس حكمه» في ظل عدوى الانقلابات التي تضرب أفريقيا حالياً، ونالت أخيراً من جارته الغابون. فبينما يتأهب نغيسو (79 سنة) لأن يتجاوز 40 سنة في السلطة مع نهاية ولايته الحالية عام 2026، تأتي شائعات الانقلاب لتلاحقه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثناء وجوده خارج البلاد للمشاركة في نيويورك باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. التكهنات التي ظهرت بالتزامن مع مغادرة نغيسو العاصمة الكونغولية برازافيل، التي زعمت سيطرة قوات من الجيش على مؤسسات الدولة، نفتها الحكومة ووصفتها بـ«الشائعات الخيالية»، وطالبت الرأي العام بالهدوء، والمواطنين بممارسة نشاطاتهم المعتادة.
قبل بضعة أيام، وحول الوضع في الكونغو برازافيل، كتب تييري مونغالا، وزير الإعلام، في منشور على صفحته الشخصية بمنصة «إكس» («تويتر» سابقاً): «تنفي الحكومة الشائعات، وتؤكد أنه لم يحدث انقلاب عسكري في برازافيل، وتطالب الرأي العام بالهدوء، والمواطنين بممارسة نشاطاتهم المعتادة». كذلك نشرت الرئاسة الكونغولية، في وقت لاحق، شريط فيديو للرئيس لدى وصوله إلى مقر البعثة الكونغولية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الغابون، الجارة الغربية للكونغو برازافيل، كانت آخر محطة وصل إليها قطار الانقلابات العسكرية الأفريقية، يوم 30 أغسطس (آب) الماضي، بعد كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا.
النشأة والمسيرة
ولد دينيس ساسو نغيسو عام 1943 في منطقة في وسط المستعمرة الفرنسية السابقة التي تتجاور مع الغابون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وبحسب نغيسو، فإن والده كان زعيماً للقرية ويقود رابطة للصيادين. وهو، بعد إنهائه دراسته الثانوية في مدرسة لوبومو الثانوية المحلية عام 1961، كان ينوي العمل مدرساً، بيد أنه فشل في الالتحاق بكلية تخرج المعلمين في العاصمة برازافيل، لأن ذلك كان يحتاج إلى علاقات سياسية لم تتوفر لديه ولدى أسرته، فالتحق بالجيش الذي أرسله إلى الجزائر وفرنسا لتلقي الإعداد العسكري. وبعد مسيرة في السلك العسكري، عيّن ساسو نغيسو عام 1963 قائداً للقوات المسلحة في برازافيل، وبحلول أوائل السبعينات من القرن الماضي، كان قد ارتقى إلى رتبة عقيد.
الصعود إلى السلطة
خلال هذا الوقت، لعب ساسو نغيسو دوراً نشطاً في السياسة، إذ انضم إلى حزب العمل الكونغولي الذي اعتنق الآيديولوجية الماركسية اللينينية وأصبح الحزب الحاكم والوحيد في البلاد في عام 1970. وغدا ساسو نغيسو مقرّباً من الرئيس اليساري الراحل ماريان نغوابي الذي تولّى الحكم بين عامي 1968 و1977، وعيّنه الرئيس وزيراً للدفاع عام 1975. غير أنه، بعد اغتيال نغوابي عام 1977، وعلى الرغم من نفوذ ساسو نغيسو الكبير داخل الجيش والحزب الحاكم، وصل يواكيم يومبي أوبانغو، منافسه داخل الحزب، إلى السلطة... بينما عيّن ساسو نغيسو نائباً أول لرئيس الجمهورية. ومع هذا، في ضوء فشل يومبي أوبانغو في فرض سيطرته على الجيش والحزب، أجبرته اللجنة العسكرية للحزب على الاستقالة في فبراير (شباط) 1979، وفي الشهر التالي نصّبت ساسو نغيسو رئيساً للجمهورية ورئيساً للحزب.
استقرار نسبي ثم سقوط وحرب
تمتعت البلاد في البداية بفترة من الاستقرار النسبي في عهد الرئيس الجديد، وأعاد الحزب انتخابه للرئاسة في عام 1984، ومرة ثالثة في عام 1989. وخلال تلك الفترة نجح ساسو نغيسو في التخلص من منافسيه وخصومه السياسيين في الحزب والجيش، ونجح في تقوية دعائم حكمه مستفيداً من اكتشاف احتياطات النفط في بلاده، ورواج الآيديولوجيا الماركسية في بلاده والقارة الأفريقية بمساندة الاتحاد السوفياتي والصين له. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التوجه اليساري للبلاد، ساعدته الاستثمارات الفرنسية في مجال النفط على تحقيق استقرار اقتصادي لا بأس له. غير أن انخفاض أسعار النفط في الثمانينات أدى إلى تعثر الاقتصاد الكونغولي، ما نجم عنه تآكل شعبية ساسو نغيسو وتزايد السخط الشعبي، وبالفعل، تصاعدت المطالبة بالديمقراطية وتنامت الاحتجاجات الشعبية، كما أجهض الرئيس انقلاباً عسكرياً ضد حكمه عام 1987، وتبنّى سياسات عنفية وقمعية ضد خصومه.
ومن ثم، وسط الأوضاع الاقتصادية السيئة وتراجع شعبية الرئيس، تخلى الحزب الحاكم رسمياً عن سياساته الماركسية اللينينية عام 1990. وهذه الخطوة ما كانت تبشر بالخير لساسو نغيسو، إذ تلاها إجراء أول انتخابات متعددة الأحزاب في البلاد خلال أغسطس 1992. وجرى إقصاء ساسو نغيسو في الجولة الأولى من التصويت بعدما حل ثالثاً، وانتُخب باسكال ليسوبا من حزب الاتحاد الأفريقي للتنمية الاجتماعية رئيساً.
عودة جديدة... بالقوة على الأثر، شكّل حزب ساسو نغيسو تحالف معارضة نظّم احتجاجات وعصياناً مدنياً ضد إدارة ليسوبا. ثم في عام 1993، اشتبكت الميليشيات الداعمة لساسو نغيسو مع القوات الحكومية، واستمر العنف المتصاعد في العام التالي وسقط جراءه عدد كبير من الضحايا. وبعد فترة هدوء نسبي عاد العنف ليستعر بين الجانبين في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1997، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية طالت لمدة سنتين، سقط فيها آلاف القتلى ونزح مئات الآلاف.
وبعد الحرب، في خريف عام 1997، أُجبر ليسوبا على مغادرة البلاد، وأُعلن ساسو نغيسو رئيساً للبلاد مرة أخرى. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار خلال عام 1999، واجه الرئيس العائد أعمال عنف لبعض الوقت في بعض مناطق البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، واجه مشكلات اقتصادية مستمرة ومزاعم بالفساد داخل الحكومة.
انتخابات ... بلا منافسين
أعيد انتخاب ساسو نغيسو عام 2002 في انتخابات شابها الجدل. وقاطع بعض مرشحي المعارضة السباق الانتخابي، زاعمين أن الإصلاح الديمقراطي لا يزال غائباً وأن الانتخابات لن تكون حرة ونزيهة. ونتيجة لذلك، لم يواجه الرئيس أي منافسة حقيقية، في حين شككت المعارضة في شرعية فوزه الساحق. وبعدها أعيد انتخابه في ظروف مشابهة عام 2009، ومجدداً، قاطع مرشحو المعارضة الأساسيون الانتخابات، وأُعيد انتخاب ساسو نغيسو بفارق كبير. لكن، على الرغم من ادعاء المعارضة وبعض المنظمات وقوع حوادث تزوير وترهيب، اعتبر المراقبون الدوليون من الاتحاد الأفريقي أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة.
تعديل الدستور
من جهة ثانية، على الرغم من أن الدستور يمنع ساسو نغيسو من الترشح لولاية أخرى للرئاسة، اتُّخِذت خطوات للتغلب على هذا القيد. وجرى طرح اقتراح لتعديل الدستور لإلغاء حدود الولاية ورفع الحد الأقصى لسن المرشح الرئاسي - وهي من التغييرات التي من شأنها السماح للرئيس بالترشح لفترة رئاسية أخرى - للاستفتاء في أكتوبر (تشرين الأول) 2015. ومرة أخرى، قاطعت المعارضة الاستفتاء في حين ذكرت السلطات الرسمية أن 3 أرباع الناخبين المسجلين أدلوا بأصواتهم، بنسبة تأييد للتعديلات المقترحة وصلت إلى 92 في المائة.
وبعد التعديلات، رُشّح ساسو نغيسو مرشحاً رسمياً عن حزب العمل الحاكم في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 20 مارس (آذار) 2016، وسط انقطاع للاتصالات، ما أثار انتقادات شديدة. ومن ثم، أعلن فوز الرئيس بالانتخابات، وادعى المسؤولون أنه فاز بحوالي 60 في المائة من الأصوات، الأمر الذي اعترضت عليه المعارضة، وأدى إلى نشوب أعمال عنف احتوتها السلطات الأمنية. وفي انتخابات مارس 2021، أُعيد انتخابه، وورد رسمياً أنه حصل على أكثر من 88 في المائة من الأصوات، وهذا على الرغم من تكرار الظروف نفسها التي حدثت عام 2016، حين قاطعت المعارضة الرئيسة الانتخابات، وعُطّلت خدمة الإنترنت في البلاد، وكانت النتيجة محل نزاع، وسط تكرار المزاعم بتزوير الانتخابات.
في هذا السياق، كتب فافا تامبا، الباحث الكونغولي في الشؤون الأفريقية، في مقال نشر في صحيفة «الغارديان» البريطانية بعد انتخابات عام 2021، إن ساسو نغيسو «حريص على إجراء الانتخابات الشكلية لأنها تمنحه شكلاً من الشرعية، حتى لو كانت مزوّرة ومعيبة بشكل صارخ وتشبه ارتداء الإمبراطور لملابسه الجديدة».
وتابع أن ساسو نغيسو «أمير الحرب الذي أطاح باسكال ليسوبا، المنتخب ديمقراطياً، ليعيد تنصيب نفسه رئيساً عبر حرب أهلية خلّفت آلافاً من القتلى وظلت جرحاً مفتوحاً في البلاد، يريد سلطة غير محدودة طوال حياته. إلا أنه يريد أيضاً الحصول على موافقة من القوى الدولية على ذلك».
اتهامات بالفساد
ما يستحق الذكر أن ساسو نغيسو اتهم عدة مرات بالاختلاس وإساءة استخدام الأموال العامة وغسل الأموال. وفي مايو (أيار) 2009، أعلنت محكمة فرنسية إجراء تحقيق في ما إذا كان الرئيس الكونغولي، ومعه زعيمان أفريقيان هما عمر بونغو رئيس الغابون (آنذاك)، وتيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو رئيس غينيا الاستوائية، نهبوا خزائن دولهم لشراء منازل وسيارات فاخرة في فرنسا.
أيضاً، اتُّهم نجل ساسو نغيسو، دينيس كريستيل، وكان وقتها عضواً في المجلس التشريعي الوطني ووزير التعاون الدولي في الحكومة، بتلقي 50 مليون دولار أميركي من الخزانة الوطنية بشكل فاسد. وكذلك اتُّهمت ابنته كلوديا ليمبومبا، عضو المجلس التشريعي الوطني ورئيسة مكتب الاتصالات الرئاسية، باستخدام 20 مليون دولار من أموال الحكومة لشراء شقة في أبراج ترمب في مدينة نيويورك، واتُّهمت ابنة ثانية هي جوليان بغسل الأموال.
وفي هذا الإطار، يتهم الباحث الكونغولي تامبا القوى الغربية بالصمت حيال الفساد وتزوير الانتخابات في برازافيل، لافتاً إلى أن نصف الشعب يعيش في فقر مدقع، رغم غنى وثراء البلاد. ويعدّ تامبا أن الدولة محكومة بالفساد، وأن أي معارضة حقيقية «يُصار إلى قمعها بالقوة، ويجري استهداف المعارضين بالسجن والنفي وغيرهما من أشكال العنف». كذلك يرى تامبا أن الكونغو لم تتخلص بعد من الاستعمار بسبب حكم ساسو نغيسو وعائلته، مشيراً إلى أنه «بحلول نهاية عام 2026، سيكون ساسو نغيسو قد أمضى في السلطة فترة أطول من فترة حكم جوزيف ستالين وديكتاتور جمهورية أفريقيا الوسطى جان بيديل بوكاسا مجتمعين». ومن ثم، يضيف أنه «منذ عهد الاتحاد السوفياتي، لم تكن الكونغو برازافيل، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، ومتوسط العمر فيها 17 سنة، ديمقراطية أو جمهورية من الناحية الليبرالية. بل يحكمها ساسو بقبضة من حديد».
ثم يشير إلى الحالة الاقتصادية السيئة المزمنة التي تعيشها البلاد حيث «يمضي موظفو الخدمة المدنية شهوراً من دون أجور ومعاشات تقاعدية. وتمر على المستشفيات أشهر من دون توفير الأدوية الأساسية».
أزمة انتقال السلطة في أفريقيا
أخيراً، ترى أماني الطويل، الباحثة المصرية في الشؤون الأفريقية، في حالة الرئيس ساسو نغيسو في الكونغو برازافيل، «تمثيلاً لمأساة كثير من الدول الأفريقية في ما يتعلق بالتحايل على عملية انتقال السلطة بشكل قانوني، وذلك عبر انتخابات شكلية مزورة والفساد واضطهاد المعارضين والمنافسين وإقصائهم أو عن طريق العنف المتمثل في الحروب الأهلية أو الانقلابات العسكرية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، رأت الطويل أن سيطرة رؤساء على السلطة بشكل غير قانوني يساهم في انعدام الاستقرار والأمن، وقد يؤدي إلى مزيد من الانقلابات العسكرية والحروب في أنحاء مختلفة من القارة. وتابعت: «على الاتحاد الأفريقي والقوى والمنظمات الدولية تبني مقاربات جديدة فاعلة تدعم عمليات تحوّل حقيقي للديمقراطية في القارة، والكفّ عن غض الطرف عن الانتخابات المزوّرة والفساد بكل أشكاله... لأن انعدام الأمن والاستقرار في أفريقيا يهدد الأمن العالمي».
تبرز دولة الكونغو برازافيل من بين الدول الأفريقية التي يعاني شعبها من أوضاع اقتصادية سيئة وفقر شديد، كما ترزح الدولة تحت عبء الديون، رغم كونها دولة نفطية وغنية بالموارد الطبيعية. ومع أن هذه البلاد سادس أكبر منتج للنفط في أفريقيا، يعاني حوالي نصف السكان من الفقر، كما أنها تصنف من بين أكثر الدول فساداً في العالم. إذ احتلت الكونغو، التي كانت تعرف قبل الاستقلال بـ«الكونغو الفرنسي»، ولاحقاً «جمهورية الكونغو»، المرتبة 165 من بين 180 دولة من حيث مستوى الفساد، وفقاً لتصنيف منظمة الشفافية الدولية في 2020. جاء ذلك رغم إعلان الرئيس دنيس ساسو نغيسو أخيراً اكتشاف رواسب نفطية جديدة من شأنها زيادة الإنتاج اليومي للجمهورية من 350 ألف برميل يومياً إلى 980 ألف برميل، ما يضاعف إيرادات الكونغو من قطاع النفط والغاز الطبيعي 3 مرات.
تقع جمهورية الكونغو في غرب وسط أفريقيا، وتحدّها الغابون والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا. أما عاصمتها فهي مدينة برازافيل، ولذا يُشار إليها أحياناً باسم الكونغو – برازافيل، للتمييز بينها وبين الكونغو الديمقراطية، التي عاصمتها كينشاسا، التي عُرفت قبل الاستقلال بـ«الكونغو البلجيكي»، كما حملت لفترة اسم زائير. وتقدّر مساحة البلاد بـ342 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 5.5 مليون نسمة، وفقاً لإحصاءات عام 2021. وينتمي السكان إلى 3 مجموعات عرقية رئيسة، هي الكونغو (الباكونغو) والتيكي (الباتيكي) والمبوتشي، وتضم كل منها مجموعات فرعية. وينتمي نحو 45 في المائة من السكان إلى شعب الكونغو، وهؤلاء مزارعون يسكنون غرب وجنوب غربي برازافيل، بينما ينتمي نحو 20 في المائة إلى شعب التيكي ويسكنون شمال برازافيل، ويعيشون على صيد الحيوانات والأسماك. ويشكل المبوتشي نحو 10 في المائة من السكان وكانوا في السابق يعتمدون على صيد الأسماك، أمَّا اليوم فيعمل كثير منهم حرفيين وموظفين في الوظائف الحكومية في المدن.
