هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

مفاوضات بين الحكومة ومتمردي الأورومو على غرار {التيغراي}

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
TT

هل انطلق «قطار السلام» في إثيوبيا؟

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال استقباله نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني (د.ب.أ)

تسعى الحكومة الإثيوبية لاستثمار سريع في «النجاح النسبي»، الذي حققته، الآن، بعد توقيع «اتفاق سلام» مع متمردي إقليم «التيغراي» في شمال إثيوبيا. وهذا الاتفاق الذي وُقّع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تأمل الحكومة بتعميمه في كل الأقاليم الإثيوبية، التي تعج بالجبهات الإثنية الرافضة للخضوع للحكومة المركزية في أديس أبابا. وبعد نحو 5 أشهر من توقيع اتفاق «التيغراي»، الذي أنهى سنتين من المعارك الدامية بين «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، والقوات الإثيوبية، انطلقت، في تنزانيا، يوم 25 أبريل (نيسان) 2023، مباحثات سلام غير مسبوقة بين سلطات أديس أبابا، ومتمردي إقليم «أوروميا» (حيث يتركز شعب الأورومو)، الذين يقاتلون السلطات بشكل متقطع منذ عقود. ولكن، راهناً تأمل الحكومة، التي يرأسها رئيس الوزراء آبي أحمد - الحاصل على «جائزة نوبل للسلام» عام 2019 - في إبرام اتفاق سلام دائم مع متمردي «الأورومو»، الذين يشغل إقليمهم معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلَّحة التابعة لشعب «الأورومو»؛ لأنها تخشى انزلاق البلاد إلى حرب داخلية أخرى. غير أن هناك تحديات كبيرة تحيط بمباحثات «الأورومو»، كما يشير مراقبون تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من بينها الإرث الكبير من العداوة وانعدام الثقة بين «الأورومو» والحكومات الإثيوبية المتعاقبة، فضلاً عن التطلعات الكبيرة لجبهة «الأورومو» في السيطرة على السلطة والثروة، باعتبارهم أكبر جماعة عِرقية في إثيوبيا، ومع ذلك يشكون، منذ زمن طويل، من تعرّضهم للتهميش.
كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أعلن بدء مفاوضات السلام مع «الأورومو»، متعهداً بتفكيك القوات التي أنشأتها بعض الولايات، إبّان حفلٍ أقامه قبل أسبوع، وجمع المشاركين ورعاة عملية السلام بمنطقة «التيغراي». ويومذاك قال إن «مفاوضات السلام ستبدأ في تنزانيا... والحكومة والشعب الإثيوبيان بأمسّ الحاجة إلى هذه المفاوضات، التي أدعو الجميع للقيام بدوره فيها».

