أداة للتنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات

نمذجة «عقاقير الطب الشخصي» لعلاج الأمراض الجينية

الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
TT

أداة للتنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات

الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان
الطفرات الجينية تتسبب بأمراض السرطان

تمكّن باحثون دوليون من تطوير نموذج حاسوبي رائد يمكنه التنبؤ بالأدوية الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات التي تؤدي إلى بروتينات مبتورة أو غير مكتملة.

وتظهر هذه البروتينات بسبب «طفرات غير منطقية» توقف تخليق البروتين قبل الأوان، وترتبط بمجموعة متنوعة من الاضطرابات الوراثية والسرطانات.

وتقدم الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Genetics» في 22 أغسطس (آب) 2024 برئاسة البروفسور بن لينر أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة ورئيس المجموعة في مركز تنظيم الجينوم في برشلونة بإسبانيا، ومعهد ويلكوم سانجر في المملكة المتحدة، تقدماً كبيراً في الطب الشخصي بعد تطوير أداة جديدة تسمى «آر تي ديتكتف» RTDetective. وهذه الأداة نموذج حسابي تم بناؤه بواسطة الباحثين للتنبؤ بالأدوية التي ستكون الأكثر فاعلية في علاج الأمراض الناجمة عن الطفرات التي يمكن أن تؤدي إلى توقف تخليق البروتين ما يؤدي إلى بروتينات مبتورة.

بروتينات مبتورة وطفرات غير منطقية

تنشأ البروتينات المبتورة عندما تنقطع عملية تخليق البروتين قبل الأوان بسبب الطفرات غير المنطقية، حيث تعمل هذه الطفرات كأنها «علامات توقف» في الشفرة الوراثية، ما يتسبب في توقف الآلية الخلوية لإنتاج البروتين بشكل مفاجئ.

وغالباً ما تفقد البروتينات غير المكتملة الناتجة وظيفتها، ما يؤدي إلى أمراض مختلفة. والطفرات غير المنطقية متورطة فيما يصل إلى 20 في المائة من الاضطرابات الجينية الفردية بما في ذلك التليف الكيسي، وخلل العضلات دوشين Duchenne muscular dystrophy، وهو اضطراب جيني وراثي يظهر على هيئة ضعف وضمور وتداع مستمر في الحالة الصحية لعضلات الجسم، وكذلك في كثير من أنواع السرطان بسبب آثارها على جينات قمع الورم.

وقد تم تصميم علاجات قمع الطفرات غير المنطقية لمساعدة الخلايا على تجاوز علامات التوقف المبكرة هذه ما يسمح لها بإنتاج بروتينات كاملة أو شبه كاملة الطول، ومع ذلك فإن فاعلية هذه العلاجات تختلف اختلافاً كبيراً اعتماداً على الطفرة المحددة والتسلسل الجيني المحيط، وكشفت الدراسة أن التجارب السريرية السابقة ربما ربطت المرضى بأدوية غير فعالة بسبب عدم مراعاة هذه العوامل.

أداة للعلاج الشخصي

وقام الباحثون بتحليل 5800 طفرة توقف مبكرة مسببة للأمراض، واستخدموا النموذج الحسابي للتنبؤ بفاعلية الأدوية المختلفة «آر تي ديتكتف»، لكل واحدة من علامات التوقف المحتملة البالغ عددها 32.7 مليون، والتي يمكن إنشاؤها في نُسخ الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) RNA في الجينوم البشري. وتم التنبؤ بأن واحداً على الأقل من الأدوية الستة التي تم اختبارها سيحقق قراءة أكثر من 1 في المائة في 87.3 في المائة من جميع علامات التوقف المحتملة. وكانت النتائج واعدة لأن نسب القراءة الأعلى ترتبط عموماً بنتائج علاجية أفضل.

وعلى سبيل المثال متلازمة هيرلر Hurler syndrome هي اضطراب وراثي شديد ناتج عن طفرة غير منطقية في جين يدعى IDUA حيث أظهرت الدراسات السابقة أنه مع قراءة 0.5 في المائة فقط يمكن للأفراد التخفيف جزئياً من شدة المرض عن طريق إنشاء كميات صغيرة جداً من البروتين الوظيفي.

مستقبل الطب الشخصي

يمثل تطوير النموذج الحسابي «آر تي ديتكتف» خطوة مهمة نحو هدف الطب الشخصي، إذ إن استخدام هذا النموذج يمكن الأطباء السريريين من تصميم العلاجات للمرضى الأفراد بناءً على الطفرات الجينية المحددة لديهم، ما يحسن النتائج العلاجية. وعلاوة على ذلك يمكن للأداة تسريع عملية مطابقة الأدوية الجديدة مع المرضى الأكثر احتمالاً للاستفادة منها.

ويخطط الباحثون للتحقق من صحة وظائف البروتينات المنتجة من خلال علاجات القراءة المستمرة، وضمان فاعليتها السريرية، بالإضافة إلى ذلك يهدفون إلى استكشاف استراتيجيات تكميلية يمكن أن تعزز فاعلية هذه العلاجات، خصوصاً في أمراض السرطان، حيث تلعب الطفرات غير المنطقية دوراً مهماً.

وأخيراً فإن هذه الدراسة لا تقدم طرقاً جديدة لعلاج الأمراض الوراثية فحسب، بل إنها تحمل أيضاً وعداً بتطوير علاجات السرطان من خلال استهداف الأسس الجينية للمرض بدقة أكبر.



