لم تكن شركات الوقود الأحفوري لتعترف طواعية بدورها في أزمة المناخ. ولكن بحلول 2020، لجأت بعض المجموعات الناشطة إلى طريقتين لفرض القضية. الأولى، تضمنت الوسائل غير القانونية مثل التخريب وتدمير البنية التحتية لشركات النفط، بينما ركزت الأخرى على الأساليب القانونية والتقاضي لإجبار الحكومات على الامتثال لأهداف الانبعاثات وإجبار الشركات على دفع تعويضات عن الأضرار السابقة، كما كتب روان هوبر (*).
جيوش من المحامين الاصطناعيين أمام محامين من البشر
كانت المشكلة في البداية أن شركات النفط الكبرى نشرت جيوشاً من المحامين لتحدي كل جانب من جوانب القضية المرفوعة ضدها. لم يتمكن معظم المدعين ببساطة من تحمل تكاليف الاستمرار، أو أنهم تورطوا في التقاضي لسنوات.
وجاء الحل عندما تم استخدام الذكاء الاصطناعي لبناء القضايا وملاحقتها. ربما كان لشركات النفط الكبرى تمثيل بشري واسع النطاق، لكن محامي الذكاء الاصطناعي كانوا أكثر عدداً وأسرع، وجمعوا الأدلة بشكل أكثر شمولاً ولم يناموا أبداً. ويمكن نشر هؤلاء المحامين الاصطناعيين نيابة عن الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المحامي، ورفع قضايا تستند إلى جوانب جديدة وغامضة من القانون.
الذكاء الاصطناعي في مجال القانون
بدأ استخدام أداة الذكاء الاصطناعي في القانون بجدية في عام 2023، مع إطلاق الذكاء الاصطناعي القائم على «تشات جي بي تي» المسمى «هارفي» Harvey الذي نما استخدامه من قبل المحامين البشريين بسرعة وساعد في التقاضي من خلال اقتراحات بناء على سوابق واستراتيجيات قانونية.
قضايا المناخ
انقسمت قضايا المناخ إلى ثلاث فئات.
* أولاً: تحدي التضليل، إذ وجد تحقيق أجرته لجنة الرقابة في مجلس النواب الأميركي في عام 2021 أن شركات النفط الكبرى انخرطت في حملات «غسل أخضر» ومعلومات مضللة واسعة النطاق، لكن محاسبة الشركات كانت صعبة.
*ثانياً: اتخاذ إجراءات ضد الحكومات لفشلها في حماية مواطنيها. كانت إحدى القضايا الرئيسية التي أسست سابقة في هذا الصدد عندما نجحت مجموعة أورغيندا Urgenda البيئية في رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الهولندية في عام 2015 لإجبارها على اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ.
* ثالثاً: المسؤولية عن تكلفة الأضرار المناخية. وقد حدث تطور حيوي مع تطور دراسات المناخ. لم يكن من الممكن في السابق رسم خط يربط الانبعاثات من الشركات الفردية بالتأثيرات المالية للاحتباس الحراري العالمي، مثل الفيضانات. وعندما أصبح من الممكن في منتصف عشرينات القرن الحادي والعشرين تحديد التأثير المالي والإنساني لتغير المناخ، أصبح التقاضي ممكناً.
تكلفة الأضرار المناخية
على سبيل المثال، أظهر العمل الذي قام به فريق علاقة الطقس العالمي التابع لفريدريك أوتو أن الفيضانات في باكستان في عام 2022 التي قتلت ما لا يقل عن 1500 شخص وتسببت في أضرار تزيد على 30 مليار دولار أصبحت أسوأ بنسبة 50 إلى 75 في المائة بسبب أزمة المناخ.
وقد فازت دعاوى الذكاء الاصطناعي بتأكيد أهمية هذه القضايا من خلال إظهار أن الشركات لم تستعد لتأثيرات تغير المناخ.
محامو الذكاء الاصطناعي
تم نشر محامي الذكاء الاصطناعي على جميع الخيوط الثلاثة. وقامت نظم الذكاء الاصطناعي بمسح القوانين المحلية في جميع أنحاء العالم لتحديد سبل التقاضي. وكان أحد مصادر الإلهام قضية بدأت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في بيرو.
ولذا فكر محامون بشريون في ألمانيا في استخدام «قانون الجوار الألماني»، الذي يسمح بتحدي السلوك المزعج من قبل الجيران في المحكمة. ولأن تغير المناخ يؤثر على الجميع في جميع أنحاء العالم، فإن الأزمة تجعلنا جميعاً جيراناً. وزعم المحامون أن انبعاثات الكربون تندرج تحت قانون الجوار.
تم رفع دعوى قضائية ضد شركة الطاقة الألمانية العملاقة RWE، التي حددها تقرير صادر من مؤسسة «خدمات التخفيف من حدة المناخ» بأنها مسؤولة عن 0.47 في المائة من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي التاريخية، وطالب المتقاضون بنسبة 0.47 في المائة من تكلفة السد ونظام الصرف المبني لحماية المزارع والقرى من ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الأنديز في البيرو.
انطلاقة المحاماة الذكية الاصطناعية
وقد ساعد المحامون غير البشريين في القضايا التي تعثرت في المحاكم. في الولايات المتحدة في بداية عشرينات القرن الحادي والعشرين، تم رفع عشرات الدعاوى القضائية ضد صناعة الوقود الأحفوري.
وبحلول عام 2028، سيصبح محامو الذكاء الاصطناعي قادرين على محاربة مثل هذه التحديات على الفور، وبفضل التدريب على أحدث العلوم والوصول إلى ملايين الوثائق من شركات النفط الكبرى، يمكنهم التغلب على مقاومة الشركات المدججة بالمحامين البشريين.
نجحت دعاوى الذكاء الاصطناعي في منع بناء خطوط الأنابيب والبنية الأساسية الجديدة وفازت بالقضايا من خلال إظهار أن الشركات لم تستعد لتأثيرات تغير المناخ.
بدايات العدالة المناخية
وجدت شركات الطاقة العملاقة نفسها تواجه دعاوى قضائية متعددة في عشرات البلدان. كانت أقسامها القانونية مثقلة. وكما وافقت شركات التبغ الكبرى في النهاية على دفع مليارات الدولارات باعتبارها تعويضات، بحلول ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، أُجبرت شركات النفط الكبرى على البدء في الدفع.
ساعدت موجة التقاضي في تسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وأجبرت صناعة الوقود الأحفوري على دفع مليارات الدولارات لصناديق تمويل المناخ للبلدان ذات الدخل المنخفض. وبدا أن العدالة المناخية - إعادة توزيع ثروة النفط على البلدان الأكثر تضرراً بتغير المناخ - قد تحققت.
* مجلة «نيو ساينتست»: خدمات «تريبيون ميديا».