عَلم إقليم التيغراي

وبينما لم يذكر رئيس الوزراء أي تفاصيل أخرى عن المفاوضات مع «جيش تحرير الأورومو»، أو المدى الزمني لها، أشارت مصادر إعلامية إثيوبية إلى وجود وسطاء دوليين، بينهم كينيا المجاورة، ومنظمة «الإيغاد»، فيما بدا خضوعاً لاشتراطات «الأورومو». وذكر الدكتور عبد الرحمن أحمد محمد، الخبير الإثيوبي في العلاقات الدولية، وعضو «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية»، في لقاء معه، أن «الجبهة اشترطت سابقاً رعاية طرف ثالث (وسيط) للمفاوضات، كما جرى في اتفاق التيغراي للسلام الموقَّع في جنوب أفريقيا؛ كون متمردي الإقليم لا يثِقون بتنفيذ الحكومة تعهداتها».
في حين قاد مفاوضات «التيغراي» فريق وسطاء من مفوضية «الاتحاد الأفريقي»، يضم الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ونائبة رئيس جنوب أفريقيا السابقة فومزيلي ملامبو نكوكا، بالإضافة إلى مشاركة ممثلي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بصفتهم مراقبين. وقد أوضح عبد الرحمن محمد، لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً أن «هناك حماسةً إثيوبية لحسم الصراعات العِرقية، بعد ما حدث في التيغراي... والفترة المقبلة ستوضح خطوات وملامح تلك المفاوضات، ومَن الأطراف الداعمة لها، خصوصاً في ظل وجود ضغوط دولية متعددة لدفع البلاد نحو مزيد من الاستقرار، بما يعود بتأثيرات إيجابية على منطقة القرن الأفريقي». وتهدف مباحثات تنزانيا إلى «وضع أسس لمباحثات أكثر شمولاً في المستقبل القريب جداً»، وفق الناطق باسم «جيش تحرير الأورومو» أودا تاربي.
وكان الصراع المسلَّح قد اندلع بين سلطات أديس أبابا والمتمردين الأوروميين في عام 1973، عندما أسس هؤلاء «جبهة تحرير الأورومو»، وجناحها المسلَّح «جيش تحرير الأورومو». ومعلوم أن «الأورومو» أكبر شعوب إثيوبيا تعداداً. ووفق إحصاء 2007، يشكل «الأورومو» وحدهم بين 34 و40 في المائة من مجموع سكان البلاد. وكانت جماعة «جيش تحرير الأورومو» متحالفة مع قوات «جبهة تحرير شعب التيغراي»، في حربها ضد الحكومة، إلا أنه يبدو أن الصلح الذي توصلت إليه أديس أبابا مع «التيغراي»، في نوفمبر الماضي، أفضى إلى المفاوضات مع «الأورومو».
- «تصفير الأزمات»
من جهة ثانية، يرى الدكتور محمد شفاء، الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن شعار «تصفير الأزمات»، الذي ترفعه حكومة آبي أحمد لإرضاء شعب «الأورومو» ليس كافياً. ويضيف: «لا يزال الأورومو يشعرون بتهميش كبير، مع أن رئيس الوزراء آبي أحمد ينتمي إليهم... وهم يعتبرون أن وجوده على رأس السلطة، منذ نحو 5 سنوات، لم يحلَّ المشكلات، بل إن مناطقهم ما زالت تعاني من ضعف في التنمية، كما أنها بعيدة تماماً عن تقاسم الثروة في البلاد». ويضع شفاء عدداً من التحديات في مواجهة الحوار المزمع؛ أبرزها أن للأورومو «تطلعات أكبر وأبعد من التيغراي، فهم يعتقدون أنهم أصحاب البلد... وعانوا من ظلم العِرقيات الأخرى». ويتابع «أنهم لا يسعون إلى فيدرالية أو كونفدرالية، بل يتكلمون عن امتلاك إثيوبيا، واعتبار لغتهم هي اللغة الرسمية للبلاد، بدلاً من الأمهرية... وهذا مَكمن صعوبة المفاوضات عن سابقتها مع التيغراي... لكن الأمل يبقى في دور الضغوط الدولية لتقريب المسافات».
