كيف تقلل المخاطر الوراثية للسمنة؟

بيانات جينية تستنبط درجة مركبة لنمط الحياة الصحي

كيف تقلل المخاطر الوراثية للسمنة؟
TT

كيف تقلل المخاطر الوراثية للسمنة؟

كيف تقلل المخاطر الوراثية للسمنة؟

تستكشف دراسة حديثة التفاعل بين العوامل الوراثية ونمط الحياة وتأثيره على خطر السمنة والأمراض المرتبطة بالسمنة، باستخدام بيانات من 338.645 مشاركاً أوروبياً في البنك الحيوي البريطاني.

وقام الباحثون في الدراسة التي نشرت في 2 يوليو (تموز) 2024 في مجلة «Cell Metabolism»، بحساب النتيجة المتعددة الجينات (PGS) لمؤشر كتلة الجسم لتقييم القابلية الوراثية للسمنة، واستنبطوا درجة مركبة لنمط الحياة من خمسة عوامل؛ هي النشاط البدني والنظام الغذائي والسلوك المستقر واستهلاك الكحول ومدة النوم.

نمط الحياة والمخاطر الوراثية

وهناك تفاعل كبير بين المخاطر الوراثية العالية وخيارات نمط الحياة السيئة. وحتى أولئك الذين لديهم استعداد وراثي مرتفع للسمنة يمكنهم الوقاية من الأمراض المرتبطة بالسمنة من خلال الحفاظ على نمط حياة صحي. وينبغي تشجيع أنماط الحياة الصحية للجميع بغض النظر عن خلفيتهم الجينية.

وتعد السمنة الناجمة عن السلوكيات الخاملة مشكلة صحية عالمية كبرى ترتبط بأمراض مصاحبة مختلفة، في حين أن السمنة أمر وراثي ومتعدد الجينات إلى حد كبير؛ لذا فإن بعض عوامل نمط الحياة يمكن أن يخفف من المخاطر الوراثية.

كما أظهرت الدراسة التي أجريت بمشاركة أميت خيرا من كلية الطب بجامعة هارفارد بوسطن الولايات المتحدة، وهونغ هي وون من معهد سامسونغ جينوم في مركز سامسونغ الطبي في سول بكوريا الجنوبية، وآخرين، أن هناك تفاعلاً بين المخاطر الوراثية ونمط الحياة، حيث إن العوامل مثل السلوكيات الخاملة وسوء التغذية تزيد من خطر السمنة.

السلوكيات الخاملة أو المستقرة

وكان جونغ ها بارك من قسم طب الأسرة مستشفى جامعة جيجو الوطنية جمهورية كوريا وزملاؤه، قالوا في دراسة سابقة نشرت في مجلة «Medicine Journal of Family Korean» في 19 نوفمبر(تشرين الثاني) 2020، إن ثلث سكان العالم الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً فما فوق يمارسون أنشطة بدنية غير كافية ما يؤثر على الصحة.

ومع ذلك، فإن المخاطر الصحية التي تشكلها السلوكيات الخاملة ليست معروفة جيداً. ويبلغ متوسط المدة اليومية للسلوك المستقر 8.3 ساعة بين السكان الكوريين و7.7 ساعة بين السكان البالغين الأميركيين. وغالباً ما تنتشر أنماط الحياة الخاملة في جميع أنحاء العالم بسبب نقص المساحات المتاحة لممارسة التمارين الرياضية وزيادة السلوكيات المهنية الخاملة، مثل العمل المكتبي وزيادة انتشار أجهزة التلفزيون والفيديو.