تاريخياً، كانت الكونغو برازافيل مستعمرة فرنسية سابقة استقلت عام 1960، والفرنسية ما زالت هي اللغة الرسمية للبلاد. ولقد اكتُشف النفط الخام في ساحل الكونغو، واليوم يشكل النسبة الكبرى من الصادرات السنوية للبلاد. ثم بدأت مصفاة البترول في ميناء بوانت نوار بتكرير النفط عام 1976، مساهمة بـ55 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، و85 في المائة من الصادرات، و80 في المائة من الموازنة، وفقاً لبنك التنمية الأفريقي. مع ذلك، ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع الدولي بشكل طفيف من 52.0 في المائة عام 2021 إلى 52.5 في المائة عام 2022، وفق البنك الدولي. كذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 6.2 في المائة عام 2022 (على أساس سنوي)، ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلاد. ويعد توفير وجبة أو وجبتين من الغلال الأساسية يومياً بمثابة حرب يخوضها أرباب الأسر.
على صعيد متصل، على الرغم من خصوبة أرض الكونغو وإمكاناتها الزراعية الكبيرة، فإنها تعتمد إلى حد كبير على الواردات التي تكلف ما يقرب من 700 مليار فرنك أفريقي سنوياً. وفي سياق حرمان الكونغوليين من احتياجاتهم الأساسية، يصل معدل الحصول على الكهرباء إلى 66 في المائة من السكان في المناطق الحضرية، مقارنة بـ15 في المائة فقط في المناطق الريفية. ثم إن الوصول إلى المياه النظيفة أقل من الإمكانات الهيدرولوجية للبلاد، حيث إن لدى 74 في المائة من السكان فقط إمكانية الوصول إلى مصادر للمياه النظيفة، في حين أن الوصول إلى المياه في المناطق الريفية أقل بنسبة تصل إلى 46 في المائة، أيضاً وفق البنك الدولي.
هذا، وفي عام 2021، بلغ حجم الدَّين الوطني لجمهورية الكونغو حوالي 107.92 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقبله، عام 2019، أعادت الصين هيكلة دَين الكونغو، ما سمح للبلاد بالتوصل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي حول التسهيل الائتماني الممدّد.
«نظريات المؤامرة» تشغل العراقيين... من كركوك إلى خور عبد اللهhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/4562686-%C2%AB%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9%C2%BB-%D8%AA%D8%B4%D8%BA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%B1%D9%83%D9%88%D9%83-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AE%D9%88%D8%B1-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87
«نظريات المؤامرة» تشغل العراقيين... من كركوك إلى خور عبد الله
مدينة كركوك (رويترز)
كثيراً ما تنشط «نظريات المؤامرة» في العراق. ومنذ تشكيل الحكومة الحالية، برئاسة محمد شياع السوداني، خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وما جرى بعد ذلك، وخصوصاً ما وُصف بأنه «استقرار سياسي»، يمكن أن يكون مقدمة لتحقيق منجزات على الأرض لم تكف هذه «النظريات» عن حياكة مزيد من القصص والحكايات بشأن الآتي من الأيام. ومع كل بيان أو تصريح لرئيس الوزراء بشأن تحقيق تقدم في تنفيذ فقرات البرنامج الحكومي، كانت «نظريات المؤامرة» تشتغل في سياق موازٍ لما يجري، إلى حدٍّ غدا فيه الاستقرار السياسي والأمني في البلاد جزءاً من «مؤامرة» تُحاك في السر لـ«تفليش» كل شيء في المستقبل. وفي هذا السياق بدا الانقسام حادّاً بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها. وكما هو معروف، يقود معسكر المؤيدين «ائتلاف إدارة الدولة»، أي الائتلاف السياسي ـ البرلماني الذي دعّم تشكيلها ويضم قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي والسنّة والأكراد، بينما ينقسم المعارضون إلى قسمين يضمّان أنصار «التيار الصدري» (تابعون لزعيم التيار مقتدى الصدر)، والقوى المدنية التي كانت وما زالت تنتظر تحرك «التيار الصدري»، لكي تطلق تظاهرات الشارع العراقي ضد الحكومة.
السيد مقتدى الصدر (رويترز)
بعد سلسلة تجارب فاشلة تتصل بإمكانية أن يغيّر زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر موقفه باتجاه إعلان معارضته حكومة محمد شياع السوداني، الأمر الذي قد يبرّر إخراج تظاهرات مُعادية للحكومة، ساعدت الأحكام التي أصدرها القضاء العراقي بحق الضباط الذين أخفقوا بحماية السفارة السويدية في بغداد على إعادة الكلام عن «مؤامرة». يُذكَر أن مؤيدين للصدر كانوا قد اقتحموا السفارة المذكورة وأحرقوها احتجاجاً على حرق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة السويدية ستوكهولم.
وطوال الفترة الماضية، منذ تشكيل الحكومة الحالية وحتى اليوم، لم تصدر عن الصدر مواقف حادّة حيالها، وهو ما فسّره مؤيدو الحكومة بتأييد، ولو ضمنيّ، لها. أما المعارضون فيقفون موقفاً حائراً، ولا سيما أن الصدر وإن كان قد سحب نوابه من البرلمان، رغم فوزهم بأعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام 2021، فإنه لم يسحب المحسوبين عليه من الحكومة. غير أن ما حصل على صعيد الموقف السلبي الذي عبّر عنه الزعيم الشيعي حيال الأحكام بحق الضباط، بدا بيئة مناسبة لترويج توقّعات مفادها أنه سيتبنى موقفاً معارضاً - وبقوة - لحكومة السوداني، وبالأخص، بعد وصفه إياها بأنها «الحكومة العباسية». وللعلم، في أقوى بيان للصدر بعد صدور الأحكام القضائية قال «ليس من المستغرب أن يصدر من تلك الحكومة العباسية تلك العقوبة، فليس لهم من القرآن صحبة، ولا من العقيدة صحبة، وليس لديهم إلا الكراسي والفساد والمال». والواضح في تأويل وصفه للحكومة الحالية بأنها «عباسية» أنها محاولة لاستدعاء الخلاف التاريخي بين العباسيين والعلويين. لكن الصدر، وفي أعقاب موقفه هذا الذي يُعدّ الموقف الأقوى منذ تشكيل الحكومة، لم يتخذ أي إجراء لاحق يمكن أن يفسَّر على أنه ترجمة لما قاله بشأن الحكومة وخصومه من قوى «الإطار التنسيقي الشيعي».
السوداني في نيويورك (روينرز)
العلاقة الملتبسة مع واشنطن
الواقع أنه لا أسهل من اختبار «نظرية المؤامرة» لدى مراجعة العلاقة الملتبسة بين العراق والولايات المتحدة، بل تحديداً بين قوى «الإطار التنسيقي الشيعي» وواشنطن. فعند تشكيل أية حكومة عراقية يبدأ قياس قوى الضغط السياسي والرأي العام عبر مسار واحد هو علاقة رئيس الوزراء بالقيادة الأميركية. وغالباً، يدافع مؤيدو رئيس الوزراء عن سياساته وإنجازاته، دون الذهاب بعيداً باتجاه العلاقة الملتبسة شيعياً. ومعلوم أن رئيس الوزراء العراقي شيعيّ دائماً بعد عام 2003، ولكن في حين صنّفت واشنطن نفسها بعد أقل من شهر على احتلالها العراق (أبريل «نيسان» 2003) على أنها «قوة احتلال»، ظل الطيف السياسي الأول من الآباء المؤسسين للعملية السياسية، بعد سقوط النظام السابق، يعتبرها «سوبر صديقة».
أيضاً، مع بدء المقاومة ضد القوات الأميركية، سواءً من قِبل فصائل سُنّية أم «التيار الصدري»، تظل بقية القوى السياسية العراقية المشارِكة في الحكم تعمل جاهدة على إقامة أفضل العلاقات معها، وحقاً تُوّجت الجهود باتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعت بين البلدين عام 2008.
خلال حقبة «العلاقة الذهبية» بين الزعامات العراقية من الجيل الأول والإدارات الأميركية المتعاقبة، وصولاً إلى إدارة دونالد ترمب التي قلبت الموازين، لم يكن رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني من بينهم. بيد أن السوداني، بعد فترة قصيرة من تولّيه منصب محافظ ميسان، بعد عام 2003، «استوزر» ليتولى منذ التغيير حتى تولّيه رئاسة الوزراء أواخر العام الماضي، نحو 5 وزارات.
ومع احتدام الصراع داخل الطبقة السياسية الشيعية بين الجيلين الأول والثاني، حسمت الغلبة عند اختيار رئيس الوزراء الجديد لصالح الجيل الثاني، الذي لم يعرف عنه عقد صداقات تقليدية مع الرؤساء الأميركيين؛ بمن فيهم الرئيس الحالي جو بايدن.
بايدن لم يلتقِ السوداني، كما لم يلتقِ السوداني به حين أدمن بايدن زيارة العراق لعشرات المرات منذ إسقاط نظام صدام حسين، حتى تولّيه منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ ظلّ يزور العراق بوصفه الأكثر اهتماماً بالملف العراقي.
وبعد نحو عقدين من الزمن احتكر خلالهما الجيل الشيعي الأول أهم منصب في البلاد وهو رئاسة الوزراء، جاء دور «الشاب» محمد شياع السوداني (مواليد 1970) في رئاسة الوزراء.
جاء تولّي السوداني وسط تناقضات عميقة على صعيد العلاقة مع واشنطن، فالقوى التي دعّمته هي نفسها التي ترفع لواء معاداتها.
إلا أنه بدا واضحاً وجود دعم أميركي لهذه الحكومة تمثَّل بمجموعة من الإجراءات؛ منها اتصال هاتفي للتهنئة من بايدن.
كذلك هناك زيارات لوزيري الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن، إلى بغداد، وسلسلة لقاءات أجرتها السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي مع السوداني، التي ربما تعدّت الـ8 لقاءات.
لكن مقابل ذلك، لم توجه، طوال الأشهر التسعة الماضية، التي تولَّى فيها السوداني السلطة، أية دعوة له لزيارة واشنطن، حاله في ذلك حالُ مَن سبقه من رؤساء الوزارات. وهكذا تجددت «نظريات المؤامرة»، وخصوصاً أن انسحاب «التيار الصدري» أدى إلى بلورة قوى معارِضة لقوى «الإطار التنسيقي الشيعي»، بدا أن رئيس الوزراء هو ضحيتها.
وفي حين تتشارك قوى «الإطار التنسيقي» مع «التيار الصدري» في رفض الوجود الأميركي والمطالبة بانسحابه، يظهر السوداني - الذي ينتمي إلى «الإطار» - في وضع حرِج لجهة الموازنة بين متطلبات منصبه الذي يتطلب علاقات دولة لدولة مع واشنطن... والضغوط النفسية والاعتبارية المتصلة بالاعتراض على الوجود الأميركي تحت أي مسمّى من المسميات.
سقوط نظرية المؤامرة
من جهة أخرى، ما إن حلّقت طائرة السوداني متجهة إلى نيويورك، للمشاركة في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى تطايرت تساؤلات عما إذا كان سيحظى بلقاء مع بايدن أم لا... وهل سيكون اللقاء - في حال حصوله - لقاء بين «زعيمين»، ومن خلال وفدين رسميين، أم مجرد لقاء سريع لالتقاط الصور من منطلق أن السوداني - من وجهة نظر هؤلاء - يحتاج إلى التقاط صورة كي يبين لخصومه أنه التقى بايدن أخيراً.
المفاجأة التي لم يكن يتوقعها خصوم السوداني هي أنه ما إن وصل إلى نيويورك حتى كانت باكورة لقاءاته مع كبار المسؤولين الأميركيين، كوكيل وزارة الخزانة الأميركية، ثم أنتوني بلينكن وزير الخارجية.
رئيس الوزراء العراقي، الذي ترك وراءه الدولار الأميركي في حالة ارتفاع أمام الدينار العراقي، أكد، لوكيل الخزانة، قيامه بإجراءات للإصلاح المالي المطلوب، والذي ربما يأخذ وقتاً.
أما اللقاء مع بلينكن فكان مفاجأة بحد ذاته حين سلَّمه دعوة رسمية من الرئيس جو بايدن لزيارة واشنطن التي قد يلبّيها السوداني أواخر العام الحالي.
بايدن وفّى بالتزامه، وأوضح أنه ما كان يفكر بأية قطيعة مع رئيس الوزراء العراقي، بخلاف ترويج «نظريات المؤامرة». ومن جانبه، تحرَّر السوداني تماماً من قصة اللقاء مع بايدن في نيويورك أم لا، إذ ضمن الدعوة التي ستكون واحداً من أهم أسلحته في مواجهاته الداخلية.
ميناء خور عبد الله (أ.ب)
بين كركوك... واتفاقية خور عبد الله
> وسط انشغال الأوساط السياسية في العراق بالأوضاع في مدينة كركوك، أطلّت المفاجأة، المتمثلة بقرار «المحكمة الاتحادية العليا» في العراق بشأن «اتفاقية خور عبد الله» بين العراق والكويت.
القضيتان شغلتا الرأي العام العراقي، وطبعاً نشطت، في موازاة ذلك، «نظرية المؤامرة»، سواءً بشأن الأهداف والتوقيت والملابسات، وكيفية مواجهة القضيتين معاً، مع أن كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى، فقضية كركوك قضية داخلية عراقية ترتبط بالدرجة الأساس بطبيعة الوضع السياسي، ومنطقة كركوك واحدة من المناطق التي يطلَق عليها مسمّى المناطق «المتنازع عليها»، طبقاً للدستور العراقي، ومن ثم تخضع للمادة 140 من الدستور. أما «اتفاقية خور عبد الله» فإنها تدخل فيما يمكن تسميته «خلافات حدودية» بين العراق والكويت، بوصفها جزءاً من تبِعات الغزو العراقي للكويت على عهد النظام العراقي السابق. إلا أن «نظريات المؤامرة» لاحت، مع هذا، في سياق ما قِيل داخل العراق عن صلة تلك الاتفاقية بميناء الفاو، ربطها آخرون بما يُتداول من شائعات عن تواطؤ بعض المسؤولين العراقيين وتلقّيهم رشاوى.
على أية حال، ومع أن الكويت احتجّت على قرار «المحكمة الاتحادية» بشأن ما قيل إنه «إلغاء للاتفاقية» من جانب واحد (هو الجانب العراقي)، ما كان قرار المحكمة إلغاء الاتفاقية بقدر ما هو تعليق العمل بها إلى حين تعديل القانون من قِبل البرلمان، فالمحكمة قضت بلا دستورية قانون تصديق اتفاقية الملاحة البحرية في خور عبد الله مع الكويت. والتطمينات التي حاولت قيادات عراقية عليا تقديمها للكويت لم تقلل من أهمية المخاوف الكويتية بهذا الشأن.
ما يجدر ذكره هنا أن «البرلمان العراقي» كان قد صادق على الاتفاقية بموجب القانون 42 لعام 2013، و«مجلس الأمة الكويتي» بموجب القانون الصادر رقم 4 لعام 2013، وجرى إيداعها لدى «الأمم المتحدة»، لكن قرار «المحكمة الاتحادية العليا» في العراق أعاد الأمور إلى المربع الأول.
