مهمات أميركية وأوروبية ويابانية لاستكشاف القمر

تنافس دولي يتسم بالابتكار والتعاون

تضاريس سطح القمر تزيد صعوبة الهبوط عليه
تضاريس سطح القمر تزيد صعوبة الهبوط عليه
TT

مهمات أميركية وأوروبية ويابانية لاستكشاف القمر

تضاريس سطح القمر تزيد صعوبة الهبوط عليه
تضاريس سطح القمر تزيد صعوبة الهبوط عليه

بعد نصف قرن من ترك رواد رحلة «أبولو» آخر بصمات أقدامهم على غبار القمر، عاد القمر ليبرز من جديد كوجهة للطموح الجامح والهندسة الدقيقة.

ومع ذلك، تأتي هذه المرة مختلفة، فالمنافسة لا تقتصر على القوى العظمى التي تتسابق لرفع أعلامها على القمر، بل انضمت للمنافسة كذلك شركات خاصة، وشراكات متعددة الجنسيات، و«كشافة روبوتية»، كلها تسعى إلى سبر أغوار القمر وتمهيد الطريق لعودة البشر إليه مستقبلاً.

بعثات القمر البارزة

حتى الآن في عام 2025، أحرزت جهود استكشاف القمر تقدماً ملحوظاً، مع انطلاق عدة بعثات بارزة نحو القمر، أو بعثات هبطت عليه بالفعل، بعدما اجتاز كل منها الرحلة الطويلة عبر الفضاء، ثم مرحلة الهبوط الأشد تعقيداً على سطح القمر أو الدخول في مداره، بدرجات متفاوتة من النجاح. وتعكس هذه البعثات معاً ما يحمله السباق الفضائي الجديد من وعود وصعوبات - سباق يتسم بالابتكار والمنافسة والتعاون.

وبصفتي مهندساً في مجال الطيران والفضاء، متخصصاً في تقنيات التوجيه والملاحة والسيطرة، يثير اهتمامي العميق كيف أن كل مهمة - سواء نجحت أم فشلت - تسهم في إثراء المعرفة الجماعية للعلماء. وعلى وجه التحديد، تساعد هذه المهام المهندسين على تعلم كيفية التنقل في تعقيدات الفضاء، والعمل في بيئات قمرية معادية، والتقدم بثبات نحو وجود بشري مستدام على سطح القمر.

سفينة "بلو غوست 1"

مصاعب الهبوط على القمر

لماذا يُعد الهبوط على القمر بهذه الصعوبة؟ يظل استكشاف القمر أحد أكثر المجالات تطلباً من الناحية التقنية، على صعيد رحلات الفضاء الحديثة، فاختيار موقع الهبوط يتطلب موازنة معقدة بين الأهمية العلمية وسلامة التضاريس وتعرض الموقع لأشعة الشمس.

ويتسم القطب الجنوبي للقمر بجاذبية خاصة، لاحتمالية احتوائه على ماء في صورة جليد داخل الفوهات المظللة - وهي مورد بالغ الأهمية للبعثات المستقبلية. وقد تحتوي مواقع أخرى على أدلة حول النشاط البركاني في القمر أو التاريخ المبكر للنظام الشمسي.

ويجب حساب مسار كل مهمة بدقة شديدة، لضمان وصول المركبة وهبوطها في المكان والزمان المناسبين. ويأخذ المهندسون في اعتبارهم الموقع المتغير باستمرار للقمر في مداره حول الأرض، وتوقيت نوافذ الإطلاق، وقوى الجاذبية التي تؤثر على المركبة طوال رحلتها.

كما يحتاجون إلى تخطيط مسار المركبة بعناية، لتصل بزاوية وسرعة مناسبتين للهبوط الآمن، فحتى الأخطاء الصغيرة في الحسابات في المراحل المبكرة قد تؤدي إلى انحراف كبير في موقع الهبوط - أو فقدان فرصة الهبوط بالكامل.

وبمجرد الهبوط على السطح، يتعين على المركبات الهابطة أن تتحمل تقلبات شديدة في درجات الحرارة - من أكثر من 250 درجة فهرنهايت (121 درجة مئوية) في النهار إلى ما دون 208 فهرنهايت (-133 درجة مئوية) في الليل - بالإضافة إلى الغبار، والإشعاع، وتأخر الاتصالات مع الأرض. ويجب أن تعمل أنظمة الطاقة، والتحكم الحراري، وأرجل الهبوط، وروابط الاتصال في المركبة بشكل مثالي. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتجنب هذه المركبات التضاريس الخطرة، وتعتمد على ضوء الشمس لتشغيل أجهزتها وإعادة شحن بطارياتها.