ونتيجة لذلك؛ فإن المشكلات الصحية المرتبطة بها آخذة في الارتفاع، كما يؤثر نمط الحياة الخامل على جسم الإنسان من خلال آليات مختلفة، والسلوكيات الخاملة تقلل من نشاط إنزيم لايبيزالبروتين الدهني Lipoprotein lipase (LPL) (وهو أحد أهم العوامل في تكسير الدهون والتمثيل الغذائي) والغلوكوز في العضلات وأنشطة نقل البروتين وتضعف استقلاب الدهون وتقلل من استقلاب الكربوهيدرات، علاوة على ذلك، فإن هذه السلوكيات تقلل من التدفق الطبيعي للدم، بينما ينشط الجهاز العصبي الودي sympathetic nervous system (الذي يشارك في تنظيم عمليّات الجسم اللاإرادية التي تحدث بشكل تلقائي دون سيطرة الفرد عليها) ما يقلل في النهاية من حساسية الإنسولين ووظيفة الأوعية الدموية، كما أنه يؤثر على عامل النمو الشبيه بالإنسولين ومستويات الدورة الدموية للهرمونات الجنسية، مما يرفع نسبة الإصابة بالسرطانات المرتبطة بالهرمونات.

كما أن زيادة وقت الجلوس يؤدي إلى زيادة الوزن والسمنة، وارتفاع الالتهاب المزمن الناجم عن السلوك الخامل من عوامل خطر الإصابة بالسرطان.

وإضافة لذلك، فإن السلوكيات الخاملة لها تأثيرات ضارة واسعة النطاق على جسم الإنسان، بما في ذلك زيادة الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب والوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية ومخاطر السرطان ومخاطر الاضطرابات الأيضية؛ مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم واضطراب شحوم الدم والاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل آلام المفاصل وهشاشة العظام والاكتئاب والضعف الإدراكي.

ولذلك؛ فإن الحد من السلوكيات الخاملة وزيادة النشاط البدني مهمان لتعزيز الصحة العامة، وهو ما أكدته المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية لعام 2020 المنشورة في 25 نوفمبر 2020 بشأن النشاط البدني والسلوك الخامل.

ارتفاع ضغط الدم

وجاءت نتائج دراسة كندية حول الشيخوخة لتؤكد أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتقليل السلوك المستقر يمكن أن يخففا من الضعف وأمراض القلب مع تقدم العمر، ونشرت الدراسة في «المجلة الأميركية لعلم وظائف الأعضاء» - القلب وفسيولوجيا الدورة الدموية American Journal of Physiology - Heart and circulatory Physiology في 14 يونيو (حزيران) 2024 من قبل مايلز أوبراين وأولغا ثيو من كلية الصحة والعلاج الطبيعي جامعة دالهوزي هاليفاكس نوفا سكوتيا، بكندا.

وخلصت الدراسة إلى أن الرجال عموماً أكبر سناً وأثقل وزناً وكان لديهم ارتفاع في ضغط الدم وكانوا أكثر نشاطاً بدنياً من النساء. وكان عدد أكبر من الرجال قد عانوا من الذبحة الصدرية أو النوبات القلبية بينما كان عدد أكبر من النساء يعانين من أمراض الأوعية الدموية الطرفية ومعدلات ضعف أو (هشاشة) frailty (والضعف هو حالة مرتبطة بالعمر يتم تحديدها بشكل متكرر وتتسم بزيادة خطر حدوث نتائج صحية ضارة)، حيث إن ارتفاع مستويات الضعف الأولية يرتبط بزيادة مخاطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب لدى كلا الجنسين.

كما أن المزيد من الجلوس وقلة النشاط البدني يؤديان إلى تفاقم الضعف. وعلى العكس من ذلك، ارتبطت فترات الجلوس الأقل وممارسة التمارين الرياضية الأكثر شدة بانخفاض ضغط الدم المرتفع. وكانت التمارين الخفيفة إلى المتوسطة مفيدة بشكل خاص للنساء، حيث إنها تحسن صحة القلب وتقلل من الضعف. وتسلط الدراسة الضوء على أهمية النشاط البدني وخاصة التمارين الخفيفة إلى المتوسطة للنساء في مكافحة الضعف وأمراض القلب، وتشير إلى أن التدخلات التي تركز على تقليل وقت الجلوس وزيادة النشاط البدني يمكن أن تساعد في تقليل الضعف وتحسين صحة القلب والأوعية الدموية لدى الرجال والنساء.



دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي
TT

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

اكتشف العلماء جيناً من المحتمل أن تسبب متغيراته اضطرابات النمو العصبي لدى مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وتعد نتائج الدراسة خطوة أولى مثيرة، نحو تطوير علاجات مستقبلية للاضطرابات التي لها آثار مدمرة على التعلم والسلوك والكلام والحركة.

وتنجم اضطرابات النمو العصبي عن ضعف النمو وتطور الدماغ، أو الجهاز العصبي المركزي. وفي حين يُعتقد أن معظم هذه الاضطرابات وراثية، وتسببها تغييرات في الحامض النووي «دي إن إيه» (DNA)، فإن نحو 60 في المائة من الأفراد الذين يعانون من هذه الحالات لا يعرفون حتى الآن تغير الحامض النووي المحدد الذي يسبب اضطرابهم.

تغيرات جينية محددة

في الدراسة الجديدة التي قادتها جامعة أكسفورد، ونشرت في مجلة «نتشر» (Nature) في 11 يوليو (تموز) الحالي، برئاسة نيكولا ويفين الأستاذ المشارك في معهد البيانات الضخمة، ومركز علم الوراثة البشرية بجامعة أكسفورد، في المملكة المتحدة، أشار الباحثون إلى أن جميع الجينات تقريباً المعروفة بتورطها في اضطرابات النمو العصبي مسؤولة عن صنع البروتينات. ومع ذلك اكتشف الفريق أن الجين «RNU4-2» يصنع بدلاً من ذلك جزيء الحامض النووي الريبي «آر إن إيه» (RNA) الذي يلعب دوراً مهماً في كيفية معالجة الجينات الأخرى في الخلايا.

وتقدر الدراسة أن هذه التغييرات المحددة في جين «RNU4-2» يمكن أن تفسر 0.4 في المائة من جميع حالات اضطرابات النمو العصبي على مستوى العالم، ما قد يؤثر على مئات الآلاف من العائلات في جميع أنحاء العالم.

وفي حين أن الدراسات السابقة نظرت فقط إلى الجينات التي تصنع البروتينات، فإن البيانات الواردة من مشروع 100 ألف جينوم الذي استخدمه الفريق، تعني أنه يمكن تسلسل الجينومات كلها، ما يسمح بتحليل التغييرات في الجينات التي لا تصنع البروتينات، مثل الجين «RNU4-2» أيضاً.

كما وجد الفريق طفرات في الجين لدى 115 شخصاً مصاباً باضطرابات النمو العصبي، وكان لدى كثير منهم المتغير نفسه الذي يضيف قاعدة إضافية واحدة في موقع مهم في الحامض النووي الريبي.

تأثيرات طبية وعلمية

ويعتمد هذا الاكتشاف على العمل المشترك في جامعتي مانشستر وأكسفورد، لفهم تأثير اختلافات الحامض النووي (دي إن إيه) في جزء الجينوم البشري الذي لا يشفر مباشرة للبروتينات، والذي كان يسمى في السابق «الحامض النووي غير المرغوب فيه» بسبب وجوده غير المعروف.

وتهدف هذه النتيجة إلى تحويل الاختبارات والأبحاث الجينية السريرية، وتوفير سبل تشخيصية جديدة، والأمل للعائلات المتضررة من اضطرابات النمو العصبي. ويعد التعاون بين العلوم الحسابية وعلم الجينوم والأبحاث السريرية أمراً بالغ الأهمية للاكتشافات المستقبلية.

وأكد البروفسور نيكولا ويفين أهمية هذا الاكتشاف، من خلال ملاحظة الحجم الصغير نسبياً لجين «RNU4-2» مقارنة بجينات ترميز البروتين المشاركة في اضطرابات النمو العصبي. ومع ذلك فهو متورط في كثير من الأحيان تقريباً، ولا يَعِد هذا الاكتشاف بإنهاء الرحلة التشخيصية لكثيرين فحسب؛ بل يُظهر أيضاً قوة التعاون العلمي العالمي والتحليل الجينومي الشامل، في فهم الاضطرابات الوراثية المعقدة ومعالجتها.

