«الأسمنت الأخضر»... حل مستدام لخفض الانبعاثات وتنقية مياه الصرف

صناعة الأسمنت تُسهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً (رويترز)
صناعة الأسمنت تُسهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً (رويترز)
TT

«الأسمنت الأخضر»... حل مستدام لخفض الانبعاثات وتنقية مياه الصرف

صناعة الأسمنت تُسهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً (رويترز)
صناعة الأسمنت تُسهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً (رويترز)

تُعدّ صناعة الأسمنت من الصناعات ذات الاستهلاك الكبير للطاقة، كما تُسهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الدفيئة، حيث تُسهم بنحو 7 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً، ما يمثّل 50 في المائة من إجمالي الانبعاثات الصناعية لغازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، يتم إطلاق الكثير من الغازات السامة، مثل: ثاني أكسيد الكبريت، وأكسيد النيتروجين، والغبار في أثناء عملية التصنيع؛ مما يؤدي إلى تدهور البيئة.

ويُعدّ الغبار الناتج عن صناعة الأسمنت من الملوثات البيئية الخطيرة التي تؤثر سلباً في صحة الإنسان، والنظام البيئي، والنباتات. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى البحث عن بدائل جزئية أو كاملة للأسمنت المعروف باسم «الأسمنت البورتلاندي»، بهدف تقليل هذه الآثار البيئية السلبية.

إلى جانب هذا التحدي البيئي، يُسهم النمو الصناعي السريع في استنزاف الموارد الطبيعية، وزيادة انبعاثات غازات الدفيئة، والتلوث. ويمكن التقليل من هذا الأثر من خلال استخدام مواد أسمنتية بديلة مصنوعة من الميتاكاولين، والرماد المتطاير، ودخان السيليكا التي تساعد في تقليل استنزاف الموارد، وتخفيف ظاهرة الاحترار العالمي.

تقليل الأثر البيئي

وفي خطوة مبتكرة نحو تقليل الأثر البيئي لصناعة الأسمنت التقليدية، نجح فريق بحثي في تطوير نوع من الأسمنت الأخضر الصديق للبيئة، يتميّز بأداء ميكانيكي متفوّق وفاعلية عالية في معالجة مياه الصرف الصحي.

وركّزت الدراسة على إنتاج مركبات أسمنتية نشطة قلوياً وصديقة للبيئة بصفتها بديلاً جزئياً أو كاملاً للأسمنت البورتلاندي التقليدي، ونُشرت نتائجها في عدد 13 نوفمبر الماضي من دورية «ساينتفك ريبورتس».

واستكشفت الدراسة استخدام المنتجات الثانوية الصناعية؛ مثل: خبث الأفران، والرماد الناتج عن صناعة الأسمنت، ودخان السيليكا، في إنتاج عينات أسمنتية متنوعة.

وتُنتج هذه المواد الأسمنتية من خلال عملية تنشيط قلوية لا تتطلّب التسخين الذي يحتاج إليه تصنيع الأسمنت البورتلاندي، ما يُسهم بشكل كبير في تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما تسمح هذه العملية باستخدام مجموعة واسعة من النفايات الصناعية والمواد الخام الرخيصة.

وتم تقييم الخصائص الميكانيكية لهذه العينات، إلى جانب فحص كفاءتها في إزالة الأصباغ والملوثات الضارة من مياه الصرف الصحي. ووفق النتائج، أظهر الأسمنت الأخضر قوة استثنائية، تتفوّق في الكثير من الحالات على الأسمنت التقليدي؛ مما يمثّل فرصة لتطوير مواد بناء أكثر قوة وأقل تأثيراً في البيئة.

إزالة الملوثات

يُستخدم هذا النوع من الأسمنت القائم على المواد المُنشّطة قلوياً في معالجة مياه الصرف الصحي، بفضل خصائصه السطحية الفريدة، مثل: البنية المسامية العالية والشحنات السالبة التي تُسهم في امتصاص الملوثات بكفاءة.

وتعزّز المواد المستخدمة في هذا الأسمنت، مثل خبث الأفران والرماد المتطاير، من التفاعلات الكيميائية التي تساعد في إزالة الملوثات، في حين تعمل الفتحات المسامية الدقيقة بوصفها حواجز لاحتجاز الجزيئات الضارة. وأظهرت النتائج أن تركيبة الأسمنت التي تحتوي على 80 في المائة من خبث الأفران، و10 في المائة من الرماد المتطاير، و10 في المائة من دخان السيليكا؛ تتمتع بخصائص ميكانيكية متميزة وفاعلية عالية في امتصاص الأصباغ الملوثة من مياه الصرف الصحي. كما أظهرت النتائج أن الأسمنت المُنشّط قلوياً قادر على إزالة ما يصل إلى 74 في المائة من صبغة الميثيلين الأزرق خلال 6 ساعات، مع تحقيق نسب إزالة أولية تقارب 100 في المائة لهذه الصبغة.

