العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

التشابه والاختلاف الجيني يشيران إلى الأمراض المحتملة

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق
TT

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

العوامل الوراثية الكامنة ودورها في الفوارق الصحية بين الأعراق

تؤكد دراسة جديدة على الأهمية الحاسمة لدمج الخلفيات الجينية المتنوعة في البحث لفهم الفوارق الصحية بشكل أفضل وتطوير الطب الدقيق. وتسلط النتائج التي توصل إليها «برنامج المليون محارب قديم» الضوء على أوجه التشابه والاختلافات الجينية الفريدة بين المجموعات السكانية المختلفة، ما يمهد الطريق لتدخلات رعاية صحية أكثر شمولاً وفاعلية.

متغيرات جينية لحالات صحية

قامت الدراسة بتحليل البيانات الجينية لـ635969 من المحاربين القدامى و2069 سمة (أو ميزة). وحددت إجمالي 26049 ارتباطاً بين متغيرات جينية محددة وسمات أو حالات صحية مختلفة. وكشفت الدراسة عن أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الفوارق الصحية وتعزيز الطب الدقيق، إذ ركزت غالبية الدراسات الوراثية السابقة على الأشخاص المتحدرين من أصل أوروبي مما يحد من فهم كيفية تأثير الجينات على الصحة لدى المجموعات السكانية الأخرى.

التمثيل المتنوع

الدراسة المنشورة في مجلة «ساينس Science» في 18 يوليو (تموز) 2024 هي دراسة للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة حيث كان أكثر من 29 بالمائة من المشاركين من أصول غير أوروبية. وحدد الباحثون 13672 منطقة محددة في الحامض النووي (دي إن إيه) DNA ترتبط بواحدة أو أكثر من السمات مثل الخصائص الجسدية أو الظروف الصحية إذ يمكن لهذه المناطق المعروفة باسم مناطق الخطر الجيني genetic risk areas أن تؤثر على احتمالية إصابة الشخص بسمات معينة أو الإصابة بأمراض معينة.

والسمة هي خاصية معينة يمكن أن تنتج نوعاً معيناً من السلوك وهي أيضاً إحدى خصائص الكائن الحي التي تنتقل من الوالدين إلى الطفل.

وقال المؤلف المشارك بالدراسة سكوت دامرور دكتوراه في الطب أستاذ مشارك في علم الوراثة وجراح الأوعية الدموية في جامعة بنسلفانيا الولايات المتحدة إن فهم العوامل الوراثية الكامنة وراء التفاوتات الصحية أمر بالغ الأهمية لتطوير التدخلات والعلاجات المستهدفة التي يمكن أن تفيد جميع الناس بغض النظر عن خلفيتهم. ومن خلال الكشف عن هذه الرؤى الجينية عبر مجموعات سكانية متنوعة فإننا نتخذ خطوات مهمة نحو نهج أكثر تخصيصاً وشمولاً للرعاية الصحية.

رؤى خاصة بالسكان

على وجه التحديد اكتشفت الدراسة إشارات خاصة بالسكان مثل متغير rs72725854 في موضع PCAT2 المرتبط بخطر الإصابة بسرطان البروستاتا والذي لوحظ في الغالب لدى الرجال الأميركيين من أصل أفريقي. وكشفت أيضاً عن متغير جديد لخطر النقرس rs35965584 في مجموعة السكان الأميركيين من أصل أفريقي إلى جانب المتغير المعروف rs2231142 حيث أكدت على التدخلات المستهدفة وعلاج المتغيرات الوراثية المرتبطة بالأمراض الأيضية مثل النقرس gout (والنقرس أو ما يعرف أيضاً بداء الملوك هو مرض روماتيزمي يسبب ألماً في المفاصل ويرتبط ارتباطاً مباشراً بتركيز حامض اليوريك بالدم الناتج عن تحلل البروتينات في الجسم ويتم التخلص من الزائد منه في الدم عن طريق طرحه بالبول بشكل طبيعي وينقسم النقرس إلى نوعين النوع الأول يعود إلى اضطراب أيضي وراثي تتناقله العائلة أما النوع الثاني فينتج بسبب زيادة حامض اليوريك في الجسم أو عدم قدرة الكلية على طرحه).

وأظهرت الدراسة الجديدة أن الوراثة لمعظم السمات متشابهة بين مجموعات من الأشخاص المتنوعين ولكن بعض المجموعات لها سماتها الوراثية المميزة فقد تمكنوا من العثور على هذه الاختلافات بدقة أكبر خاصة في مجموعات الأميركيين من أصل أفريقي والمجموعات ذات الأصول المختلطة وذلك بفضل التحسينات في كيفية تحليل الحامض النووي (دي إن إيه) مثل رسم الخرائط الدقيقة والذي يسمح للباحثين بتحديد التغيرات الجينية الدقيقة المسؤولة عن سمة أو حالة معينة وتسلط النتائج الضوء على أهمية تضمين الخلفيات الجينية المتنوعة في فهم الأسباب الوراثية للفوارق الصحية.

