تقنية «ليدار» ونظم الذكاء الاصطناعي تسرع وتيرة اكتشاف الآثار

تسهل البحث عن مدن ضائعة وعجائب قديمة

النظم الذكية توظف لتحليل الاكتشافات الأثرية
النظم الذكية توظف لتحليل الاكتشافات الأثرية
TT

تقنية «ليدار» ونظم الذكاء الاصطناعي تسرع وتيرة اكتشاف الآثار

النظم الذكية توظف لتحليل الاكتشافات الأثرية
النظم الذكية توظف لتحليل الاكتشافات الأثرية

لقد مُحيت الكثير من الأدلة المادية لوجود البشرية، وتآكلت، ودُفنت، وفُجرت، وأُزيلت بطرق أخرى... وهنا يأتي دور علماء الآثار.

مجارف وفرش وعدسات مكبرة

قبل عقود، كان على علماء الآثار الاعتماد إلى حدٍ كبير على المجارف والفُرش والعدسات المكبرة - والعمل الميداني الشاق، للعثور على عظمة واحدة أو شظية فخارية أو قطعة من الفحم في كل مرة. وهذا النوع من العمل مستمر، لكن العلماء اليوم يستخدمون أيضاً مجموعة مذهلة من تقنيات القرن الحادي والعشرين لكشف الماضي.

ذكاء اصطناعي وحمض نووي

تتضمن هذه الأدوات الجديدة الذكاء الاصطناعي، وتسلسل الحمض النووي، والتصوير بالأقمار الاصطناعية، والتكنولوجيا المحمولة جواً، المعروفة باسم «ليدار»، والطائرات المسيَّرة التي تحمل كاميرات الأشعة تحت الحمراء الحرارية، والروبوتات الصغيرة التي يمكنها الزحف إلى أسفل القبور.

تعمل تقنيات الاستشعار عن بُعد، بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، الذي ينقب في مجموعات البيانات الضخمة، على تعزيز احتمال أن تؤدي دراسة موقع يستهدفه علماء الآثار إلى العثور على آثار مهمة، وليس إلى إضاعة الجهود.

وتقول سارة باركاك، عالمة الآثار في جامعة ألاباما في برمنغهام ومؤلفة كتاب «الآثار من الفضاء»: «هناك شعور حقيقي بالإلحاح فيما يتعلق برسم خرائط المواقع واكتشافها لمجرد أن التآكل الساحلي وحرائق الغابات والتسونامي - الأحداث المناخية واسعة النطاق - تؤثر على المواقع». وأضافت في حديث لـ«واشنطن بوست»: «مع تحسن تقنيات الأقمار الاصطناعية، صرنا قادرين على رؤية مواقع جديدة كل يوم تقريباً».

تقنية «ليدار» ورسم الخرائطجاءت بعض من أكثر الاكتشافات الدراماتيكية في السنوات الأخيرة عبر «ليدار» LiDAR، والذي يمثل الحروف الأولى للاسم المختصر من جهاز «رصد الضوء وتحديد المدى» light detection and ranging.

ويُصوبُ نظام «ليدار»، عن طريق الطائرة أو المروحية أو المُسيَّرة، نبضات سريعة من ضوء الليزر على السطح. ثم تُعالج الانعكاسات لإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد. وأسفر التقدم في نظام «ليدار» عن تحسين قدرته على اختراق مظلات الأشجار وإنشاء صور دقيقة للتضاريس أسفلها، مما يكشف عن سمات تشير إلى النشاط البشري في الماضي.

كان ذلك ثورياً بالنسبة للعلماء الذين يفحصون الغابات المطيرة في أميركا الوسطى والجنوبية، سيما مع انخفاض تكلفة «ليدار» وسهولة استخدامه.

ويقول نيكولاس غوتييه، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة فلوريدا: «قبل عقد أو عقدين من الزمن، كنت بحاجة إلى استئجار رحلة جوية لنقل كل المعدات. ولكن الآن يمكنك وضع التكنولوجيا على طائرة مسيَّرة رخيصة الثمن وخفيفة الوزن نسبياً».

النظم الذكية توظف لتحليل الاكتشافات الأثرية

الكربون المشع لمعرفة التاريخقبل ظهور التقنيات المتقدمة، كان على علماء الآثار إجراء تقديرات تقريبية لعمر الأشياء والمواقع التي درسوها. قد يستنتجون، على سبيل المثال، من أسلوب العمارة أو الفخار أو الأدوات الحجرية التي يجدونها. كان لديهم شعور بأن «هذه المجموعة من الأشياء كانت أقدم من ذلك»، كما يقول مارسيلو كانوتو، عالم الآثار بجامعة تولين الذي يبحث في مواقع حضارات المايا في غواتيمالا وبيليز والمكسيك.

ثم حدثت طفرة كبيرة في منتصف القرن الماضي عندما طور الفيزيائيون التأريخ بالكربون المشع، مستغلين التحلل المتوقع لنظير الكربون - 14 (carbon - 14)، الذي تمتصه الكائنات الحية، إلى أشكال مستقرة من النيتروجين - 14 (nitrogen - 14) بعد موت الكائنات الحية.