سياسياً، وطبقاً لما يقوله الأكاديمي والباحث العراقي، الدكتور يحيى الكبيسي، لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «أولاً، لا يمكن للحكومة العراقية إلا أن تعمل على تهدئة الأمور مع الكويت، وذلك بأن ترسل رسالة رسمية إلى الكويت والأمم المتحدة توضح أن إلغاء التصديق على الاتفاقية اتخذته المحكمة الاتحادية لأسباب تتعلق بالمرجعية القانونية للتصويت على الاتفاقية، ولا تأثير له على الاتفاقية الموقَّعة بين الحكومتين، وأن الحكومة العراقية ستعمد إلى إرسال الاتفاقية مرة ثانية إلى مجلس النواب للتصويت عليها وفقاً لقانون المعاهدات رقم 35 لسنة 2015». وأردف الكبيسي: «وثانياً، إن الحكومة العراقية تُجري، في الوقت نفسه، اتصالات ثنائية مع الكويت لتعديل الفقرات التي كانت استُخدمت ذريعة التحشيد ضد الاتفاقية... وذلك لإسكات هؤلاء المحشّدين، ومنعهم من الزعم بأن هذه الاتفاقية المتعلقة بتنظيم الملاحة لا يمكن تأويلها أو تفسيرها على أنها تتضمن ترسيماً ضمنياً للحدود البحرية بين البلدين بعد العلامة 162 جنوباً».
أما قانونياً، وكما يرى الخبير القانوني علي التميمي، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، فإن «قرار المحكمة الاتحادية العليا يتعلق بلا دستورية قانون تصديق الاتفاقية الخاصة بخور عبد الله مع الكويت، حيث استندت إلى أن الدستور العراقي يشترط تشريع قانون خاص للتصويت على الاتفاقيات المهمة، بما فيها ترسيم الحدود والسياسة بغالبية ثلثي عدد أعضاء البرلمان». وتابع التميمي: «قرار الاتحادية بلا دستورية التصويت لا يعني إلغاء الاتفاقية بقدر ما يعني تعليقها لحين تشريع قانون يتطلب التصويت بغالبية الثلثين... وهو ما يعني أنه في حال صادق عليها البرلمان الحالي بعد تشريع القانون بغالبية الثلثين، تعتبر شرعية وتمضي، ولكن في حال لم يصادق عليها البرلمان؛ عند ذاك تعتبر مُلغاة لكن من جانب واحد». وبيّن أن «النص الصريح في الاتفاقية، طبقاً للمادة 14، يشير إلى أن أي خلاف بين الطرفين بخصوص الاتفاقية تتم تسويته ودياً، وفي حال عدم التوصل إلى حل يُحال إلى محكمة البحار التي مقرُّها في ميونيخ، وهو ما يعني أن البرلمان العراقي، ما لم يصوِّت، تُعتبر مُلغاة من جانب واحد. وهناك مادة أخرى في الاتفاقية (المادة 16) تتضمن أنه في حالة أراد أي طرف إلغاء الإتفاقية، لا بد أن يخبر الطرف الآخر قبل 6 شهور، على أن يتم الإنهاء باتفاق الطرفين، وبعكسه يُصار إلى اللجوء إلى محكمة البحار».
داخل الصندوق
في هذه الأثناء، ومع احتدام الجدل عراقياً وكويتياً بشأن قرار «المحكمة الاتحادية»، فإن النزاع حول كركوك جرى تبريده ثانية باتجاه جولة تالية قد تُعقب انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي. ومع أن كل القوى السياسية العراقية تسعى لإثبات وجودها واختبار قوتها عبر هذه الانتخابات، يتوقع أن يزداد الصراع على كركوك حِدةً أمام هشاشة التوافقات العراقية. وفي هذا السياق يرى محمود خوشناو، القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة تكمن في أن الجميع يفكرون داخل الصندوق لا خارجه... وكأنما نعيش منذ عقود، حين كانت الخلافات بأدوات قديمة، لكنها الآن بأدوات جديدة».
ويضيف خوشناو: «كل الأطراف متمسكة بالصيغ القديمة نفسها، حيث يطغى البعد القومي والبعد الطائفي، ويهيمن حب السيطرة والنفوذ على الذهنية السياسية في العراق، سواءً على المستوى الاتحادي أم على مستوى إقليم كردستان». ويتابع أن «الضغط الإقليمي موجود كذلك، وآخِر ذلك ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي وجّه رئيس الاستخبارات بشأن كركوك، وهو تدخُّل في شأن محلي عراقي». ثم يستطرد أن «الدستور لا ينفَّذ في كركوك، بدءاً من المادة 140 والمواد الأخرى، لأسباب تتعلق بالأجندات السياسية الداخلية والخارجية، وربما كركوك الآن تستخدم بوصفها منطقة رخوة لتافتعال أزمة جديدة بالعراق... وهو ما حذَّرنا منه نحن في الاتحاد الوطني؛ لأن هناك معلومات بهذا الشأن. هذا يتطلب منا جميعاً ترك الصيغ القديمة، وانتهاج صيغ جديدة للحل».
في السياق نفسه يرى الأكاديمي وأستاذ الإعلام الدكتور غالب الدعمي، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «استخدام حصة الإقليم المالية لغرض تصفية حسابات مع شعب عراقي هم الكرد، أمر غير صحيح... ومن ثم مطلوب من بغداد تسديد حصة كردستان من الموازنة المالية التي أقرّها مجلس النواب». ويوضح الدعمي أنه «في قضية كركوك، تحديداً، لا يجوز أن تكون أملاك الدولة عرضة للخلافات بين الجهات السياسية، ومن ثم يجب احترام إجراءات الدولة في هذا السياق عبر منع سيطرة الأحزاب السياسية على ممتلكات الدولة، بمن فيها تلك التي خُصّصت في النظام السابق». ويضيف الدعمي أنه «إذا كانت الأملاك في كركوك مِلكاً للدولة فيجب أن تعود للدولة... مثلما حصل في محافظات الوسط والجنوب، باستثناء ما كان خصّصه النظام السابق من مقرّات لأجهزته القمعية، يمكن أن تعود إلى كردستان أو أية جهة تدَّعي ملكيتها». ويوضح أن «المشاكل التي تحصل حالياً ليست في صالح البلاد؛ لأن الأوضاع ليست مستقرة... وهذا مؤشر سلبي ينبغي التنبه إليه، علماً بأن الحكومة ليست مسؤولة عن محاولات تقويض الاستقرار، وإن محاولات إضعاف الدولة مقصودة». جاء تولّي السوداني وسط تناقضات عميقة على صعيد العلاقة مع واشنطن... فالقوى التي دعّمته هي نفسها التي ترفع لواء معاداتها
الهند ترى قمة «العشرين» تعزيزاً لمكانتها العالميةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/4549081-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D9%89-%D9%82%D9%85%D8%A9-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86%C2%BB-%D8%AA%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9
مودي يتكلم في قمة "مجموعة العشرين" بنيودلهي (آ ف ب)
مع إسدال الستار على قمة «مجموعة العشرين» التي عقدت أخيراً في العاصمة الهندية نيودلهي، بحضور كوكبة من زعماء العالم ورؤساء منظمات دولية بارزة على مدار ثلاثة أيام، تفاوضت الهند من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بين الدول الكبرى، وأظهرت مهارة دبلوماسية تمخّضت عن «إعلان نيودلهي» المشترك للمجموعة. يشكل هذا تحولاً كبيراً بعيداً عن القمة السابقة في بالي عام 2022، التي هزّتها انقسامات حادة بين الأعضاء بخصوص الحرب في أوكرانيا. وأما هذه المرة فاعتمد قادة المجموعة بالإجماع «الإعلان» بوصفه وثيقة شاملة تغطي مواضيع مثل التغييرات المناخية والصحة والتجارة والاقتصاد الرقمي والإرهاب وتمكين المرأة. أيضاً، من المهم التذكير بأن «مجموعة العشرين» المنعقدة في بالي خلال العام الماضي تزامنت مع فوضى عالمية كبيرة عميقة، فاقمها اصطفاف القوى الكبرى بعضها ضد بعض بعد الحرب الأوكرانية، أما هذه المرة فقد كان غياب الزعيم الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبباً في خفض سقف التوقعات.
منذ بداية قمة نيودلهي لـ«مجموعة العشرين» كان واضحاً وجود خطوط صدع جيوسياسية بين الاقتصادات الكبرى في العالم المشاركة، كما كانت ظلال الحرب في أوكرانيا تخيم على القمة، مع احتدام الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة حول مصير الصراع. وحول الجو العام للقمة، علّق غوتام تشيكرمان، نائب رئيس مؤسسة «أوبزرفر ريسرتش» الفكرية، قائلا: «قبل ساعات قليلة من إعلان رئيس الوزراء ناريندرا مودي التوصل إلى إجماع بشأن إعلان مجموعة العشرين، كان مجتمع المؤسسات الفكرية العالمية المعني بالشؤون الجيوسياسية، على ثقة من غياب مساحة تسمح بإعلان مشترك في نيودلهي، وهنا يتبين أهمية الإنجاز الكبير الذي حققته رئاسة الهند للقمة». وتابع: «لطالما نظر إلى مهمة التوصل لإجماع بعدّها مهمة مستحيلة، ولذلك، جاء الإجماع بمثابة مفاجأة». وعن دور الهند قال تشيكرمان «الهند اضطلعت فعلاً بدور حاسم في سد الفجوة بين الغرب وروسيا، وتيسير الحوار البناء الذي أثمر بياناً مشتركاً دعا جميع الدول إلى الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها سعياً للاستيلاء على أراض». ومع ذلك: «لم تدن نيودلهي موسكو على عدوانها، بحجة أن هناك آراء وتقييمات مختلفة للوضع»، ومن ثم نبهت إلى أن المجموعة «ليست منصة لحل القضايا الجيوسياسية والأمنية».
جدير بالذكر أن الدبلوماسيين الهنود قادوا أكثر من 200 ساعة من المفاوضات المتواصلة، و300 اجتماع ثنائي، وناقشوا 15 مسودة للتوصل إلى توافق في الآراء بخصوص إعلان زعماء «مجموعة العشرين». وكان الجزء الأكثر تعقيداً في القمة التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الفقرات الجيوسياسية. ومن جهة ثانية، نجحت الهند في التوصل إلى إجماع مفاجئ بين دول المجموعة حيال هذه الفقرات من خلال سلسلة من المفاوضات المحمومة مع دول الاقتصادات الناشئة، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، وإندونيسيا التي لعبت دوراً بارزاً في تحقيق هذا الإنجاز.
وفي قراءة تحليلية أخرى لما جرى، يقول المحلل هارش في. بانت «مع اقتراب انتهاء رئاسة الهند لمجموعة العشرين، تركزت الأضواء العالمية على السياسة الخارجية الهندية وتواصلاتها الخارجية. وفي حقبة تتسم بالاستقطاب الشديد بين القوى الكبرى وتآكل المؤسسات متعددة الأطراف، نجحت نيودلهي في بث روح جديدة في مجموعة العشرين. والواقع أن أحداً ما كان يتوقع هذا الاهتمام العالمي المتزايد بالمجموعة بينما كانت غالبية المؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى بدأت تفقد أهميتها». وأعرب هارش عن اعتقاده أن المفاوضين الهنود أثبتوا من جديد براعتهم في إيجاد الحجج المناسبة لدفع الجميع نحو خط النهاية، بمعنى إقناع الولايات المتحدة بأن فوز الهند يساعد الغرب، وإقناع روسيا بالموافقة على اللغة التي تشير بوضوح إلى مسؤولية موسكو في الحرب، لكن من دون تسميتها بوضوح، وإجبار الصين على قبول النتائج أو التعرض لعزلة.
سيرة «مجموعة العشرين»
أسست «مجموعة العشرين» عام 1999 في أعقاب سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي اجتاحت العالم. أما الهدف، فكان أن تعمل المجموعة بوصفها تكتلا اقتصاديا مؤثرا لتناول القضايا المتعلقة بالاقتصاد العالمي. والواقع أنها عبارة عن منتدى «بين الحكومات» يضم 19 دولة ذات سيادة، بجانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بما في ذلك دول صناعية ونامية. وفي السنوات اللاحقة، تجاوزت المجموعة دائرة اهتماماتها الاقتصادية والمالية، سعياً لتناول قضايا جيوسياسية كذلك. ومع ذلك، على مر السنوات، لم تظهر خلافات على السطح فحسب، بل تعمّقت خطوط الصدع، ما أدى إلى ظهور انقسام حاد حالياً بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية، وروسيا والصين من ناحية أخرى. أما أهمية المجموعة اليوم فتنعكس في حقيقة أن لأعضاء «مجموعة العشرين» نحو 80 في المائة من إجمالي الناتج العالمي، و75 في المائة من التجارة الدولية، وثلثي سكان العالم، و60 في المائة من مساحة اليابسة على مستوى العالم.
تحديات الغائبين
على صعيد متصل، لئن كانت الهند تأمل في حضور جميع رؤساء دول مجموعة العشرين، فإنها بالتأكيد شعرت بشيء من خيبة الأمل. إذ تصدر الغائبين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكان لكل منهما أسباب جيوسياسية مختلفة.
غياب الرئيس الصيني شخصياً أو افتراضياً، كان بسبب تضارب المواعيد، وبعث رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ بدلاً من ذلك. وبالمثل، تغيب بوتين، المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا، عن الحدث وأرسل وزير الخارجية سيرغي لافروف. ومع ذلك، رأى عدد من المراقبين في التغيب المزدوج ازدراء للهند، ومؤشراً لاستياء بكين من علاقات نيودلهي المتنامية بالولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات.
وحقاً، ويأتي غياب شي جينبينغ بمثابة تذكير بمدى السرعة التي يتطوّر بها النظام العالمي، و«الموقف الصعب الذي تجد الصين نفسها فيه الآن»، وفق المنظور الهندي. ويستشهد الجانب الهندي على ذلك بقول الرئيس الأميركي جو بايدن «رغم غياب شي، فإن قمة مجموعة العشرين تسير على ما يرام». بل ويذهب أبعد ليقول إن تغيب الزعيم الصيني أدى إلى نتائج عكسية، بينها بروز الهند بوصفها القائد المستحق في الجنوب العالمي ومجموعة «بريكس». فاليوم: «تبدو نيودلهي بمثابة جسر حيوي مع الغرب، وبدأت تبرز بوصفها قوة على صعيد التفوق الاقتصادي والعسكري الإقليمي، مع تمتعها بخيارات أكبر في تعاملها مع الولايات المتحدة وروسيا»، الأمر الذي تفتقر إليه الصين. وحول الصين أيضاً، يعلق راجيش غوبالان، أستاذ السياسة الدولية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، قائلا: «يبدو أن الصين اتبعت نهج عدم التدخل في القمة بعد اجتماع مجموعة البريكس المؤلفة من خمس دول أعضاء، الشهر الماضي». وأردف أن بكين، على ما يبدو، لم تعد تنظر إلى مجموعة العشرين بوصفها تجمعاً دولياً رئيسياً. ويعني ذلك أنها ربما تعطي الأولوية فقط لتلك المؤسسات الدولية التي يمكنها السيطرة عليها، مثل مجموعة البريكس الموسعة، بينما تسعى إلى تقويض الأطر المتعددة القائمة. وأضاف غوبالان: «إن إمداد الهند بمنصة تستطيع من خلالها الاضطلاع بدور قيادي عالمي، كان خطوة ذكية من جانب بايدن وقادة مجموعة السبع الآخرين».
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
زيلينسكي... لم يُدع
وحول أبرز المتغيّبين، لم يجر توجيه دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور القمة، مع قرار الهند قصر الدعوات على أعضاء «مجموعة العشرين» وتسع دول غير أعضاء. وكان زيلينسكي قد خاطب زعماء المجموعة عبر رابط فيديو خلال قمة بالي السابقة في إندونيسيا عام 2022. أما نيودلهي، فقد وقفت إلى جانب حليفتها القديمة موسكو في مواجهة كييف. ورأى مراقبون أن قرار الهند ألا تدعو الرئيس الأوكراني جاء بوصفه خطوة تتعمد تجنب إزعاج روسيا التي تتقاسم «شراكة استراتيجية خاصة ومتميزة» مع الهند. إلا أن زيلينسكي، في أي حال، أعرب عن خيبة أمله إزاء إعلان القمة، وقال إن الإعلان لا يعكس حقيقة العدوان الروسي ضد أوكرانيا، ولم يقدم أي دعم ملموس لأوكرانيا، ولم يفرض عقوبات ضد موسكو.
