«خزانات الكربون»... مواد بناء جديدة تقاوم تغير المناخ

قطاع التشييد والبناء مسؤول عن نحو 39 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة (جامعة كاليفورنيا)
قطاع التشييد والبناء مسؤول عن نحو 39 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة (جامعة كاليفورنيا)
TT
20

«خزانات الكربون»... مواد بناء جديدة تقاوم تغير المناخ

قطاع التشييد والبناء مسؤول عن نحو 39 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة (جامعة كاليفورنيا)
قطاع التشييد والبناء مسؤول عن نحو 39 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة (جامعة كاليفورنيا)

يُعد قطاع التشييد والبناء من أكبر المساهمين في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، فهو مسؤول عن نحو 39 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وتنجم هذه الانبعاثات بشكل رئيسي عن عمليات تصنيع المواد مثل الخرسانة والطوب والأسفلت والبلاستيك، فضلاً عن استهلاك الطاقة في عمليات البناء والإنشاء.

ومع ذلك، فإن هناك اهتماماً متزايداً بتحسين تقنيات تصنيع المواد واستخدام مواد بناء جديدة تهدف لتقليل الانبعاثات، مثل الأسمنت منخفض الانبعاثات أو المواد المضافة مثل الفحم الحيوي، الذي يمكن أن يساعد في امتصاص الكربون في أثناء استخدامه في البناء وتخزينه.

الخرسانة يمكنها تخزين الكربون من خلال إضافة الفحم الحيوي إلى الخليط أثناء التصنيع (جامعة كاليفورنيا)
الخرسانة يمكنها تخزين الكربون من خلال إضافة الفحم الحيوي إلى الخليط أثناء التصنيع (جامعة كاليفورنيا)

طرق تخزين الكربون

يهدف تخزين الكربون إلى التقاط ثاني أكسيد الكربون من مصادر انبعاثه أو من الغلاف الجوي وتحويله إلى شكل مستقر، ثم تخزينه بعيداً عن الغلاف الجوي بحيث لا يمكنه المساهمة في التغير المناخي.

وقد تم اقتراح العديد من الأساليب، مثل حقن الكربون في باطن الأرض أو تخزينه في أعماق المحيطات، إلا أن هذه الأساليب تواجه تحديات عملية ومخاطر بيئية.

وفي نهج مبتكر، اقترح باحثون من جامعة كاليفورنيا الأميركية، استخدام مواد البناء الشائعة لتخزين الكربون. ودرس الباحثون إمكانية تعديل مواد مثل الخرسانة والأسفلت والبلاستيك والخشب والطوب، التي يُنتج منها أكثر من 30 مليار طن سنوياً على مستوى العالم، لتخزين ثاني أكسيد الكربون.

ووجدوا أن هذا النهج قد يسهم في تخزين 16.6 غيغا طن من الكربون سنوياً؛ أي نحو 50 في المائة من انبعاثات الكربون البشرية عام 2021؛ ما يدعم جهود تحقيق الحياد الكربوني، ونُشرت النتائج في عدد 10 يناير (كانون الثاني) 2025 من دورية «ساينس».

وتقول الدكتورة إليزابيث فان رويجن، الباحثة الرئيسية للدراسة من قسم الهندسة المدنية والبيئية في جامعة كاليفورنيا، إن فكرة تخزين الكربون في مواد البناء تعتمد على تعديل تركيبها الكيميائي أو استخدام مواد بديلة قادرة على احتجاز الكربون.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن المواد القائمة على الكربونات، مثل الركام في الخرسانة والأسفلت، يمكنها تخزين الكربون عن طريق تفاعل أكاسيد المعادن (مثل أكسيد المغنيسيوم أو أكسيد الكالسيوم) مع ثاني أكسيد الكربون، حيث تتحول هذه المواد لصخور تحبس الكربون داخل تركيبها الكيميائي.

وأوضحت أن الخرسانة يمكن أن تخزن الكربون من خلال إضافة الفحم الحيوي «البيوشار» إلى الخليط في أثناء التصنيع. وعند خلط هذه المواد مع الأسمنت، تعمل كخزان للكربون، حيث يحتوي الفحم الحيوي على الكربون الذي يُحتجز داخل الهيكل الخرساني على المدى الطويل.

أما في الطوب فيتم استبدال بعض المواد التقليدية المستخدمة في تصنيعه بمواد حيوية تحتوي على كربون، مثل الطين الذي يُمزج مع الفحم الحيوي، ما يساعد على تخزين الكربون في أثناء عملية التصنيع ويقلل انبعاثاته لاحقاً.

فيما يتعلق بالأسفلت، نوهت بأنه يمكن تعديل تركيبته ليحتوي على مواد كربونية أو إضافة كربون مخزن لتركيبته؛ لأن الأسفلت المستخدم في بناء الطرق يمكن أن يساهم في تخزين الكربون لفترات طويلة، ما يقلل من التأثير البيئي لهذه المواد.

تحديات تقنية واقتصادية

أما في البلاستيك فيتم إدخال مواد كربونية مثل البلاستيك الحيوي المشتق من مصادر نباتية تحتوي على كربون، مما يساهم في تخزين الكربون لفترات طويلة وبالتالي يقلل من تأثيره البيئي.

