طريقة مثلى لإنتاج «الفحم الحيوي» عبر «المخلفات الزراعية»

دراسة مصرية أكدت دوره في تحسين خصائص التربة وزيادة الإنتاجية

الفحم الحيوي يتم إنتاجه من المخلفات الزراعية (رويترز)
الفحم الحيوي يتم إنتاجه من المخلفات الزراعية (رويترز)
TT

طريقة مثلى لإنتاج «الفحم الحيوي» عبر «المخلفات الزراعية»

الفحم الحيوي يتم إنتاجه من المخلفات الزراعية (رويترز)
الفحم الحيوي يتم إنتاجه من المخلفات الزراعية (رويترز)

برز مؤخراً الاتجاه إلى تقنيات الزراعة الحيوية، بهدف تحسين جودة التربة وزيادة إنتاجية المحاصيل بطرق مستدامة، ومن بينها الفحم الحيوي أو «البايوشار» (Biochar)، الذي يعد أحد حلول الاستدامة، الهادفة إلى التخلص من المخلفات الزراعية، وتحويلها لمُحسنات للتربة، وتحسين إنتاجية المحاصيل والحفاظ على البيئة.

والفحم الحيوي هو مادة خفيفة الوزن غنية بالكربون، تُنتج من خلال عملية «التحلل الحراري»، الناتجة عن تسخين المواد العضوية مثل بقايا المواد الزراعية مختلفة، بما في ذلك قش الأرز ونشارة الخشب وقصب السكر وأوراق الأشجار، من دون وجود أكسجين، وإضافته إلى التربة ليجعلها أغنى وأكثر خصوبة.

ويعود أول استخدام معروف للفحم الحيوي إلى سكان الأمازون الذين اكتشفوا خصوبة قطعة أرض، مقارنة بالأراضي المجاورة؛ حيث تراكمت فيها بقايا الاحتراق البطيء للمخلفات الزراعية من المجتمعات القروية على طول النهر.

طريقة مثلى

وأجرى فريق بحثي مصري، دراسة حديثة، ركزت على الطريقة المثلى لإنتاج الفحم الحيوي، بهدف تحديد خواصه وفوائده بالنسبة للتربة، ونشرت النتائج في العدد الأخير من دورية «ساينتفك ريبورتس».

وتخضع طرق إنتاج الفحم الحيوي لعدة خطوات تبدأ بتقطيع المخلفات النباتية مثل نواتج التقليم أو بقايا المحاصيل لزيادة كفاءة الاحتراق، ووضعها في أفران معدنية خاصة وإغلاقها بإحجام، وتسخين الأفران على اللهب لساعات حتى تصل إلى درجات حرارة عالية بين 400 و700 درجة مئوية دون وجود أكسجين. وأخيراً، يتم إفراغ الفحم الحيوي بعد تبريده، ثم طحنه وتعبئته تمهيداً لاستخدامه في التربة.

الفحم الحيوي يؤثر بشكل إيجابي على خصوبة التربة (رويترز)

وتوجد حالياً أفران خاصة لإنتاج الفحم الحيوي يتم من خلالها التحكم في درجة الحرارة، للوصول بالمنتج إلى الخواص المطلوبة، كدرجة التماسك وكمية الفجوات الدقيقة والوزن.

ويشير الباحثون إلى أنه من خلال فهم كيفية تأثير المواد الأولية المختلفة ودرجات حرارة الانحلال الحراري على خصائص الفحم الحيوي، يمكن تحسين استخدامه في التطبيقات الزراعية المتنوعة.

ووجد فريق البحث أن إنتاج الفحم يتناقص مع زيادة درجة حرارة الانحلال الحراري، ويشير هذا إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تنتج كميات أقل من الفحم الحيوي، لكن من المحتمل أن تكون ذات خصائص مفيدة أكثر تركيزاً. كما وجدوا أن الخصائص تختلف بناءً على المادة الخام ودرجة الحرارة، حيث أظهر كل نوع من أنواع الفحم الحيوي خصائص فريدة اعتماداً على نوع المخلفات المنتجة منه، ودرجة حرارة المعالجة، وتؤثر هذه الاختلافات على كيفية تفاعل الفحم الحيوي مع التربة وتؤثر على نمو النبات.