ولكن في سياق موازٍ، في خطوة غير مسبوقة أحدثت هزة في المجتمع الدبلوماسي الدولي، رحبت الهند بحرارة بالاتحاد الأفريقي خلال القمة، وعد المراقبون التحول إلى دور «بطل الجنوب» العالمي، هو أكبر مساهمة للهند. ويتضمن ذلك تحويل «مجموعة العشرين» إلى «مجموعة الـ21» مستقبلاً، من خلال ضم الاتحاد الأفريقي. وما يستحق الذكر، أن مصادر مطلعة أكدت أن هذه الفكرة جرى طرحها في يونيو (حزيران) من هذا العام، عندما كتب مودي إلى قادة «مجموعة العشرين» مقترحاً منح الاتحاد الأفريقي «العضوية الكاملة» في قمة نيودلهي.
وأضافت المصادر أن الفكرة نشأت بعد قمة «صوت الجنوب العالمي» في يناير (كانون الثاني) من هذا العام، التي شاركت فيها معظم دول القارة الأفريقية البالغ عددها 55 دولة. وجرت المناقشات في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، مقر الاتحاد الأفريقي. وحتى ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى دولة واحدة من القارة الأفريقية بأكملها في «مجموعة العشرين» هي جنوب أفريقيا.
من ناحيتهم، شكا عدد من الزعماء الأفارقة من أن أوروبا ممثلة بخمس دول، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في حين يستحق الاتحاد الأفريقي بدوره تمثيلاً مماثلاً. ومعلوم أن ناريندرا مودي، الذي أجرى زيارات لـ10 دول على الأقل في أفريقيا خلال السنوات التسع الماضية، أطلق حوارات مع قادة العالم، بما في ذلك الرئيس الأميركي بايدن والرئيس الروسي بوتين، بالإضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ونال دعمهم لضم الاتحاد الأفريقي. وكانت حجة الزعيم الهندي في ذلك واضحة، ومفادها أن المستقبل المستدام لكوكبنا يتطلب الاعتراف بجميع الأصوات وتمثيلها، خاصة الأصوات الآتية من العالم النامي.
وهنا، أعرب الكاتب شوباجيت روي، عن اعتقاده أن هذه الخطوة «رسخت مكانة الهند بقوة بوصفها قوة جيوسياسية صاعدة عالمياً. كما يعد ذلك انعكاسا لقوة روابط نيودلهي بأفريقيا، ويتزامن كذلك مع تطلع الهند للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ما يعد سبباً وراء حرص نيودلهي على حشد دعم أفريقيا التي تمتلك 55 صوتاً».
وفي هذا الإطار، نشير إلى أن تواصل الهند المنظم مع أفريقيا كان قد بدأ عام 2008، ولكن مع ذلك نجحت الصين في «سرقة» المسيرة، بعدما كانت قد بدأت تواصلها مع القارة الأفريقية لأول مرة عام 2000، عندما كان جيانغ زيمين رئيساً. ولقد بدأ عمل «منتدى التعاون الصيني - الأفريقي» (فوكاك) عندما انعقد الاجتماع الوزاري الأول في بكين ذلك العام، وقد قطعت الصين شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين، ما يعد دليلاً على تطور المصالح الصينية داخل القارة الأفريقية.
رحبت الهند بحرارة بالاتحاد الأفريقي خلال قمة «مجموعة العشرين»
الرئيس الصيني شي جينبينغ (آ ب)
الهند والولايات المتحدة في «متابعة مشتركة» للحالة الصينية
وفق جملة من التحليلات والتوقعات، تظل الهند من أكثر الحلفاء أهمية للولايات المتحدة، في حين تبقى الصين في خلفية الصورة الأكبر هنا.
وما يمكن ملاحظته في هذا الإطار، أن الرئيس الأميركي جو بايدن تعمد تجنب إحراج القيادة الهندية، وذلك من خلال امتناعه عن الإعلان عن سلبية توجهات واشنطن إزاء بكين. لكن، مع ذلك، ما تلمسه الأوساط السياسية الهندية أن الأولوية الكبرى عند واشنطن إشراك نيودلهي في اللعبة الطويلة ضد الصين. وعلاوة على ذلك، وفي مسار مواز ومقابل، فإن الموافقة على الإعلان لا تنطوي على تهديد لموقف الولايات المتحدة تجاه روسيا، وليس ثمة رسالة من واشنطن إلى موسكو بأنها ستخفف من قوة سياستها تجاه دعم أوكرانيا أو انتقاد «عدوان» موسكو.
في مطلق الأحوال، استغلت الولايات المتحدة فراغ السلطة في غياب الرئيس الصيني لاتخاذ خطوة مهمة لتعزيز جهودها من أجل توقيع اتفاقات دفاعية جديدة مع الهند.
ويأمل بايدن حاليا في الاعتماد على سلسلة مشروعات البنية التحتية والاستثمارات الجديدة بوصفها دليلا قويا وموثوقا على التزام واشنطن تجاه دول العالم النامي، وتقديم بديل أفضل وأكثر موثوقية من الصين.
السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيضhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/4549076-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%AA%D9%8A%D9%85-%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%B8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA
السيناتور تيم سكوت... المرشح الأسود الوحيد المحافظ في التنافس على البيت الأبيض
لا يوجد مرشح بين كوكبة المرشحين الرئاسيين الأميركيين عن الحزب الجمهوري مثل تيم سكوت (57 سنة)، السيناتور الأسود عن ولاية ساوث كارولينا، والمرشح الأسود الوحيد الحالي في حلبة انتخابات 2024، التي يَبرز فيها الرئيس السابق دونالد ترمب. سكوت سليل أسرة من العبيد المحرَّرين، والابن الثاني لأم مطلقة، عزَبٌ، ولا يعاقر الكحول. وقد بدأ مشواره العملي بائع تأمين، وعاش حياة صعبة قبل نجاحه الفريد في اقتحام عالم السياسة، ثم إنه شهد في المتاجر، وعلى الطرق، والإنترنت، وحتى في مبنى «الكابيتول» بالولايات المتحدة نفسها، التفرقة العنصرية، لكنه مع ذلك كان دائماً راضياً ومتفائلاً، بل ربما يكون السياسي البارز الوحيد الذي لا يرى في البلاد عنصرية، ولا يعدّ نفسه ضحية لها. ومن أقواله «أميركا ليست دولة عنصرية... في أميركا فقط يمكن لقصتي أن تستمر بالطريقة التي ظهرت بها». هذه رسالة قد تفيد الآن محاولته الرئاسية، لكن مع استبعاد أن تنجح في إقناع الناخبين الجمهوريين في اختياره، لعلّه يراهن على تغيرٍ ما في المدى البعيد.
تيم سكوت هو، اليوم، السيناتور الجمهوري الأسود الوحيد في «مجلس الشيوخ الأميركي»، والشخص الأسود الوحيد الذي خدم على الإطلاق في مجلسي «الكونغرس»، هو واحد من 11 شخصاً أسود فقط في تاريخ البلاد، نالوا عضوية «مجلس الشيوخ»، وواحد من ثلاثة فقط (إلى جانب الديمقراطييْن كوري بوكر ورافائيل وارنوك) أعضاء حالياً في هذا المجلس.
الجدير بالذكر أن سكوت هو أيضاً أول جمهوري أسود يُنتخب لمنصب سياسي في ولاية ساوث كارولينا. وكان عام 1996، قد تحدّى عضو مجلس شيوخ الولاية؛ وهو الديمقراطي روبرت فورد، الذي كان يعمل لدى مارتن لوثر كينغ «الابن»، واعتُقل 73 مرة خلال حركة الحقوق المدنية، لكنه خسر أمامه بفارق كبير (35 في المائة مقابل 65 في المائة)، وكان قريباً من السيناتور التاريخي الراحل ستروم ثورموند؛ أحد دعاة الفصل العنصري، في «مجلس الشيوخ» عام 1996. وحول علاقته السياسية بثورموند أوضح سكوت، ذات مرة: «إن الناس يغيّرون رأيهم».
خطواته السياسية
بعد ذلك تقلّب سكوت في عدد من المواقع السياسية الصغيرة على مستوى مدينته تشارلستون (حتى عام 2009)، أو على مستوى الولاية؛ حيث انتُخب عضواً في مجلس نوابها (بين 2009 و2011). وللعلم، في دورة عام 2010 التي حدّدها «حزب الشاي» - الجناح المحافظ في «الحزب الجمهوري» - في منطقة ثلاثةُ أرباع سكانها من البيض، ترشّح سكوت وتغلّب على بول ثورموند (أصغر أبناء ستروم ثورموند في الانتخابات التمهيدية). وبدعم من سارة بالين وكيفن مكارثي وإريك كانتور، أصبح سكوت رسمياً عام 2011 أول جمهوري أسود يُنتخب لعضوية «مجلس النواب الأميركي» منذ عام 1897.
بعدها، صادقت نيكي هيلي - التي كانت آنذاك حاكمة الولاية والمرشحة الرئاسية الحالية - على تعيين سكوت، بعد انتخابات خاصة، عضواً في «مجلس الشيوخ الأميركي» عام 2014؛ وذلك لملء مقعد السيناتور جيم ديمينت، الذي استقال لتولّي رئاسة مركز «هيريتيدج فاونديشن»؛ أحد أبرز مراكز أبحاث اليمين المحافظ الأميركية. ولاحقاً، انتُخب عام 2016 لولاية كاملة، وأُعيد انتخابه عام 2022، غير أن أبرز تجليات طموحه السياسي كانت، في 12 أبريل (نيسان) الماضي 2023، عندما شكَّل سكوت لجنة استكشافية تشكل الإعلان الفعلي عن ترشحه للانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري لعام 2024. وحقاً، قدَّم أوراق ترشحه إلى «لجنة الانتخابات الفيدرالية»، يوم 19 مايو (أيار)، وأعلن ترشحه رسمياً بعد 3 أيام.
النشأة والمسيرة
بعد نحو 150 سنة من جلب أسلافه المستعبَدين إلى ساوث كارولينا، وُلد تيموثي يوجين سكوت، في الضاحية الشمالية من مدينة تشارلستون يوم 19 سبتمبر (أيلول) 1965. وكان في السابعة من عمره عندما وقع الطلاق بين والديه، وانتقل في سن السابعة للعيش مع أمه - التي كانت تعمل مساعِدة ممرضة - وشقيقه الأكبر في بيت جدّه لأمه في بيئة فقيرة متواضعة. وفي ذلك البيت تقاسم مع أمه وشقيقه، الذي أصبح فيما بعد رقيباً أول في الجيش، غرفة بسرير واحد. أما الجد فما كان يجيد القراءة والكتابة؛ لكونه ترك المدرسة في الصف الثالث، ليعمل في جمع القطن مقابل 50 سنتاً في اليوم، لكنه مع ذلك كان متابعاً نهماً لما يُنشَر في الصحف اليومية.
معجزة الأسود على بطاقة الاقتراع
أيضاً، كان تيم الصغير وجدّه شغوفين بالمصارعة المحترفة في منتصف السبعينيات، وشجّعا هيوستن هاريس، الذي كان يحمل اسم «بوبو برازيل»، وهو أول رجل أسود في «تحالف المصارعة الوطني». وكتب سكوت، حينها: «لقد ساعدَنا نجاحه على رؤية العالم الذي كان جدّي يسعى من أجله، وأنه يمكننا فعل المزيد. يمكننا أن نتقدم أكثر».
وفي عام 2008، عندما ترشّح وفاز بمقعد في مجلس الولاية المحلي، كان قد اصطحب جده للتصويت في الانتخابات الرئاسية، ذلك العام. غير أن الجد لم يتمكن من قراءة بطاقة الاقتراع، فأشار إلى اسم باراك أوباما. وبينما كان يقوده إلى المنزل، نظر إلى جده، الذي كانت الدموع تنهمر على وجهه. وقال جده: «تيمي، المعجزة ليست في فوزه أم لا... المعجزة هي أنه على ورقة الاقتراع!... تيمي، لأكثر من نصف حياتي، لم يكن يُسمَح لي بالتصويت».
وبضفته طالباً جديداً في مدرسة «آر بي ستال» الثانوية، في شمال تشارلستون، فشل تيم سكوت في مواد اللغة الإنجليزية واللغة الإسبانية والجغرافيا والتربية المدنية، وهو ما فرض على أمه إرساله إلى مدرسة صيفية، كما فرض عليه البحث عن عمل ليدفع مصاريفها.
وقبل سنته الأخيرة الدراسية، في أواخر أغسطس (آب) من عام 1982، غفا سكوت أثناء قيادته سيارة أمه، فانقلب بالسيارة وكُسر كاحله، وتعرَّض لإصابة في ظهره، ما قلّل من اهتمام الجامعات الكبرى به بوصفه لاعب كرة قدم، ومن ثم كانت وظيفته الأولى في دار سينما محلية، ليفرقع الفشار «البوب كورن». وفي فترات الاستراحة كان يذهب إلى محل الوجبات السريعة «شيك- فيل-إيه» القريب، ويطلب دائماً الوجبة نفسها، بطاطا مقلية وماء؛ لأنه كان الشيء الوحيد الذي يمكنه تحمُّل تكلفته.
يومذاك، لاحظه مالك المحل، وهو رجل أبيض محافظ يُدعى جون مونيز. وسرعان ما صار مونيز مرشداً له وقدوة غيّر مسار حياته، وكان ينقل له «مبادئ الأعمال المحافظة»... وحول هذه المحطة من مسيرته يقول سكوت: «لقد مكّنني من أن أفكر في طريقي للخروج من هذا الفقر». وحقاً، رغم العوز واضطراره للعمل من أجل الإنفاق على ضرورات الحياة، بدأ مسيرته مع التعليم العالي، فالتحق، عام 1988، بالكلية المعمدانية في تشارلستون، مستفيداً من منحة رياضية، إلا أنه لم يبق في الكلية سوى سنة واحدة انتقل بعدها إلى جامعة تشارلستون سوذرن (وهي أيضاً تتبع الكنيسة المعمدانية البروتستانتية، حيث تخرَّج بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.
بعد ذلك، بدأ سكوت بيع التأمين، وبرزت قدراته بوصفه رجل أعمال، بعدما أسّس شركة عقارية، لديها اليوم 3 آلاف عميل، كما أنه لم ينس - وهو العزَب حتى هذه اللحظة - شراء منزل لوالدته. ولكن، عودةً إلى السياسة، فإنه يقول، في كتاب نشره عام 2022، إنه همس لنفسه، ذات ليلة، وهو في السرير: «الرئيس تيم سكوت»، ثم قال لصديق له: «أنا سأفعل ذلك... سأترشح للرئاسة».
وتابع: «في بعض الأحيان كنت أتلقى رسائل مليئة بالكراهية مع إهانات عنصرية، هي معلّقة الآن على خزانتي». ويضيف: «وأحياناً شعرت بمزيد من العنصرية... حتى من أصدقائي السود»، الذين أطلقوا عليه اسم «أوريو» (على اسم البسكويت الشهير الأسود المحشو بكِريما بيضاء). وتفسيره لذلك «لأنني لم أكن أحقق توقعات التفكير الجماعي داخل المدرسة».
أيضاً كتب سكوت عن تعرضه للتوقيف من قِبل رجال الشرطة، أكثر من 20 مرة، خلال 20 سنة، شارحاً «لم يُوقفوني لأنني تجاوزت الحد الأقصى للسرعة، بل لكوني أسود». وفي السياق نفسه ذكر أن شرطة «الكابيتول»، بدورها، أوقفته 5 مرات بينما كان في طريقه إلى مبنى «الكابيتول» للإدلاء بصوته... «وفي كل مرة، بعد أن أُظهِر للضابط أوراق اعتمادي، كانوا يعتقلونني. وفي كل مرة، كان عليّ أن أطلب من زملائي البيض التعريف عني».
لا يرى عنصرية في أميركا ولا يعدّ نفسه ضحية
ترمب ليس عنصرياً
بعد إطلاق النار على كنيسة الأم إيمانويل، في مدينته تشارلستون عام 2015، انضمّ سكوت إلى نيكي هيلي في دعم إزالة علم الكونفدرالية من مبنى «الكابيتول» بالولاية. وقال يومذاك، في بيان: «لا أعتقد أن الغالبية العظمى من أولئك الذين يدعمون العلم، لديهم كراهية في قلوبهم، لكن من الواضح أن هذه هي الخطوة الصحيحة إلى الأمام، بالنسبة لولايتنا».
