الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً وشيكاً للنساء في المجتمعات المحافظة

توليد صور فضائحية مزيفة للفتيات والسيدات يثير القلق

الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً وشيكاً للنساء في المجتمعات المحافظة
TT

الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً وشيكاً للنساء في المجتمعات المحافظة

الذكاء الاصطناعي يشكل تهديداً وشيكاً للنساء في المجتمعات المحافظة

في العصر الرقمي، حيث تعمل التطورات التكنولوجية على إعادة تشكيل واقعنا بسرعة، يمثل ظهور الصور الفاضحة التي يولدها الذكاء الاصطناعي تحدياً جديداً ومثيراً للقلق، وخاصة في مناطق مثل الهند وباكستان. وتواجه هذه البلدان، حيث حقوق المرأة في حالة محفوفة بالمخاطر بالفعل، أزمة محتملة مع تزايد قدرة الذكاء الاصطناعي على إنشاء محتوى واقعي بشكل مقنع، مما يؤدي إلى آثار ضارة.

توليد صور فاضحة مزيفة للمغنية تايلور سويفت أثار جدلاً قوياً حول الأطر القانونية لعمل الذكاء الاصطناعي

صور مزيفة لنساء شهيرات

وتوضح الحوادث الأخيرة، مثل الانتشار المذهل لصور ملفقة لنساء شهيرات مثل تايلور سويفت ونجوم بوليوود راشميكا ماندانا، وكاترينا كايف، وكاجول، وسارة تيندولكار، مدى خطورة هذا التهديد الناشئ.

وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى تفاقم التحديات المجتمعية القائمة التي تواجهها النساء بشكل كبير، مما يؤثر على عملهن وتعليمهن وصحتهن العقلية وسلامتهن الشخصية.

إن الديناميكيات الثقافية والاجتماعية في الهند وباكستان، المتجذرة بعمق في التقاليد التي تعطي قيمة هائلة للشرف والسمعة، تجعل هذه المجتمعات معرضة بشكل خاص للتأثيرات الضارة الناجمة عن المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي. كما أن احتمال استخدام هذه التكنولوجيا بشكل ضار لتشويه سمعة المرأة يشكل تهديداً فريداً وحديثاً لكرامتها ومكانتها.

وفي هذه المجتمعات الأبوية، تتنقل النساء بالفعل عبر شبكة معقدة من التوقعات والقيود الاجتماعية. ويضيف الخوف وإمكانية استهدافهن بمحتوى فاضح ينتجه الذكاء الاصطناعي طبقةً جديدةً من الضعف، مما قد يزيد من تقليص مشاركة المرأة في الحياة العامة والمهنية.

التزييف وإثناء النساء عن العمل

وفي الهند، يشكل تراجع مشاركة المرأة في القوى العاملة اتجاهاً مثيراً للقلق. إذ تضاءلت مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى نحو 25 في المائة في عام 2022، بعد أن وصلت ذروتها ومن ذروة بنسبة 35 في المائة في عام 2004. وفي باكستان، يبدو الوضع أسوأ، حيث بلغت مشاركة المرأة في القوى العاملة 20 في المائة فقط. ولا تعكس هذه الأرقام التحيزات عميقة الجذور بين الجنسين والحواجز الاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على التحديات الكبيرة التي تواجهها المرأة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والنمو المهني.

* المحتوى المزيف يؤثر على عمل النساء وتعليمهن وصحتهن العقلية وسلامتهن الشخصية *

ومن الممكن أن يؤدي ظهور المحتوى الصريح الناتج عن الذكاء الاصطناعي إلى إثناء النساء عن البحث عن عمل أو التعليم بسبب ارتفاع خطر الإضرار بالسمعة، وبالتالي تفاقم الفجوة القائمة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية.

آثار التزييف على الصحة العقلية

إن الآثار المترتبة على الصحة العقلية الناجمة عن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي كبيرة، ولا يمكن التغاضي عنها. في الهند، تعد النساء بالفعل أكثر عرضة لمشكلات الصحة العقلية، حيث تنتشر أعراض الاكتئاب والقلق بين النساء بنسبة 2-3 مرات أكثر من الرجال. وينعكس هذا الوضع في باكستان، حيث العبء على الصحة العقلية بين النساء أعلى بشكل ملحوظ. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تواجه باكستان نقصاً حاداً في موارد الصحة العقلية، وهو ما يتضح من الإحصائيات المذهلة التي تشير إلى أن لديها 0.19 طبيب نفسي فقط لكل 100 ألف نسمة.

