مع تنامي الوعي العالمي بالاستدامة ومخاطر المواد الكيميائية التقليدية على البيئة وصحة الإنسان، يتجه قطاع صناعة النسيج إلى البحث عن حلول بديلة «خضراء»، تعزز جودة الأقمشة من دون أن تترك بصمة سامة.
وتخضع الأقمشة القطنية لمرحلة أخيرة من التصنيع بعد الغزل والنسيج والصباغة، تهدف إلى تحسين خواصها ومنحها مزايا إضافية مثل مقاومة التجعد، وطرد الماء أو الاتساخ، وزيادة النعومة أو اللمعان.
وتتم هذه العملية عبر معالجة الأقمشة بمواد كيميائية أو حرارية أو ميكانيكية تجعل ألياف القطن أكثر انتظاماً، وتضفي عليها وظائف جديدة، بحيث يصبح القماش أكثر ملاءمة للاستخدام اليومي، ويحافظ على شكله وجودته فترة أطول.
وكثيراً ما اعتمدت المصانع في هذه المرحلة على «راتنجات الفورمالديهايد» والمواد الطاردة للماء المحتوية على الفلور (PFAS)، غير أن هذه المواد ارتبطت بمخاطر كبيرة؛ إذ يُصنَّف الفورمالديهايد مادة مسرطنة من الدرجة الأولى، بينما تُعرف مركبات (PFAS) باسم «المواد الكيميائية الأبدية» لبقائها شبه الدائم في البيئة.
وفي مواجهة هذه التحديات، كشف باحثون من جامعة ولاية نورث كارولينا الأميركية عن حل مبتكر يعتمد على زيت بذور القطن المعالج خياراً طبيعياً وآمناً قادراً على منح الأقمشة خصائص متقدمة من دون الحاجة إلى المواد الكيميائية الضارة، بما يفتح آفاقاً جديدة لتحسين جودة الملابس وتقليل الأثر البيئي للصناعة. وعُرضت نتائج البحث أمام مؤتمر الجمعية الكيميائية الأميركية الذي عُقد بين 17 و21 أغسطس (أب) 2025 في واشنطن.
زيت بذور القطن
اتجه الفريق البحثي إلى الاستفادة من زيت بذور القطن المتوافر بوصفه منتجاً ثانوياً لعملية الحصاد، وبعد إخضاع الزيت لعملية كيميائية تُعرف بـ«الإيبوكسدة»، أصبح أكثر قدرة على الارتباط بألياف القطن؛ ما زوّد الأقمشة بمقاومة مزدوجة للماء والتجعد.
وأثبتت الاختبارات فاعلية التقنية الجديدة؛ إذ امتص القطن غير المعالج الماء كلياً، بينما أظهر القطن المعالج بزيت بذور القطن قدرة مدهشة على صدّ السوائل، مع زاوية تماس بلغت 125 درجة مع قطرات الماء. ووفقاً للباحثين، تعكس هذه النتيجة مستوى عالياً من الحماية؛ ما قد يجعل الأقمشة أكثر ملاءمة للحياة اليومية، ويطيل عمرها وجودتها.
تقول الدكتورة كريستي سايس، أستاذة العلوم البيئية بجامعة بايلور الأميركية، إن الطريقة التي استخدمها الفريق في معالجة الأقمشة بزيت بذور القطن تُعد تطوراً تكنولوجياً مهماً؛ لأنها قادرة على استبدال مواد أقل ضرراً بمواد عالية الخطورة.
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التوجه الصديق للبيئة يُمثل ركيزة أساسية لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة». وأشارت إلى أن زيت بذور القطن يتميز بفوائد دوائية مهمة عدة، فهو يقوّي الطبقة الخارجية الواقية للبشرة، ويعمل مضاداً للأكسدة، ولم يُثبت أنه يسبب تهيج الجلد؛ لذلك، فإن ملامسة القماش المطلي بالزيت للجلد لا يُرجَّح أن تؤدي إلى أي تفاعلات سلبية، على عكس ما يحدث مع الفورمالديهايد أو المواد الكيميائية الفلورية.
بدائل صديقة للبيئة
تشهد صناعة الأزياء في السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً مع تزايد الاهتمام بالاستدامة والبحث عن بدائل صديقة للبيئة، فبعد أن ارتبط هذا القطاع طويلاً بالاستهلاك المفرط والتأثيرات السلبية على المناخ والموارد الطبيعية، باتت الشركات تسعى اليوم إلى ابتكار مواد جديدة، وإعادة تدوير الأقمشة، وتبني تقنيات إنتاج أكثر كفاءة، في محاولة لتقليل البصمة الكربونية، وجعل الموضة جزءاً من الحلول البيئية بدلاً من المشكلة.
وسجّل قطاع الملابس في عام 2023 زيادة بنسبة 7.5 في المائة في الانبعاثات الكربونية ليصل إلى نحو 944 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وفق تقرير للمعهد الأميركي لتأثير صناعة الأزياء. ويعود ذلك أساساً إلى الاعتماد على البوليستر منخفض التكلفة بدلاً من المعاد تدويره الأكثر استدامة.
وبدأت مصانع النسيج في دول مثل الهند وفيتنام والصين بالتحول إلى الطاقة المتجددة وإلى تقنيات أكثر كفاءة. فعلى سبيل المثال، تستبدل شركة «أرفيند» الهندية بالفحم مراجل حيوية تعتمد على المخلفات الزراعية والنفايات العضوية لتوليد الطاقة الحرارية؛ ما يقلل الانبعاثات، ويحسن استدامة سلاسل التوريد.
كما برز اتجاه عالمي نحو إعادة تدوير الأقمشة، حيث تطور شركات مثل «برايت فايبر» الألمانية مصانع تدوير متقدمة بدعم من تشريعات الاتحاد الأوروبي. وفي مسار موازٍ، تسعى شركة ناشئة تُدعى «Everbloom» لإحداث نقلة نوعية بإطلاق ألياف طبيعية جديدة «Noble Fiber» مصنوعة بالكامل من مخلفات الكشمير قبل التصنيع، بعد نجاح تجاربها مع 6 مصانع إيطالية.