أيضاً إبان الأحداث التي أعقبت تجمّع العنصريين البيض في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، صيف 2017، انزعج من تعليق للرئيس السابق دونالد ترمب، بأنه «كان هناك أشخاص طيبون على كلا الجانبين»، فقال «أعتقد أن الرئيس قد تخلّى هنا عن سلطته الأخلاقية للقيادة». إلا أنه حين سئل، فيما بعد، عمّا إذا كان يؤمن بأن ترمب عنصري، أجاب «لا أعتقد، هل هو غير حساس عنصرياً؟ نعم... لكن هل هو عنصري؟ لا». ثم، في مقابلة مع الإعلامي اليميني شون هانيتي، على محطة «فوكس نيوز»، قال: «ربما لا توجد خلافات كثيرة معه على الإطلاق. أنا ممتنّ جداً لوجود ترمب في منصبه».
وكتب، في كتابه: «لا يهمُّني لمَن صوَّتَّ أو ما رأيك في انتخابات 2020، لكن ما حدث في 6 يناير (كانون الثاني) كان خطأ». ومع ذلك فهو لم يلُم ترمب، على وجه التحديد، واكتفى بوصف ذلك التمرد بـ«أن هذا اليوم المأساوي - على حد تعبيره - كان تتويجاً لداء أفراد اتخذوا خيارات سيئة».
مواقف مختلفة
اجتماعياً، يصف تيم سكوت نفسه بأنه «مؤيد للحياة، ومعارض صريح للإجهاض». وخلال مقابلة عام 2023، قال إنه سيوقّع على قانون حظر الإجهاض الفيدرالي لمدة 20 أسبوعاً، إذا ما انتُخب رئيساً. بيد أنه تهرَّب من الأسئلة حول ما إذا كان يؤيد حظر الإجهاض لمدة 6 أسابيع، وهي القضية التي تقسِّم المرشحين الجمهوريين وتُحرجهم في مواجهة تنامي الرفض الوطني لتقييد الإجهاض، حتى في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون.
أيضاً يعارض سكوت زواج المثليين، وكان قد صوّتَ ضد قانون احترام الزواج لعام 2022، الذي ينصّ على الاعتراف القانوني الفيدرالي بزواج المثليين. وفي المناظرة الجمهورية الأولى، التي أُجريت الشهر الماضي، قال «إذا جعلك الله رجلاً، فأنت تلعب الرياضة ضد الرجال».
وفي موضوع الهجرة، يدعم سكوت تشديد العقوبات على أصحاب العمل الذين يشغِّلون مهاجرين غير شرعيين عن علم. ويدعم تعزيز «الاستيعاب الثقافي»، من خلال جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية، وتعليمها للمهاجرين الجدد.
واستراتيجياً، دعا سكوت، الذي عارض التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، إلى استمرار الوجود العسكري في أفغانستان، وهو يبرر فيقول «لأن الانسحاب المبكر سيفيد تنظيم القاعدة»، ثم إنه ينظر إلى إيران باعتبارها «أخطر دولة في العالم»، ويعتقد أن على الولايات المتحدة مساعدة الجماعات الإيرانية المؤيِّدة للديمقراطية هناك.
وأخيراً، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وردّاً على جهود الصين لشراء شركات التكنولوجيا الأميركية، كان سكوت واحداً من 9 رعاة لمشروع قانون مِن شأنه توسيع قدرة الحكومة الفيدرالية على منع المشتريات الأجنبية للشركات الأميركية، وذلك من خلال تعزيز لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، والسماح لها بمراجعة، وربما رفض الاستثمارات الصغيرة، وإضافة عوامل الأمن القومي.
شرطة «الكابيتول» أوقفته 5 مرات وفي كل مرة كان يطلب من زملائه البيض التعريف عنه
نيوسوم يمهّد الطريق أمام ترشّح محتمل... ولبناني ــ أميركي لحملة «الخضر»
نيوسوم (أ ف ب)
في مقابلة صحافية لافتة بتوقيتها، أدلى غافين نيوسوم، الحاكم الديمقراطي لولاية كاليفورنيا، أكبر ولاية أميركية من حيث عدد السكان والقوة الاقتصادية، بتصريحات حملت رسائل عدة. وجاءت هذه المقابلة، مع تصاعد التكهنات عمّا إذا كان الرئيس جو بايدن سيتخلى عن مواصلة ترشحه في انتخابات 2024. نيوسوم يُعدّ من الشخصيات السياسية البارزة في «الحزب الديمقراطي»، ويتمتع بحضور شخصي و«كاريزما» تحظى باحترام الكثيرين. وهذا الأمر قد يؤهله لأن يكون أحد أبرز المرشحين، في أية مرحلة من مراحل السباق الرئاسي، على أثر توقعات أشارت إلى احتمال تنحّي بايدن قبل المؤتمر الوطني للحزب، ما قد يطيح بحظوظ أي مرشح من خارج الطبقة السياسية الديمقراطية.
بايدن (رويترز)
وعلى الرغم من انتقاد نيوسوم لترمب والجمهوريين عموماً، فإنه سخِر بشكل خاص من حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، بشأن تلاشي حظوظه الرئاسية. وقال، في مقابلة مع مجلة «بوليتيكو» معلِّقاً: «لقد تخبط بطنه... أفضل شيء يمكن أن يحدث لديسانتيس غداً هو أن يحزم أمتعته ويحتفظ بأمواله ويقاتل في يوم آخر».
في الواقع، لطالما استمتع نيوسوم بانتقاد ديسانتيس، مستخدماً خصمه الجمهوري غطاء لمهاجمة السياسات المحافِظة وتعزيز السياسات الليبرالية في كاليفورنيا. وفي وقت سابق من هذا العام، علَّق على تأرجح ديسانتيس في كاليفورنيا، من خلال توقع تعثر ترشحه. وقال نيوسوم، في مارس (آذار): «سيدخنك ترمب».
هذا التوقع قد يكون صحيحاً، إذ تراجع ديسانتيس كثيراً خلف الرئيس السابق دونالد ترمب، في استطلاعات رأي الجمهوريين في كاليفورنيا، ما يمهد الطريق لترمب الذي يحافظ على تقدمه، في الحصول على أكبر خزان من أصوات المندوبين الرئاسيين في الولاية. لكن نيوسوم لم يكتفِ بمهاجمة حاكم فلوريدا، بل سخِر أيضاً من المرشحين الجمهوريين المنافسين لترمب، قائلاً «هؤلاء الأشخاص انتهوا... إنهم نُخب». ووفق عدد من المراقبين، اعتبرت تعليقات نيوسوم إعلاناً مباشراً وتصويباً على خصمه الأقوى ترمب، في جهد واضح لإعادة الإمساك بالناخبين الديمقراطيين والمستقلّين الذين لا يرفضون ترمب فحسب، بل بايدن أيضاً، في ظل استطلاعات الرأي الأخيرة.
من جهة ثانية، لعلَّ الجديد الأكثر إثارة في المشهد الانتخابي هو إعلان كورنيل ويست، الباحث اليساري والمرشح الرئاسي عن «حزب الخضر»، يوم الاثنين، تعيين بيتر ضو، المدير السابق لحملة هيلاري كلينتون، مديراً لحملته. ويضيف هذا الاختيار مزيداً من الأسئلة حول المسارات المقبلة على الديمقراطيين.
ضو (58 سنة) عازف جاز ومنتِج موسيقى لبناني أميركي، وجد طريقه إلى السياسة، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد بدأ مدوّناً ليبرالياً ثم أصبح مستشاراً رقمياً لحملة جون كيري الرئاسية عام 2004، وحملة هيلاري كلينتون عام 2008.
ترمب (آ ف ب)
بعدها، كان تأييده لبيرني ساندرز عام 2016، بداية سلسلة من التحولات غير المسبوقة في سياساته، إذ استقال، منذ ذلك الحين، من «الحزب الديمقراطي»، ودعا الرئيس بايدن إلى الاستقالة بسبب مزاعم التحرش، خلال الحملة الانتخابية 2020، وهو الآن يسخر من «الحديث الليبرالي» للديمقراطيين: «6 يناير، الرجل البرتقالي سيئ، بوتين..». ونشر هذه التغريدة على منصة «إكس (تويتر سابقاً)».
وبعدما ألّف ضو كتاباً عام 2019، قال فيه: «لا يوجد شيء في الحياة الأميركية يشكل تهديداً لديمقراطيتنا أكثر من ميل الحزب الجمهوري إلى اليمين المتطرف»، نراه يقول، اليوم، إن الحزب الديمقراطي «يشكل في حد ذاته تهديداً للديمقراطية». لكن، رغم ذلك يرى أن انتخاب ترمب مرة أخرى سيعني نهاية العالم ونهاية البلاد.
على أية حال، يحمّل ضو الحزبين المسؤولية عن التقصير في حماية الديمقراطية بسبب احتكارهما التمثيل. ويقول من المؤكد أن اختيار جو بايدن يشكل تهديداً للديمقراطية، حيث لا يريد 67 في المائة من الناخبين الديمقراطيين أن يكون هو مرشح الحزب.
حظر «العباية» في المدارس يضع مسلمي فرنسا أمام جدل سياسي جديدhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/4549066-%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%A9%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D9%8A%D8%B6%D8%B9-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF
حظر «العباية» في المدارس يضع مسلمي فرنسا أمام جدل سياسي جديد
طالبات مسلمات طُردن من مدرستهن بسبب العباية (رويترز)
يكشف الحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين، في النقاش العام الفرنسي، التهميش السياسي لأولئك الذين يُصار إلى تقديمهم على أنهم تهديد للتعددية الديمقراطية. والواقع أنه لا الثقل البشري والاقتصادي لهذه الجالية ولا محاولات التنظيم التي بادرت بها بعض الحكومات، كحكومة جان بيار شوفنمان وحكومة نيكولا ساركوزي، استطاعت أن تخرج الجالية المسلمة، خصوصاً الشمال أفريقية، من دائرة الوصم والتهميش التي تتخبط فيها منذ عقود. ولكن الفرنسيين استقبلوا الدخول المدرسي على وقع جدل سياسي كبير، بسبب قرار وزير التربية والتعليم، غبريال آتال، الأحد 28 أغسطس (آب) الماضي، حظر ارتداء «العباية» في المدارس بوصفها رمزاً دينياً. وكان الوزير الجديد، الذي تسلَّم حقيبة التربية والتعليم، أواخر يوليو (تموز)، قد صرح، في مقابلة مع قناة «تي إف أ» بأن «ارتياد المدرسة بالعباية مظهر ديني يرمي إلى اختبار مدى مقاومة الجمهورية، على صعيد ما يجب أن تشكله المدرسة من صَرح علماني... ولا يجوز تمييز ديانة التلاميذ من خلال الزي الذي يرتدونه في القسم»، مشدداً على سعيه لوضع «قواعد واضحة على المستوى الوطني» لمديري المدارس أخيراً.
في الرسالة التي بعث بها غبريال آتال، وزير التربية الجديد، إلى هؤلاء، أوضح أنه يجب إعطاء الأولوية «للحوار» مع التلميذات وأهاليهم، وتجنب طرد أي تلميذة إلا بعد استنفاد كل سبل التحاور. وكان القرار قد جاء على خلفية معلومات كشفت عنها وزارة التربية تفيد بأن نسبة «الانتهاكات» التي طالت «قانون العلمانية» في المدارس قد بلغت (منذ 2021) 120 في المائة، معظمها بسبب ما يُسمى بـ«العباية»، وهي فستان ذو كُمّ طويل وعريض متداوَل بشدة عند الفتيات المسلمات. ووردت هذه المعلومات في أعقاب تسجيل أكثر من 5000 بلاغ وصل لمصالح وزارة التربية، ويتعلق بنحو 513 مؤسسة تربوية، معظمها ثانويات، زُعم أن قوانين العلمانية قد انتُهكت فيها. وبالمناسبة، بلغ عدد البلاغات أرقاماً قياسية، بالأخص، خلال شهر رمضان وفي المناسبات الدينية التي يكثر فيها إقبال الفتيات على ارتداء هذا النوع من اللباس التقليدي.
غبريال آتال (أ ف ب)
تدابير حازمة
هذه المعطيات جعلت «مجلس حُكماء العلمانية وقيَم الجمهورية»، وهو الهيئة التي تراقب حسن تطبيق قانون العلمانية في المدارس، ينصح وزير التربية، اعتباراً من يونيو (حزيران) 2022، باتخاذ تدابير «حازمة» لتدارك الوضع، وهذا وفق مذكرة سرية كشفت عنها صحيفة «لوموند»، علماً بأن الوزير السابق، باب انداي، كان قد رفض حظر «العباية»، وهو الموقف الذي كلفه منصبه الوزاري، حسب بعض التقارير.
للتذكير، البرلمان الفرنسي كان قد صادق يوم 15 مارس (آذار) من عام 2004 بـ494 صوتاً مقابل 36 على قانون يمنع كل الرموز الدينية في المدارس الحكومية، ومنها الحجاب الإسلامي والقلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية، لكن الجدل تركز على الحجاب الإسلامي. ورغم القرار الوزاري، كشفت صحيفة «ليبراسيون» في عددها الصادر يوم 5 سبتمبر (أيلول) الحالي عن أن أكثر من 300 تلميذة قصدن المدارس وهن مرتديات «العباية»، وأن 67 منهن رفضن خلعها مفضلات العودة إلى بيوتهن.
في هذه الأثناء، قابلت نقابات المعلمين القرار بكثير من الحذر، وذكرت أن «هناك مشكلات أهم من العباية» في قطاع التعليم، كأزمة العجز في عديد الجهاز التعليمي، حيث ينقص المؤسسات التربوية الفرنسية سنوياً نحو 300 معلم.
اليمين يرحب بالقرار
سياسياً، خص الرئيس إيمانويل ماكرون قناة أحد المؤثرين الذين يحظون بشعبية كبيرة لدى الشباب بحوار ربط فيه بين اغتيال مدرس التاريخ والجغرافيا صامويل باتي عام 2019 والرموز الدينية في المدارس، وأردف: «أنا لا أوازي بين ارتداء الفتيات المسلمات لهذا الزي والإرهاب، لكنني هنا أؤكد أن تطبيق مبدأ العلمانية مهم بالنسبة لنا». وخلال زيارته لثانوية مهنية في أورانج بجنوب فرنسا قال: «لن ندع أي شيء يمر. نعلم أنه ستكون هناك حالات... ربما بسبب الإهمال... لكن علينا أن نكون حازمين».
بدورها، رفضت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، كل اتهامات «الوصم» والتمييز التي قد تستهدف المسلمين، فقالت على أمواج إذاعة «أر تي آل» موضحة: «أريد أن أوضح الأمور... ليس هناك أي محاولة للوصم. فلكل واحد من مواطنينا، أيّاً كانت ديانته، مكانه في بلادنا». وكذلك أدلى وزير الاقتصاد برونو لومير بدلوه الذي صرح لـ«إذاعة أوروب 1» قائلاً: «الإسلام السياسي يمتحننا ويمتحن حدودنا وقدرتنا على المواجهة منذ سنوات... شيء جيد أن يقول وزير مسؤول عن تربية الأطفال وتعليمهم وتكوينهم: كفى، للإسلام السياسي».
غير أن الترحيب الأكثر حرارة بقرار وزير التربية والتعليم بحظر العباية في المدارس جاء من الأوساط السياسية اليمينية، بدءاً بـ«العائلة السياسية» للوزير. وحقاً تلقى الوزير آتال دعماً واسعاً من قبل شخصيات كثيرة من اليمين الفرنسي، كالرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي هنّأه على قراره، مهاجماً في الوقت ذاته الوزير السابق باب انداي: «الذي ترك مديري المدارس يتخبطون في المشكلات بمفردهم»، حسب كلام ساركوزي. وتفاعل إيريك سيوتي، زعيم كتلة الجمهوريين، أيضاً مع قرار الوزير على منصة «إكس» («تويتر» سابقاً) فكتب: «الطائفية آفة تهدد الجمهورية، ولقد طالبنا مراراً بمنع ارتداء العبايات في المدارس... وأنا أُحيّي قرار وزير التربية». وبطبيعة الحال، أعلن قادة اليمين المتطرف دعمهم القوي، يتقدمهم إيريك زمور زعيم حزب «روكونكيت» (أو «الاستعادة») الذي أكد «تأييده الكامل»، وطالَب «بخطوات أكثر جرأة». إذ قال على منصة «إكس» أيضاً إن «حظر ارتداء العباية خطوة أولى جيدة إذا ما طُبقت فعلاً... نحن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنطالب بتعميم الزي الرسمي لتفادي كل تحريض إسلامي في المدارس».