في هذا السياق يلفت مراقبون إلى محاولة «الأورومو» توظيف حالة الإنهاك التي تعانيها القوات الإثيوبية، من أجل تحقيق مكاسب، عبر التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق الذي أبرمته الأخيرة مع «التيغراي». ووفق دراسة أعدَّها أحد مراكز الأبحاث المتخصصة، فإن هذا الطرح تدعمه تصريحات أطلقها بعض النشطاء من «الأورومو»، الذين ألمحوا إلى ضرورة أن «تستفيد» حكومة أديس أبابا من تجربتها في محاربة «التيغراي»، إذ ثبتت قلة فاعلية الحل العسكري في حسم الصراعات في إثيوبيا، ثم إنه لا بد من أن تأخذ أديس أبابا في الاعتبار اختلافاً جوهرياً بين الصراعين، مع «التيغراي» الذين يقدَّر تعدادهم بنحو 5 ملايين نسمة، و«الأورومو» الذين يتجاوزون الـ40 مليون نسمة.
- حوار وطني شامل
الكلام عن حلحلة الصراع مع «الأورومو»، ومِن قبله اتفاق «التيغراي»، يأتي في خضم تجهيزات لـ«حوار وطني» إثيوبي شامل، محدد له شهر مايو (أيار) المقبل، وفق رئيس لجنة الحوار الوطني؛ البروفيسور مسفين أرايا. ووفق تاجسي تشافو، رئيس مجلس النواب، فإن الحوار الوطني هو من «أولويات الحكومة، باعتباره السبيل الوحيدة لحل التحديات التي تواجه إثيوبيا، من خلال بناء إجماع وطني حول القضايا الأساسية».
ولعلَّ ما يجعل الأمور أكثر تشجيعاً للتفاؤل، أنه على مدار الأشهر الماضية، أظهرت الحكومة الإثيوبية ومتمردو «التيغراي» جدية في تنفيذ اتفاق السلام، وذلك بتنفيذ عدد من بنود الاتفاق؛ على رأسها إدخال المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية إقليم «التيغراي»، الذي يعاني من انقطاع عن العالم الخارجي لسنتين، في مقابل تسليم المتمردين مزيداً من الأسلحة، ضمن عملية نزع سلاح الإقليم، ودمج مقاتليه في الجيش الوطني.
وحقاً، خلال الأشهر الفائتة، استؤنف تسليم المساعدات للإقليم، الذي عانى، لفترات طويلة، من نقص حادّ في الغذاء والوقود والسيولة والأدوية، كما بدأت عملية نزع سلاح المتمردين، وعودة السلطات الفيدرالية لممارسة مهامّها، كما شطب اسم الجبهة من «قائمة الإرهاب» الحكومية. ووفق العميد ديريبي ميكوريا، نائب مفوض «إعادة التأهيل الوطني»، في منتصف أبريل، «سلّمت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي الدفعة الأولى من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المتنوعة، التي سبق جمعها حول منطقة دينقولات في الإقليم». وينص اتفاق السلام على نزع سلاح الجبهة، وعودة السلطات الفيدرالية إلى الإقليم الشمالي المتمرد، وإعادة ربط الإقليم بالخارج.
هذا، وكانت «جبهة تحرير التيغراي» قد سلَّمت أسلحتها الثقيلة إلى القوات الإثيوبية، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في جزء من عملية السلام التي قادها «الاتحاد الأفريقي». وأشرف على عملية نقل الأسلحة، التي جرت في مدينة أغولاي، مجموعة من مراقبي الجانبين ومندوبون من منظمة «إيغاد». ومن المقرر، وفق مفوض «إعادة التأهيل الوطني» تيشومي توغا، أن يبدأ تسجيل المقاتلين السابقين التابعين في الجبهة، خلال يونيو (حزيران) المقبل.
من جهته، يعتقد غيتاشو رضا، رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم «التيغراي»، أن الطرفين «حقّقا تقدماً في عملية نزع السلاح، وتسريح ودمج المقاتلين، حتى الآن... والعمل جارٍ حالياً على إكمال مهمة جمع الأسلحة الثقيلة لإعادة الدمج بشكل كامل، والعمل على الأنشطة التنموية بشكل أفضل». وترهن حكومة أديس أبابا عملية دمج المقاتلين السابقين في «التيغراي» ضمن قوات الجيش الوطني، بـ«النزع الكامل» لأسلحة المتمردين.
ووفقاً لغيتاشو رضا، فإن الثقة بين سلطات أديس أبابا، و«الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، «تحسنت بشكل كبير، إذ اختار الجانبان العمل في شراكة وثيقة، من خلال إدراك الحقيقة، وأنه لن يكون هناك بديل آخر للسلام». وأردف: «إن شعب التيغراي لا يسمح بعرقلة عملية السلام التي يتمتع بها الآن»، مشدداً على الحاجة إلى الحفاظ على جهود بناء السلام الجارية؛ بهدف تسريع التنمية؛ «لأنه هو مصيرنا المشترك الوحيد»، داعياً جميع السياسيين للعمل بالتعاون.