يمكن أن تؤدي الصدمة والتوتر الناجم عن الانتشار المحتمل للمحتوى الصريح الناتج عن الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم مشكلات الصحة العقلية هذه، مما يؤدي إلى زيادة حالات الضيق النفسي بين الفئة السكانية الضعيفة بالفعل. ويشكل خطر تزايد العنف، بما في ذلك جرائم الشرف، فيما يتعلق بالنشر المحتمل للصور التي ينشئها الذكاء الاصطناعي، مصدر قلق كبير في هذه المجتمعات.

جرائم ضد المرأة

وقد أبلغ المكتب الوطني لسجلات الجرائم في الهند عن أكثر من 445256 حالة جرائم ضد المرأة في عام 2022، أي ما يعادل تقديم ما يقرب من 51 تقريراً أولياً في المتوسط كل ساعة. وفي باكستان، يبدو الوضع مثيراً للقلق بالقدر نفسه، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 63367 جريمة على أساس الجنس في العام نفسه.

ويشمل ذلك حوادث مروعة لجرائم الشرف، حيث وقعت 1025 امرأة ضحية لهذه الجريمة. ويضيف سوء استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء ونشر صور فاضحة، بعداً محفوفاً بالمخاطر للتهديدات القائمة التي تواجهها النساء في هذه المجتمعات، حيث تخضع السمعة والشرف لحراسة مشددة ومحمية بشدة.

إن الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالسمعة من الصور التي ينشئها الذكاء الاصطناعي، حتى لو ثبت لاحقاً أنها كاذبة، يمكن أن تكون له آثار خطيرة وطويلة الأمد على حياة المرأة. وفي المجتمعات حيث الشرف متجذر بعمق في النسيج الاجتماعي، فإن الانتشار السريع لمثل هذا المحتوى يمكن أن يسبب ضرراً لا يمكن إصلاحه لمكانة المرأة الاجتماعية وحياتها الشخصية. إن التحدي المتمثل في استعادة سمعة المرء وشرفه في أعقاب مثل هذه الحوادث أمر هائل، خاصة في ضوء الانتشار السريع للمعلومات المضللة مقارنة بالنشر البطيء للتراجعات أو التوضيحات.

أطر قانونية ضعيفة

وتزداد معالجة التحديات التي يفرضها المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في الهند وباكستان تعقيداً بسبب الأطر القانونية غير الكافية والحواجز المجتمعية.

وتكافح قوانين مثل قانون تكنولوجيا المعلومات الهندي وقانون منع الجرائم الإلكترونية الباكستاني من أجل مواكبة التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، فإن الوصمة المجتمعية المرتبطة بضحايا الاعتداء الرقمي غالباً ما تثبطهم عن السعي للحصول على أي وسيلة قانونية متاحة لهم.

وفي باكستان، 72 في المائة من النساء لا يعرفن كيفية الإبلاغ عن العنف عبر الإنترنت، و45 في المائة يعتقدن أنه من المحرج الإبلاغ عن التحرش ويفترضن أن الدولة لن تكون قادرة على حماية حقوقهن. وفي الهند، تعكس الزيادة في الشكاوى المجهولة بشأن الجرائم الإلكترونية ضد النساء والأطفال في الهند - من 17460 في عام 2020 إلى 56102 في عام 2022 - الصعوبات التي تواجهها النساء في السعي إلى العدالة والحاجة إلى هياكل قانونية واجتماعية أكثر دعماً.

الذكاء الاصطناعي وتمكين المرأة

على الرغم من التحديات الكبيرة التي يفرضها سوء الاستخدام المحتمل للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، فمن المهم أن ندرك أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست ضارة بطبيعتها.

يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتمكين المرأة، وتزويدها بقدرة أفضل على الوصول إلى المعلومات والخدمات وسبل جديدة للتعليم والمشاركة الاقتصادية. ومن الممكن أن يلعب تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تراعي الفوارق بين الجنسين وإنشاء مساحات أكثر أماناً على الإنترنت دوراً حاسماً في حماية حقوق المرأة وكرامتها.