لم يختلف كثيراً موقف غريغوار دو فورناس، نائب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد الذي ترأسه مارين لوبان، إذ استغل الجدل ليذكّر على المنصة نفسها بأنه «لم نكن لنبتهج بمنع ارتداء العباية لو لم نتبنَّ سياسة انفتاح واسعة تجاه الهجرة. هذه الخطوة بداية حسنة، إلا أنها أشبه بمحاولة إفراغ البحر بملعقة صغيرة... لأنها لم تحل المشكلة من العمق».
جيرالد درمانان (أ ف ب/غيتي)
تباين في مواقف اليسار...
في المقابل، جاء أبرز ردود الفعل المستنكرة من جان لوك ميلونشون، زعيم كتلة اليسار المتطرف «فرنسا الأبية»، الذي عبر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن حزنه لأن «الدخول المدرسي أصبح عرضة للاستقطاب السياسي». وتابع ميلانشون أن «العلمانية يجب أن تكون عامل سلام وليس عامل انقسام... وما تقوم به الحكومة ليس إلا حرباً دينية سخيفة مصطنعة حول لباس نسوي».
وفي الاتجاه نفسه، عدّت ماتيلد بانو، زعيمة كتلة نواب «فرنسا الأبية»، في البرلمان أن الوزير الجديد آتال «مهووس بالمسلمين، وتحديداً بالمسلمات... بما أنه ترك كل المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم، كنقص المعلمين وانخفاض مستوى التلاميذ، وركز اهتمامه على الفتيات المسلمات ولباسهن». وأضافت زميلتها النائبة كليمونتين أوتان أن الوزير الجديد اخترع «شرطة للثياب». في حين أعلن منسق حزب «فرنسا الأبية»، إيمانويل بومبار، أنه يُحضّر لتقديم شكوى إلى مجلس الدولة لأن القرار غير «دستوري» ويتعارض مع الحريات الفردية.
غير أن معسكر اليسار الفرنسي لم يشهد إجماعاً بهذا الشأن (أي حظر العباية في المدارس) بل قسم الجدل آراء اليساريين، ذلك أنه في حين أبدى حزب «فرنسا الأبية» وحزب «الخضر» معارضتهما، أيد كل من الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي القرار الوزاري؛ إذ حيّا النائب الاشتراكي جيروم غادج قرار الوزير باسم العلمانية، وكذلك فعل زعيم الشيوعيين، فابيان روسيل.
قانون مناهضة
«الانفصال» الإسلامي!
الواقع أن الجدل حول ارتداء العباية ليس الأول من نوعه إبان ولاية الرئيس ماكرون، بل سبقه قانون أثار كثيراً من الجدل أيضاً، هو قانون «مناهضة الانفصالية» أو «التيارات الانعزالية». وهذا القانون عرضه وزير الداخلية جيرالد درمانان ابتداءً من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ثم تبناه أعضاء الجمعية الوطنية في فرنسا (البرلمان) بشكل نهائي في يوليو 2021.
اليوم يُعرف هذا القانون رسمياً بـ«قانون تعزيز مبادئ الجمهورية»، وجرى التعريف به أول مرة باسم «مكافحة الإسلام الانفصالي». ويومذاك طرحه درمانان على أنه القانون الذي «يقدم ردوداً ملموسة على الانعزال المرتكز على الهوية، وعلى انتشار التطرف الإسلامي، الذي يمثل آيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية». بيد أن المعارضين، لا سيما من اليسار، رأوا في هذا القانون استهدافاً للمسلمين ورؤية ضيقة للعلمانية. ومع هذا بررت الحكومة الفرنسية، في حينه، طرح المشروع بأنه «يعزز قيَم الجمهورية العلمانية»، تماماً كما بررت أخيراً قرار حظر ارتداء العباية، واعتبرت أن ارتداءها «يهدد علمانية الدولة».
«قانون تعزيز مبادئ الجمهورية» عده كثيرون تطوراً خطيراً، لكونه يقضي بتجريم المسلمين الذين يخالفون قوانين الجمهورية بعقوبة سجن 5 سنوات، وغرامات مالية قد تصل إلى 75 ألف يورو لكل مَن يهدد أو يعتدي على مسؤول أو موظف. ويعاقب بالسجن والغرامات أيضاً كل مَن يرفض اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض النساء الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيب، أو الرجال من قبل طبيبة، أو تنظيم أوقات مخصصة للنساء في المسابح، أو تقديم وجبات أكل خاصة في المدارس. بل ذهبت آني جنفار، وهي نائبة عن اليمين، إلى حد اقتراح إدراج الرقصات الشعبية المغاربية والأفريقية وحمل الأعلام الأجنبية في الأفراح ضمن قائمة لائحة المحظورات التي قد يعاقب عليها «قانون مناهضة الانعزالية الإسلامية».
على صعيد آخر، أثار هذا القانون ردود فعل غاضبة على المستوى الخارجي، لا سيما بعد خطاب ماكرون الذي قال فيه إن «الإسلام ديانة تعيش أزمة في كل مكان في العالم». ويذكر أن القانون كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية بين باريس وأنقرة، حين وصفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه «ضربة مقصلة في حق الديمقراطية الفرنسية»، ونددت به عدة جمعيات حقوقية، كـ«منظمة العفو الدولية»، إذ عدّت الناطقة الرسمية باسمها، آن صوفي سيمبار، القانون، «تعسفياً».
أيضاً كشف موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقل أن هذا القانون تسبب إلى غاية الآن في وقف نشاطات عدة جمعيات خيرية ومحلات يديرها المسلمون، إضافة إلى إغلاق عدة مدارس قرآنية ومساجد، كما أخضعت آلاف المؤسسات الإسلامية للتحقيق، وأغلق نحو 900 منها، بالإضافة إلى مصادرة أكثر من 55 مليون يورو.
النموذج العلماني الفرنسي
جدير بالذكر أن فرنسا تنتهج شكلاً صارماً من العلمانية أُسّس في فترة مبكرة من تاريخها المعاصر حين كُرس في القانون عام 1905، وهذا بعد صراع ضد رجال الكنيسة (الإكليروس) الكاثوليك. وهذا الشكل مُصمم للفصل بين الدين والحياة العامة؛ إذ تنص علمانية الدولة على أن الأماكن العامة، سواء أكانت مؤسسات تعليمية أو وظيفية، يجب أن تكون خالية تماماً من كل الرموز الدينية.
غير أن ظاهرة تنامي الهجرة من بلدان إسلامية إلى فرنسا ساهمت في حدوث أزمات بخصوص كيفية التعامل مع التنوع الجديد الدخيل على المجتمع الفرنسي، فبرزت مقاربات فاقمت المشكلات في ظل تأسيسها على العداء للمهاجرين وتراجع الثقة بالمسلمين.
كذلك شكل هذا النموذج العلماني الصارم عائقاً أمام ممارسة بعض المسلمين لمعتقداتهم الدينية، على خلفية تمسكهم بتطبيق الشرائع الدينية، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة لمعهد «ستاتيستا» نشرت في مارس (آذار) 2023، جاء فيها أن 58 في المائة من الأشخاص الذين أعلنوا أنهم مسلمون يُطبقون الشرائع الدينية بانتظام مقابل 15 في المائة فقط من المسيحيين الكاثوليك. وكشفت الدراسة أيضاً أن 80 في المائة منهم مثلاً لا يتعاطون الخمر، وأن 60 في المائة مواظبون على صلاة الجمعة.
في هذا السياق، يقول الباحث جوزيف مسعد شارحاً إن «أزمة فرنسا مع الإسلام هي إرث 200 سنة من الوحشية الاستعمارية. وهي تقليدٌ فرنسي علماني مُتعارف عليه بين الفرنسيين منذ قديم الزمان»، ثم أشار إلى أن الرئيس الحالي ماكرون ليس أول حاكم فرنسي أراد «تحرير» الإسلام، بل سبقه نابليون بونابرت، عندما غزا مصر بحجة رغبته في تحريرها من استبداد المماليك.
وفعلاً، تُظهِر مقارنة بسيطة بين فرنسا و«جاراتها» من الديمقراطيات الغربية مدى الاختلاف والتنوع والتعارض مع الدول الأوروبية الذي تعيش فيه جاليات مسلمة كبيرة. ولعل الاختلاف يظهر بصورة واضحة في النموذج الأنجلوسكسوني، الذي يعترف بالكنيسة، لكنه لا يحظر الرموز الدينية في الفضاء العام أو الخاص.
حتى في إسبانيا، فإن «قانون 2010» الذي أرسى فيها مبدأ العلمانية يمنع استعمال الصليب في المدارس، لكن وزارة التربية لا تفرض أي قوانين، بل تترك للأقاليم الحرية في تنظيم شؤون سكانها. ونظراً للتقليد الديني القوي للإسبانيين وانتشار الكنائس، فالجدل المتعلق بالممارسات الدينية شبه غائب، ولم يُسمع إلا عن قضيتين هما لفتاة في مدريد عام 2010 وأخرى في إقليم الباسك عام 2014 مُنعتا من دخول المدرسة بسبب ارتداء الحجاب، والمشكلة حُلّت بالتحاقهما بمدرسة خاصة.
من جهة ثانية، فإن ألمانيا، بالنظر إلى تاريخها المعاصر، بلد حريص على احترام الأقليات، وليس هناك فصل بين الكنيسة والدولة، مقابل أن للأقليات الدينية الحقَّ في الطعن في أي قرار تراه تعسفياً. وكانت تقارير صحافية قد نقلت أخيراً قضية فتاة من مدينة هامبورغ تقدمت بشكوى وافق عليها القضاء الألماني بعدما مُنعت من أداء امتحان بسبب ارتدائها النقاب.
أما في السويد، فكل الرموز الدينية مُباحة في الحيز العام والخاص وفقاً لقانون يضمنه دستور البلاد. وكانت المحكمة العليا للسويد قد أدانت بلدية سكاني، بجنوب السويد، بعدما منعت البلدية نساء مسلمات من العمل بسبب ارتداء الحجاب. وغير بعيد عن السويد، تمنع الدنمارك تغطية الوجه بارتداء البرقع منذ 2018، وتفرض غرامة مالية على كل مَن يخالف هذا القانون. وفي النرويج وفنلندا البرقع محظور، علماً بأن الرابطة الوطنية لكرة القدم تمنح للفتيات المسلمات حجاباً رياضياً لتشجيعهنّ على ممارسة الرياضة.
حقائق
البرلمان الفرنسي كان صادق في 2004 بـ494 صوتاً مقابل 36 على قانون يمنع كل الرموز الدينية في المدارس الحكومية
أزمة عزلة المسلمين... أم أزمة فرنسا؟
> من جملة الانتقادات التي وُجهت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد ما أقرّ بأن «المسلمين يعيشون في عزلة قد تهدد مبدأ العلمانية»، فكرة أن السلطات الفرنسية هي مَن وضعت هذه الجاليات في عزلة.
وأليسَتْ هي مَن استقطبت الجاليات المغاربية والأفريقية للعمل في مناجم الفحم ومصانع السيارات، ووضعتهم في «غيتوهات» بضواحي المدن حريصةً على عدم اختلاطهم بالأوروبيين البيض؟ والأدهى، كما يلاحظ المراقبون، أنها (أي فرنسا) لم ترَ أن هذه الجالية قد توسعت وأصبح لها اليوم ثقل بشري واقتصادي مهم، بأجيال ثانية وثالثة من الهجرة يملكون، خلافاً لآبائهم، ثقافة مزدوجة، وأن هؤلاء مُتمسكون بمعتقداتهم الدينية، وأيضاً بالموطن الذي نشأوا فيه (أي فرنسا).
قرار منع العباية في المدارس أثار جدلاً واسعاً في فرنسا (أ.ف.ب)
بل، ربما لوحظ (كما يرى البعض) أن محاربة الإسلام أضحت خزاناً انتخابياً للسياسيين والمرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ إذ يُصار في كل مرة إلى احتلال الفضاء الإعلامي بالكلام التهويلي عن الإسلام والهجرة، من أجل تخويف الفرنسيين وكسب الأصوات في الانتخابات.
قرار منع العباية في المدارس أثار جدلاً واسعاً في فرنسا (أ.ف.ب)
ولذا فإن إشكالية حظر العباية في المدارس ليست إلا أحدث مثال على السياسيين الذين يتوددون إلى اليمين المتطرف، عبر التلويح بالتشدد ضد الإسلام في بيئة سياسية شعبوية على حساب الأقلية المسلمة، وهو أمر أكدته كثير من الدراسات، آخرها من إنجاز معهد «إبسوس» الذي كشف فيها أن 80 في المائة من الفرنسين يؤيدون قرار وزير التربية بحظر العباية في المدارس، بمن فيهم الفرنسيون ذوو الخلفيات اليسارية، حيث إن 65 في المائة منهم يؤيدون القرار أيضاً.
في أي حال، ورغم تهميشها، فالجالية المسلمة في فرنسا هي الأهم في أوروبا. إذ يُقدر تعداد المسلمين في هذا البلد بنحو 5 ملايين، معظمهم جاليات من المغرب العربي وأفريقيا الفرنكوفونية، إضافة إلى تركيا وجنوب شرقي آسيا، لا سيما الهند وباكستان، وهو ما يمثل نسبة 10 في المائة من سكان هذا البلد. وتعيش نسبة كبيرة من هؤلاء في منطقة الـ«إيل دو فرانس» (أي العاصمة باريس وضواحيها)، وكذلك ضواحي مرسيليا وليون ومدن أخرى في جنوب فرنسا. أخيراً، يشكو العديد من المسلمين الفرنسيين، منذ فترة طويلة، حسب تقرير لموقع ذي «إنترسبت»، من التمييز والتهميش الذي ساهم في فقرهم وعزلتهم داخل مجتمعاتهم. ويوضح تقرير آخر لموقع «ذا سوشياليست» أن المسلمين الفرنسيين يواجهون تمييزاً واسع النطاق، مع معدلات بطالة وفقر أعلى بثلاث مرات من المتوسط الوطني، ودخل سنوي أقل بنسبة 30 في المائة.
حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/4535891-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%C2%AB%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9%C2%BB-%D9%82%D9%84%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A9
حدود الأردن الشمالية «خاصرة» قلقة تقترب من الحرب المفتوحة
رصد أمني وعسكري (خاص بالشرق الأوسط)
بهدوء وحذر، وبعيداً عن الاستعراض ووسط شح من المعلومات، تخوض القوات المسلحة الأردنية (الجيش العربي) حرباً مفتوحة ضد ميليشيات تهريب السلاح والمخدرات الآتية من الأراضي السورية، وذلك وسط مخاوف من ارتفاع وتيرة عملياتها مع اقتراب فصل الشتاء، الذي تنشط خلاله الميليشيات مختبئة تحت جناح الظروف الجوية الصعبة للمنطقة المضطربة. وعلى طول الحدود الأردنية المشتركة الممتدة لنحو 370 كلم، ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة في الجنوب السوري، تصاعد القلق من الخطر الآتي من الشمال بعد تمركز ميليشيات تابعة لإيران وحزب الله، والتي بعثت رسائل قلق في أكثر من مناسبة، ما دفع الجيش الأردني لخوض حرب على أكثر من جبهة ضد تلك الميليشيات المحسوبة على النظام السوري من جهة، وضد عصابات تنظيم «داعش» الإرهابي من جهة أخرى.