يمكن للعلماء حساب كمية ذرات الكربون - 14 المتبقية وتحديد منذ متى كانت جزءاً من شيء حي. وهذا يمنح علماء الآثار القدرة على تأريخ الأشياء التي نشأت في السنوات الخمسين ألفاً الماضية، كما يقول كانوتو.

الذكاء الاصطناعي ووتيرة الاكتشاف

الكثير من العلوم ذات صفة تزايُديّة، إذ إنها تضيف طبقة رقيقة من المعرفة إلى أساس واسع أرست بنيانه أجيال سابقة من الباحثين. لكن التقنيات الجديدة مكّنت من بعض الاكتشافات المذهلة على المستوى الكلي: استخدم طالب جامعي أخيراً الذكاء الاصطناعي لقراءة مخطوطات قديمة عمرها 2000 عام؛ واكتشف علماء الآثار معسكراً رومانياً قديماً على قمة جبل؛ كما اكتُشفت مدينة مفقودة في غابة هندوراس المطيرة.

تقول الدكتورة باركاك، التي تصف نفسها بعالمة الآثار الفضائية: «تكمن القوة الحقيقية للتكنولوجيا في أننا نتمكن بواسطتها من طرح أنواع مختلفة من الأسئلة. إذ لا يتعلق علم الآثار باكتشاف المفقود وإنما بالكشف عن المجهول».

تحليل سريع للبيانات المتوفرةتصف باركاك الذكاء الاصطناعي بأنه «مجموعة إضافية من النظارات» للنظر عبر مجموعات البيانات الكبيرة. وتقول إن الإنسان يتعب ولكن الذكاء الاصطناعي لا يتعب. وهناك الكثير من البيانات المتاحة التي لم يتم تحليلها بعد، تم تجميعها من خلال العمل الميداني القديم أو برامج مراقبة الأمن القومي.

«هذه هي الثورة الحقيقية للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. إنه يسمح لنا بمعالجة كل هذه البيانات التي لدينا بالفعل»، كما قال غوتييه، الذي يعمل مساعد أمين الذكاء الاصطناعي في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي.

استخدم العلماء مؤخراً مسرّع الجسيمات في مختبر لورانس بيركلي الوطني لإرسال حزم من الأشعة السينية عبر شظايا من الخرسانة الرومانية. وساعد ذلك في الكشف عن وصفة الخرسانة التي سمحت للرومان ببناء أشياء لم تنهَر لمدة 2000 عام مثل معبد البانثيون.

التسلسل الجينومي الأفضل

نشهد أيضاً ثورة في العلوم البيولوجية، بما في ذلك علم الجينوم، مما يمنح علماء الآثار طرقاً جديدة للتحقيق في الماضي.

تناولت إحدى الدراسات الحديثة الحمض النووي لعاج حيوان فرس البحر من العصور الوسطى في أوروبا. ووجد الباحثون أن بعض العاج يمكن أن يُعزى إلى الحيوانات التي ربما عاشت في المياه القطبية شمال غربي غرينلاند، وأن سكان غرينلاند الشماليين إما قتلوا الحيوانات في تلك المياه النائية المتجمدة أو شاركوا في التجارة العاجية مع السكان الأصليين، شعب ثولي أو بروتو - إنويت.

إذا كان الأمر الأخير هو الحال، فإنه يمثل بعضاً من أقدم الأدلة على التجارة القطبية - أو ما نسميه الآن العولمة.

لعبت التطورات في القدرة على دراسة الحمض النووي القديم أيضاً دوراً في اكتشاف حديث (رغم أنه مروع ومزعج) في موقع «تشيتشين إيتزا» الشهير للمايا. فقد قام رودريغو باركيرا وزملاؤه في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية بفحص الحمض النووي المستخرج من العظام المعثور عليها عام 1967 في بئر أثناء التنقيب.

في السابق، كان العلماء يعرفون أن العظام تنتمي إلى أطفال تم التضحية بهم بطقوس قبل ألف عام. إلا أن التكنولوجيا الجديدة ساعدتهم في تحديد أن جميع الأطفال كانوا ذكوراً، بما في ذلك مجموعتان من التوائم.

ويقول باركيرا إن التقنيات التي استخدمها فريقه لتحليل الحمض النووي لم تكن متاحة قبل عقد من الزمن. ففي البيئة الاستوائية تتدهور البقايا البشرية سريعاً، لذلك يجب على الباحثين أن يكونوا ماهرين في كيفية استعادة الحمض النووي من العظام والأسنان. وقد اعتمدوا على التقدم في تسلسل الجينوم التي سمحت بالاسترداد الآلي للحمض النووي التالف. ويضيف باركيرا أن الباحثين قاموا بتجميع «مكتبات» جينومية ضخمة بسرعات لم تكن ممكنة في السنوات الماضية. ويضيف أن التحسينات التقنية جعلت من الممكن «سرد قصص أكثر تعقيداً»، وفعل ذلك بشكل أسرع وبتكلفة أقل. ويتابع القول: «في كل مرة يتم إضافة جهاز تسلسل جديد أو بروتوكول مختبري جديد أو أداة معلوماتية حيوية جديدة، تصبح آلة الزمن أفضل ويمكنها السفر إلى الماضي البعيد، ورسم صور أفضل لما يمكنها رؤيته».



​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب