هل يمكن لمكملات الميلاتونين أن «تعكس» تلف الحمض النووي الناتج عن قلة النوم؟

تلعب دوراً في إصلاحه

هل يمكن لمكملات الميلاتونين أن «تعكس» تلف الحمض النووي الناتج عن قلة النوم؟
TT
20

هل يمكن لمكملات الميلاتونين أن «تعكس» تلف الحمض النووي الناتج عن قلة النوم؟

هل يمكن لمكملات الميلاتونين أن «تعكس» تلف الحمض النووي الناتج عن قلة النوم؟

النوم ليس مجرد شعور بالانتعاش بل هو ضرورة بيولوجية تُمكّن أجسامنا من إصلاح تلف الخلايا بما في ذلك تلف الحمض النووي (دي إن إيه).

تشير دراسة كندية رائدة إلى أن الميلاتونين، وهو الهرمون المعروف بتنظيمه للنوم، قد يُساعد في مُعالجة تلف الحمض النووي الناتج عن اضطرابات النوم المزمنة. ولكن هل يُمكن لمكمل غذائي أن «يعكس» بالفعل سنوات من الضرر؟

دور الميلاتونين

تُنتج الغدة الصنوبرية في الدماغ الميلاتونين عند حلول الظلام مُرسلةً إشارةً للجسم للاستعداد للنوم. وبالإضافة إلى خصائصه المُحفزة على النوم يُعد الميلاتونين مضاداً قوياً للأكسدة. وتحمي مضادات الأكسدة الخلايا من الإجهاد التأكسدي، وهي حالة يفوق فيها عدد الجذور الحرة عدد مضادات الأكسدة ما يُلحق الضرر بمكونات الخلايا بما في ذلك الحمض النووي، ما قد يؤدي إلى طفرات وأمراض مثل السرطان. ولطالما ارتبط الحرمان من النوم بمخاطر صحية مثل أمراض القلب، والسكري، والتدهور المعرفي.

أخطار على العاملين في النوبات الليلية

ويُعدّ العاملون في نوبات العمل الليلية والذين غالباً ما يعانون من اضطرابات في أنماط النوم، وانخفاض في إنتاج الميلاتونين بسبب التعرض للضوء الاصطناعي أكثر عرضة للخطر. إذ يُمكن أن تُعيق دورات نومهم المضطربة قدرة الجسم على إصلاح تلف الحمض النووي التأكسدي، ما قد يزيد من خطر إصابتهم بمشكلات صحية خطيرة. وبصفة أنه مضاد قوي للأكسدة يُحيّد الميلاتونين الجذور الحرة، وقد يُنشّط الجينات المُشاركة في إصلاح الحمض النووي. وهذا الدور المزدوج يجعل الميلاتونين درعاً مُحتملاً ضد تداعيات الأرق.

ما تُظهره الأبحاث

وفي الدراسة الجديدة بقيادة بارفين بهاتي من معهد أبحاث السرطان في كولومبيا البريطانية فانكوفر في كندا أُعطي 40 عاملاً في نوبات العمل الليلية إما مُكمّل ميلاتونين بجرعة 3 ملغم أو دواءً وهمياً قبل نومهم خلال النهار. وقام الباحثون بقياس إصلاح تلف الحمض النووي التأكسدي من خلال تحليل مستويات مؤشر يُسمى (8 - هيدروكسي - 2' - ديوكسي غوانوزين8 - hydroxy - 2' - deoxyguanosine (8 - OH - dG)) في عينات البول، حيث تُشير المستويات العالية من مؤشر غوانوزين إلى نشاط إصلاح أفضل للحمض النووي، حيث تتم إزالة الحمض النووي التالف بنجاح من الخلايا.

وأظهر المشاركون في الدراسة التي نشرت في مجلة «journal Occupational & Environmental Medicine» في 6 مارس (آذار) 2025 الذين تناولوا الميلاتونين زيادة بنسبة 80 بالمائة في مستوى غوانوزين في البول مقارنةً بمجموعة الدواء الوهمي.

تعزيز إصلاح الحمض النووي

ورغم أن هذه النتيجة وُصفت بأنها «ذات دلالة إحصائية محدودة» فإنها تُشير إلى أن الميلاتونين قد يُعزز آليات إصلاح الحمض النووي أثناء النوم المُضطرب. مع ذلك لم يُلاحظ هذا التأثير خلال نوبات العمل الليلية عندما تنخفض مستويات الميلاتونين الطبيعية.