نُخَب أردنية دعت لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية لقد دفعت تطورات الجنوب السوري، بما فيها تهريب المخدرات والسلاح، الأجهزة العسكرية والأمنية في الأردن إلى دعم جماعات من العشائر والقوى المحليّة المعتدلة في الجنوب السوري المقرّبة من الأردن. ولم يعُد سرّاً أن عمّان أرخت لهم مساعدات في غير مناسبة لمواجهة الخطر المتمثّل في وجود قوى متناحرة داخل سوريا وإيران وجماعاتها و«داعش» وعصاباته، وهما الخصمان اللذان جمعهما مشترك واحد وهو ضرب استقرار الأردن. وحقاً، ذهبت المساعدة الأردنية من خلال وسطاء موثوقين، وكان لهم دور أصيل في تشكيل خطوط دفاع متقدمة. ما يحصل اليوم أخذ أبعاداً جديدة من الحرب على عصابات المخدرات، فعمليات التهريب أخذت طابعاً متطوّراً بعد دخول الطائرات المسيّرة (الدّرون). وإذا كان المعتاد أن تحمل تلك الطائرات مواد مخدّرة، فإن الجديد حملها لمتفجرات الـ«تي إن تي» TNT أسقطتها الدفاعات العسكرية التي تتعامل مع تحرّكات مستمرة واستفزازات قريبة من الحدود، طامعة تلك التحرّكات في الوصول إلى أهداف متقدّمة لتنفيذ مخطّطات إرهابية.
وهنا، يأتي الحديث عن بثّ أخبار مختصرة لحالة الحدود وطبيعة المواجهات مع ميليشيات المخدرات، «ليس كل ما يقوم به الجيش على الحدود الشمالية قابلاً للتداول إعلامياً». ومن هنا يأتي الحذر من التناول الأمني للقضية، حتى وإن أسهب السياسيون في تحليل المشهد وتطوراته.
أجواء تعبئة
لحرب محتملةتقود نخب سياسية وإعلامية جهداً تعبوياً للرأي العام تجاه التطورات في الجنوب السوري. فالكتّاب الصحافيون المقرّبون من دوائر القرار كثّفوا في الآونة الأخيرة من كلامهم حول خطورة الأحداث على الحدود، واحتمالات ارتفاع حدة الحرب على المخدرات لتتضمن مباغتات ومفاجآت. ومن ثم ضمّنوا آراءهم باتهامات ناعمة نحو «لا جدية» النظام السوري في تنفيذ التزاماته الأمنية تجاه ضبط الحدود من جهته، وردع الميليشيات المحسوبة على حلفاء سوريا التي صنعت اقتصاداً متكاملاً من تجارة المخدرات والسلاح، وأصبحت قوى ذات نفوذ واسع.
هذا، وكانت «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع الماضي، قد نقلت جانباً من الانطباعات السياسية المنقولة عن مراكز القرار على صفحات قادة الرأي المحليين الذين تكلّموا عن «حالة من عدم الاكتراث السورية لكل حسابات الأردن، ما ولّد استياءً أردنياً رسمياً، من تصرّفات دمشق الرسمية»... وأنه على الرغم من «كل المحاولات لحضّ السوريين على وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدّرات، وتموضع تنظيمات وميليشيات قرب الحدود مع الأردن، فإن شيئاً لم يتغير بشكل جذري».
حرب حقيقية...
ومعاقبة للجيران
وخلُص بعض الساسة وقادة الرأي إلى أن هناك «حرباً حقيقية بكامل التعبئة العسكرية يخوضها الأردن وقواته المسلحة بإسناد أجهزته الأمنية على طول الحدود الشمالية والشرقية»، وأن ما يجري على الحدود الشمالية هو «حرب كاملة الأهلية عسكرياً، هي خط دفاع أول وأخير، عن عمق إقليمي يتجاوز النقاط الحدودية الأردنية».
وعلى المنوال ذاته، كتب آخرون ما اعتبروه بـ«البعد السياسي والأمني» لانخراط الحرس الثوري والميليشيات التي تتبعه في عمليات التهريب في محاولة لإزعاج الأردن أمنياً، إضافة إلى «قناعات لدى بعض الأوساط في الحكم في سوريا أن تهريب المُخدّرات إلى الأردن ودول أخرى مُعاقبةً لها على موقفها من النظام السوري في فترة الحرب»، كما اعتبروها «قناعة سورية وإيرانية بأن ملف تهريب المخدّرات ورقة سياسية للطرفين سواءً للضغط السوري في ملف المساعدات من الخليج أو إعادة الإعمار أو إيرانياً للتفاوض حول مصالحها».
هذا الكلام، وإن صدر عن وزير إعلام أردني أسبق هو سميح المعايطة، فإنه شدّد على أن شبكات التهريب ليست «نشاطاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لسوريا وإيران وميليشيات وحسب، بل هو ورقة للضغط والابتزاز السياسي، ما يؤشّر على أن عمليات التهريب لن تتوقّف في المدى المنظور».
وفي سياق متصل، نُخَب أردنية دعت صراحة على أكثر من منبر لضرورة فك الارتباط بين المسارين الأمني والسياسي في التعامل مع الأزمة السورية؛ لأن كلام دمشق المعتدل سياسياً لا ينعكس على جنوبها أمنياً. وهنا يقول اللواء المتقاعد عودة شديفات إن السياسة لا تتعارض مع أولوية حفظ أمن الأردن وحماية حدوده، حتى لو استدعى الأمر «توجيه ضربات داخل الأراضي السورية وإنهاء الخطر قبل وصوله الحدود».
بالعودة لكلام السياسيين، فقد كان الأكثر تقدّماً في نقده وهجومه لارتخاء النظام السوري ولا جديته في مواجهة نشاط ميليشيات المخدرات في الجنوب السوري، مقال نُشر على حلقتين لعضو مجلس الأعيان (مجلس الملك) محمد داودية. داودية وصف الجنوب السوري بـ«تورا بورا الجديدة»، بعدما أصبحت مركزاً للمخدرات الآتية من إيران عبر العراق إلى سوريا، كما أن سوريا ولبنان يشكلان مركزاً إقليمياً لتصنيع وتوزيع الحبوب المخدّرة بحسب «تقرير الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات».
كذلك، أشار عضو مجلس الأعيان إلى أن مهرّبي المخدّرات والسلاح، يشكلّون رأس الحربة وطليعة حواضن المنظومة الإقليمية للشرّ والإرهاب، التي تعمل في الجنوب السوري منتهزة انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا التي كانت ضامنة لـ«اتفاقية درعا» عام 2018، التي أطرافها الأردن وروسيا وأميركا، وهي الاتفاقية التي أتاحت للنظام السوري بسط سيطرته على المدن والقرى في محافظة درعا.
ويُذكّر أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تنبّه مبكراً إلى تأثير انصراف روسيا إلى حربها مع أوكرانيا على منطقتنا. وقد تحقق تحذير الملك من «تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا»، فـ«الفراغ الذي نجم عن خروج روسيا من سوريا سيملؤه، الإيرانيون ووكلاؤهم».
ولقد أشار داودية إلى ما يوحي بأنها معلومات أمنية بقوله «تتكوّن في جنوب سوريا بالقرب من حدودنا الشمالية، في «ولاية حوران»، بؤرة شر إرهابية قوامها تنظيم «داعش» الذي يأخذ اسمَ تمويهٍ مُضلِلاً هو الغرباء، بدعم من نظام الملالي الإيراني». وأردف أن «النظام السوري فقد السيطرة على إنتاج وتصدير المخدّرات والسلاح والإرهاب؛ لأنه مستفيدٌ من مليارات الدولارات التي تدرّها عمليات الشرّ التي تديرها على الأراضي السورية»؛ إما تهريباً من إيران عبر العراق وإما إنتاجاً في مصانع ومنشآت لا يمكن إخفاؤها، وميليشيات مسلحة تسخّر أبناء الجنوب السوري مقابل الأجر ليقوموا بعمليات التهريب.
عمليات نوعية...
وتطوّر الموقف
لم يعُد خافياً بأن هناك جهداً استخبارياً أردنياً مكّن من تنفيذ طلعتين جويتين أسفرتا عن ضرب مصانع للمخدّرات، وقتل أحد كبار التجار والمهرّبين، وجاء ذلك في وقت بعثت فيه عمّان رسائل جادّة للسوريين بأن التقصير من جانبهم لن يوقف جهود المملكة في مكافحة المخدرات، كما لم يوقف حالة الانفلات التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.
صحيح أن المصادر الأردنية لم تعلّق على الأنباء التي تحدّثت عن ضربة جوية من جانبها استهدفت تجمّعاً لمهرّبي المخدّرات المنتشرين في الجنوب السوري، حيث تنشط تجارة وتهريب الكبتاغون الأسبوع الماضي. إلا أن المصادر التي تحدثت إلى «الشرق الأوسط» أكدت «مضي الأردن قدماً في حربه على ميليشيات تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية»، مضيفةً أن هناك «قصوراً رسمياً سورياً في مكافحة تصنيع وتجارة المخدرات على أرضه».
وعن الضربة الأخيرة، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن الطلعة الأخيرة جرى «تنفيذها بطائرة مسيرة عن بُعد»، وقد ضربت مزرعة يُعتقد بأنها تضم مصنعاً لإنتاج المخدرات وتخزينها لأحد كبار المهربين، ولكن لم يتسرّب عن تلك العملية معلومات كافية تكشف عن عمق الضربة وأثرها على حركة تهريب المخدرات. وللعلم، تتبّعت «الشرق الأوسط» على موقع (X) للتواصل الاجتماعي بعض الصفحات التي أشارت إلى أن الضربة كانت متوقعة للموقع قبل تنفيذها بأسبوع، وأن تحذيراً تلقاه مَن فيها، ويُعتقد بأن جهات محسوبة على النظام نقلت هذا التحذير عن النظام نفسه.
دور المسيرات (خاص بالشرق الأوسط)
لا جدّية إزاء تنفيذ الالتزامات
لقد غابت الجدية عن السوريين في المضي قدماً في تنفيذ الالتزامات التي أبرمت في اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة السورية في اجتماعاتها التي انعقدت في الرياض وعمّان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.
هذا الأمر أوقع عمّان فيما يمكن وصفه بـ«خيبة أمل» أمام استمرار إدارة الأزمة السورية، ما يؤدي إلى طول أمد معاناة السوريين أمنياً وإنسانياً وسياسياً. وفي تقدير المصادر الأردنية أن السوريين بدأوا التراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة بموجب المبادرة الأردنية «خطوة مقابل خطوة»، وترك لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع فضائية «سكاي نيوز» الشهر الماضي، ظلالاً سلبية على مستقبل الالتزام السوري بعد «نفض يده» من المسؤولية عن أزمة المخدّرات والسيطرة عليها.
ما يُذكر أنه في الثامن من مايو (أيار) الماضي، كان الأردن قد نفّذ غارة جوية نادرة، داخل الجنوب السوري وأسفرت عن مقتل أحد زعماء عصابات تهريب المخدرات، وتدمير منشأة مخدرات مهجورة في محافظة درعا (جنوبي سوريا) مرتبطة بـ«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.
العملية الجوية التي نفّذها سلاح الجو الأردني، ولم تعلق عليها المصادر الرسمية الأردنية بالتأكيد أو النفي وقتها، تزامنت في اليوم ذاته مع تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قال فيه إن الأردن سيُعلن في الوقت المناسب عن أي خطوة سيتم اتخاذها لحماية الأمن الوطني للمملكة»، وذلك في سياق إجابته عن سؤال في مؤتمر صحافي حول مواجهة قضية تهريب المخدرات من سوريا التي تشكّل تهديداً كبيراً للأردن والمنطقة.
لقد أضحت سلسلة الأخبار عن إحباط عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومتفجرات، إلى جانب إحباط محاولات تسلّل لمجموعات من المسلحين إلى داخل الأراضي الأردنية بعد تطبيق قواعد الاشتباك، واعتقال عدد منهم وفرار آخرين إلى الداخل السوري، خبراً روتينياً يكشف عن حجم القلق الآتي من الحدود، والمخاوف من تطور الأحداث. وبالتالي، تطور الحالة الأمنية العسكرية وما يصاحبها من مخاطر وتداعيات مفتوحة.
التحديات تتزامن مع المباحثات
وفي هذا، يؤكد اللواء المتقاعد عودة شديفات أن التحدّيات المتزايدة على الحدود الشمالية جاءت في وقت تشهد المباحثات السياسية بين البلدين حديثاً صريحاً عن تداعيات أزمة الجنوب السوري وخطر مصانع المخدرات المنتشرة على نطاق واسع، واصفاً التحديات الأمنية في الداخل السوري بأنها عبءٌ ثقيل ومسؤولية كبيرة تتحملها المملكة وحدها، خصوصاً في ظل حالة الفوضى وضعف سيطرة النظام السوري على مناطقه.
المخاوف التي يتحدث عنها اللواء شديفات تدفعه للتعليق على حجم الفوضى الذي قد يستدعي عودة نشاط تنظيم «داعش» الإرهابي لتحقيق أهدافه في ضرب الحدود الأردنية وتنفيذ عمليات انتقامية، معتبراً أن زيادة عمليات التهريب للمخدّرات والسلاح خلال الأسابيع القليلة الماضية يفاقم من مخاوف عودة النشاط الإرهابي بصوره التقليدية. وهذا ما استدعى تغيير قواعد الاشتباك مع خطر الحدود، مع تقدّم واضح في جهود العمليات الاستخبارية التي وفّرت قاعدة بيانات واسعة عن طبيعة نشاط الميليشيات ومصانع المخدّرات المنتشرة، والتي باتت تغطي أكلاف تمويل جماعات محسوبة على إيران و«حزب الله» في إطار خطة إدامة الحرب وحالة اللا استقرار».
من ثم، فإن «غياب الاهتمام السوري الرسمي قد يضع الأردن في خيارات سياسية عسكرية مفتوحة»، بحسب اللواء المتقاعد محمد الرقاد، الذي أضاف أن ذلك سينعكس سلباً على الأمن السياسي والعسكري في المنطقة.
ويؤكد الرقاد أن أمام الجيش العربي الأردني خيارات متعدّدة لحماية الحدود، وقد طور قواعد الاشتباك لمواجهة «حرب المخدرات» التي تجاوزت تهريبها باستخدام تقنيات عسكرية متطورة ضد الطائرات المسيرة التي تهرّب المخدرات والأسلحة والقنابل والمتفجرات، الأمر الذي يترك باب تطور المواجهات العسكرية الميدانية على احتمالات أكثر خطورة.
لقطة من المنطقة الحدودية الأردنية (خاص بالشرق الأوسط
ملف اللاجئين السوريين... وعجز الحكومة عن الاستمرار في الوضع الحالي
> أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الخميس الماضي، أن الأردن يواجه تحدياً كبيراً في تهريب المخدرات من سوريا، وهو مستمر في مواجهته بكل إمكانياته. وخلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الآيرلندي ميهال مارتن في عمّان، قال الصفدي: «إن الأردن سيقوم بكل ما يلزم لدحر هذا الخطر وحماية المجتمع الأردني منه».
بتفكيك بسيط للعبارة الرسمية، فإن ذلك يشي برغبة تعقب واستهدافٍ محتملين قد يطول نشاط العصابات الآتية لاختراق الحدود وحتى المتمركزة في مواقعها في العمق السوري، فالدحر الأردني مفردة يختلف مفادها عن الصدّ.
وباقتضاب، أضاف الصفدي «أن الأردن لن يكون قادراً على استقبال المزيد من اللاجئين». وهنا تأتي قضية اللاجئين على رأس المخاوف الأردنية من خطر تدفق أفواج جديدة من اللجوء السوري مدفوعة بأسباب الحرب وانعدام الاستقرار، لا سيما في ظل التطورات الأخيرة في بعض المناطق السورية، منها السويداء ودير الزور.
وكان الأردن الرسمي قد رفع في الآونة الأخيرة من وتيرة مطالباته في وضع حد للأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، مصارحاً بأنه تجاوز قدراته في استضافته للاجئين السوريين على أرضه، وأن على المجتمع الدولي، بالتالي، التعامل مع الواقع الإنساني للسوريين. ومن ثم بدأت التصريحات الرسمية تُكثف من دعوتها إلى ضرورة ضمان «عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين»، أمام تفاقم أزمتهم أردنياً على إثر تراجع المساعدات المقدمة لهم وزيادة الضغط على الاقتصاد الأردني.
في هذه المسألة جدال آخر نشأ بين نخب تقليدية ومسؤولين رسميين، فنائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي طالب بـ«العودة الفورية» للاجئين السورين، وكان النائب السابق نبيل غيشان تمنى كذلك أن تسقط مفردة «طوعية» من القاموس الرسمي الأردني، وذلك في معرض تعليقيهما على تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الصفدي حول ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفورية لإيجاد الظروف «اللازمة لعودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى وطنهم، وأن مستقبل اللاجئين السوريين هو في بلدهم وليس في الأردن، ما يوجب تركيز الجهود على توفير متطلبات العودة والعيش الكريم للاجئين في سوريا».