وتُفسر هذه التحديات سبب تحطم أو الفشل الجزئي الذي منيت به الكثير من المركبات، رغم التقدم الكبير في التكنولوجيا منذ عصر أبولو.

وتواجه الشركات التجارية نفس التحديات التقنية التي تواجهها الوكالات الحكومية، لكن غالباً بميزانيات أقل، وفرق أصغر، وأجهزة ومعدات أقل اعتماداً على إرث سابق. وعلى عكس المهمات الحكومية التي تستند إلى عقود من الخبرة والبنية التحتية المؤسسية، تخوض الكثير من الجهود التجارية لاستكشاف القمر هذه التحديات للمرة الأولى.

نجاحات وصعوبات برنامج «ناسا»

ما الهبوطات الناجحة والدروس الصعبة لبرنامج خدمات الحمولة القمرية التجارية؟ تعود عدة بعثات قمرية، أُطلقت هذا العام، إلى برنامج خدمات الحمولة القمرية التجارية، التابع لوكالة ناسا، والمعروف اختصاراً باسم (CLPS)، وهو مبادرة تتعاقد فيها «ناسا» مع شركات خاصة لنقل حمولة علمية وتكنولوجية إلى القمر، بهدف تسريع وتيرة جهود الاستكشاف، مع تقليل التكاليف وتشجيع الابتكار التجاري.

> انطلقت أول مهمة قمرية عام 2025، «بلو غوست 1» Blue Ghost 1، التابعة لشركة «فايرفلاي إيروسبيس» Firefly Aerospace، في يناير (كانون الثاني)، وهبطت بنجاح في أوائل مارس (آذار).

وتمكنت السفينة الفضائية من الصمود خلال النهار القمري القاسي، وأرسلت بيانات طيلة نحو أسبوعين، قبل أن تفقد الطاقة في أثناء الليل القمري المتجمد - وهو الحد التشغيلي المعتاد لمعظم المركبات القمرية غير المزودة بأنظمة تدفئة.

وقد أظهرت «بلو غوست 1» كيف يمكن للمركبات التجارية أن تتحمل مسؤولية الاضطلاع بأدوار حاسمة، ضمن برنامج «أرتميس» التابع لـ«ناسا»، الذي يهدف لإعادة إرسال رواد الفضاء إلى القمر في وقت لاحق من هذا العقد.

> أما ثاني عملية إطلاق ضمن برنامج خدمات الحمولة القمرية التجارية هذا العام، فكانت لمهمة «آي إم ـ 2» IM-2»، التابعة لشركة «إنتويتيف ماشينز» Intuitive Machines، والتي انطلقت في أواخر فبراير (شباط). واستهدفت العملية موقعاً علمياً مثيراً للاهتمام، قرب منطقة القطب الجنوبي للقمر.

> وهبطت السفينة «نوفا ـ سي» Nova-C، أُطلق عليها «أثينا» Athena، في السادس من مارس (آذار)، بالقرب من القطب الجنوبي، لكنها انقلبت في أثناء الهبوط. وبسبب هبوطها على جانبها داخل فوهة ذات تضاريس غير مستوية، لم تتمكن من نشر ألواحها الشمسية لتوليد الطاقة، مما أدى إلى إنهاء المهمة مبكراً.

ورغم أن انقلاب «أثينا» منعها من تنفيذ جميع التجارب العلمية المخطط لها، فإن البيانات التي أرسلتها لا تزال ذات قيمة، في فهم كيفية تفادي مثل هذه المصائر، في التضاريس الوعرة بالمناطق القطبية.

> وليس من الضروري أن تهبط كل البعثات القمرية، فقد أُطلقت سفينة «لونار تريلبليزر»، التابعة لـ«ناسا»، وهي عبارة عن قمر اصطناعي صغير، في فبراير (شباط)، مع «آي إن ـ 2». وكان الهدف منها أن تدور حول القمر، لرسم خريطة لتوزيع الماء الموجود في صورة جليد، خاصة في الفوهات المظللة قرب الأقطاب.