وبناءً على النتائج، يمكن تحويل الأسمنت بعد امتصاص الملوثات إلى مواد صلبة آمنة تُسهم في التخلص من الملوثات بطريقة مستدامة دون إعادة إطلاقها إلى البيئة.

وقالت الأستاذة بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة عين شمس في مصر، المشرفة على الدراسة، الدكتورة صفاء الجمل، إن هذا النوع من الأسمنت الأخضر لا يُسهم فقط في تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن صناعة الأسمنت التقليدي، وإنما يساعد أيضاً في تقليل التأثيرات البيئية الضارة الناجمة عن النفايات الصناعية.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الأسمنت يتميّز بقدرته العالية على التحمّل في الظروف القاسية، مثل الحرائق والمواد الكيميائية؛ مما يجعله بديلاً محتملاً واعداً للأسمنت التقليدي.

من جهته، أوضح الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة عين شمس، الباحث المشارك في الدراسة، الدكتور محمد رمضان، أن هذا الأسمنت يُعدّ حلاً بيئياً مستداماً يجمع بين معالجة النفايات الصناعية وتطوير تقنيات صديقة للبيئة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النوع من الأسمنت يُمكن استخدامه في معالجة المياه الصناعية ومياه الصرف الصحي الناتجة عن الصناعات المختلفة، بالإضافة إلى إزالة الأصباغ الضارة، خصوصاً في صناعة النسيج والملابس.

وأشار إلى أن الأصباغ مثل الميثيلين الأزرق تُعد من الملوثات البيئية الخطيرة، وبالتالي توفّر هذه المواد حلاً فعّالاً في مجال معالجة المياه، مما يُسهم في حماية البيئة وتقليل تأثيرات التلوث الصناعي.



جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال
TT

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

جينات سرطان الثدي... تهدّد صحة الرجال

عندما اكتشفت ماري كلير كينغ، أول جين على صلة بسرطان الثدي الوراثي عام 1990، تعيّن عليها اختيار اسم له. وبالفعل، استقرت على أربعة حروف «بي آر سي إيه» (BRCA)، وهو الاسم الذي حمل ثلاثة معانٍ مميزة. وجاء اختيار هذا الاسم تكريماً لجامعة «كاليفورنيا» ببيركلي؛ حيث كانت تعمل كينغ آنذاك. الأهم من ذلك، حمل الاسم إشارة إلى بول باروكا، الطبيب الفرنسي الذي عاش في القرن الـ19، والذي أقرّت أبحاثه وجود صلة بين التاريخ الصحي العائلي والإصابة بسرطان الثدي. كما حمل الاسم الجديد اختصاراً لمرض سرطان الثدي «breast cancer».

جينات سرطان الثدي

في غضون سنوات قليلة من اكتشاف كينغ «BRCA1»، جرى اكتشاف جين آخر «BRCA2». واليوم، نال هذان الجينان شهرة ربما تفوق أي جين آخر، وتعزّزت صورتهما عبر أبحاث كشفت عن تأثيرات هائلة لهما على خطر الإصابة بالسرطان. وأعقب ذلك إطلاق حملات توعية بخصوص الجينين.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013، كشفت الممثلة أنجلينا جولي خضوعها لعملية استئصال الثديين الوقائية، بسبب طفرة جين «BRCA» لديها، مما دفع الكثير من النساء إلى إجراء اختبارات حمض نووي.

وبالفعل، أصبح جينا «BRCA» على صلة وثيقة بالثديين، بقدر ما أصبحت الشرائط الوردية رمزاً دولياً لسرطان الثدي. ومع تحفيز المزيد من النساء نحو محاولة اكتشاف ما إذا كان لديهن طفرات «BRCA»، ساعد ذلك بدرجة هائلة في تقليص مخاطر الإصابة بسرطان الثدي الوراثي.

طفرات سرطانية

ومع ذلك، على مدار العقود الثلاثة منذ اكتشاف الجينين، تعلّم العلماء كذلك أن طفرات «BRCA» يمكن أن تسبّب الإصابة بالسرطان في المبايض والبنكرياس والبروستاتا. وفي الآونة الأخيرة، جرى الربط بين هذه الطفرات وظهور السرطان بأجزاء أخرى من الجسم، مثل: المريء، والمعدة، والجلد.

وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 60 في المائة من الرجال الذين لديهم تغيرات في جين «BRCA2»، يُصابون بسرطان البروستاتا. ومع ذلك، نجد أن الرجال أقل وعياً عن النساء بفكرة أن طفرات جين «BRCA» يمكن أن تؤثر فيهم.