- مساندة وترقب دولي
على صعيد أوسع، أسهمت الخطوات المتتالية المحققة لتنفيذ اتفاق السلام في «التيغراي»، وعودة الخدمات الأساسية، في استعادة لافتة لثقة المجتمع الدولي في حكومة أديس أبابا. ووفق مسؤولين إثيوبيين، تجلَّى هذا في زيارات مسؤولين أميركيين وأوروبيين أخيراً، بعد قطيعة دامت سنتين. في المقابل، يشير مراقبون إلى مطالب أساسية، ما زالت «موضع اختبار» من جانب القوى الدولية لحكومة آبي أحمد، أبرزها ملفا «العدالة الانتقالية، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب».
والواقع أن الحكومة الإثيوبية تسعى إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي بجهودها لإرساء حالة استقرار سياسي وأمني؛ على أمل مشاركة دولية واسعة في إعادة الإعمار، من خلال استثمارات في البنية التحتية ومساعدات اقتصادية.
وفي مطلع أبريل، تلقّت سلطات أديس أبابا دعماً مالياً من «الاتحاد الأوروبي»، و«وكالة التنمية الفرنسية»، بقيمة 32 مليون يورو، عبر اتفاقية تمويل تهدف، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية (الرسمية)، إلى العمل على «مشروع الأمن الغذائي، وتدابير إعادة التأهيل الزراعي في المناطق المتضررة من النزاع في إثيوبيا، والذي جرى تمويله بمبلغ 18 مليون يورو من (الوكالة الفرنسية للتنمية)، و14 مليون يورو من (الاتحاد الأوروبي) على التوالي».
وبموجب الاتفاقية، سيُصار إلى تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، من خلال إنعاش الإنتاج الزراعي بهذه المناطق، وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي في إثيوبيا.
وهنا يرى ياسين أحمد، رئيس «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية» في العاصمة السويدية إستوكهولم، أن الجهود الملموسة التي تبذلها الحكومة الإثيوبية مع شركائها الأفارقة أسهمت في توطيد تدريجي للعلاقات مع القوى الكبرى، وتخفيف الضغوط على حكومة آبي أحمد. وأضاف، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن واشنطن، والاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، يضغطان من أجل تعزيز اتفاق السلام في التيغراي؛ «خوفاً من انتكاسة تؤثر على أمن القرن الأفريقي ككل».
ورأى الخبير الإثيوبي في زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لأديس أبابا، خلال مارس (أذار) الماضي - وهي الأولى لمسؤول أميركي منذ سنتين - ومِن قبله وزيرتا خارجيتي ألمانيا وفرنسا في يناير، «تجسيداً لهذا التوجه».
ثم إنه، قبل أيام، أبدى «الاتحاد الأوروبي» استعداده لإعادة إطلاق برنامجه الإرشادي المتعدد السنوات، لمواكبة المزيد من التقدم في تعزيز حل النزاعات سلمياً، والمصالحة، واستقرار الاقتصاد الكلي في إثيوبيا. ونصّ بيان لمجلس الاتحاد على أن الاتحاد «يشجع بقوة المؤسسات المالية الدولية على مساعدة حكومة إثيوبيا في معالجة الوضع الاقتصادي الحرِج في البلاد، من خلال أجندة الإصلاح الاقتصادي، والدول الدائنة على العمل من أجل الانتهاء السريع لعملية إعادة هيكلة الديون من خلال الإطار المشترك». كذلك رحّب مجلس «الاتحاد الأوروبي» بالتقدم الكبير في تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ولا سيما فيما يتعلق بإسكات البنادق، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق «اللجنة الوطنية لإعادة التأهيل»، لمعالجة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

