9 وسائل لتجاوز المحن والنكبات

الصمود يتطلّب التغلّب على أكبر تحديات الحياة

9 وسائل لتجاوز المحن والنكبات
TT

9 وسائل لتجاوز المحن والنكبات

9 وسائل لتجاوز المحن والنكبات

المرونة والصمود أكذوبتان، فإن كان الحديد يتمتع بالقدرة على الارتداد فإن البشر لا يتمتعون بهذه القدرة. ولذا فإن عليهم التكيّف مع واقع متغيّر. لذلك يجب على الإنسان البحث للعثور على نموذج ومثل أعلى أولاً، ثم النظر في ثماني نصائح أخرى مستقاة من أحدث بحث في العلوم العصبية.

تجربة مريرة لطبيب نفسي

من بين أمور مميّزة كثيرة صاحبت المسيرة المهنية للطبيب النفسي دينيس تشارني، الباحث لمدة طويلة في مجالات الاكتئاب، وكرب ما بعد الصدمة، وعميد كلية طب «ماونت سيناي» في نيويورك، ورئيس المركز الطبي بها؛ يصعب التعرّف إلى معرفة خمس عشرة سنة من سيرته الذاتية إطلاقاً.

في صباح يوم 29 أغسطس (آب) عام 2016، وفي أثناء وجوده في ساحة انتظار لمتجر في إحدى الضواحي التي توقف عندها لشراء خبز «بيغل» بالزبدة وقهوة مثلجة، ليتمكّن من القيادة لمدة ساعة إلى محل عمله؛ أطلق أحد الباحثين في المركز الطبي -كان قد طُرد منه منذ سبع سنوات بسبب عملية احتيال تتعلّق ببيانات الأبحاث- أطلق 15 رصاصة في صدر تشارني؛ مما أدّى إلى ثقب في إحدى رئتيه، وكسر ضلع له، وتعريض كبده للخطر، لكن دون أن يمسّ القلب أي ضرر.

أدى هذا الهجوم إلى بقاء تشارني في وحدة العناية المركزة لمدة أسبوع، ومروره بتجربة تتسم بأكبر قدر من الفردية.

الصمود: التغلّب على التحديات

وبهدف اختبار الموضوع الذي خصّص له كامل حياته المهنية، وهو كيفية استعادة المرء القدرة على العمل والعيش بعد المرور بتجربة مدمّرة ممزّقة، شرع تشارني بالاشتراك مع زميل له، في تأليف كتاب عن الموضوع، وهو كتاب «الصمود: علم التغلّب على أكبر تحديات الحياة» (Resilience: The Science of Mastering Life’s Greatest Challenges)، ثم كان عليه معايشة الأحداث بسبب مرضه.

من واقع أبحاث وتجربة تشارني وغيره، هناك توافق متزايد على ما تتطلّبه النجاة من الإهانات الكبيرة والصغيرة التي تلقي بها الحياة في طريقنا، سواء كان ذلك طفولة تضمّنت معاناة من التمييز العنصري، أو فقراً وحرماناً، أو خيانة من شخص حميم، أو حادثاً تسبّب في إعاقة، أو زلزالاً، أو موت رفيق بين ذراعيك، أو هجوماً مباشراً على حياتك.

كل تلك الإهانات قادرة على سحق النظام (الخاص بحياتك)، والضغط عليه حتى نقطة الانهيار، وتحطيم الشعور بالأمان الذي يسمح للعقل والجسد بالازدهار، وكذلك زعزعة استقرار الدوائر العصبية التي تمد الحياة اليومية بالطاقة، وهو ما يؤثر فيما نلاحظه وننتبه له، ودرجة سيطرتنا على الأفكار والمشاعر والمخاوف، وشعورنا بذواتنا، وقدرتنا على الحفاظ على الهدوء الداخلي.

قدرات الارتداد المعاكس

كل ذلك قادر على وضع الناس على طريق الاضطرابات العقلية والجسدية، ومن جهة أخرى: ربما لا. فكل ذلك أيضاً قادر على إجبارنا على إعادة رسم علاقتنا بأنفسنا وبالحياة، وجعلنا نشعر بقوة أكبر من ذي قبل.

الصمود (باللاتينية Resilience)، هي كلمة مشتقة من المقطعين اللاتينيين «ري» (re)، و«سالير» (salire)، التي تعني معاً «الارتداد»، أي البدء من جديد، واستعادة التوازن والحالة الطبيعية بعد الصدمات. إنها الرؤية السائدة لكيفية تجاوز الناس للمحن والشدائد. مع ذلك إنها تبدو أكذوبة، فالناس لا يستطيعون فعل ذلك، بل يتغيّرون بلا استثناء بفعل التجربة.