جدير بالذكر، أن الأردن يستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، 10 في المائة منهم يعيشون في المخيمات، بينما هناك أكثر من 150 ألف طالب سوري، مسجلّون في النظام التعليمي الرسمي، ما أدى لعمل أكثر من 200 مدرسة وفق نظام الفترتين.
أيضاً، يتمتع السوريون بإمكانية الوصول للخدمات الصحية؛ إذ تمكن أكثر من 320 ألفاً العام الماضي وحده، من الوصول إلى النظام الصحي. وعلى الرغم من ارتفاع معدل البطالة الذي يصل لـ24 في المائة في الأردن، «قدم الأردن أكثر من 370 ألف تصريح عمل للسوريين، مع وجود أرقام مضاعفة من السوريين الذين يعملون من دون تصاريح.
عندما استيقظ العالم، صباح 30 أغسطس (آب) الماضي، على بيان يعلن الإطاحة بحكم علي بونغو، رئيس الغابون، لم ير أحدٌ وجه ذلك الجنرال القوي الذي قرّر الإطاحة بالرئيس. ربما كان يقف في الظل يرتّب مصير الرئيس وأسرته، ويصدر الأوامر لأولئك الذين سارعوا بالوقوف أمام الكاميرات، فذلك الجنرال الشاب، الذي عرف العالم بعده أن اسمه بريس أوليغي نغيما، كان واحداً ممن اعتادوا البقاء في الظل. رجل يتكلم بهدوء، ولا ينفعل إلا نادراً، إلا أنه فجأةً قرّر التمرد على كل ذلك، فأنهى، في ليلة واحدة، حياته السابقة، وقرّر أن يتصدر المشهد، في واحدة من أغنى البلدان في أفريقيا، وأفقرها شعوباً.
ليلة الانقلاب في الغابون، ظهر رجل البلاد «القوي» الجديد مُنهياً حكم «أسرة بونغو»، الذي استمر نحو 55 سنة، وللعِلم، يمتُّ الجنرال بريس أوليغي نغيما لهذه الأسرة بصلة قرابة... والأهم أنه يَدين لهم بالولاء، وخصوصاً إلى الرئيس عمر بونغو (الأب)، الذي كان نغيما أحد أقرب رجاله وظلّ مرافقاً له حتى لحظات عمره الأخيرة.
بيد أن علي، الرئيس الابن، لم يُكنّ للضابط الصاعد بسرعة على سُلّم الرتب العسكرية والنفوذ، مشاعر الود نفسها، إذ إنه كان قد أبعده لعقد كامل، ثم أعاده فجأة، لتبدأ العلاقة بين الرجلين فصلها الدرامي الأكثر إثارة.
البداية والنشأة
اسم «الجنرال» الكامل بريس كلوتير أوليغي نغيما، وهو من مواليد عام 1975 في مقاطعة أوت أوغوي، في أقصى جنوب شرقي الغابون، على الحدود مع جمهورية الكونغو (الكونغو - برازافيل)، وهي المقاطعة التي ينحدر منها بونغو.
لم يعانِ بريس الفقر والحاجة مثل كثيرين غيره من أطفال الغابون؛ لكون أسرته ميسورة الحال ومقرَّبة من أسرة بونغو، فأمه هي ابنة عم الرئيس المخلوع علي بونغو، ونشأ بوصفه واحداً من أبناء الأسرة الأقوى في البلاد، وسار على خطى والده، وواصل مسيرته المهنية في الجيش.
وفي سن مبكرة، انضم إلى وحدة الحرس الجمهوري، التي هي التنظيم العسكري الأقوى في الغابون، بعدما درس في الأكاديمية العسكرية الملكية المرموقة في مكناس بالمغرب، مُحاطاً بدعم أسرة الرئيس وثقتهم. وتقدّم بسرعة في مساره العسكري، مرتقياً سُلَّم المناصب، حتى أصبح مساعداً للرئيس (الأب) عمر بونغو، الذي حكم الغابون 41 سنة. وطوال الفترة التي أمضاها نغيما من عام 2005، حتى وفاة الرئيس الأب عام 2009 في أحد مستشفيات مدينة برشلونة الإسبانية، كان الضابط الشاب يُعامَل بوصفه أحد أفراد الأسرة الحاكمة.
ولكن في حين كان نغيما ينتظر مكافأة إخلاصه وتفانيه في خدمة الرئيس الأب، فيحقق مزيداً من الصعود في عهد «الوريث الابن» علي، لم يجد الضابط الشاب من الأخير سوى الفتور والإبعاد، ذلك أن الرئيس الجديد أقصاه عن الدائرة الداخلية المقرَّبة منه، وإن اتخذ ذلك الإقصاء شكل الترقية ليصبح ملحقاً عسكرياً في سفارتي الغابون بالمغرب والسنغال. غير أن الرحلة التي طالت لنحو 10 سنوات كانت كافية لأن ينسى الغابونيون - أو على الأقل النخبة الحاكمة فيها - وجه ذلك الضابط الذي اعتاد الجميع رؤيته قريباً من الرئيس التاريخي للبلاد.
لقد بقي الضابط نغيما متنقلاً بين الرباط وداكار، ينعم بسنوات دون أحداث تُذكَر؛ لا في حياته، ولا في تاريخ بلاده، بينما كان الرئيس علي بونغو ينتقل من فترة حكم إلى أخرى، ولا شيء تقريباً يتغير، إلى أن جاءت لحظة العودة مجدداً إلى المشهد، وكان ذلك عام 2018.
العودة إلى الأضواء
في أكتوبر (تشرين الثاني) 2018، استُدعي نغيما إلى الغابون، ليحلّ محل العقيد فريديريك بونغو (الأخ غير الشقيق للرئيس) على رأس «جهاز استخبارات الحرس الجمهوري»، التي تُعرَف رسمياً باسم «المديرية العامة للخدمات الخاصة (DGSS)».
ربما لا يعرف أحد تفاصيل الخلاف الذي وقع بين علي بونغو وأخيه غير الشقيق، لكن المؤكَّد أن الرئيس، الذي تعرَّض، في ذلك العام، لجلطة دماغية عجّلت بنقله إلى المستشفى العسكري في العاصمة المغربية لتلقّي العلاج، بحث في دفاتره القديمة عمّن يمكن الوثوق به في ذلك الموقع الخطير، فبرز اسم بريس نغيما.
من جهة ثانية، لعلَّ الرئيس ظنّ أن 10 سنوات من الابتعاد كافية لأن يدرك الضابط الشاب كثيراً من الحقائق، وقد يشعر بالامتنان للرئيس الذي أعاده مجدداً إلى الأضواء. وحقاً، عاد نيغما جنرالاً متحمساً للعمل، فكرّس حياته للحفاظ على نظام الرئيس علي بونغو، مستعيداً ثقته سريعاً، ومرتقياً بالسرعة نفسها إلى أعلى المواقع العسكرية.
إذ بعد أشهر معدودة على عودة نغيما إلى الغابون، عُيّن رئيساً للحرس الجمهوري، وما إنْ تسلَّم مهامّه حتى عزّز نظام الحماية الخاص بعلي بونغو، إلا أن الإصلاح الأكثر أهمية الذي قام به، كان تطوير «قسم التدخلات الخاصة» (وحدة خاصة وُضعت تحت السلطة المباشرة للرئيس)، التي رفع عدد أفرادها من نحو ثلاثين إلى أكثر من 300 عنصر. ووصل به الأمر إلى أن ألّف نشيداً لهذه الوحدة، يكرِّر الجنود فقراته بحماس، وخصوصاً البيت الذي يقول «سأدافع عن رئيسي بشرف وإخلاص».
مرحلة اتساع النفوذ
في تلك الفترة، اتسع نطاق نفوذ الجنرال القوي، ولم يقتصر على قوات الحرس الجمهوري التي زاد من قوتها وتسليحها، بل عمل - وفق شهادات قدَّمها مقرَّبون من نغيما، لوسائل إعلام غربية؛ منها وكالة «أ.ف.ب» الفرنسية - على مدّ نفوذه إلى بقية قطاعات الجيش، فازدادت شعبيته في صفوف القوات المسلَّحة، بعدما أقنع الرئيس بونغو بتحسين الأحوال المعيشية وظروف العمل للجنود، وذلك بتطوير المنشآت وتمويل مدارس لأبناء الجنود.
لكن نغيما حافظ، حتى ذلك الحين، على موقعه بوصفه «رجل الظل»، الذي يستشعر الجميع سطوته، دون أن يسمعوا صوته. وبعكس الوتيرة التي كانت تسير بها حياة الجنرال نغيما على مدى السنوات العشر التي أمضاها خارج بلاده، سارت السنوات الأخيرة حافلة بالأحداث. وباعتباره حجر الزاوية في جهاز أمن نظام الرئيس بونغو، أخذ يراقب عن كثب ما يجري في نهر السياسة، الذي لا يبعد كثيراً في دولة مثل الغابون عن أعين الجيش والمؤسسات الأمنية.
كان الرئيس علي بونغو، الذي تركت الأزمة الصحية التي واجهها قبل سنوات آثاراً واضحة على قدرته على الكلام والحركة، يواجه معارضة متنامية، سواء من الأحزاب أم في الشارع. وتمنَّى كثيرون - ربما بينهم الجنرال نغيما - ألا يترشح لفترة رئاسية ثالثة، وكانوا يأملون أن يوافق على أن يلعب دوراً في تأهيل «وريث» جديد من أسرة بونغو. ووفق موقع «موند أفريك» الفرنسي، جرى تكليف نغيما بمساعدة نجل علي بونغو؛ نور الدين بونغو فالنتان، من أجل الاستعداد لخلافة والده، لكن الرئيس اتخذ قراره بخوض الانتخابات المثيرة للجدل، رغم كل المحاذير، وكان هذا الفصل الأخطر من علاقته الدرامية مع الجنرال الطامح.
محطة مصيرية
أُجريت الانتخابات يوم 26 أغسطس (آب) المنصرم، وأُعلن فوز الرئيس بفترة رئاسية ثالثة ليلة الـ30 من ذلك الشهر. في حينه ربما كان الرئيس يفكر في استدعاء جنراله القوي ورئيس حرسه الجمهوري، ليناقش معه خطط التحضير لحفل تنصيب كبير يغطي به على احتجاجات المعارضة وغضب الشارع والاتهامات بتزوير الانتخابات.
ولكن بعد ساعات من إعلان نتيجة الانتخابات، جاء الجنرال نغيما بلا دعوة، وبوجه غير الذي اعتاد بونغو أن يراه.
في تلك اللحظة لم يكن الجنرالُ الحارسَ المؤتمَن على أمن الرئيس والنظام برُمّته، بل الرجل الذي قرر أن يُنهي 55 سنة من حكم الأسرة التي عاش في كنفها كل سنوات عمره، وحكمت بلاده لأكثر من نصف قرن.
في صباح الأربعاء الباكر، الموافق 30 أغسطس، أعلنت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني، عبر التلفزيون الرسمي، الاستيلاء على السلطة، وإلغاء الانتخابات، وإغلاق الحدود حتى إشعار آخر... بعدها بساعات أعلنوا عن إخضاع الرئيس علي بونغو لـ«الإقامة الجبرية»، ثم إحالته لـ«التقاعد».
رغم كل الانتقادات وحملات الهجوم ضد الخطوة التي اتخذها «جنرال الظل الغابوني»، فإنه لم يتراجع. وبعدما ظهر الرئيس في فيديو مسرَّب وهو يستغيث بـ«أصدقاء الغابون» للتحرّك وإنقاذه، كان تحرك الجنرال أسرع، فتوارى الرئيس تماماً عن الأنظار، بينما ظهر رجل بزيٍّ عسكري وقبعة خضراء، وجنود يرفعونه في الهواء وهم يهتفون له.
الجنرال نغيما، الذي اختاره قادة الأجهزة العسكرية والأمنية في الغابون ليكون رئيساً للفترة الانتقالية التي لم تتحدد في البلاد، أكد، في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن الرئيس بونغو «متقاعد ويتمتع بجميع حقوقه، مثل أي شخص آخر». وعند سؤاله «هل ترى نفسك رئيساً جديداً لدولة الغابون؟» أجاب «لم أعلن نفسي بعدُ، ولا أفكّر في أي شيء في الوقت الراهن». وحول الإعداد لهذا الانقلاب، وما إذا كان قد بدأ قبل فترة طويلة... أم أن نتائج انتخابات 26 أغسطس، وإعلان فوز الرئيس بونغو، هما ما دفع ضباط الجيش للتحرك، قال نغيما «أنتم تعلمون أنه يوجد استياء في الغابون، وبعيداً عن هذا الاستياء، هناك مسألة مرض رئيس الدولة... الجميع يتكلّم عن ذلك الأمر، لكن لا أحد يتحمل المسؤولية... وليس لديه (أي الرئيس) الحق بالبقاء في منصبه لولاية ثالثة. لقد حدث تجاهل للدستور. وطريقة الانتخابات بحد ذاتها لم تكن جيدة، لذا قرّر الجيش طيَّ الصفحة، وأن يرتقي إلى مستوى مسؤولياته».
الوجه الآخر
اللافت أن الجنرال نغيما ورفاقه من قادة الانقلاب لم يبنوا تبريرهم الإطاحة بحكم بونغو، على قضية الانتخابات وحدها، بل سعوا إلى مغازلة الشارع عبر اعتقال عدد من الشخصيات والمسؤولين المتنفّذين في النظام، الذين وُجّه إليهم عدد من التهم؛ من بينها «الخيانة العظمى»، و«اختلاس أموال الدولة».
كانت هناك انتقادات طالت بونغو بسبب اقتصاد البلاد المتهالك، رغم الثروات التي تزخر بها، فالغابون واحدة من أغنى الدول في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عائدات النفط، وقلة عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة. النفط يشكل 60 في المائة من إيرادات البلاد، وبهذا تُعدّ سابع أكبر منتج له في أفريقيا، كما أنها عضو بمنظمة «أوبك».
في المقابل، يعيش فرد واحد، من أصل كل 3، تحت خط الفقر، وما يقرب من 40 في المائة من الغابونيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة عاطلون عن العمل، وفقاً لـ«البنك الدولي».
هذه ما كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها نغيما قضايا الفساد وسيلة لكسب الشعبية، بل بعد فترة قصيرة من تولّيه رئاسة الحرس الجمهوري، أطلق عملية «الأيدي النظيفة»، الهادفة إلى تعقُّب الفاسدين والمختلسين، ولقيت هذه الحملة ترحيباً شعبياً، ولم يتصور أحد أن الجنرال القويّ الداعي إلى اجتثاث الفساد والفاسدين من الدولة، كان يواجه شخصياً اتهامات جدية باختلاس المال العام. فوفقاً لتحقيق مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد «OCCRP» لعام 2020، فإن الجنرال يمتلك عدداً من العقارات في الولايات المتحدة، وكان قد اشترى نقداً، بين عامي 2015 و2018، 3 منازل في ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن بمبلغ يفوق المليون دولار، كما ساعد أيضاً في توسيع أعمال بونغو الخارجية. وعندما سُئل عن هذه التعاملات، قال إنها «شأن خاص».
حجارة «الدومينو»
اليوم، لم يعد بريس أوليغي نغيما مجرد «جنرال ظل» يتكلّم بصوت هادئ، ويسعى دائماً إلى التوافق - كما يصفه مقرَّبون منه - بل غدا واحداً من جنرالات أفريقيا الأقوياء، الذين لم يكتفوا بإثارة عاصفة من التغيير في دولهم، بل سيَّروا موجة أقرب إلى سقوط أحجار «الدومينو» على رقعة النفوذ الدولي في القارة السمراء.
الغابون أضحت الدولة السادسة الناطقة بالفرنسية، التي تقع تحت الحكم العسكري، في السنوات الثلاث الماضية. وبينما يكافح المستعمرون القدامى لتلك الأراضي الشاسعة من أجل الحفاظ على بقايا نفوذ تلتهمه تحركات منافسيهم المتسارعة، تحترق أوراق «أفريقيا الفرنسية» بأيدي جنرالات الحرس الجمهوري.