وبخصوص الخشب، أشارت رويجن إلى أنه يعد مادة طبيعية قادرة على تخزين الكربون بشكل طبيعي، حيث تمتص الأشجار الكربون من الهواء في أثناء نموها وتخزنه في خلاياها. وعند استخدامه في البناء، يظل هذا الكربون محبوساً في المادة نفسها لفترة طويلة، ما يساهم في تقليل انبعاثات الكربون.

ونوهت رويجن بأن تلك المواد يمكنها تخزين أكثر من 16 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وقد تم تحديد هذا الرقم بناءً على افتراض استبدال جميع المواد المستخدمة في الخرسانة والأسفلت بمواد قائمة على الكربون.

رغم أهمية هذا النهج، تشير رويجن إلى وجود تحديات تحتاج لحلول من أجل تطبيقه على نطاق واسع. وأضافت أن بعض التقنيات، مثل الخرسانة القابلة لتخزين الكربون، لا تزال قيد البحث على مستوى النماذج التجريبية، وبالتالي تحتاج لمزيد من التحقق قبل أن يتم تبنيها بشكل واسع.

علاوة على ذلك، رغم توافر بعض الموارد حالياً مثل النفايات الصناعية الغنية بالمعادن والمخلفات الزراعية، فإن الوصول لحجم تخزين الكربون المحدد في الدراسة يتطلب بحثاً مستمراً لضمان توافر هذه الموارد بكميات كافية واستدامة عملية التخزين في مواد البناء.

ونوهت رويجن إلى أن العقبة الرئيسية بالنسبة للبلاستيك الحيوي تكمن في الجدوى الاقتصادية، حيث إن تكلفة البلاستيك المشتق من المواد البترولية منخفضة جداً؛ ما يجعله صعب التنافس من الناحية الاقتصادية. لكنها أشارت إلى أن المبادرات التي تدعم إدراج المواد الخام الحيوية، ربما باستخدام التكلفة الاجتماعية للكربون، قد تحفز الشركات للتحول إلى هذه المواد بهدف تقليل الانبعاثات.



شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء
TT
20

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

يمكن لشرائح الخشب أن تعمل مرشحات مياه لتزيل البكتيريا وجسيمات البلاستيك الميكروية (الميكرون - 1 من الألف من الملليمتر) بكفاءة تزيد على 99 في المائة، كما كتب ماثيو سباركس (*)

وسيلة رخيصة

وكانت أبحاث سابقة دققت في طرق أكثر تعقيداً لصنع مرشحات خشبية تتضمن معالجات كيميائية معقدة، لكن هذه الطرق غير عملية في البلدان منخفضة الدخل، حيث تتسبب الأمراض المنقولة بالمياه في مئات الآلاف من الوفيات سنوياً، وفقاً لأنطوني سانشيز فيرير وجينيفر غيريرو بارا من الجامعة التقنية في ميونيخ.

ولجعل مرشحات المياه أكثر سهولة في الاستخدام؛ اختبر الباحثون أقراصاً خشبية قطرها 5 سنتيمترات وسمكها ملليمتر واحد. كوانت الأقراص فعالة في إزالة الجسيمات التي يبلغ عرضها نحو 100 نانومتر فأكثر - وهو ما يكفي لالتقاط الكثير من اللدائن الدقيقة والبكتيريا مثل الإشريكية القولونية، كما جاء في الدراسة المنشورة في مجلة «علوم وتكنولوجيا الخشب»، (doi.org/phj2).

وبينما يمكن لبعض الملوثات الأصغر حجماً، مثل الفيروسات، أن تظل قادرة على المرور، فإن المرشحات الخشبية لا تزال قادرة على إنقاذ أرواح كثيرة، كما يقول الباحثون.

أوعية الخشب لترشيح الملوثات

يتكون الخشب من أوعية من نسيج الخشب، تنقل الماء من جذور الأشجار إلى أوراقها. يبلغ طول كل وعاء ملليمترات أو سنتيمترات فقط، لكن الماء يمكن أن ينتقل إلى الأوعية المجاورة من خلال ثقوب صغيرة في جدرانه تُسمى الحفر. ويقول سانشيز فيرير إن هذه الحفر هي التي تسمح للخشب بالعمل مرشحاً. ويضيف: «لدى الخشب هذا النوع من الشبكة، التي تعمل بشكل طبيعي كغربال».

أفضل أخشاب الأشجار

اختبر الباحثون شرائح من شجر الحور الأصفر (Liriodendron tulipifera)، والزان الأوروبي (Fagus sylvatica)، والتنوب دوغلاس (Pseudotsuga menziesii)، والتنوب الفضي (Abies alba). وكان اثنان منهما رائدين بوضوح: إذ أزال الزان الأوروبي ما بين 99.7 و99.9 في المائة من الجسيمات النانوية، بينما أزال التنوب الفضي ما بين 99.3 و99.7 في المائة. لكن الماء كان يتدفق أسرع عبر خشب الزان؛ لذا كان الخيار المفضل للباحثين.

* مجلة «نيو ساينتست» - خدمات «تريبيون ميديا»