وباستخدام مواد النفايات الزراعية مثل قش الأرز ونشارة الخشب وبقايا نباتات قصب السكر وأوراق الأشجار لإنتاج الفحم الحيوي، تسلط الدراسة الضوء على إمكانية استخدام النفايات العضوية لأغراض مستدامة، وهذا يتوافق مع مبادئ إدارة النفايات والاستخدام المستدام للموارد.

ووجد الباحثون أن الفحم الحيوي يمكن أن يكون بمثابة مصدر للكربون العضوي والمواد المغذية الأساسية لنمو النبات، بما في ذلك النيتروجين الكلي، ومحتوى البوتاسيوم. كما يمكن أن يكون لاستخدام الفحم الحيوي في تحسين التربة مقارنة بالأسمدة التجارية الأخرى، آثار على الحد من التأثير البيئي للممارسات الزراعية، وفق الباحثين.

تعديل واعد للتربة

وسلطت الدراسة الضوء على الفوائد الزراعية المحتملة للفحم الحيوي كتعديل واعد للتربة لزيادة الإنتاجية الزراعية. وأشار الباحثون إلى قدرة الفحم الحيوي على التأثير بشكل إيجابي على خصوبة التربة، واحتباس الماء، ومحتوى العناصر الغذائية، وبالتالي تعزيز نمو النبات وصحة التربة بشكل عام.

ووفق النتائج، يتمتع الفحم الحيوي بالقدرة على المساهمة في احتجاز الكربون بالتربة على المدى الطويل، والتخفيف من آثار تغير المناخ. وبدأ العلماء وصانعو السياسات في إدراك الدور المهم الذي يلعبه الفحم الحيوي في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتخفيف النفايات، وتطبيقه كتعديل للتربة.

يقول الدكتور عادل البهنساوي، الباحث المشارك بالدراسة من قسم الهندسة الزراعية والنظم الحيوية، بكلية الزراعة جامعة بنها في مصر، إن استخدام الفحم الحيوي يمكن أن يعود بفوائده للتربة والعملية الزراعية؛ أبرزها تحسين خصوبة التربة، والمساعدة في الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية بالتربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن عشرات الأبحاث أجريت على الفحم الحيوي كشفت فوائده في تحسين بنية التربة والمساعدة في امتصاص العناصر الغذائية من التربة واستخدامها بكفاءة، بالإضافة لتحفيز نمو النباتات ويزيد من إنتاجها، كما أنه يقلل من تلوث المياه الناتج عن الأسمدة والمبيدات الحشرية.

وأشار إلى أن الفحم الحيوي لم ينتشر حتى الآن، على نطاق تجاري وفي الممارسات الزراعية بمصر، وما زالت استخداماته قيد البحث والتجربة.

وبشكل عام، توفر نتائج الدراسة نظرة ثاقبة حول الفوائد المحتملة للفحم الحيوي للإنتاجية الزراعية، واستخدام النفايات، والاستدامة البيئية.


مقالات ذات صلة

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

يوميات الشرق اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات، حيث كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟
TT

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

كيف يساعد نقص الأكسجين على انتشار السرطان؟

تمكن علماء في مركز السرطان بجامعة «جونز هوبكنز» في الولايات المتحدة من تحديد 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

جينات تحمي خلايا السرطانوتعد هذه النتيجة خطوة مهمة في فهم كيفية بقاء خلايا سرطان الثدي بعد مغادرتها للورم الأولي وانتقالها إلى مجرى الدم؛ حيث يمكن أن تبدأ في الانتشار من موقعها الأصلي إلى أماكن أخرى من الجسم.

وقد يفتح التعرف على الجينات المسؤولة عن حماية الخلايا السرطانية من الأضرار الناتجة عن «الأكسدة» بسبب أنواع الأكسجين التفاعلية «Reactive oxygen species ROS» (هي منتجات ثانوية لعملية الاستقلاب الغذائي الطبيعي للأكسجين)، آفاقاً جديدة للعلاج؛ خصوصاً في الحالات التي تُظهِر مقاومة عالية، مثل سرطان الثدي الثلاثي السلبي.

وحددت الباحثة الرئيسية دانييل جيلكس (أستاذة مساعدة في قسم الأورام، ضمن برنامج سرطان الثدي والمبيض، في كلية الطب بالجامعة) في الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Communications» في 28 سبتمبر (أيلول) 2024، 16 جيناً تستخدمها خلايا سرطان الثدي للبقاء على قيد الحياة في مجرى الدم، بعد هروبها من المناطق منخفضة الأكسجين في الورم.