على الأقل، تنقطع الوصلات العصبية، ما يُعيد ترتيب خطوط التواصل بين مراكز التحكم في المخ. وهنا على الناس إصلاح الطرق المعدلة (الجديدة) التي عادة ما دُفعوا باتجاهها، من أجل التفكير والشعور والتصرف؛ بحيث يتمكّنون من مواصلة الحياة في الواقع الجديد لبيئتهم، وذلك بعد قبول ذلك الواقع.

ما الذي يعودون إليه إذا كانوا محظوظين؟ إنها حالة الاتزان، لكنها تكون مختلفة عن سابقتها.

القدرة على التكيّف

إن الصمود في جوهره هو القدرة على التكيّف، وتحديث أنفسنا، والتكيّف مع ظروف جديدة بعد أن هدمت تجارب مفاجئة، وغير مرغوب فيها بأوجه مختلفة، وسائل أماننا القديمة. إنها قدرة ضرورية على إنشاء الخيمة البشرية في عالم متحرك بشكل كبير، ومن غير الممكن توقعه في كثير من الأحوال.

ويقول تشارني: «لا يعني ذلك ألا يعاني الناس من أعراض أو مشكلات، لكنهم يتجاوزونها. وفي كثير من الحالات ينمون ويزدهرون».

نحن ندخل العالم بقدرة معينة على الصمود، وأعصابنا مصممة لتتكيّف، وقدرتها على الاتصال بعضها مع بعض، وقوة تلك الاتصالات تستجيب للتجربة والتدريب والممارسة على الأقل إلى درجة ما.

يتمثّل الجزء الصعب في الحفاظ على عمل الوظائف الإدراكية في مواجهة فرط الإثارة العاطفية الذي يحدث نتيجة الاضطرابات الناجمة عن المحن والشدائد. في النهاية نحن بحاجة إلى قدراتنا الإدراكية لاكتشاف كيفية اجتياز ظروف الحياة المتغيّرة والإبحار فيها، رغم أن الصدمة الناجمة عن الشدائد تميل إلى الهيمنة عليها عبر دائرة الإنذار، التي تصبح في وضع رصد للتهديد، وتزيد سرعة ما يراه الباحثون في الأشعة التي يتم إجراؤها على المخ، مثل إشارات صادرة من شبكة بروز تتسم بفرط التيقظ تهيمن على شبكة تنفيذية مركزية.

تجاوز المحن وسمات الصمود

مع ذلك فإن المشكلة الكامنة في الصمود هي أنها تبدو بشكل مريب مثل مجموعة منظمة مرتبة من السمات الروحانية التي إما أن يمتلكها المرء وإما لا. وفي أعقاب أي كارثة، من السهل أن تشعر أنك لا تمتلك تلك السمات.

استغرق الباحثون عقوداً من السنين لاكتشاف أن تجاوز الشدائد والمحن هو عملية نشطة للغاية، وأحياناً تكون فوضوية للغاية.

مع ذلك يحدث تحول كبير في التفكير؛ ففي الوقت الذي يكون فيه من الضروري معالجة الاضطراب الناجم عن المحنة حين تحدث، من الممكن التحلي بالصمود؛ بحيث يتمكّن المرء من التحكم في الاختلال والارتباك الخطير حين يحدث، وهو أمر مؤكّد بدرجة كبيرة. ويقلّل التعرض المبكر لتحدي ما فرط نشاط نظام الاستجابة للتوتر والضغط النفسي؛ بحيث تكون المعاناة من الاضطراب أقل، وكذلك إدراك الفاجعة.

لا توجد قدرة أو ملكة سحرية واحدة للصمود؛ إذ يحتاج الأمر إلى استخدام مجموعة من القدرات، والانتقال من واحدة إلى أخرى، حسب ما تستدعي الحاجة من أجل إعادة ضبط أنظمة الجسم والمخ.

وفي داخل وحدة العناية المركزة تمسّك تشارني بأنشودة بروس سبرينغستين «أقوى من البقية»، وبإلهام من عنوانها أخذ يتذكّر: «ظللت أقول لنفسي إنني سوف أكون أقوى من بقية الناس في كيفية التعافي... وصدّق أو لا تصدّق، كان تكرار ذلك لنفسي نافعاً للغاية».