وتتوافق هذه النتائج مع دراسات سابقة تشير إلى أن الميلاتونين يُمكن أن يُعزز التعبير الجيني المسؤول عن إصلاح الحمض النووي، من خلال مساعدة الجسم على التعرف على أجزاء الحمض النووي التالفة، والتخلص منها، وقد يُقلل الميلاتونين من تلف الخلايا على المدى الطويل.

هل يُمكن للميلاتونين عكس تلف الحمض النووي؟

في حين تزعم بعض العناوين الرئيسة أن مكملات الميلاتونين يُمكنها «عكس» تلف الحمض النووي من الضروري توضيح معنى ذلك. إذ لا تُشير الدراسة إلى أن الميلاتونين يُزيل سنوات من تلف الحمض النووي المُتراكم. بل تُسلط الضوء على قدرة الميلاتونين على تعزيز عمليات الإصلاح الطبيعية في الجسم.

أما بالنسبة للأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات النوم المُزمنة، سواءً بسبب نوبات العمل الليلية، أو الأرق، أو عوامل نمط الحياة، فقد تُخفف مكملات الميلاتونين من المزيد من الضرر. ويُمكن أن تُوفر تأثيراً وقائياً، مما يُحسّن من قدرة الجسم على مُقاومة الإجهاد التأكسدي.

التطلع إلى المستقبل

وعلى أن هذه النتائج واعدة فإن هناك حاجة إلى مزيد من البحث. حيث كان حجم عينة الدراسة صغيراً، وكان المشاركون فيها حصرياً من العاملين في نوبات ليلية، والذين يواجهون تحديات فريدة تتعلق بإيقاعهم اليومي. وستساعد التجارب الأوسع نطاقاً وطويلة الأمد على فئات سكانية متنوعة في تحديد ما إذا كان الميلاتونين مفيداً للآخرين الذين يعانون من عادات نوم سيئة.

فوائد مكملات الميلاتونين

تحظى مكملات الميلاتونين بشعبية كبيرة بالفعل لتنظيم النوم ومكافحة إرهاق السفر. ورغم أنها متاحة بوصفة طبية فقط في المملكة المتحدة مثلاً فإن فوائدها المحتملة قد تتجاوز مجرد المساعدة على النوم. فمن خلال تعزيز قدرة الجسم الطبيعية على إصلاح الحمض النووي يمكن للميلاتونين أن يلعب دوراً أوسع في دعم صحة الخلايا.

مع ذلك فإن الميلاتونين ليس حلاً سحرياً. بل ينبغي اعتباره مكملاً لنمط حياة صحي وليس بديلاً عن عادات النوم الصحية. ويظل إعطاء الأولوية لأنماط النوم المنتظمة، وتقليل التعرض للضوء الاصطناعي قبل النوم، والحفاظ على نظام غذائي متوازن، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام أموراً أساسية لحماية خلايانا من التلف.

وفي نهاية المطاف فإن أفضل دفاع ضد تلف الحمض النووي هو الالتزام بنوم مُنعش، ونهج متكامل للصحة. أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون من قلة النوم فإن مناقشة مكملات الميلاتونين مع مقدم الرعاية الصحية يمكن أن تكون خطوة نحو تحسين الصحة والحيوية.



195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة
TT
20

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

195 عامل خطر وراثي تؤثر على الصحة الإنجابية للمرأة

أحدثت دراسة جينية رائدة ضجة في الأوساط الطبية، بعد تحديدها 195 عامل خطر وراثي قد يكون لها دور محوري في تشكيل الصحة الإنجابية للمرأة.

جاءت الدراسة التي شارك فيها باحثون من إستونيا والنرويج باستخدام بيانات ضخمة من بنوك البيانات الحيوية في إستونيا وفنلندا، حيث اعتمدوا على دراسات الارتباط على مستوى الجينوم «GWAS» للكشف عن الاختلافات الجينية المسبِّبة لمشكلات صحية مثل متلازمة تكيُّس المبايض، والتهاب بطانة الرحم، وحتى اضطرابات مثل ركود الصفراء داخل الكبد أثناء الحمل.

نهج استباقيّ للرصد الصحي

تؤثر اضطرابات الإنجاب على واحدة من كل عشر نساء حول العالم، مما يؤدي إلى ضعف الخصوبة والتأثير السلبي على نتائج الحمل والصحة العامة. وعلى الرغم من انتشار هذه الاضطرابات، فقد ظل فهم أسبابها محدوداً حتى الآن. ويأمل مؤلفو الدراسة أن يُحدث فهم أعمق للأسس الجينية تحولاً في كيفية تشخيص هذه الحالات وعلاجها. وقد شمل البحث تحليل بيانات ما يقرب من 300 ألف امرأة، باستخدام تقنيات حسابية متقدمة، ما سمح برسم خرائط لـ42 نمطاً ظاهرياً للصحة الإنجابية، استناداً إلى رموز التصنيف الدولي للأمراض المعتمَدة من منظمة الصحة العالمية.

وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق رعاية صحية إنجابية شخصية إذ يمكن من خلالها الانتقال من النهج التفاعلي إلى نهج استباقي في إدارة صحة المرأة، عبر تحديد عوامل الخطر الجينية بدقة.

ولطالما كانت صحة المرأة من المجالات التي تحظى بدراسة غير كافية، مع وجود فجوات كبيرة في فهم الحالات التي تتراوح من تكيسات المبيض، إلى مضاعفات الحمل. وقد أسهمت هذه الدراسة المنشورة بمجلة نيتشر ميديسن «nature medicine»، في 11 مارس (آذار) 2025، في تسليط الضوء على الأسباب البيولوجية وراء كثير من هذه الاضطرابات. إذ جمعت بيانات من البنك الحيوي الإستوني ومشروع FinnGen في فنلندا؛ وهما من أقوى قواعد البيانات الجينية في أوروبا، مما مكَّن الباحثين من تحديد 244 ارتباطاً جينياً متعلقاً بالصحة الإنجابية؛ نِصفها تقريباً لم يُوصف من قبل.

وأكدت الباحثة ترين لايسك، الأستاذ المشارك في علم الجينوم بجامعة تارتو في إستونيا ومنسقة الدراسة، أن هذه النتائج لا توضح آليات المرض فحسب، بل تكشف أيضاً عن تداخل المخاطر الجينية عبر الحالات، مثل ارتباط التهاب بطانة الرحم باضطرابات الكبد المرتبطة بالحمل.

ارتباطات جينية وأدوات التنبؤ

تجاوز الباحثون مجرد تحديد عوامل الخطر الجينية، حيث استكشفوا كيف تتقاسم الاضطرابات التناسلية مسارات جينية مشتركة. على سبيل المثال، أظهر التحليل ارتباطات جينية قوية بين الأورام الليفية الرحمية وفرط الطمث، وبين خلل تنسج عنق الرحم والتهاب عنقه. ومن اللافت أيضاً ظهور ارتباط وراثي سلبي بين متلازمة تكيس المبايض والولادة المبكرة، مما يشكل تحدياً لبعض الدراسات السابقة التي أشارت إلى زيادة خطر الولادة المبكرة لدى المصابات بتكيس المبايض.

وتُظهر الدراسة نتائج واعدة في مجال تحسين بروتوكولات التلقيح الاصطناعي (IVF)، من خلال تحديد جينات أساسية لنضج الجريبات والإباضة لدى النساء المصابات بتكيسات المبيض، حيث كانت أدوار هذه الجينات غامضة في البشر، رغم معرفتها في نماذج الفئران. كما أشارت النتائج إلى إمكانية التدخل المبكر في حالات مضاعفات الحمل، مثل ارتفاع ضغط الدم داخل الرحم، ما يُتيح مراقبة أدق لتفادي النتائج السلبية التي ترتبط بزيادة معدلات الإصابة والوفيات لدى الأطفال عند الولادة المبكرة.

وتميّزت الدراسة بتركيزها على المتغيرات الجينية الخاصة بالسكان لدى النساء الإستونيات والفنلنديات، حيث ظهرت بعض عوامل الخطر في هذه المجموعات بشكل أكثر تكراراً، مما يؤكد أهمية تنوع البنوك الحيوية للحصول على رؤى أدقّ. ويأمل الباحثون أن تسهم هذه النتائج في تطوير اختبارات جينية، لتقييم مخاطر الإصابة باضطرابات الإنجاب، ما يوجه تقديم الرعاية الصحية بشكل أفضل وأكثر تخصيصاً. كما أن الفهم الأعمق للأسس الجينية لهذه الاضطرابات قد يفتح آفاقاً جديدة لعلاجات تستهدف الأسباب الجذرية، بدلاً من مجرد تخفيف الأعراض، مما يعزز فعالية التدخل الطبي ويحسّن النتائج الصحية لملايين النساء حول العالم.

وتمثل هذه الدراسة نقطة تحول في مجال صحة المرأة، حيث توفّر رؤى جينية دقيقة يمكن أن تُحدث فرقاً في كيفية التعامل مع الاضطرابات الإنجابية وتشخيصها وعلاجها. ومع استمرار الأبحاث والتقدم في تقنيات علم الوراثة، يقترب حلم الرعاية الصحية الإنجابية الشخصية من التحقيق، مما يضمن مستقبلاً أكثر صحة ورفاهية للنساء على مستوى العالم.