وعلى الرغم من أن الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين توجد فيما تسمى «المنطقة المحيطة بالورم»، أي أنها تجلس بجوار الخلايا الميتة؛ فإن هناك اعتقاداً بأنها قادرة على الهجرة إلى مناطق ذات مستويات أعلى من الأكسجين؛ حيث يمكنها بالفعل العثور على مجرى الدم.

نقص الأكسجين

وانتشار الورمتعمل ظروف نقص الأكسجين في المناطق المحيطة بالأورام على تعزيز هجرة الخلايا السرطانية نحو مناطق أكثر ثراءً بالأكسجين، مثل مجرى الدم؛ إذ يمكن أن تؤدي عملية الهجرة هذه إلى انتشار الخلايا السرطانية من موقعها الأصلي إلى أجزاء أخرى من الجسم، ما يساهم في تكرار الإصابة بالسرطان حتى بعد إزالة الورم الأولي. أما الخلايا التي تتكيف للبقاء في ظل مثل هذه الظروف منخفضة الأكسجين، فتكون أكثر قدرة على التعامل مع الإجهاد التأكسدي «oxidative stress» (هو حالة عدم التوازن في نظام العوامل المؤكسدة والعوامل المضادة للتأكسد) في مجرى الدم، ما يمنحها ميزة البقاء.

وقد أظهرت الدراسة أن الخلايا السرطانية المعرضة لنقص الأكسجين لفترات طويلة (على سبيل المثال لفترة 5 أيام) حافظت على التعبير عن الجينات الناجمة عن نقص الأكسجين، حتى بعد الانتقال إلى مناطق ذات أكسجين أفضل، ما يشير إلى أن هذه الخلايا تحتفظ بـ«ذاكرة» لحالة نقص الأكسجين، وهو ما يتناقض مع الاستجابات قصيرة المدى التي شوهدت في مزارع المختبر القياسية.

دور بروتين «ميوسين»وكانت نتائج الدراسة تنبؤية بشكل خاص لسرطان الثدي الثلاثي السلبي «triple-negative breast cancer» الذي يتميز بمعدل تكرار مرتفع. فقد اكتشف الباحثون أن خزعات المرضى من هذا السرطان الذي تكرر في غضون 3 سنوات، تحتوي على مستويات أعلى من بروتين يسمى «ميوسين» (MUC1 glycoprotein mucin). وقام الباحثون بحجب بروتين «ميوسين» لتحديد ما إذا كان سيقلل من انتشار خلايا سرطان الثدي إلى الرئة، وكان هدفهم هو القضاء على الخلايا الخبيثة العدوانية بعد نقص الأكسجين على وجه التحديد.

وأكدت دانييل جيلكس أنه عند تخفيض مستوى بروتين «ميوسين» في هذه الخلايا التي تعاني من نقص الأكسجين، فإنها تفقد القدرة على البقاء في مجرى الدم، أو في ظروف وجود مركبات الأكسجين التفاعلي. كما أنها تشكل عدداً أقل من النقائل السرطانية «Cancer metastases» في الفئران (وهذا المصطلح يستخدم لوصف انتشار السرطان، إذ إن الخلايا السرطانية -على عكس الخلايا الطبيعية- تتمتع بالقدرة على النمو خارج المكان الذي نشأت فيه بالجسم).

ولا يزال الباحثون يجهلون أسباب الإصابة بسرطان الثدي الثلاثي السلبي بشكلٍ دقيق؛ لكنهم يعتقدون أن الطَّفرة الجينية المسماة «BRCA1» هي السبب؛ لأن وجودها يؤدي لانعكاس مبدأ عمل الجين السليم، وتصبح الخلايا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان.

وتؤكد النتائج إمكانية استهداف بروتين «ميوسين» لمنع انتشار الخلايا السرطانية، وتحسين النتائج للمرضى، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من أنواع سرطان عدوانية.

وقد تمهد التجربة السريرية الحالية في المرحلتين الأولى والثانية لعلاجات تستهدف بروتين «ميوسين» في أنواع مختلفة من السرطان، الطريق لتطبيقات أوسع إذا ثبتت فعاليتها.

ويعزز هذا البحث فهم كيفية مساهمة الظروف التي تسبب نقص الأكسجين داخل الأورام في حدوث النقائل، ويسلط الضوء على بروتين «ميوسين» كهدف علاجي واعد لمنع انتشار السرطان.