استراتيجيات الصمود

مما لا شك فيه أن تجاوز المحن والشدائد صراع ونضال على المرء أن يكون عازماً على خوضه، متحلياً فيه بالإيمان بقدرته على العبور إلى الجانب الآخر. فيما يلي تسع استراتيجيات للصمود يمكن أن تساعد في عبور المرء للأزمات، حسب ما يوضح البحث.

01- > اعثر على مثل أعلى. دائماً ما تكون معرفة أن شخصاً آخر قد مرّ بالتحدي نفسه الذي مررت به أمراً يبعث على الطمأنينة؛ حيث يهدّئ ذلك من وطأة الشعور بالاغتراب الذي تثيره المصاعب. وما يفيد أكثر هو معرفة أن هؤلاء الأشخاص قد اجتازوا المحنة، وكذا معرفة كيفية قيامهم بذلك.

سواء كان هؤلاء الناس بشراً من لحم ودم، أو أشخاصاً في سير حياة، أو شخصيات خيالية، تقدّم النماذج دليلاً ملموساً على إمكانية اجتياز المحن والفواجع، وكذا الإلهام لفعل ذلك.

من الحقائق البديهية المقررة للنفسية البشرية أنه نادراً ما نحاول فعل ما لا نؤمن بقدرتنا على فعله. لذا فإن النماذج والمثل العليا مهمة للغاية؛ لأنها تقدّم إلينا خريطة طريق توضح كيفية اجتياز ما نواجهه، على حد قول تشارني.

02-> اطلب وامنح: الدعم الاجتماعي. نظراً إلى أن النظام البشري قائم على الاتصال الاجتماعي، يتدهور الأفراد عقلياً ونفسياً في غيابه. ويقرّ أي دليل جزئي يتضمّن الوسائل التي يعزّز بها الاتصال الاجتماعي الإيجابي السلامة والصحة، بأنه واحد من أقوى المحركات الإنسانية؛ حيث يدعم تقدير الذات، ويعزّز المناعة، ويخفّض ضغط الدم، ويساعد القلب.

واجه محنتك

03-> واجه محنتك. يُعد الهروب من المواجهة سمة مميزة لاضطرابات القلق. وللأسف يمنع تفادي مواقف متصلة بتجربة محزنة ومفجعة التعافي، ويحول دون حدوثه. إنه شكل من أشكال الهزيمة، فالخوف من المخاطر الذي تنتج إشاراته من اللوزة الدماغية المثيرة للمخاوف، يتحكّم فيما تفعله، بل خصوصاً فيما لا تفعله.

تضخم صور وأشكال التفادي حالة الخوف، وتشوّش الدماغ، وتمنعه من تعلم التمييز بين التهديد والخطر الماضي السابق، والخطر الحاضر الحالي. ومع عدم الاتصال بالفص الأمامي للدماغ بفعل المستويات المرتفعة من «النورابينفرين»، تضعف القدرة على تقييم المواقف بشكل عقلاني، والتوصل إلى طريقة للتكيّف، والمضي قدماً.

04-> قم بأمور صعبة. التعرّض المتعمد لمواقف تتضمّن تحدياً كبيراً في الطفولة، وربما إلى حد ما في مرحلة البلوغ؛ يكون تقبلاً نفسياً وبدنياً للضغوط والتوترات.

ويغيّر التعرّض لظروف صعبة بدرجة معتدلة، حسب ما توضح الدراسات، المحور تحت المهادي النخامي الكظري؛ مما يكبح رد الفعل اللاحق للمحور، ويقلّل الهرمونات التي تضع النظام في وضع الخطر، ومدة تأثيرها. إنه يخفّف من إدراك المرء أنه في حالة انهزام وحزن.

05-> خفّف قبضتك على نفسك. القوة ورباطة الجأش إحدى الطرق المؤدية إلى الصمود، لكنّ هناك طريقاً آخر، وهو ما يطلق عليه اختصاصي العلوم العصبية في جامعة «ويسكونسن»، ريتشارد ديفيدسون، «المسار الهادئ» (quiet path). فعوضاً عن كبح مشاعر الحزن، يتم بناء مهارات السلامة النفسية، ومصادقة الذات من خلال «استراتيجيات التصادق». وبعد ذلك حين تحدث فاجعة أو محنة، وهو أمر مؤكد، فستكون عملية التعافي سريعة. هذا مهم، كما يوضح ديفيدسون؛ لأن سرعة التعافي تحمي من ترسخ القلق وحالة الاختلال العصبي.