وفي حديث دار بيني وبين كولين بريتشارد، بروفسور الطب المخبري وعلم الأمراض بجامعة «واشنطن»، قال: «إنها مشكلة تتعلّق بالصورة العامة»، مشيراً إلى أن الرجال الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بسرطان الثدي، ربما لا يدركون أن من الضروري خضوعهم للفحص. كما يفتقر الأطباء إلى الوعي اللازم بخصوص الرجال الذين يجب أن يخضعوا للفحص، وطبيعة الخطوات التي يجب اتخاذها عند اكتشاف طفرة.

واليوم، يعمل بريتشارد وباحثون آخرون على إعادة تسمية جين «BRCA»، والمتلازمة المرتبطة به، بهدف دفع المزيد من الرجال إلى إجراء الاختبار اللازم.

في العادة، تنتج جينات «BRCA» بروتينات تساعد في إصلاح الحمض النووي التالف في جميع أنحاء الجسم. ويجري تشخيص معظم الأشخاص الذين يحملون طفرات تضعف وظيفة الجين، بمتلازمة سرطان الثدي والمبيض الوراثي. (يعني وجود عرض سرطان الثدي والمبيض الوراثي، أن الشخص معرّض لخطر متزايد للإصابة بالسرطان، وليس أنه مصاب بالفعل بالمرض).

واللافت أنه لا يوجد رابط وراثي معروف فيما يتعلّق بمعظم حالات سرطان الثدي، ومع ذلك فإن أكثر من 60 في المائة من النساء المصابات بطفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، يتعرّضن للإصابة بسرطان الثدي، مقارنة بنحو 13 في المائة من السكان الإناث على نطاق أوسع.

سرطانا البروستاتا والبنكرياس

وبطبيعة الحال، يمكن أن يُصاب الرجال بسرطان الثدي كذلك، لكن يبقى ها الأمر نادر الحدوث، حتى بين حاملي طفرة «BRCA».

يُذكر أنه لم تتضح بعد الأهمية الكاملة للرابط بين طفرات «BRCA» وسرطاني البنكرياس والبروستاتا حتى وقت قريب فقط. ربما العقد الماضي، حسبما أفاد بريتشارد. وتبعاً للدراسات القائمة، ثمة تنوّع كبير في المخاطر المحددة الناجمة عن هذه الطفرات المتعلقة بالرجال. ومع ذلك، يبقى أمر واحد شديد الوضوح: الرجال الذين يحملون طفرات «BRCA» ليسوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا فحسب، بل يواجهون كذلك خطر الإصابة بصور أكثر عدوانية من المرض.

وبحسب الإحصاءات، فإن نحو واحد من كل 400 شخص يحمل طفرة ضارة في «BRCA1» أو «BRCA2»، ونصفهم من الرجال. ومع ذلك، تبقى النساء أكثر احتمالاً بكثير لأن يتعرّضن لوجود طفرة؛ بمعدل يصل إلى 10 أضعاف، حسب إحدى الدراسات.

وتكشف الإحصاءات عن أن نصف الأميركيين فقط يخضعون لفحص جسدي سنوياً، ولا يدرك الأطباء دوماً ضرورة أن يوصوا بأن يخضع الرجال لاختبار «BRCA». ويبلّغ الكثير من الرجال الذين لا يخوضون اختبار طفرة «BRCA» عن إجرائهم الاختبار ذاته لبناتهم، وأظهرت دراسات أنهم يميلون إلى الشعور بالارتباك تجاه مخاطر إصابتهم بالسرطان أنفسهم. وبفضل حملات التوعية بخصوص جين «BRCA»، أقبلت الكثير من النساء على إجراء الاختبار. على سبيل المثال، في غضون الأسبوعين التاليين لظهور مقال أنجلينا جولي الذي انتشر على نطاق واسع، رصد الباحثون ارتفاعاً بنسبة 65% في معدلات إجراء اختبار «BRCA». وفي هذه الحالة، قد يخضع عدد من الأشخاص للاختبار أكثر من اللازم. ومع ذلك، فإنه بوجه عام، ساعد ارتفاع فحوصات السرطان والتدخلات الجراحية الاختيارية في تقليل معدلات الوفيات بسبب سرطان الثدي والمبيض.

التوعية بالمخاطر

ويمكن أن يؤدي نشر الوعي حول ارتباط الجينات بأنواع أخرى من السرطان إلى الأمر نفسه بين الرجال. وسعياً لتحقيق هذه الغاية، عبّر بريتشارد في تعليق له نشرته دورية «نيتشر» عام 2019، عن اعتقاده ضرورة إعادة تسمية سرطان الثدي والمبيض الوراثي «متلازمة كينغ»، تيمناً بماري كلير كينغ.

*«ذي أتلانتيك أونلاين»

- خدمات «تريبيون ميديا».