التصلب الجانبي الضموري

وفي دراسة أخرى، حدد الباحثون طفرة جديدة في الجين «ARPP21» التي يمكن أن تكون السبب وراء الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي تنكسي مدمر.

وعلى وجه التحديد، رصدوا طفرة مشتركة في الجين الذي يرمز للبروتين الرابط للحامض النووي الريبي «آر إن إيه» (RNA) تم العثور عليها في إجمالي 10 مرضى مصابين بالتصلب الجانبي الضموري من 7 عائلات غير مرتبطة، في منطقة في جنوب شرقي منطقة لاريوخا في إسبانيا، شمال شبه الجزيرة الأيبيرية.

وقد جاء التحقيق بعد ملاحظة عدد كبير من حالات التصلب الجانبي الضموري في تلك المنطقة؛ خصوصاً الحالات العائلية التي تجاوزت بشكل كبير العدد المتوقع، بناءً على معدلات الإصابة المعتادة. ونُشرت الدراسة في مجلة «علم الأعصاب وجراحة الأعصاب والطب النفسي» (Journal of Neurology, Neurosurgery & Psychiatry) في 2 يوليو الحالي، لمجموعة من الباحثين من أمراض الأعصاب العضلية، ومجموعة البيولوجيا العصبية للخرف في معهد سانت باو للأبحاث، ووحدة الذاكرة في مستشفى سانت باو في إسبانيا، بقيادة الدكتور ريكارد روخاس غارسيا، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة.

وأوضح الباحثون أن كثيراً من المرضى كانوا من مدن قريبة، مما أثار الاهتمام. وتُظهر الإحصاءات أن 5- 10 في المائة من حالات التصلب الجانبي الضموري لها تاريخ عائلي، وفي 30 في المائة من هذه الحالات لا يمكن تحديد السبب الوراثي حتى بعد دراسة موسعة. وكان هدف الباحثين هو تحديد جينات جديدة مرتبطة بالتصلب الجانبي الضموري، في الحالات التي كانت فيها الاختبارات الجينية سلبية.

وقام العلماء بإجراء تسلسل الجينوم الكامل على مجموعة مكونة من 12 مريضاً بمرض التصلب الجانبي الضموري من هذه المنطقة الفريدة، منهم 5 لديهم تاريخ عائلي للمرض. وتم توسيع الدراسة لتشمل أفراد الأسر المتضررة، وحالات إضافية من منطقة أوسع؛ لكن لم يتم العثور على الطفرة المحددة في جين «ARPP21» في الجينات الأخرى المسببة للمرض، ما يشير بقوة إلى أن «ARPP21» هو جين جديد مسبب لمرض التصلب الجانبي الضموري.

وقال الدكتور أوريول دولز إيكاردو، من معهد أبحاث الطب الحيوي، في سانت باو، برشلونة، إسبانيا، والباحث المشارك في الدراسة إن الطفرة الجديدة ستفتح الأبواب لأبحاث علاجات شخصية جديدة، ودراسة وظيفة البروتين في المرض، وتساعد أيضاً في تشخيص التصلب الجانبي الضموري بدقة أكبر، وإن هذا الاكتشاف له آثار عالمية؛ حيث يمكن للفرق البحثية في جميع أنحاء العالم مراجعة قواعد بياناتهم، للبحث عن هذه الطفرة في أماكن أخرى.

ويؤكد الاكتشاف أهمية البحث المستمر في مناطق جغرافية محددة، لاكتشاف عوامل وراثية جديدة، مما يتيح تشخيصاً أفضل واستشارة وراثية للعائلات المتضررة، ويفتح آفاقاً جديدة للبحث في وظيفة البروتين وعلاقته بالمرض.