الوعي العميق والبحث عن معنى

06-> الوعي العميق. العماد الأول لديفيدسون هو القدرة على تركيز الانتباه نحو مقاومة التشتيت. ويتضمّن أيضاً ما وراء الوعي، ومعرفة ما تتطلّع إليه أذهاننا.

يبدأ الأمر بقبول ما هو حاضر، وتعميق الوعي به، وهو ما يزيد من شدة الشعور بالألم لفترة زمنية، ثم يسرّع عملية التعافي بعد ذلك. يصف ديفيدسون التبصر بوصفه معرفة للذات يقودها حب الاطلاع: «إنها الكيان الذي صنعناه ونطلق عليه (نفسي) أو (أنا)، ويحرر ذلك الناس من الحديث السلبي للذات، الذي يسبّب لكثيرين الشعور بالهزيمة والاكتئاب».

07-> ابحث عن معنى. كتب فيكتور فرنكل في «بحث الإنسان عن معنى»: «من بعض الأوجه تنتهي المعاناة في اللحظة التي نعثر فيها على معنى. ليست الظروف هي التي تجعل الحياة غير محتملة، بل انعدام الشعور بغاية أو هدف، حيث يبني الشعور بغاية، والالتزام بالقيم التي تدعمها، هيكل شيء إيجابي. ويصبح دليلاً على أن جزءاً منك لم يتدمر بفعل المحنة أو الفاجعة».

إن الغاية هي ما تدفع الناس نحو الأمام، فهي قوة تحفيزية تعمل حتى عند مواجهة المصاعب، بل ربما بشكل خاص عند مواجهة تلك المصاعب. وعلى الرغم من أنها مصنّفة بشكل أدنى ضمن مجال الروحانيات فإن لديها آثاراً حيوية على الجسم.

08-> اعكس وضع عقلك. في جوهر وقلب التكيّف، توجد الجاهزية والاستعداد التي يمكن للمرء بها التنقل بانتقائية بين العمليات العقلية الذهنية من أجل توليد استجابات سلوكية تلبي متطلبات موقف ما وتتناسب معه. تتولّى شبكة التحكم التنفيذية عملية فهم أي موقف، وتقييم ما هو ضروري، واختيار الاستراتيجيات النافعة وتطبيقها، وهو أمر ضروري لإنجاز الكثير من المهام؛ لكن الأهم من ذلك قدرته على تعديل مخرج اللوزة الدماغية، المسؤولة عن إطلاق الإنذار بوجود مخاطر وتهديدات، والمشاعر السلبية التي تطلق تلك اللوزة عنانها.

«بصمة الصمود الميكروبية»

09->حافظ على توازن الكائنات الدقيقة المتعايشة داخل جسمك. يتم النظر إلى الصمود بوجه عام بوصفه ظاهرة نفسية، ويستهدف أكثر المناهج والطرق نحو الصمود، العقل.

مع ذلك أوضحت أبحاث جديدة بطريقة مقنعة أن الصمود ظاهرة تشمل الجسم كله، وتحدث واحدة من أكثر العمليات نشاطاً داخل الأمعاء. ومن أجل الوصول إلى دماغ صامد، فإنك بحاجة إلى تأمين كائنات دقيقة صامدة متعايشة داخل جسمك؛ حيث تطلق تلك الكائنات الموجودة داخل الأمعاء «microbiome» مجموعة من المواد الكيميائية الحيوية التي تعمل من خلال المحور الأمعاء - الدماغ gut - brain axis، وتشكّل الدوائر العصبية الكهربائية للمخ، وتحدد كيفية عملها وأدائها للوظائف.

وقد اكتشف باحثون في جامعة «كاليفورنيا لوس أنجليس» أخيراً أن مجموعة محددة من البكتيريا، تُسمّى «بصمة الصمود الميكروبية» (microbial signature of resilience)، تمكّن المركز التنفيذي داخل الدماغ، والموجود في القشرة الأمامية للدماغ، من كبح جماح المراكز العاطفية النشطة بشكل مفرط التي تعمل بصورة سريعة. وتقول الطبيبة النفسية، المديرة المشاركة لمركز الكائنات الدقيقة المتعايشة داخل جسم الإنسان في جامعة «كاليفورنيا لوس أنجليس»، أربانا غوبتا: «لا توجد منطقة وحيدة داخل المخ تعمل بشكل منعزل ومنفصل».

* مجلة «سايكولوجي توداي»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.