دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

طفرة وراثية تسبب مرض التصلب الجانبي الضموري

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي
TT

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

دور المتغيرات الجينية في اضطرابات النمو العصبي

اكتشف العلماء جيناً من المحتمل أن تسبب متغيراته اضطرابات النمو العصبي لدى مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. وتعد نتائج الدراسة خطوة أولى مثيرة، نحو تطوير علاجات مستقبلية للاضطرابات التي لها آثار مدمرة على التعلم والسلوك والكلام والحركة.

وتنجم اضطرابات النمو العصبي عن ضعف النمو وتطور الدماغ، أو الجهاز العصبي المركزي. وفي حين يُعتقد أن معظم هذه الاضطرابات وراثية، وتسببها تغييرات في الحامض النووي «دي إن إيه» (DNA)، فإن نحو 60 في المائة من الأفراد الذين يعانون من هذه الحالات لا يعرفون حتى الآن تغير الحامض النووي المحدد الذي يسبب اضطرابهم.

تغيرات جينية محددة

في الدراسة الجديدة التي قادتها جامعة أكسفورد، ونشرت في مجلة «نتشر» (Nature) في 11 يوليو (تموز) الحالي، برئاسة نيكولا ويفين الأستاذ المشارك في معهد البيانات الضخمة، ومركز علم الوراثة البشرية بجامعة أكسفورد، في المملكة المتحدة، أشار الباحثون إلى أن جميع الجينات تقريباً المعروفة بتورطها في اضطرابات النمو العصبي مسؤولة عن صنع البروتينات. ومع ذلك اكتشف الفريق أن الجين «RNU4-2» يصنع بدلاً من ذلك جزيء الحامض النووي الريبي «آر إن إيه» (RNA) الذي يلعب دوراً مهماً في كيفية معالجة الجينات الأخرى في الخلايا.

وتقدر الدراسة أن هذه التغييرات المحددة في جين «RNU4-2» يمكن أن تفسر 0.4 في المائة من جميع حالات اضطرابات النمو العصبي على مستوى العالم، ما قد يؤثر على مئات الآلاف من العائلات في جميع أنحاء العالم.

وفي حين أن الدراسات السابقة نظرت فقط إلى الجينات التي تصنع البروتينات، فإن البيانات الواردة من مشروع 100 ألف جينوم الذي استخدمه الفريق، تعني أنه يمكن تسلسل الجينومات كلها، ما يسمح بتحليل التغييرات في الجينات التي لا تصنع البروتينات، مثل الجين «RNU4-2» أيضاً.

كما وجد الفريق طفرات في الجين لدى 115 شخصاً مصاباً باضطرابات النمو العصبي، وكان لدى كثير منهم المتغير نفسه الذي يضيف قاعدة إضافية واحدة في موقع مهم في الحامض النووي الريبي.

تأثيرات طبية وعلمية

ويعتمد هذا الاكتشاف على العمل المشترك في جامعتي مانشستر وأكسفورد، لفهم تأثير اختلافات الحامض النووي (دي إن إيه) في جزء الجينوم البشري الذي لا يشفر مباشرة للبروتينات، والذي كان يسمى في السابق «الحامض النووي غير المرغوب فيه» بسبب وجوده غير المعروف.

وتهدف هذه النتيجة إلى تحويل الاختبارات والأبحاث الجينية السريرية، وتوفير سبل تشخيصية جديدة، والأمل للعائلات المتضررة من اضطرابات النمو العصبي. ويعد التعاون بين العلوم الحسابية وعلم الجينوم والأبحاث السريرية أمراً بالغ الأهمية للاكتشافات المستقبلية.

وأكد البروفسور نيكولا ويفين أهمية هذا الاكتشاف، من خلال ملاحظة الحجم الصغير نسبياً لجين «RNU4-2» مقارنة بجينات ترميز البروتين المشاركة في اضطرابات النمو العصبي. ومع ذلك فهو متورط في كثير من الأحيان تقريباً، ولا يَعِد هذا الاكتشاف بإنهاء الرحلة التشخيصية لكثيرين فحسب؛ بل يُظهر أيضاً قوة التعاون العلمي العالمي والتحليل الجينومي الشامل، في فهم الاضطرابات الوراثية المعقدة ومعالجتها.

التصلب الجانبي الضموري

وفي دراسة أخرى، حدد الباحثون طفرة جديدة في الجين «ARPP21» التي يمكن أن تكون السبب وراء الإصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي تنكسي مدمر.

وعلى وجه التحديد، رصدوا طفرة مشتركة في الجين الذي يرمز للبروتين الرابط للحامض النووي الريبي «آر إن إيه» (RNA) تم العثور عليها في إجمالي 10 مرضى مصابين بالتصلب الجانبي الضموري من 7 عائلات غير مرتبطة، في منطقة في جنوب شرقي منطقة لاريوخا في إسبانيا، شمال شبه الجزيرة الأيبيرية.