تتطلب مكافحة المخاطر المرتبطة بالمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بشكل فعال استراتيجية شاملة ومتعددة الأوجه. ويعد تحديث الأطر القانونية، وتعزيز التدريب على إنفاذ القانون، وزيادة الوعي العام خطوات أساسية في هذا الاتجاه.

يجب أن تتطور أنظمة إنفاذ القانون التقليدية لتوفير الدعم الفعال للنساء اللاتي يواجهن التهديدات الرقمية، وضمان الوصول إلى العدالة والموارد اللازمة للتعافي.

في الختام، بينما نتعامل مع تعقيدات العصر الرقمي، من الضروري أن تتماشى التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع قيم الإنصاف والعدالة.

إن قدرة الذكاء الاصطناعي على تعميق الفجوة بين الجنسين في الهند وباكستان هي تذكير صارخ بالحاجة إلى اليقظة واتخاذ التدابير الاستباقية. إن ضمان ألا يأتي التقدم التكنولوجي على حساب حقوق المرأة وسلامتها مسؤولية جماعية. وبينما نواصل استكشاف الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، دعونا نلتزم باستخدام هذه الأداة القوية لتعزيز عالم أكثر إنصافاً وأماناً لجميع النساء.

* «ذا دبلومات»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

المدير التنفيذي لـ«سيسكو السعودية»: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

الاقتصاد المدير التنفيذي لشركة «سيسكو السعودية» سلمان فقيه (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:37

المدير التنفيذي لـ«سيسكو السعودية»: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

في ظل ما يشهده قطاع التقنية السعودي من تطور، حقَّقت «سيسكو» أداءً قوياً ومتسقاً مع الفرص المتاحة، وقرَّرت مواصلة استثماراتها لدعم جهود السعودية في التحول الرقمي

زينب علي (الرياض)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة
TT

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ابتكر أليكس ويلشكو، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي «أوسمو»، وفريقه نسخة «ألفا» من جهاز خيالي بحجم حقيبة الظهر مزودة بمستشعر شمّ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنتجات المقلدة من خلال تحليل تركيبها الكيميائي.

وأقامت شركة «أوسمو» (Osmo) شراكة مع منصات إعادة بيع الأحذية الرياضية لإظهار أن اختبار الشم عالي التقنية قادر على تحديد المنتجات المزيفة بدرجة عالية من الدقة.

الجزيئات المتطايرة تحدد الرائحة

كل شيء في العالم له رائحة، من الملابس إلى السيارات إلى جسمك. هذه الروائح هي جزيئات متطايرة، أو كيمياء «تطير» من تلك الأشياء وتصل إلى أنوفنا لتخبرنا بالأشياء. ويختبر الإنسان ذلك بوعي ووضوح عندما يكون هناك شيء جديد قرب أنفه، مثل شم سيارة جديدة أو زوج من الأحذية الرياضية. لكن حتى عندما لا تلاحظ الروائح، فإن الجزيئات موجودة دائماً.

رائحة المنتجات المقلَّدة

الأحذية المقلدة لها رائحة مختلفة عن الأحذية الحقيقية. إذ لا تختلف الأحذية الرياضية الأصلية والمقلدة في المواد، فحسب، لكن في التركيب الكيميائي. حتى الآن، اعتمدت شركات مثل «استوكس» (StockX) على اختبارات الشم البشري والفحص البصري لتمييز الأصالة - وهي عملية تتطلب عمالة مكثفة ومكلفة. وتهدف التقنية الجديدة إلى تبسيط العملية.

خريطة تحليل الفوارق اللونية

تدريب الذكاء الاصطناعي على الاختلافات الجزيئية

ووفقاً لويلشكو، درَّب فريقه «الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية للتمييز بين هذه الاختلافات الجزيئية».

وستغير هذه التكنولوجيا كيفية إجراء عمليات التحقق من الأصالة في الصناعات التي تعتمد تقليدياً على التفتيش اليدوي والحدس. وتهدف إلى رقمنة هذه العملية، وإضافة الاتساق والسرعة والدقة.