إضاءة على التركيبة الديمغرافية لإثيوبيا

> تتشكل إثيوبيا من 11 إقليماً، مع تمايز عِرقي ولغوي متنوع تعبر عنه 9 مكوّنات رئيسة.
من الناحية اللغوية، توجد في إثيوبيا نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 «مجموعات لغوية» رئيسة هي: المجموعة الأفروآسيوية، وتضم اللغات السامية (الأمهرة والتيغراي/ التغرينيا والغوراغ والهررية)، والكوشية (الأورومو والسيدامو والصومالية والعفر والهاديا والكامباتا)، والأومية، ثم هناك المجموعة النيلية – الصحراوية، التي تضم في إثيوبيا لغة الكوناما، ولكنها خارج حدودها تشمل عدة لغات؛ منها الدينكا والفور في السودان، واللوو في كينيا، والصنغاي في غرب أفريقيا.

مقاتلون من «جيش تحرير الأورومو» (غيتي)

شعب الأورومو هو أكبر مكون عِرقي - لغوي في إثيوبيا، ويتركز في إقليم أوروميا بوسط البلاد، ويشكل بمفرده أكثر من ثلث عدد السكان، الذي تَجاوز 100 مليون نسمة، وأبناؤه يتكلمون اللغة الأورومية الكوشية، ويعملون بالزراعة والرعي. وكانت احتجاجات «الأورومو» المناهضة للحكومة قد اندلعت عام 2015 بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من الأورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، إلا أن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية، وحقوق الإنسان، وأدّت لمقتل المئات واعتقال الآلاف. وأجبرت المظاهرات الائتلاف الحاكم، في نهاية المطاف، على إبدال رئيس الوزراء في حينه هايلي مريام ديسالين، بآبي أحمد، الذي ينتمي إلى عِرقية «الأورومو»، لكن، مع هذا، تجددت الاحتجاجات قبل 3 سنوات، وسقط عشرات المتظاهرين في الإقليم، عقب مقتل المغني هاشالو هونديسا، في يوليو (تموز) 2020، وحالياً، الوضع ليس بأفضل حال، رغم وجود آبي أحمد في الحكم.
أما ثاني أكبر مكونات في إثيوبيا، شعب الأمهرة، الذين يتكلم أبناؤه اللغة الأمهرية السامية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، ويشكل الأمهرة نحو 27 في المئة من عدد السكان. ووفق المعتقد التقليدي، فإن أصول الأمهرة ترجع إلى سام الابن الأكبر لنوح، الذي وردت قصته في العهد القديم.
ثالث الشعوب البارزة، التيغراي، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من الشعب الإثيوبي، ويتركزون في شمال البلاد وعبر الحدود في إريتريا. وكانت «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي» أقوى أطراف الائتلاف الحاكم في إثيوبيا لسنوات عدة، لكن رئيس الحكومة الحالي آبي أحمد كبح نفوذها بعد تولّيه السلطة عام 2018. وساءت العلاقات بين الجانبين، قبل سنوات، بعدما حلّ آبي أحمد الائتلاف الحاكم، الذي كان يتألف من عدة أحزاب إقليمية عِرقية. ثم أعلن أحمد دمج الأحزاب في حزب وطني واحد أطلق عليه «حزب الرخاء»، لكن الجبهة رفضت الانضمام إليه، وقررت محاربته سياسياً وعسكرياً. وبعد حروب دامية راح ضحيتها الآلاف، وقّع اتفاق سلام في نوفمبر 2022.
المكون الرابع المهم هم الصوماليون، الذين يشكلون نحو 6.1 في المئة من تعداد الشعب الإثيوبي، وهم يتركزون في منطقة أوغادين، كما ينتشرون في أنحاء مختلفة من البلاد، وأخيراً هناك مكونات أصغر حجماً، أبرزها الغوراغ، والولياتا، والعفر، والهاديي، والغامو، وغيرها.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.