وقد جاء التحقيق بعد ملاحظة عدد كبير من حالات التصلب الجانبي الضموري في تلك المنطقة؛ خصوصاً الحالات العائلية التي تجاوزت بشكل كبير العدد المتوقع، بناءً على معدلات الإصابة المعتادة. ونُشرت الدراسة في مجلة «علم الأعصاب وجراحة الأعصاب والطب النفسي» (Journal of Neurology, Neurosurgery & Psychiatry) في 2 يوليو الحالي، لمجموعة من الباحثين من أمراض الأعصاب العضلية، ومجموعة البيولوجيا العصبية للخرف في معهد سانت باو للأبحاث، ووحدة الذاكرة في مستشفى سانت باو في إسبانيا، بقيادة الدكتور ريكارد روخاس غارسيا، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة.

وأوضح الباحثون أن كثيراً من المرضى كانوا من مدن قريبة، مما أثار الاهتمام. وتُظهر الإحصاءات أن 5- 10 في المائة من حالات التصلب الجانبي الضموري لها تاريخ عائلي، وفي 30 في المائة من هذه الحالات لا يمكن تحديد السبب الوراثي حتى بعد دراسة موسعة. وكان هدف الباحثين هو تحديد جينات جديدة مرتبطة بالتصلب الجانبي الضموري، في الحالات التي كانت فيها الاختبارات الجينية سلبية.

وقام العلماء بإجراء تسلسل الجينوم الكامل على مجموعة مكونة من 12 مريضاً بمرض التصلب الجانبي الضموري من هذه المنطقة الفريدة، منهم 5 لديهم تاريخ عائلي للمرض. وتم توسيع الدراسة لتشمل أفراد الأسر المتضررة، وحالات إضافية من منطقة أوسع؛ لكن لم يتم العثور على الطفرة المحددة في جين «ARPP21» في الجينات الأخرى المسببة للمرض، ما يشير بقوة إلى أن «ARPP21» هو جين جديد مسبب لمرض التصلب الجانبي الضموري.

وقال الدكتور أوريول دولز إيكاردو، من معهد أبحاث الطب الحيوي، في سانت باو، برشلونة، إسبانيا، والباحث المشارك في الدراسة إن الطفرة الجديدة ستفتح الأبواب لأبحاث علاجات شخصية جديدة، ودراسة وظيفة البروتين في المرض، وتساعد أيضاً في تشخيص التصلب الجانبي الضموري بدقة أكبر، وإن هذا الاكتشاف له آثار عالمية؛ حيث يمكن للفرق البحثية في جميع أنحاء العالم مراجعة قواعد بياناتهم، للبحث عن هذه الطفرة في أماكن أخرى.

ويؤكد الاكتشاف أهمية البحث المستمر في مناطق جغرافية محددة، لاكتشاف عوامل وراثية جديدة، مما يتيح تشخيصاً أفضل واستشارة وراثية للعائلات المتضررة، ويفتح آفاقاً جديدة للبحث في وظيفة البروتين وعلاقته بالمرض.



الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
TT

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)
41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

سلطت دراسة حديثة الضوء على التقدم الكبير في فهم الأسس الجينية للانزلاق الغضروفي القطني، ووجدت 41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي، بالإضافة إلى 23 منطقة كانت حُددت سابقاً.

كما توفر الدراسة رؤى جديدة بشأن كيفية تأثير هذه المناطق على بنية القرص الموجود بين الفقرات (القرص الفقري)، والالتهاب، ووظيفة الأعصاب. وتتعلق النتائج الرئيسية بالجينات المرتبطة بالأعصاب، والتي تعزز فهمنا كيفية تسبب الانزلاق الغضروفي في ألم طويل الأمد وتجارب ألم متفاوتة.

الجينات و«الانزلاق الغضروفي»

يعدّ الانزلاق الغضروفي القطني أحد أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، والسبب الأكثر شيوعاً لألم العصب الوركي في الساق، وقد حُقق في عوامل الخطر الوراثية للانزلاق الغضروفي في دراسة دولية قادتها مجموعة بحثية من فلندا.

وحللت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، برئاسة يوهانس كيتونين، من وحدة أبحاث الصحة السكانية بكلية الطب والمركز الحيوي في جامعة أولو، البيانات الجينية والصحية لنحو 830 ألف مشارك من بنوك حيوية قوية، مثل «البنك الحيوي الفلندي والإستوني» و«البنك الحيوي البريطاني»، وقيّمت دور مجموعات البيانات الكبيرة في الكشف عن العلاقات الجينية المعقدة. وكان لاكتشاف 5 مناطق جينومية جديدة مرتبطة بحالات أكثر شدة تتطلب الجراحة أهمية كبيرة للتأكيد على إمكانية تصميم التدخلات الطبية.