20 ثانية للتمييز بين المزيف والحقيقي

ويضيف أن آلة «أوسمو» تستغرق الآن نحو 20 ثانية للتمييز بين المنتج المزيف والحقيقي. وقريباً، كما يقول، ستقل الفترة إلى خمس ثوانٍ فقط. وفي النهاية، ستكون فورية تقريباً.

تم بناء أساس التقنية على سنوات من العمل المخبري باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية، كما يصفها ويلشكو، «بحجم غسالة الأطباق»، ويضيف: «تم تصميم أجهزة الاستشعار هذه لتكون حساسة مثل أنف الكلب، وقادرة على اكتشاف أضعف البصمات الكيميائية».

وتعمل هذه المستشعرات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتجمع باستمرار البيانات حول التركيب الكيميائي لكل شيء من البرقوق والخوخ إلى المنتجات المصنعة»، كما يوضح ويلشكو.

خريطة الرائحة الرئيسية

تشكل البيانات التي تم جمعها العمود الفقري لعملية تدريب الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والتي تساعد في إنشاء فهم عالي الدقة للروائح المختلفة ومنحها موقعاً في نظام إحداثيات يسمى خريطة الرائحة الرئيسية.

إذا كنت على دراية بكيفية ترميز ألوان الصورة في الصور الرقمية، فان الطريقة تعمل بشكل مماثل. إذ تقريباً، يتوافق لون البكسل مع مكان على خريطة RGB، وهي نقطة في مساحة ثلاثية الأبعاد بها إحداثيات حمراء وخضراء وزرقاء.

تعمل خريطة الرائحة الرئيسية بشكل مشابه، باستثناء أن الإحداثيات في تلك المساحة تتنبأ بكيفية ورود رائحة مجموعات معينة من الجزيئات في العالم الحقيقي. يقول ويلشكو إن هذه الخريطة هي الصلصة السرية لشركة «أوسمو» لجعل الاختبار ممكناً في الوحدات المحمولة ذات أجهزة استشعار ذات دقة أقل وحساسة تقريباً مثل أنف الإنسان.

من المختبر إلى الأدوات اليومية

يقول ويلشكو إنه في حين أن أجهزة الاستشعار المحمولة أقل حساسية من وحدات المختبر، فإن البيانات المكثفة التي يتم جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار عالية الدقة تجعل من الممكن إجراء اكتشاف فعال للرائحة. مثل الذكاء الاصطناعي لقياس الصورة القادر على استنتاج محتويات الصورة لإنشاء نسخة بدقة أعلى بناءً على مليارات الصور من نموذجه المدرب، فإن هذا يحدث بالطريقة نفسها مع الرائحة. تعدّ هذه القدرة على التكيف أمراً بالغ الأهمية للتطبيقات في العالم الحقيقي، حيث لا يكون نشر جهاز بحجم المختبر ممكناً.

من جهته، يشير روهينتون ميهتا، نائب الرئيس الأول للأجهزة والتصنيع في «أوسمو»، إلى أن مفتاح عملية التعريف لا يتعلق كثيراً بالروائح التي يمكننا إدراكها، لكن بالتركيب الكيميائي للكائن أو الشيء، وما يكمن تحته. ويقول: «الكثير من الأشياء التي نريد البحث عنها والتحقق من صحتها قد لا يكون لها حتى رائحة محسوسة. الأمر أشبه بمحاولة تحليل التركيب الكيميائي».

وهو يصف اختباراً تجريبياً أجرته الشركة مؤخراً مع شركة إعادة بيع أحذية رياضية كبيرة حقق معدل نجاح يزيد على 95 في المائة في التمييز بين الأحذية المزيفة والأحذية الحقيقية.

إلا أن الطريقة لا تعمل إلا مع الأشياء ذات الحجم الكبير، في الوقت الحالي. ولا يمكن للتكنولوجيا التحقق من صحة الأشياء النادرة جداً التي تم صنع ثلاثة منها فقط، مثلاً.