غير أنه بعد الإطلاق بوقت قصير، فقدت «ناسا» الاتصال بالمركبة. ويُرجّح المهندسون أن عطلاً في الطاقة قد أدى إلى نفاد بطارياتها. وتواصل «ناسا» جهود إعادة تنشيط منظومة الطاقة، على أمل أن تعيد الألواح الشمسية شحن البطاريات في شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران).

بعثات حالية ومستقبلية

> سفينة يابانية. في نفس يوم انطلاق «بلو غوست» في يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت مهمة «هاكوتو ـ آر 2» Hakuto-R Mission 2 (رزيليانس Resilience)، التابعة لشركة «آي سبيس» ispace اليابانية، في طريقها إلى القمر، وقد دخلت مداره بنجاح.

ونفذت السفينة تحليقاً ناجحاً حول القمر في 15 فبراير (شباط)، ومن المتوقع أن تهبط في أوائل يونيو (حزيران) المقبل.

ورغم انطلاقها في التوقيت نفسه، سلكت «ريزيليانس» مساراً أطول من «بلو غوست»، لتوفير الطاقة. كما أتاح لها ذلك إجراء ملاحظات علمية إضافية، في أثناء الدوران حول القمر.وحال نجاح المهمة، ستكون بمثابة تقدم مهم لقطاع الفضاء التجاري الياباني، وستشكل عودة قوية لشركة «آي سبيس»، بعد تحطم مركبتها الأولى خلال الهبوط النهائي عام 2023.

> سفينة أوروبية. أما وكالة الفضاء الأوروبية، فتعتزم إطلاق «لونار باثفايندر»، Lunar Pathfinder قمر اصطناعي مخصص للاتصالات القمرية، لتسهيل تواصل البعثات المستقبلية، خاصة تلك التي تعمل على الجانب البعيد أو عند الأقطاب، مع الأرض.

> سفينة وعربة جوالة أميركية. ومن المتوقع أن يشهد ما تبقى من عام 2025 جدولاً مزدحماً بالبعثات القمرية. مثلاً، تخطط شركة «إنتويتيف ماشينز»، لإطلاق «آي إم ـ 3»، أواخر العام، لاختبار أدوات متطورة جديدة، وربما نقل تجارب علمية لوكالة «ناسا» إلى القمر.

> في الوقت ذاته، من المقرر أن تنقل مهمة «غريفين 1» Griffin Mission-1، التابعة لشركة «أستروبوتيك» عربة «ناسا» الجوالة «فايبر» VIPER إلى القطب الجنوبي للقمر، حيث ستقوم بالبحث المباشر أسفل الجليد تحت السطح. وتشير هذه البعثات مجتمعة إلى نهج دولي وتجاري متزايد، على صعيد تطوير علوم القمر واستكشافه.

ومع توجه أنظار العالم نحو القمر، فإن كل بعثة – سواء أحرزت نجاحاً أو منيت بإخفاق - تقرّب البشرية خطوة جديدة نحو عودة دائمة إلى أقرب «جيراننا السماويين».

* أستاذ مشارك في الهندسة الميكانيكية والفضائية في جامعة تينيسي. مجلة «فاست كومباني»

ـ خمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق جاريد إسحاقمان مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمنصب مدير وكالة الفضاء الأميركية (رويترز)

رائد فضاء ملياردير يسعى إلى قيادة «ناسا»... وإعادة البشر إلى القمر

حث الملياردير الذي قام بالسير في الفضاء، جاريد إسحاقمان، أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، اليوم الأربعاء، على التحرك بسرعة بشأن ترشحه لقيادة وكالة الفضاء الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق شرارة هائلة تعبُر الفضاء نحو مجالنا المغناطيسي (ناسا)

عاصفة مغناطيسية في الطريق... تحذيرات بعد انفجار شمسي هائل

الانفجار من فئة «X1.9»، وهي الفئة الأقوى من الانفجارات الشمسية، وقد اندلع من منطقة بقع شمسية ناشئة حديثاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة «كيوريوسيتي» الجوالة التابعة لوكالة «ناسا» تستكشف سطح المريخ (ناسا)

حل مبتكر لبناء أول مساكن بشرية على المريخ

كشفت دراسة إيطالية عن حل مبتكر قد يغيّر مستقبل الاستيطان البشري على المريخ، عبر استخدام بكتيريا قادرة على تحويل غبار الكوكب الأحمر مادة بناء صلبة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.