وحددت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، ارتباطات جديدة بالقرب من الجينات المرتبطة بالجهاز العصبي ووظيفة الأعصاب. وقد أدت النتائج المتعلقة بوظائف الجهاز العصبي إلى زيادة فهمنا العلاقة بين الانزلاق الغضروفي العرضي والألم المنتشر.

جينات الاستعداد الوراثي

وقال فيلي سالو، الباحث في جامعة أولو والمحلل الرئيسي في الدراسة، إنهم وجدوا جينات الاستعداد الوراثي التي يمكنها تفسير إطالة الألم جزئياً وكذلك الاختلافات التي لوحظت سريرياً في الألم الذي يعانيه المرضى.

وهذا ما يساعد في تطوير أساليب إدارة الألم لمرضى الانزلاق الغضروفي الذين يعانون آلاماً شديدة، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم، كما يقول المختص في الطب الطبيعي الذي شارك في البحث، جوهاني ماتا، من وحدة أبحاث العلوم الصحية والتكنولوجيا بكلية الطب في جامعة أولو بفنلندا.

و«الانزلاق الغضروفي القطني» هو إصابة للغضروف بين فقرتين من العمود الفقري، وعادة ما يحدث بسبب الإجهاد المفرط أو صدمة للعمود الفقري، ويعدّ من أكثر التغيرات البنيوية شيوعاً في أسفل الظهر، كما أنه السبب الأكثر شيوعاً لـ«الألم المنتشر» الذي يسمى «عرق النسا»؛ إذ يحدث «الألم المنتشر» بسبب تهيج الأعصاب الذي يحدث بسبب ضيق العصب الناجم عن الانزلاق، وخصوصاً بسبب زيادة العوامل الالتهابية في منطقة الانزلاق الغضروفي.

والانزلاق الغضروفي شائع جداً حتى لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض. ويزداد تكراره مع تقدم العمر، ويسبب أعراضاً لبعض الأشخاص فقط عندما يهيج العصب؛ فالعوامل المرتبطة بتطور الانزلاق الغضروفي معروفة نسبياً، لكن التحقيق في خلفيتها الوراثية لم يحظ باهتمام كبير.

التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة

ووفقاً لدراسة نُشرت في 7 فبراير (شباط) 2024 بمجلة «JAMA»، وقادها بيورنار بيرج، من «مركز صحة الجهاز العضلي الهيكلي الذكي» بكلية العلوم الصحية في جامعة أوسلو النرويجية، فقد طور بيرج وزملاؤه نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد 12 شهراً من جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، وأكدوا صحة هذه النماذج.

كما أكدت الدراسة على إمكانات التعلم الآلي في تعزيز عملية اتخاذ القرار السريري وإرشاد المرضى فيما يتعلق بنتائج جراحة الانزلاق الغضروفي القطني، فقد استخدم البحث مجموعة بيانات شاملة من السجل النرويجي لجراحة العمود الفقري، وحلل أكثر من 22 ألفاً و700 حالة لتطوير نماذج التنبؤ بالإعاقة والألم بعد الجراحة.

واكتشف الباحثون أن معدلات عدم نجاح العلاج كانت على النحو التالي: 33 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مؤشر أوزويستري للإعاقة (ODI)»، و27 في المائة للحالات التي قيست باستخدام «مقياس التصنيف العددي (NRS)» لألم الظهر، و31 في المائة للحالات التي قيست باستخدام المقياس نفسه؛ أي «مقياس التصنيف العددي لألم الساق».

وهذا يشير إلى أن نسبة كبيرة من المرضى لم يحققوا نتائج ناجحة في تقليل الإعاقة أو تخفيف الألم بعد جراحة الانزلاق الغضروفي القطني.

دعم التشخيصات

و«مؤشر أوزويستري للإعاقة Oswestry Disability Index (ODI)» مشتق من استبيان لآلام أسفل الظهر يستخدمه الأطباء والباحثون لقياس الإعاقة الناجمة عن آلام أسفل الظهر ونوعية الحياة. و«أوزويستري» مدينة تاريخية في شروبشاير بإنجلترا.

أما «مقياس التقييم الرقمي (NRS) Numeric Rating Scale» فيقيس مستوى الألم من 0 إلى 10 (حيث يشير 0 إلى عدم وجود ألم، و10 إلى ألم شديد).

ويشير استخدام البيانات قبل الجراحة بوصفها متنبئات إلى أنه يمكن دمج هذه النماذج في سير العمل السريري عبر أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، مما يدعم «التشخيصات الشخصية» ويساعد في اتخاذ القرارات المشتركة للجراحة.

ويؤكد المؤلفون على الحاجة إلى مزيد من التحقق الخارجي بسجلات جراحة العمود الفقري الأخرى؛ لتوسيع نطاق التطبيق. كما يمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو الطب الدقيق في جراحة العمود الفقري، مما قد يحسن نتائج المرضى ويحسن التخطيط الجراحي.