هذا لأنه، كما أخبرني ويلشكو، يتعلم الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات. لكي يتعلم رائحة طراز جديد معين من الأحذية، تحتاج إلى إعطائه نحو 10 أزواج من الأحذية الرياضية الحقيقية. في بعض الأحيان، تكون رائحة البصمة خافتة لدرجة أنه سيحتاج إلى 50 حذاءً رياضياً أصلياً ليتعلم الطراز الجديد.

خلق روائح جديدة

لا يشم مختبر «أوسمو» الأشياء التي صنعها آخرون فحسب، بل يخلق أيضاً روائح جديدة داخل الشركة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات نفسها. أظهر علماء الشركة كيف يعمل هذا بطريقة عملية خلال تجربة أطلقوا عليها اسم مشروع نقل الرائحة. لقد التقطوا رائحة باستخدام مطياف الكتلة للتفريق اللوني الغازي (GCMS)، الذي يحللها إلى مكوناتها الجزيئية ويحمل البيانات إلى السحابة. أصبحت هذه البيانات الملتقطة إحداثيات على خريطة الرائحة الرئيسية. بمجرد رسم الخريطة، يتم توجيه روبوت التركيب في مكان آخر لخلط عناصر مختلفة وفقاً لوصفة الرائحة، وإعادة إنشاء الرائحة الأصلية بشكل فعال.

رائحة مصنّعة لتعريف المنتجات

باستخدام تقنية تصنيع الرائحة نفسها، يتخيل ويلشكو أن «أوسمو» يمكن أن تدمج جزيئات عديمة الرائحة مباشرة في المنتجات بصفتها معرفاتٍ فريدة؛ مما يخلق توقيعاً غير مرئي لن يكون لدى المزورين أي طريقة لاكتشافه أو تكراره. فكر في هذا باعتباره ختماً غير مرئي للأصالة.

وتعمل شركة «أوسمو» على تطوير هذه العلامات الفريدة لتُدمج في مواد مثل الغراء أو حتى في القماش نفسه؛ ما يوفر مؤشراً سرياً لا لبس فيه على الأصالة.

هناك فرصة كبيرة هنا. وكما أخبرني ويلشكو، فإن صناعة الرياضة هي سوق بمليارات الدولارات، حيث أعلنت شركة «نايكي» وحدها عن إيرادات بلغت 60 مليار دولار في العام الماضي. ومع ذلك، تنتشر النسخ المقلدة من منتجاتها على نطاق واسع، حيث أفادت التقارير بأن 20 مليار دولار من السلع المقلدة تقطع هذه الإيرادات. وقد صادرت الجمارك وحماية الحدود الأميركية سلعاً مقلدة بقيمة مليار دولار فقط في العام الماضي في جميع قطاعات الصناعة، وليس فقط السلع الرياضية. ومن الواضح أن تقنية الرائحة هذه يمكن أن تصبح سلاحاً حاسماً لمحاربة المنتجات المقلدة، خصوصاً في أصعب الحالات، حيث تفشل الأساليب التقليدية، مثل فحص العلامات المرئية.

الرائحة هي مفتاح المستقبل

يرى ويلشكو أن النظام جزء من استراتيجية أوسع لرقمنة حاسة الشم - وهو مفهوم بدأ العمل عليه عند عمله في قسم أبحاث «غوغل». إن أساس النظام يكمن في مفهوم يسمى العلاقة بين البنية والرائحة. وتتلخص هذه العلاقة في التنبؤ برائحة الجزيء بناءً على بنيته الكيميائية، وكان مفتاح حل هذه المشكلة هو استخدام الشبكات العصبية البيانية.

إمكانات طبية لرصد الأمراض

إن الإمكانات الطبية لهذه التقنية هي تحويلية بالقدر نفسه. ويتصور ويلشكو أن النظام يمكن استخدامه للكشف المبكر عن الأمراض - مثل السرطان أو السكري أو حتى الحالات العصبية مثل مرض باركنسون - من خلال تحليل التغييرات الدقيقة في رائحة الجسم التي تسبق الأعراض غالباً.

لكنه يقول إنه حذّر بشأن موعد حدوث هذا التقدم؛ لأنه يجب على العلماء أن يحددوا أولاً العلامات الجزيئية لهذه الروائح قبل أن تتمكن الآلة من اكتشاف أمراض مختلفة. وتعمل الشركة بالفعل مع عدد من الباحثين في هذا المجال.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»