وقال المؤلف الأول للدراسة أنوراغ فيرما دكتوراه وأستاذ مساعد في الطب وعلم الوراثة البشرية وباحث في جامعة بنسلفانيا إن نتائج الفريق تظهر أوجه تشابه أكثر من الاختلافات في الارتباطات الجينية بين المجموعات ومع ذلك فإن الاختلافات الجينية الفريدة التي تم تحديدها في مجموعات سكانية متنوعة توفر رؤى حاسمة حول التفاوتات الصحية ولها آثار كبيرة على الطب الدقيق ومعالجة الفوارق الصحية من خلال دمج النتائج الجينية في استراتيجيات الصحة العامة والممارسات السريرية وإعطاء الأولوية للأبحاث التي تفيد المحاربين القدامى وأسرهم.

الاختلافات الحينية والاستجابة للدواء

وتسلط دراسة جديدة أخرى الضوء على الاختلافات الجينية الكبيرة بين سكان الأمازون وسكان الأنديز والتي تؤثر على الاستجابات الدوائية مع آثار عميقة مثل تلك الموجودة بين الأوروبيين وشرق آسيا. وتؤكد النتائج على أهمية الاعتراف بالتنوع الجيني ودمجه في الطب الدقيق حيث تؤثر هذه الاختلافات على فاعلية الدواء وآثاره الجانبية. وقد قام الباحثون بتحليل التنوع الجيني لـ294 فرداً من 17 مجموعة من السكان الأصليين في بيرو في منطقتي الأنديز والأمازون ووجدوا أن بعض الاختلافات الجينية تجعل سكان الأمازون والأنديز يستجيبون للدواء بشكل مختلف.

وقد تمت المبالغة في تبسيط حالات السكان الأميركيين الأصليين باعتبارهم متجانسين وراثياً لكن هذه الدراسة تكشف عن اختلافات معقدة تشكلها البيئة والتاريخ والثقافة حيث وجد الباحثون في هذه الدراسة المنشورة في مجلة «Cell» في 8 أغسطس (آب) 2024 أن سكان الأمازون والأنديز يستجيبون بشكل مختلف لأدوية مثل رسيوفاستاتين rosuvastatin الذي يوصف غالباً لخفض مستويات الكوليسترول ومنع أمراض القلب والأوعية الدموية ولكنه يزيد أيضاً من مخاطر الآثار الجانبية. ودواء الوارفارين warfarin (وهو دواء يعالج جلطات الدم وتعتبر الجرعة هي المفتاح فالقليل جداً من الوارفارين يجعل العلاج غير فعال في حين أن الكثير منه يمكن أن يعرض المرضى لخطر النزيف الشديد)، بسبب المتغيرات الجينية المحددة، على سبيل المثال يحتاج 16 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة أقل من عقار رسيوفاستاتين لتجنب الآثار الجانبية مقارنة بـ2 بالمائة فقط من سكان الأنديز وعلى نحو مماثل يحتاج 93 بالمائة من سكان الأمازون إلى جرعة مخفضة من الوارفارين مقارنة بنحو 69 بالمائة من سكان الأنديز.

ويضيف إدواردو تارازونا سانتوس المؤلف الرئيسي للدراسة قسم علم الوراثة والبيئة والتطور الجامعة الفيدرالية في ميناس جيرايس البرازيل أن هذه الاختلافات الجينية التي تؤثر على علم الصيدلة والتي لوحظت في جبال الأنديز والأمازون هي أكبر من تلك التي شوهدت بين الأوروبيين والآسيويين. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة إلى أبحاث الجينوم الشاملة التي تعكس التنوع العالمي لضمان نتائج الرعاية الصحية العادلة وعلى أهمية إشراك المجموعات العرقية المتنوعة في البحث لتعزيز الثقة والشفافية.


مقالات ذات صلة

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

صحتك تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا (د.ب.أ)

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا وغيرهما من الفيروسات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات (رويترز)

كيف تتخطين «اكتئاب ما بعد الولادة»؟

يُعدّ اكتئاب ما بعد الولادة من المشكلات النفسية المزعجة التي تعاني منها الأمهات، وقد تستمر معهن لأشهر طويلة، وتتطور لدى بعضهن إلى حد التفكير في الانتحار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف (رويترز)

أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف

كشفت دراسة جديدة أن أمراض القلب قد تسرع خطر إصابة الرجال بالخرف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ينصح الخبراء بأن حتى المشي السريع يعمل على تعزيز الدورة الدموية ودعم الطاقة بشكل أفضل خلال الشتاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نصائح لتجنب الشعور بالتعب والإرهاق وسط برودة الطقس

ينصح خبراء التغذية بنصائح عدة لزيادة النشاط وتجنب التعب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

لتطوير علاجات مضادة للهرم

د. أنتوني كوماروف (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟
TT

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

تمكن علماء في مركز السرطان بجامعة «جونز هوبكنز» في الولايات المتحدة من تحديد 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

جينات تحمي خلايا السرطانوتعد هذه النتيجة خطوة مهمة في فهم كيفية بقاء خلايا سرطان الثدي بعد مغادرتها للورم الأولي وانتقالها إلى مجرى الدم؛ حيث يمكن أن تبدأ في الانتشار من موقعها الأصلي إلى أماكن أخرى من الجسم.