الآلية الجزيئية وراء مرض التصلب العصبي المتعدد

شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
TT

الآلية الجزيئية وراء مرض التصلب العصبي المتعدد

شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية
شكل تصويري لطبيب يفحص أمراض المناعة الذاتية

في دراسة حديثة حقق الباحثون بجامعة ييل في الولايات المتحدة اختراقاً مهماً، إذ وجدوا أن فقدان التنظيم المناعي في حالة «التصلب المتعدد» يرتبط بزيادة في البروتين الذي يشارك في وظيفة المناعة. وتؤدي هذه الزيادة في البروتين إلى تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية، بما في ذلك تناول كميات كبيرة من الملح ما يؤدي إلى خلل في وظائف الخلايا التائية (المناعية) التنظيمية.

آلية فقدان التنظيم المناعي

وكشفت النتائج التي نشرت في مجلة «Science Translational Medicine» في 28 أغسطس (آب) 2024 أيضاً عن هدف جديد لعلاج عالمي لمرض المناعة الذاتية لدى البشر. وقاد البحث توموكازو سوميدا الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة ييل وهافلر أستاذ علم الأعصاب وأستاذ علم المناعة في الجامعة.

وقال هافلر إن هذه التجارب تكشف عن آلية أساسية لفقدان التنظيم المناعي في مرض التصلب العصبي المتعدد وأمراض المناعة الذاتية الأخرى على الأرجح. كما أنها تضيف نظرة ثاقبة آلية لكيفية حدوث خلل في الخلايا التنظيمية التائية في أمراض المناعة الذاتية البشرية.

التصلب المتعدد تظهر تأثيراته على غمد الأعصاب (إلى اليمين) مقارنة بالأعصاب السليمة

التصلب المتعدد

واستناداً إلى «مايو كلينك» فإن التصلب المتعدد مرض يقوم فيه الجهاز المناعي الذي يحمي الجسم عادةً بمهاجمة الغلاف المحيط بالأعصاب في الدماغ والنخاع الشوكي (وهو غمد المايلين). وترسل هذه الأعصاب معلومات من الدماغ والحبل النخاعي إلى أعصاب أخرى في الجسم. ويساعد المايلين على زيادة فاعلية هذا الانتقال إلا أن التصلب المتعدد والعديد من الحالات الأخرى تسبب ضرراً على المايلين. وتسمى «الأمراض المزيلة للميالين».

خلل الخلايا التائية التنظيمية

وتعرف هذه الخلايا سابقاً باسم الخلايا التائية الكابتة suppressor T cells وهي مجموعة فرعية من الخلايا التائية التي تعدل الجهاز المناعي وتحافظ على تحمل المستضدات الذاتية، كما أنها مثبطة للمناعة، وتمنع أمراض المناعة الذاتية. ولذا فإن أي خلل فيها يؤدي إلى احتمال الإصابة بتلك الأمراض.

أثر المستويات العالية من الملح

وفي دراسة سابقة نُشرت في 29 أكتوبر (تشرين الأول) في مجلة «Nature Immunology» أشار توموكازو سوميدا أيضاً من مختبر ديفيد هافلر إلى أن المستويات العالية من الملح، تساهم أيضاً في تطور التصلب المتعدد. وعلى وجه التحديد لاحظ الباحثون أن ارتفاع نسبة الملح يحفز الالتهاب في نوع من الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا التائية CD4 T، في حين أنه يتسبب أيضاً في فقدان وظيفة الخلايا التائية التنظيمية. ووجدوا أن هذا يحدث بواسطة إنزيم «الكاينيز» الحساس للملح salt - sensitive kinase أو إنزيم مهم لإشارات الخلايا والمعروف باسم SGK - 1.

الوراثة والبيئة في أمراض المناعة الذاتية

ومن المعروف أن أمراض المناعة الذاتية من بين أكثر الاضطرابات شيوعاً لدى الشباب تتأثر بالعوامل الوراثية والبيئية. ويُعتقد أن خطر الإصابة بالتصلب المتعدد ناتج عن تفاعل المتغيرات الجينية الشائعة مع العوامل البيئية بالإضافة إلى تناول كميات كبيرة من الملح. كما تم ربط عوامل أخرى مثل نقص فيتامين «دي» والتدخين والسمنة بالمرض. ويضيف هذا البحث نظرة ثاقبة مهمة حول كيفية تأثير المحفزات البيئية مثل الملح على الجهاز المناعي والمساهمة في أمراض المناعة الذاتية مثل التصلب.

«عامل النسخ» في تنظيم الوظيفة المناعية

في الدراسة الجديدة استخدم الباحثون تسلسل الحمض النووي الريبي (أر إن إيه) RNA لمقارنة التعبير الجيني لدى مرضى التصلب المتعدد ومقارنته بالتعبير لدى الأفراد الأصحاء. وحدد الباحثون زيادة التنظيم أو زيادة التعبير في مرضى التصلب لجين يسمى PRDM1 - S أو ما يعرف بـ«عامل النسخ» الذي يشارك في تنظيم الوظيفة المناعية.

ووجد الباحثون أن هذا الجين يحفز زيادة التعبير عن إنزيم SGK - 1 الحساس للملح ما يؤدي إلى تعطيل الخلايا التائية التنظيمية. وعلاوة على ذلك وجدوا زيادة مماثلة في التعبير عن نفس الجين في أمراض المناعة الذاتية الأخرى، ما يشير إلى أنه قد تكون سمة مشتركة لخلل الخلايا التائية التنظيمية.

عقاقير مستقبلية

واستناداً إلى هذه الرؤى يعمل فريق البحث على تطوير عقاقير يمكنها استهداف وتقليل التعبير عن جين عامل النسخ في الخلايا التائية التنظيمية وقد بدأوا تعاوناً مع باحثين آخرين في جامعة ييل باستخدام أساليب حسابية جديدة لزيادة وظيفة الخلايا التنظيمية لتطوير نهج جديد لعلاج أمراض المناعة الذاتية البشرية.