وقد يفتح التعرف على الجينات المسؤولة عن حماية الخلايا السرطانية من الأضرار الناتجة عن «الأكسدة» بسبب أنواع الأكسجين التفاعلية «Reactive oxygen species ROS» (هي منتجات ثانوية لعملية الاستقلاب الغذائي الطبيعي للأكسجين)، آفاقاً جديدة للعلاج؛ خصوصاً في الحالات التي تُظهِر مقاومة عالية، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي.

وحددت الباحثة الرئيسية دانييل جيلكس (أستاذة مساعدة في قسم الأورام، ضمن برنامج سرطان الثدي والمبيض، في كلية الطب بالجامعة) في الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Communications» في 28 سبتمبر (أيلول) 2024، 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

وعلى الرغم من أن الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين توجد فيما تسمى «المنطقة المحيطة بالورم»، أي أنها تجلس بجوار الخلايا الميتة؛ فإن هناك اعتقاداً بأنها قادرة على الهجرة إلى مناطق ذات مستويات أعلى من الأكسجين؛ حيث يمكنها بالفعل العثور على مجرى الدم.

نقص الأكسجين

وانتشار الورمتعمل ظروف نقص الأكسجين في المناطق المحيطة بالأورام على تعزيز هجرة الخلايا السرطانية نحو مناطق أكثر ثراءً بالأكسجين، مثل مجرى الدم؛ إذ يمكن أن تؤدي عملية الهجرة هذه إلى انتشار الخلايا السرطانية من موقعها الأصلي إلى أجزاء أخرى من الجسم، ما يساهم في تكرار الإصابة بالسرطان حتى بعد إزالة الورم الأولي. أما الخلايا التي تتكيف للبقاء في ظل مثل هذه الظروف منخفضة الأكسجين، فتكون أكثر قدرة على التعامل مع الإجهاد التأكسدي «oxidative stress» (هو حالة عدم التوازن في نظام العوامل المؤكسدة والعوامل المضادة للتأكسد) في مجرى الدم، ما يمنحها ميزة البقاء.

وقد أظهرت الدراسة أن الخلايا السرطانية المعرضة لنقص الأكسجين لفترات طويلة (على سبيل المثال لفترة 5 أيام) حافظت على التعبير عن الجينات الناجمة عن نقص الأكسجين، حتى بعد الانتقال إلى مناطق ذات أكسجين أفضل، ما يشير إلى أن هذه الخلايا تحتفظ بـ«ذاكرة» لحالة نقص الأكسجين، وهو ما يتناقض مع الاستجابات قصيرة المدى التي شوهدت في مزارع المختبر القياسية.

دور بروتين «ميوسين»وكانت نتائج الدراسة تنبؤية بشكل خاص لسرطان الثدي الثلاثي السلبي «triple-negative breast cancer» الذي يتميز بمعدل تكرار مرتفع. فقد اكتشف الباحثون أن خزعات المرضى من هذا السرطان الذي تكرر في غضون 3 سنوات، تحتوي على مستويات أعلى من بروتين يسمى «ميوسين» (MUC1 glycoprotein mucin). وقام الباحثون بحجب بروتين «ميوسين» لتحديد ما إذا كان سيقلل من انتشار خلايا سرطان الثدي إلى الرئة، وكان هدفهم هو القضاء على الخلايا الخبيثة العدوانية بعد نقص الأكسجين على وجه التحديد.

وأكدت دانييل جيلكس أنه عند تخفيض مستوى بروتين «ميوسين» في هذه الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين، فإنها تفقد القدرة على البقاء في مجرى الدم، أو في ظروف وجود مركبات الأكسجين التفاعلي. كما أنها تشكل عدداً أقل من النقائل السرطانية «Cancer metastases» في الفئران (وهذا المصطلح يستخدم لوصف انتشار السرطان، إذ إن الخلايا السرطانية -على عكس الخلايا الطبيعية- تتمتع بالقدرة على النمو خارج المكان الذي نشأت فيه بالجسم).

ولا يزال الباحثون يجهلون أسباب الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي بشكلٍ دقيق؛ لكنهم يعتقدون أن الطَّفرة الجينية المسماة «BRCA1» هي السبب؛ لأن وجودها يؤدي لانعكاس مبدأ عمل الجين السليم، وتصبح الخلايا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان.

وتؤكد النتائج إمكانية استهداف بروتين «ميوسين» لمنع انتشار الخلايا السرطانية، وتحسين النتائج للمرضى، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من أنواع سرطان عدوانية.

وقد تمهد التجربة السريرية الحالية في المرحلتين الأولى والثانية لعلاجات تستهدف بروتين «ميوسين» في أنواع مختلفة من السرطان، الطريق لتطبيقات أوسع إذا ثبتت فعاليتها.

ويعزز هذا البحث فهم كيفية مساهمة الظروف التي تسبب نقص الأكسجين داخل الأورام في حدوث النقائل، ويسلط الضوء على بروتين «ميوسين» كهدف علاجي واعد لمنع انتشار السرطان.